حادثة الخطاب
ذهب مستر أترسون بعدئذ في مساء ذلك اليوم إلى دكتور جيكل. أدخله بول وقاده عبر الفناء إلى المختبر. قال بول: «لا يشعر دكتور جيكل أنه على ما يرام اليوم. وهو يؤثر الجلوس في هدوء المختبر.»
سأل أترسون: «هل أنت متأكد من أنه على استعداد أن يلتقي زوارًا؟» فنادرًا ما كان جيكل يقابل أحدًا في تلك الأيام، وقد اندهش المحامي من أنه سيراه وهو مريض.
أجاب بول: «لقد أخبرني دكتور جيكل أنه إذا عرجت عليه، فلا بد أن أقودك إليه في الحال، أما أي شخص آخر سواك فلا بد أن أصرفه.»
لم ينهض دكتور جيكل كي يستقبل زائره، وإنما ظل جالسًا بجانب المدفأة يبدو مريضًا للغاية.
قال أترسون ما إن تركهما بول: «لقد سمعت الخبر.»
ارتجف الطبيب وقال: «كان أول شيء تناهى إلى مسامعي هذا الصباح، وقد شاع في كل أنحاء لندن.» أغمض جيكل عينيه هنيهة ثم استرسل قائلًا: «جاءت الشرطة هذا الصباح لتسأل ماذا أعرف عن هايد.»
قال أترسون: «أنا أسألك هذا السؤال بصفتي محاميك وصديقك. أنت لست مجنونًا حتى تتستر عليه، أليس كذلك؟»
قال جيكل: «أترسون، أقسم بالله.» ثم بكى واسترسل: «أقسم بالله إنني لن أرى هايد مرة أخرى. لقد انتهى كل شيء. وحتى أكون أمينًا، هو ليس في حاجة إلى مساعدتي. أنت لا تعرفه كما أعرفه أنا يا أترسون. انتبه إلى ما أقوله: لن تأتي أي أخبار منه مرة أخرى.»
قال أترسون: «تبدو واثقًا للغاية. أتمنى أن تكون على صواب. من واجبي أن أنبهك أنه إذا عُقدت محاكمة، فسيُزج باسمك فيها.»
نكس دكتور جيكل رأسه. وقد اغرورقت عيناه بالدموع وهو يقول: «أنا واثق بشدة من أنه رحل. لقد تسلمت خطابًا منه، ولا أعرف هل يجدر بي أن أسلمه للشرطة. أؤثر أن أتركه لك وأدعك تقرر ماذا تفعل به. أنا أثق بك تمامًا.»
سأل أترسون: «هل يستبد بك القلق من أن يكشف الخطاب عن مكان هايد؟» إذ حيره سبب تفكير جيكل في إخفاء الدليل، هل كان لا يزال يتستر على هايد؟
رد جيكل: «لا، لا أكترث لمصير هايد الآن. لقد قطعت علاقتي به تمامًا.»
انزعج أترسون بشدة من تصرف صديقه حتى إنه بدا مستاءً للغاية. لقد كان لمقتل سير دانفرز وقع بالغ على الدكتور جيكل. لا بد أنه يشعر بالذنب لأنه هو من جلب هايد إلى هذه المنطقة. قال أترسون: «ربما يجدر بك أن تريني الخطاب.»
كان الخطاب مكتوبًا باليد بحروف مستقيمة غريبة، وبدا الخط حادًّا وسيئًا. كان مكتوبًا ببساطة ووضوح أن دكتور جيكل، ولي نعمته العطوف، لا ينبغي أن يقلق لأنه هرب. لقد رحل عن المدينة ولن يرجع ثانية. أثلجت الرسالة صدر أترسون للغاية، فيا له من أمر باعث على الراحة أن يعرف أن هايد قد رحل! قال أترسون: «هل لي أن أرى المظروف؟»
أجاب جيكل: «لقد حرقته. فقد كنت مشوش التفكير، ومع ذلك هذا ليس بالشيء المهم، إذ لم يكن هناك ختم بريدي. ما كانت الشرطة لتقتفي أثره. لقد سُلمت الرسالة باليد صبيحة اليوم.»
سأل أترسون: «هل لي أن أحتفظ بهذا الخطاب وأفكر ماذا سأفعل؟»
أمسك جيكل رأسه بيده وقال: «أنا أترك الأمر برمته لك. لقد فقدت الثقة في قدرتي على الحكم على الأمور.»
قال أترسون: «أخبرني يا جيكل: هل كانت الشروط الغريبة المنصوص عليها في وصيتك التي تجعل من هايد الوريث الوحيد لكل ثروتك في حال الموت أو الاختفاء، هي جميعها من بنات أفكاره؟»
هزّ جيكل رأسه بتؤدة.
تعجب أترسون قائلًا: «كنت متأكدًا! لقد قصد أن يقتلك.»
هزّ جيكل رأسه مرة أخرى وقال: «الأمر ليس كذلك يا أترسون. لا يمكنني أن أشرحه لك، لقد كان أمرًا بيني وبين هايد، لا يمكن أن يعرفه أحد غيرنا. ولن يعلمه أي إنسان آخر البتة. لكنني تعلمت درسًا! ويا له من درس!» ثم وضع رأسه بين يديه مرة أخرى وبكى.
قال أترسون بنبرة رقيقة إذ لم يشأ أن يزعج صديقه أكثر من ذلك: «ثمة شيء آخر يا جيكل؛ هل لديك أدنى فكرة عن سبب ارتكاب هايد لجريمته؟ هل كان هذا بغرض السرقة أم أن لديه أسبابًا أخرى؟»
لم يرفع جيكل رأسه من بين يديه وقال بصوت مكتوم: «لا، ليس لدي أدنى فكرة.»
فيما كان أترسون في طريقه للخارج وقف ليتحدث إلى بول: «لقد جاء خطاب اليوم، صف لي شكل الرسول الذي سلمه؟ أود أن أعثر على الشخص الذي سلمه.»
أجاب بول: «أنا متأسف سيدي، لم نتسلم أي مراسلات اليوم.»
اندهش أترسون مما سمع. لا بد أن الخطاب جاء عن طريق باب المختبر الذي اعتاد هايد أن يستخدمه. من الغريب أن يجيب جيكل الباب بنفسه وهو في هذه الحالة الذهنية. ذكر الطبيب أنه تسلم الخطاب بعد زيارة الشرطة له. لعل الرسالة كُتبت في المكتب، إن كان الأمر كذلك، فهذا يعني أن هايد كان بمعية جيكل عندما كتبها. لكن هذا قد يعني أن جيكل كذب عليه. إذا كان جيكل راغبًا في أن يضع ثقته بالمحامي في أمر الرسالة، لماذا لا يضع ثقته به بقول الحقيقة؟ ترك أترسون منزل جيكل وهو في حيرة من أمره ممتلئًا بالمخاوف.