الميكروبات في الزراعة والتكنولوجيا الحيوية
الآليات الطبيعية التي تتحكَّم في خصوبة التربة قاصرةٌ عن أن تؤديَ بمفردها مهمةَ دعم الزراعة المكثَّفة الحديثة، والكثافة السكانية التي من المرجَّح أن تتجاوز تِسعةَ مليارات عام ٢٠٥٠. فالتربة التي تنكشفُ بفعل إزالة الغابات تفتقر إلى التركيب الماديِّ والتكوين الكيميائي وجماعات الميكروبات الأصلية اللازمة لزراعة محاصيلَ متعاقبة من الحبوب وغيرها من المحاصيل الغذائية. وبالمثل، فإن الرعي المكثَّف للماشية على هذه الأراضي التي أُزيلت أشجارُها هو ممارسةٌ غير مستدامة. فحتى في المناطق التي تكون فيها التربةُ غنيةً جدًّا بالعناصر، تنخفض إنتاجية الأرض من المحاصيل إذا لم تُحسَّن التربةُ بالموادِّ العضوية والمخصبات غير العضوية. تنتج الشركات العالمية للكيماويات الزراعية في يومنا هذا ٢٫٤ مليار طنٍّ من الحبوب (أكثر من ٣٠٠ كيلوجرام لكل فرد) و٥٠٠ مليون طن من الحبوب التي تُستخرَج منها الزيوت. تعتمد هذه الصناعةُ على البترول والغاز الطبيعي اللذَين يُستخدَمان لتدوير الآلات الزراعية، وتوفير الطاقة اللازمة لإنتاج المخصبات، ويُستخدمان كموادَّ خام لتصنيع المبيدات الحشرية. أدَّت تكلفةُ هذه الممارسات الزراعية ومساهمتها في تغيُّر المناخ إلى تحفيز الأبحاث في مجالِ علم الأحياء الدقيقة التطبيقي لتحسين خصوبة التربة ومكافحة أمراض النباتات. الأبحاث حول الميكروبات هي أيضًا من الأدوات الفعَّالة في تطوير الأطعمة المعدَّلة وراثيًّا. سنتناول هذه المبادرات في هذا الفصل قبل أن نتطرقَ إلى استخدام الكائنات الحية الدقيقة على نطاقٍ أوسع في مجال التكنولوجيا الحيوية وأهميتها طويلةِ المدى في صناعة المخبوزات وتخمير الجِعَة، وإنتاج أطعمةٍ أخرى.
في حين أنه توجد مقاومةٌ لزراعة الأطعمة المعدَّلة وراثيًّا في أوروبا، يدخل جينُ السم العصوي التورنجي في أكثرَ من ٧٥ بالمائة من الذرة الصفراء والقطن المزروعَين في الولايات المتحدة الأمريكية. التعقيدات المرتبطة بإدخال السموم العصَوية التورنجية تتضمن تطوُّرَ الآفات الحشرية المقاوِمةِ للسموم العصوية التورنجية، والتغيرات الواضحة التي قد تحدث لميكروبيوم التربة، والشكوك حول احتمال تدمير أنواع الحشرات غير المستهدَفة. من المخاوف أيضًا احتماليةُ تراكم السموم العصوية التورنجية في التربة؛ لأن هذا قد يُدمر لا فقارياتِ التربة. تتمثلُ إحدى الميزات المحتملة لهذه التقنية في أن الفلاحين الذين يزرعون محاصيلَ معدَّلةً وِراثيًّا سيتمكَّنون من استخدام كمياتٍ أقلَّ من المبيدات الحشرية، إلا أن بعض الدراسات أوضحَت أن هذا لم يحدث. ولا يزال الغموض يكتنف الكثيرَ من البيانات الحالية التي قد تُساعدنا في البتِّ في هذه المشكلات.
يُعد استخدام المضادات الحيوية بهدفِ زيادة إنتاج اللحوم ومنتجات الألبان؛ موضوعًا آخرَ مثيرًا للجدل في مجال علم الأحياء الدقيقة الزراعي. يرجع نصفُ استخدام المضادات الحيوية جميعِها إلى الأنشطة الزراعية، ومعظمها يُستهلَك في رَعْي الماشية في أنظمة التربية المكثَّفة للحيوانات. تتلقَّى الأبقار والخنازير والدواجنُ المضادات الحيوية في طعامها باعتبارها إجراءً وقائيًّا من الأمراض، وليس علاجًا لعدوى نشطة. وقد حفَّزَت حقيقة أن المضادات الحيوية تُعزز النمو الحيواني، وتُقلل من جماعات البكتيريا الضارَّة الموجودة على منتجات اللحوم، من الاستخدام الروتينيِّ المتواصل لهذه المضادات الحيوية. المشكلة المحتملة لهذه العادة، بالإضافة إلى مشكلة الإفراط في وصفِ المضادات الحيوية بواسطة الأطباء، هي أنها قد تَزيد من تطور سُلالات مقاوِمة للمضادات الحيوية من السالمونيلا والبكتيريا العنقودية، وبكتيريا الإيشيرشيا كولاي وغيرها من أنواع البكتيريا الأخرى. إضافة المضادات الحيوية في طعام الحيوانات محظورةٌ في الاتحاد الأوروبي، وقد تجبر التشريعاتُ المستقبليةُ المزارعين الأمريكيِّين على أن يَحْذوا حَذْو دول الاتحاد الأوروبي. سلَّطَت التقاريرُ حول الاحتمالات العالمية لتطوُّر البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية؛ الضوءَ على النطاق الهائل لتربية الخنازير في الصين، والاستخدامات بدون ضوابط للمضادات الحيوية في هذا المجال.
ثَمة مُفارقة ساخرةٌ ملحوظة في علاقتنا بالمضادات الحيوية. فعلى مدى التاريخ، ابتُلي البشر بالأمراض المعدية، وكان علاجُ هذه الأمراض باستخدام المضادات الحيوية أحدَ الانتصارات الفارقة في الطب الحديث. أما من الجانب السلبي، فقد تَسبَّب الإفراطُ في استخدام هذه المركبات في تهديدٍ غير مسبوق للحضارة. قد يكون من غير المعقول أن نقول إن الدواء أسوأُ من الداء، لكن هذا قد يكون حُكمَ الأجيال القادمة المهدَّدة بوجودِ كائنات حية دقيقة خبيثة محصَّنة ضد أدويتنا.
يقلُّ الغموض عندما نفكر في أثر المنتجات الدوائية التي تُصنَّع عن طريق الكائنات الحية الدقيقة. تُنتج البكتيريا المعدلة وراثيًّا الأنسولين وغيره من الهرمونات البشرية، والبروتينات التي تعزز تجلُّط الدم وأخرى لتذويب الجلطات، وإنزيمات تُستخدم لعلاج أعراض التليُّف الكيسي، والعوامل المستخدمة لعلاج العديد من حالات التصلُّب والعدوى الفيروسية وبعض السرطانات. لإنتاج هذه البروتينات البشرية في البكتيريا؛ يتعيَّن على خبراء الهندسة الوراثية إعادةُ صياغة الجين البشري، بحيث يتوافق مع تخليق البروتينات في العائل البكتيري. المشكلة في الجينات البشرية، وجينات حقيقيَّات النواة كلِّها، هي أنها مفصولةٌ بتتابعات غير مشفِّرة تُسمى الإنترونات (انظر الفصل الثالث). عند نَسْخ الجينات في الخلايا حقيقية النواة، تُزال التتابعات المشتقة من الإنترونات (عن طريق عملية التوصيل أو إزالة الإنترونات) من الصورة الناضجة من جزيئات الحمض النووي الريبوزي الرسول قبل أن تُتَرجَم إلى بروتينات. نظرًا إلى أن البكتيريا تفتقرُ إلى آلية إزالة الإنترونات؛ لا بد أن تُزال الإنترونات من الجينات المهندَسة وراثيًّا. يتم ذلك من خلال استخدام خلايا إم آر إن إيه ناضجةٍ من خلايا بشرية؛ لإنشاء نسخة دي إن إيه لا تحتوي على إنترونات، أو من خلال تخليقِ دي إن إيه من البداية بناءً على التتابع المعروف للجين. وفي أيٍّ من الحالتين، يُدخَل الدي إن إيه، الذي يُشار إليه بالدي إن إيه المكمل (سي دي إن إيه) في البلازميد الذي يُدمج في البكتيريا.
تُستخدم الفيروسات «الحية» في عددٍ من طرق العلاج الجيني التجريبية للأمراض الخطيرة التي تُسببها الطفرات في الجينوم البشري. دُرست طريقتان لذلك. تتضمَّن الطريقة الأولى إصابة المريض بالفيروس الذي يُمثل عاملًا يحمل الجين المصحح إلى كل خلية يُصيبها. في الطريقة الثانية، تُعزل الخلايا من المريض، وتحوَّل باستخدام فيروس أو بلازميد، وتُستزرَع في المختبر، ثم يُعاد إدخالها إلى المريض. اختِيرَت الفيروسات القهقرية والفيروسات الغدانية لمعظم التجارِب. تُدخِل الفيروسات القهقرية الجينات في كروموسومات المريض، بينما تُدخِل الفيروسات الغدانية الجيناتِ في نواةِ خلية العائل دون دمج المادة الوراثية الغريبة في الكروموسومات. يدور الكثيرُ من الجدل حول طرق العلاج هذه، وقد اعتُبرت المحاولات الأولى لإدخال النُّسخ المصحَّحة من الجينات إلى أجسام المرضى غيرَ ناجحة. تتضمَّن مشكلات العلاج بالجين الفيروسي ردودَ الفعل المناعية تجاه العوامل الفيروسية، وإصابة الفيروس للخلايا الخاطئة، وتحفيز الأورام الناتجة عن اضطراب جينوم العائل. ومع ذلك، تتطوَّر هذه التقنية سريعًا، وتبدو الدراسات حديثة العهد، التي تستخدم العلاج الفيروسي لعلاج كلٍّ من الثلاسيميا والهيموفيليا وبعضِ أشكال سرطان الدم وأمراض المناعة الذاتية، واعدة.
تُعد بكتيريا الإيشيرشيا كولاي الميكروب الأكثرَ شيوعًا الذي يُستخدم لتخليق البروتينات البشرية، لكن السلالات المعدَّلة وراثيًّا من خميرة الجعة قيمة للغاية أيضًا. نظرًا إلى كون الخميرة من حقيقيَّات النواة، فإنها تتضمن آليةَ إزالة الإنترونات اللازمة للتعبير عن الجينات البشرية دون الحاجة إلى إزالة الإنترونات مسبقًا. تُستخدم أنواعٌ أخرى من البكتيريا والفطريات أيضًا في مجال الهندسة الوراثية. تُنتَج البروتينات، بواسطة الكائنات الدقيقة المُعادِ تركيبُها جينيًّا، في خزَّانات تخمير مزوَّدةٍ بخفَّاق يتم فيها تلقيح وسط الزراعة المعقَّم، وتهويتُه وتقليبه ومراقبته من خلال أجهزة استشعار، ويُسخَّن أو يُبرَّد، ويزوَّد بموادَّ إضافية. تُصنَّع خزانات التخمير أو المفاعلات الحيوية من الفولاذ المقاوِم للصدأ؛ لتجنُّب التآكل وانتقال المعادن السامة إلى الوسط. الزراعة الوجيبية أو المحدودة والزراعة المستمرة هما طريقتان تُستخدَمان لإنتاج الأنسولين وغيرِها من العقاقير. في حالة الزراعة الوجيبية، يقلُّ مستوى المغذِّيات كلما زادت كثافة الخلايا، ثم تتوقَّف العملية لحصد النواتج. أما الزراعة المستمرة، فتسمح لعاملِ التشغيل بالحفاظ على الظروف المثلى للتخمُّر عدةَ أسابيع من خلال حَقْن المغذيات خلال دوراتٍ متكرِّرة. يمكن حصدُ نواتج التخمُّر مِرارًا وتَكرارًا أو باستمرار؛ باستخدام هذه الطريقة. (بالإضافة إلى استخدام التخمُّر للإشارة إلى التحوُّل اللاهوائي للسكريات إلى إيثانول، يُستخدم المصطلح على نطاقٍ أوسع لوصف أيٍّ من التحولات «الصناعية» التي تُجرى بواسطة الكائنات الحية الدقيقة.) يُطلق على المفاعلات الحيوية، التي تحافظ على ظروف النمو المُثلى للكائنات الحية الدقيقة المزروعة، من خلال الإزالة المستمرَّة لسائل الزراعة المستهلَك وإضافة وسط جديد، اسمُ «المفاعلات الكيميائية الناظمة».
يُصنَّع النبيذ وخمرُ التفاح من عصائر النباتات السكرية، كما تُصنع الجعة من مواد النباتات النشوية التي يُحوَّل النشا فيها إلى سكَّريات قبل التخمُّر لإنتاج الكحول. يُخمَّر النبيذ الأحمر من العنب الذي له قشرةٌ خارجية حمراءُ أو أرجوانية أو سوداء؛ إذ تعمل أصباغ الفينول الخاصة بها على إعطاء النبيذ لونه. يتضمَّن تخمير النبيذ الأحمر قشور العنب الخارجية والبذور. ويُصنع النبيذ الأبيض من عصير العنب دون استخدام القشرة الخارجية. معظم النبيذ الأبيض يُنتَج من العنب الأبيض، لكن العنب الداكن يُستخدم أيضًا لصناعة القليل من أنواع النبيذ الأبيض؛ لأن الصبغة تُزال مع القشرة الخارجية. يؤدي سحقُ العنب المقطوف إلى الحصول على العصير، ويخمر العصير في براميل أو أحواضٍ مفتوحة أو أجهزةِ تخمير صناعية. يُجرى التخمير في صناعة النبيذ التقليدية عن طريق الخمائر البرِّية التي تُنقَل إلى عصير العنب من المعدات في المخمرة، أو من البيئة المحيطة. من المرجح أن العديد من صُناع الخمور في الوقت الحاليِّ يُدخِلون سُلالات معينةً من الخمائر إلى عصير العنب. تنمو خميرةُ الجِعَة إلى أن يصبح محتوى الكحول من ١٠ إلى ١٢ بالمائة، والتركيز المتبقِّي من السكريات هو ما يُحدد مستوى حلاوة النبيذ. بعد هذه المرحلة من التخمُّر، يُنقل النبيذ إلى براميل كبيرة كي ينضج ويُخزَّن.
في مرحلة التخمير، وهي المرحلة الأولى من مراحل تصنيع الجعة، تُنقع حبوب الشعير في الماء وتُترَك كي تنبت. بعد أن تُحلِّل الإنزيمات الموجودة في الحبوب البروتينات والنشا لتكوين الأحماض الأمينية والسكريات، يُجفَّف الشعير المستنبَت ببخارٍ ساخن في أفرانٍ خاصة لإنتاج المولت. بعد التجفيف في الفرن، يُجرش المولت إلى أن يُصبح طحينًا خشنًا ويُخلط بالماء الدافئ لتكوين هريس. في الخطوة الأخيرة التي لا تتضمَّن ميكروبات في عملية تصنيع الجعة، تنفصل الأجزاء الصُّلبة عن الهريس، تاركةً نقيعَ المولت السكري الذي يتخمَّر بواسطة الخمائر. تُضاف الزهور الإناثُ المجففة من نبات الجنجل الشائع إلى نقيع المولت ويُغلى الخليط لتشويه الإنزيمات وإضافة نكهة. تُزال بقايا نبات الجنجل، ويُهَوَّى الخليط البارد لتحفيز نموِّ الخمائر، ويحدث التخمُّر في خزَّانات مفتوحة وفي خزانات تخمير مغلقة من الفولاذ. لتصنيع جِعَة المزر، تختلط سُلالات من الخمائر المسئولة عن التخمُّر السطحي بنقيع المولت، وتتراكم مكوِّنةً رغوةً بيضاء تتجمَّع على السطح. تستقرُّ الخمائر المسئولة عن التخمُّر، المستخدَمة في جعة الليجر، في قاع البرميل أو الحوض. تنخفض مستويات الأكسجين خلال كِلا نوعَي التخمُّر، وتحول الخميرة السكريات إلى كحول في ظلِّ ظروفٍ لا هوائية مع زيادةٍ محدودة في الكتلة الحيوية.
تُستخدم خميرة الجِعة أيضًا لتخمير العجين لصناعة الخبز والأنواع الأخرى من المخبوزات. استخدم الرومان خميرةً مسئولة عن التخمُّر السطحي، مأخوذةً من مصانع الجعة لصناعة الخبز، وقد استمرَّت هذه الممارسة خلال القرن التاسعَ عشر. تُصنَّع الأشكال المركَّزة من سلالات الخميرة المفردة في الوقت الحاليِّ من أجل صناعة الخمائر والخبز في المنزل. تُحضَّر هذه الخمائر من خلال تخمُّر المولاس في ظل ظروفٍ هوائية لتعزيز التنفُّس وتراكم الكتلة الحيوية. (عكس عملية صناعة الجعة.) يُحفَّز تخليق سكر الكحول «تريهالوز» في ظلِّ هذه الظروف، ويعمل هذا المركب على حماية خلايا الخميرة عندما تُجفف بالتجميد. يتشكَّل سائلٌ مكثف من الخميرة، يُطلق عليه كريمة الخميرة، ويُستخدَم في المخابز الكبرى. تُحضر العجينة من خلال خلطِ الماء والخميرة والملح، وتعمل إنزيمات الأميليز في العجينة على تفكيك النشا؛ لتكوين السكريات التي تتخمَّر بواسطة الخميرة، ويمكن إضافة مكوِّنات أخرى قبل خلط مكونات العجينة (عَجْنها)، ويستمر التخمر بإطلاق ثاني أكسيد الكربون الذي يُسبب ارتفاع العجينة. تُقتل الخميرة عن طريق الإيثانول الذي يُنتج خلال التخمر ويتبخَّر عندما يُخبَز الخبز.
تُنتج الفطريات الإيثانول ليكون مصدرًا للوقود الحيوي من خلال تخمُّر السكريات المستخرَجة من قصب السكَّر والذرة، وغيرِها من المحاصيل. في البرازيل، يُستخرج العصير من قصب السكر، ويُركَّز لإنتاج شرابٍ غنيٍّ بالسكَروز، أو المولاس، الذي يُخمَّر بواسطة الخميرة. بعد استخلاص العصير، تُحرَق الألياف المتبقية بصفتها وقودًا لهذه العملية الصناعية. يُعد إيثانول الذرة من أشكال الوقود الحيوي الأقلِّ فعالية في الولايات المتحدة الأمريكية. ويرجع ذلك إلى أن الذرة غنيةٌ بالنشا، كما أن حبات الذرة تُعالج باستخدام إنزيمات مُنَقَّاة لإطلاق السكريات المُخمَّرة. ويُعد الجيل الثاني من إنتاج الوقود الحيوي من قشِّ الأرز، وغيره من المواد النباتية التي تحتوي على اللجنين والسليلوز، من التقنيات الناشئة. تخضع كلٌّ من البكتيريا الزرقاء والطحالب الخضراء حقيقية النواة والدياتومات للبحث والدراسة، باعتبارها مصادرَ محتملة للوقود الحيوي. السبب المنطقي وراء استخدام الكائنات الحية الدقيقة ضوئية التغذية لتوليد الوقود؛ هو أن نسبةً كبيرة من الكتلة الحيوية لهذه الخلايا مخزَّنةٌ في صورة زيوت يمكن تنقيتها لتصبح وقودَ ديزل، أو وقودَ محرِّكاتٍ نفَّاثة.
ثَمة اهتمامٌ كبير باستغلال الأنشطة الكيميائية الحيوية للبكتيريا والفطريات؛ لنزع سُميَّة التربة والماء الملوثَين بالزرنيخ والمعادن الأخرى، ولعلاج البيئات الملوثة بالهيدروكربونات الناتجة عن صناعات النفط والغاز، ولتحليل الموادِّ الكيميائية المصنَّعة التي تُشكل خطرًا على صحة الإنسان. هذا الموضوع البحثي يُسمى العلاج الحيوي. أثبتَت الفطريات الجذرية فعاليتها في تجميع المعادن السامة، بما في ذلك العناصر المشعَّة من التربة. إحدى طرق الاستفادة من قدرة مستعمرات الفطريات الكبيرة على الامتصاص هي زراعة أشجار في المناطق الملوثة، والسماح لها باختيار الفطريات الجذرية الشريكة من ميكروبيوم التربة. أو يمكن تلقيحُ جذور الشتلات بفطرياتٍ محددة قبل زراعتها.
تلوث الغلاف الحيوي، بطرقٍ تَضُر البشرَ والكائنات الحية، نتيجةٌ طبيعية للأنشطة الصناعية والزراعية. كما تُعتبر العلاقة بين استهلاك الوقود الحفري والتغيُّر المناخي من المشكلات الأكثر إلحاحًا من منظور صلاحية الحياة على كوكب الأرض على المدى الطويل. من خلال إزالة السموم من التربة والماء، وامتصاص ثاني أكسيد الكربون، تعمل الكائنات الحية الدقيقة بوصفها حواجزَ مَنيعة لمواجهةِ تزايد عدد السكان وما يترتب عليه من تدهورٍ للموارد الطبيعية. ومع ذلك، توجد حدود لقدرة البكتيريا والعتائق والميكروبات حقيقية النواة على الحفاظ على الاتزان الكيميائي الداخلي في المحيط الحيوي. سنُدرك هذا، على الأقل بعد فوات الأوان، عندما يتجاوز التلوثُ قدرةَ الميكروبات على تطهير التربة والماء والهواء بطريقةٍ تجعل مستقبلنا غيرَ موثوق فيه.
في الوقت نفسِه، يزداد تقديرنا لهيمنة الميكروبات على المحيط الحيوي. توضح الاستكشافات الميتاجينومية للموائل البيئية الأرضية والمائية أعدادًا مذهلة من الكائنات الحية الدقيقة، بما في ذلك الأكثرية المذهلة للفيروسات في كلِّ مكان نبحث عنها فيه. لقد تعرَّفنا على «عوالم» خفيةٍ من البكتيريا تعيش في الرواسبِ العميقة، وتزدهر في بيئات أخرى كانت تُعتبَر فيما مضى بيئاتٍ يتعذَّر على أي كائن حي أن يعيش فيها. وبالتركيز على أنفسنا، تمنحُنا الاكتشافاتُ الحديثة حول الميكروبيوم البشري صورةً جديدة ومُلهِمة حول الإنسان العاقل باعتباره نظامًا بيئيًّا متعددَ الأوجه، ينتمي إلى البكتيريا من حيث عددُ الخلايا أكثرَ من انتمائه إلى الحيوانات. كلٌّ منا يُشارك في علاقات تكافل مبهرة، فقد وُلِدنا مُحاطين بالكائنات الدقيقة وستلتهمُنا وتُحللنا في النهاية. فالميكروبات موجودةٌ في كل مكان وستبقى بعد أن نزول.