الفصل الثاني
المنظر: غرفة جلوس هوارد نوكس؛ خافتة
الإضاءة.
الوقت: الساعة الثامنة مساءً.
المدخل من الردهة يُوجد على الجانب إلى اليمين. في
الخلف على اليمين يوجد بابٌ مغلق يُفضي إلى غرفة لا تتبع غرفة نوكس. في
المنتصف جهة الخلف توجد مدفأة. على جهة اليسار في الخلف يوجد باب يقود
إلى غرفة نوم نوكس. على يسار المسرح توجد نوافذ تطلُّ على الشارع. بقرب
هذه النوافذ توجد طاولةُ مكتبةٍ كبيرة تناثرت عليها الكتب والمجلات
والتقارير الحكومية وغير ذلك. إلى اليمين من المنتصَف، في مُنتصَف
الطريق جهة الأمام يوجد مكتبٌ مسطَّح. وعلى المكتب هاتف. وخلف المكتب —
بحيث يواجه الجالس عليه الجمهور — مقعد مكتب دوار. على المكتب أيضًا
توجد خطابات في مظاريفها، وغير ذلك. وأمام المساحات الخالية من الحائط
توجد أرفف كتب وخزائن حفظ الملفات. وتجدر الإشارة إلى أرفف كتب تحتوي
على كتبٍ كبيرة، لا يزيد ارتفاعها عن خمسة أقدام، وتقع مقابل الحائط
بين المدفأة والباب المؤدِّي إلى غرفة النوم.
يُفتح الستار على المسرح الخالي من الأشخاص.
(بعد برهة قصيرة، يهتزُّ الباب الموجود في الجزء
الخلفي من جهة اليمين ويَضطرب. وبعد برهة أخرى، يُفتح الباب للداخل على
خشبة المسرح. يظهر رأس رجل وهو يتلفَّت وينظر حوله بحذر.)
(يدخل رجل ويُضيء النور ويتبعه رجلٌ ثانٍ. كلاهما
يرتدي ملابس مقبولة، بزَّات عمل قديمة الطراز وذات ياقات وأساور
منشَّاة، وغير ذلك. رجلان أنيقان ماهران وحازمان.)
(يدخل في إثرهما هوبارد. ينظر في أرجاء الغرفة،
يسير إلى المكتب ويلتقط خطابًا ويقرأ عنوانه.)
هوبارد
:
هذه غرفة نوكس بالفعل.
الرجل الأول
:
ثِق بنا في ذلك يا سيدي.
الرجل الثاني
:
كنَّا محظوظين أن الرجل ذا السوالف لم يَنتقل من تلك الغرفة
الأخرى المُجاورة إلا بعد ظهر اليوم.
الرجل الأول
:
لم يكن مفتاحه قد نزل إلى الاستقبال حين أخذته.
هوبارد
:
حسنًا، اشرعا في العمل. لا بد أن هذه هي غرفة نومه.
(يتَّجه نحو باب غرفة النوم ويفتحه وينظر
داخلها، يضيء الأنوار في الغرفة، ثم يطفئها ويعود إلى
الرجلَين.)
تعرفون ما تبحثون عنه؛ مجموعة من الوثائق والخطابات. إذا
وجدناها فسينال كلٌّ منكما خمسمائة دولار كاملة، بالإضافة إلى
الراتب المعتاد.
(أثناء المحادثة ينهمك الرجال الثلاثة في البحث
الدقيق في المكتب والأدراج وخزائن الملفات والكتب وغيرها.)
الرجل الثاني
:
لا بد أن ستاركويذر العجوز يريدها بشدة.
هوبارد
:
صهٍ. لا تهمس حتى باسمه.
الرجل الثاني
:
إنه سامي المقام للغاية، أليس كذلك؟
الرجل الأول
:
لم يسبق لي قط أن تلقَّيت منه التعليمات مباشرة، وأنا أعمل
معه لفترة أطول منك.
الرجل الثاني
:
أجل، أنت عملتَ معه لأكثر من عامَين قبل أن تعرف مَن الذي
يُوظفك.
هوبارد
(متحدِّثًا إلى الرجل الأول)
:
من الأفضل أن تخرج إلى الصالة وتترقَّب وصول نوكس. قد يأتي
في أيِّ وقت.
(يُخرج الرجل الأول مفاتيح عمومية ويذهب نحو
الباب إلى اليمين. يَفتحه بأول مفتاح يضعه فيه. يخرج من المكان
ويترك الباب مواربًا خلفه.)
(يدق جرس الهاتف الموجود على المكتب ويجفل
هوبارد من صوته.)
الرجل الثاني
(يَبتسم من فزع هوبارد)
:
إنه جرس الهاتف فحسب.
هوبارد
(يتابع البحث)
:
أعتقد أنك أديت الكثير من المهام لصالح ستارك …
الرجل الثاني
(مقلدًا هوبارد)
:
صهٍ. لا تهمس باسمه.
(يدقُّ الهاتف مرارًا وتكرارًا،
وبإلحاح.)
هوبارد
(يردُّ على الهاتف مُغيِّرًا صوته)
:
مرحبًا … نعم.
(تبدو عليه المفاجأة، ويبدو أنه تَعرَّف
على صاحب الصوت، فيبتسم بفطنة.)
كلا، لستُ نوكس. يبدو أنك أخطأت. الرقم غير صحيح …
(يضع السماعة ثم يتحدث إلى الرجل الثاني
بصوته الطبيعي)
لقد أغلقَت الخط بسرعة.
الرجل الثاني
:
يبدو أنك تعرفها.
هوبارد
:
لا، إنما ظننتُ أني أعرفها.
(يتوقَّفان عن الحديث بينما يُواصلان
البحث.)
الرجل الثاني
:
لم أتكلم بكلمةٍ واحدة مع سيادته طوال حياتي. رغم أنَّني
أتلقى راتبي منه طيلة سنوات أيضًا.
هوبارد
:
وما المشكلة في ذلك؟
الرجل الثاني
(متبرمًا)
:
إنه لا يعرف حتى بوجودي.
هوبارد
(يسحب درج مكتب ويتفحَّص محتوياته)
:
لكن الراتب جيد، أليس كذلك؟
الرجل الثاني
:
نعم بالتأكيد، لكني أعتقد أنني أستحق كل سنت منه.
(يدخل الرجل الأول عبر باب على جهة اليمين.
يتحرك بسرعة لكن بحذر. يغلق الباب خلفه، لكنه يَغفل عن إعادة
إيصاده بالمفتاح.)
الرجل الأول
:
ثمة من غادر المصعد للتوِّ وهو قادم عبر الردهة.
(يُهرع هوبارد والرجل الأول والثاني نحو الباب
في الخلف من جهة اليمين.)
(يتوقف الرجل الأول وينظر في أرجاء المكان ليرى
إن كانت الغرفة مرتبة أم لا. يرى درج المكتب الذي أهمل هوبارد
إغلاقه ويعود ويغلقه.)
(يخرج هوبارد والرجل الثاني.)
(يُطفئ الرجل الأول إضاءة الغرفة
ويخرج.)
(يُسمع صوت إغلاق الباب.)
(برهة صمت.)
(طرقات على الباب جهة اليمين. صمت. ثم يُفتح
الباب ويدخل جيفورد. يضيء الأنوار، يتجول في الغرفة، ينظر إلى
ساعته ويجلس على مقعد بالقرب من يمين المدفأة.)
(يُسمع صوت مفتاح في قفل الباب إلى
اليمين.)
(يُفتح الباب ويدخل نوكس، مفتاحه في يده. ويرى
جيفورد بالداخل.)
نوكس
(يتقدم ليصافح جيفورد عند المدفأة)
:
كيف دخلت إلى الغرفة؟
جيفورد
:
سمحتُ لنفسي بالدخول. كان الباب مفتوحًا.
نوكس
:
لا بد أنني نسيتُه مفتوحًا.
جيفورد
(يسحب حزمة من الوثائق من داخل جيب صدر
معطفِه ويناولها إلى نوكس)
:
إليك الوثائق.
نوكس
(يتحسَّسها بإصبعه بفضول)
:
هل أنت متأكد أنها أصلية؟
(يومئ جيفورد.)
لا يمكن أن أجازف بأي خطأ كما تعلم. قد يُغير جيرست رأيه بعد
إلقائي الخطاب ويرفض الكشف عن الأصول؛ أمور مثل هذه حدثت من
قبلُ.
جيفورد
:
هذا ما قلته له. وقد كان مُصرًّا على إعطائي نسخًا بديلة من
الأوراق، ولبعض الوقت بدا أن رحلتي لنيويورك ضاعت سدًى.
لكنَّني تمسكت بموقفي. قلت له إما أن آخذ الأوراق الأصلية أو
لن يكون ثمَّة اتِّفاق معك، وقد أذعن في النهاية.
نوكس
(يرفع الوثائق)
:
لا يسعني أن أصف لك كم تعني هذه بالنسبة لي، ولا مدى
امتناني …
جيفورد
(مقاطعًا)
:
لا بأس. لا عليك. جيرست يتوق إلى هذه الفرصة. إنها ستفعل
الخير الكثير بالنسبة إلى العمالة المنظمة. وستكون أنت قادرًا
على أن تقول كلمتك في الوقت ذاته. كيف تسير الأمور بشأن قانون
التعويض؟
نوكس
(بتبرم)
:
نفس القصة القديمة. لن يُمثل أبدًا أمام المجلس. إنه يُحتضر
ويموت بين اللجان. ماذا تتوقَّع من اللجنة القضائية التي
تتألَّف من قضاة السكك الحديدية ومحاميها السابقين؟
جيفورد
:
إن نقابات السكك الحديدية حريصون على تمرير هذا
القانون.
نوكس
:
واقع الأمر أنهم لم يتمكَّنوا، ولن يتمكَّنوا من ذلك أبدًا
حتى يتعلَّموا التصويت بشكلٍ صحيح. متى سيتخلَّى الزعماء
العماليون عن الإضراب والمقاطعة ويقودون رجالك إلى العمل
السياسي؟
جيفورد
(يمد يده)
:
سيَستغرقُون وقتًا طويلًا في واقع الأمر. يجب أن أُسرِع
الآن، وليس لديَّ وقت لأشرح لك كيف أن العمل السياسي سوف يدمر
الحركة النقابية.
(يلقي نوكس المستندات فوق خزانة الكتب
المنخفضة الارتفاع الواقعة بين المدفأة وباب غرفة النوم،
ويُصافح جيفورد.)
أنت مُهمل جدًّا في التعامل مع هذه الأوراق. ولم تكن لتلقيها
هكذا لو كنت تعلم كم دفع جيرست في مقابلها.
نوكس
:
إنها بأمان هنا.
جيفورد
:
أنت لا تُقدِّر تلك الزمرة حقَّ قدرها. إنهم لا يتورَّعون عن
شيء.
نوكس
:
لن أغفل عن هذه الوثائق. سأصحبها إلى السرير الليلة لتكون
بأمان معي. بجانب أنه لا يُوجد خطر. فلا أحد سواك يعلم أنها
بحوزتي.
جيفورد
(يتقدم نحو الباب الموجود على
اليمين)
:
أكره أن أكون موضع العاملين في مكتب ستاركويذر عندما يكتشف
ما حدث. سيكون وقتًا عصيبًا على من سيكون هناك.
(يتوقف عند الباب.)
أذقهم الجحيم يوم غد، أغدق عليهم ولا تبخل بشيء. سأكون في
إحدى شرفات المجلس. إلى اللقاء.
(يغادر المكان.)
(يعبر نوكس الغرفة نحو النوافذ، ويفتحها ثم
يعود إلى المكتب ويجلس في الكرسي الدوار، ويَشرع في فتح
مراسلاته.)
(صوت طرق على الباب إلى اليمين.)
نوكس
:
ادخل.
(يدخل هوبارد ويتقدَّم نحو المكتب لكن دون أن
يتصافحا. يُحيِّي كلٌّ منهما الآخر ويجلس هوبارد على مقعد إلى يسار
المكتب.)
(نوكس الذي لا يزال يُمسك في يده بخطابٍ مفتوح،
يعدل وضع الكرسي ليواجه زائره. وينتظر أن يبدأ هوبارد
بالحديث.)
هوبارد
:
لا فائدة من تجنُّب الخوض في الموضوع مباشرة مع رجلٍ مثلك.
أعلم هذا. فأنت رجل مباشر، وأنا أيضًا كذلك. وأنت تعرف مركزي
بما يكفي لتكون متأكدًا من أنني مفوَّض للتعامل معك.
نوكس
:
أجل؛ أعرف ذلك.
هوبارد
:
كل ما نريده هو أن تكون صديقًا لنا.
نوكس
:
هذا سهل تمامًا. حين تستقيم المصالح وتصبح صادقة …
هوبارد
:
وفِّر هذا الكلام لخطابك. نحن الآن نتحدث على انفراد. نستطيع
أن نجعل الأمر يستحق وقتك …
نوكس
(بغضب)
:
إذا كنتَ تظنُّ أنك تستطيع رشوتي …
هوبارد
(بلباقة)
:
لم أقصد ذلك على الإطلاق. لا يُراودنَّك أدنى شك. إليك لُبُّ
الموضوع. أنت عضو بالكونجرس. وتعتمد مسيرة عضو الكونجرس
المهنية على عضويته في اللجان الجيدة. وأنت في الوقت الحاضر
مدفونٌ في لجنة سكِّ النقود والأوزان والمقاييس الخاملة. وإذا
وافَقتَني فيُمكن تعيينك في أكثر اللجان حياة وأهمية …
نوكس
(مقاطعًا له)
:
وهل لديك القُدرة على إعطاء مثل هذه الوعود والمناصب؟
هوبارد
:
بالتأكيد. وإلا فلماذا أنا هنا الآن؟ يُمكن ترتيب الأمر
تمامًا.
نوكس
(متأملًا)
:
كنتُ أعتقد أن حكومتنا بها ما يكفي من الفساد، لكن لم يَدُرْ
بخلدي مطلقًا أن المصالح تتحكَّم في التعيينات في المجلس بهذه
الطريقة.
هوبارد
:
لم تُعطني إجابتك.
نوكس
:
كان ينبغي لك أن تعرف إجابتي سلفًا.
هوبارد
:
هناك بديل لما ترفضه. أنت مُهتم بالمشكلات الاجتماعية. تدرس
علم الاجتماع. وهؤلاء الذين أُمثِّلهم يُظهرون اهتمامًا
حقيقيًّا بك. نحن مستعدُّون لمساعدتك على متابعة دراستك بصورةٍ
أعمق؛ مستعدون لإرسالك إلى أوروبا. هناك في ذلك المختبر
الاجتماعي الشاسع وبعيدًا عن الصراع السياسي المحتدم هنا،
ستتوافر لك كل الفرص لمتابعة دراستك. نحن مستعدون أن نرسلك إلى
هناك لفترة عشر سنوات، وستتلقَّى عشرة آلاف دولار كل عام،
بالإضافة إلى أنك ستتسلَّم مبلغ مائة ألف دولار كاملة في اليوم
الذي تغادر فيه باخرتك نيويورك.
نوكس
:
وهذه هي الطريقة التي تشترون بها الرجال.
هوبارد
:
إنه شأنٌ تعليميٌّ محض.
نوكس
:
أنت الآن مَن يراوغ.
هوبارد
(بحسم)
:
حسنًا إذن. ما الثمن الذي تراه مناسبًا لك؟
نوكس
:
تُريدني أن أترك السياسة، وأهجر كل شيء؟ تريد أن تشتري
روحي؟
هوبارد
:
أكثر من ذلك. نُريد شراء تلك الوثائق والخطابات.
نوكس
(يُظهر بعض الدهشة الخفيفة)
:
أي وثائق وخطابات؟
هوبارد
:
ها أنت الآن تراوغ بدورك. لا يَنبغي لرجلٍ أمين مثلك أن يكذب
حتى …
نوكس
(مقاطعًا)
:
حتى على شخصٍ مثلك.
هوبارد
(مبتسمًا)
:
حتى على شخصٍ مثلي. لقد كنتُ أُراقبك عن كثب عندما ذكرتُ لك
الرسائل. وقد فضحتَ نفسك. لأنك علمتَ أنني أقصد الخطابات التي
سرَقها جيرست من بين ملفات ستاركويذر الخاصة؛ الخطابات التي
تنوي استخدامها غدًا في خطابك.
نوكس
:
أنوي استخدامها غدًا.
هوبارد
:
بالتأكيد. نحن الآن نتحدَّث عن نفس الشيء. ما هو الثمن؟
حدِّد ما تُريد.
نوكس
:
ليس عندي ما أبيعه. وأنا لستُ مطروحًا للبيع.
هوبارد
:
انتظر لحظة. لا تتسرَّع في اتخاذ قرارك. أنت لا تَعرف مع من
تتعامَل وتُواجه. هذه الخطابات لن تظهر في خطابك غدًا. صدِّقني
في هذا. من الأفضل والأكثر حكمة أن تبيعَها مقابل ثروة بدلًا
من أن تخرج خالي الوفاض ولن تستطيع استخدامها كذلك.
(صوت طرقة على الباب يُفاجئ هوبارد.)
نوكس
(يَشرع في دعوة الطارق للدخول)
:
تفضل …
هوبارد
(مقاطعًا)
:
صه. لا تفعل. لا يَنبغي لأحد أن يراني هنا.
نوكس
(ضاحكًا)
:
تخشى أن تتلوث سمعتك بجلوسك معي.
(يتكرر الطرق على الباب.)
هوبارد
(يَنهض في ذعر بينما يحرك نوكس شفتَيه
ليطلب من الطارق الدخول)
:
لا تسمح لأي شخص بالدخول إلى هنا. لا أريد أن يراني أحد هنا
معك. بجانب أن وجودي معك سيضرُّ بصورتك أنت.
نوكس
(ينهض هو الآخر ويتجه نحو الباب)
:
ما أفعله هو أن أنفتح دائمًا على العالم. لا ألتقي بأي أحد
أخشى أن يراه العالم معي أو يعلم أنني التقيته.
(يسير نوكس نحو الباب ليفتحه.)
(يتلفت هوبارد حوله مذعورًا، ثم يهرب عبر
المسرح إلى غرفة النوم ويغلق بابها. وخلال المشهد التالي يفتح
هوبارد باب الغرفة من وقت لآخر ليسترق النظر إلى ما يجري.)
نوكس
(يفتح الباب ويتقهقَر على أعقابه)
:
مارجريت! سيدة تشالمرز!
(تدخل مارجريت يتبعها تومي وليندا. تَرتدي
مارجريت فستان سهرة يُغطيه معطفٌ مسائي.)
مارجريت
(تُصافح نوكس باليد)
:
سامحني، لكن تحتَّم أن أراك. لم أستطع الوصول إليك على
الهاتف. قد اتصلت مرارًا وتكرارًا وأفضل ما أمكنني فعله هو
الاتصال بالرقم الخطأ.
نوكس
(يُفيق من دهشته)
:
نعم. أنا سعيد لرؤيتكم.
(يرى تومي)
مرحبًا تومي.
(يمدُّ نوكس يده فيصافحها تومي بشدة. تظل ليندا
في الخلفية. ووجهها مُضطرب.)
تومي
:
كيف حالك؟
مارجريت
:
لم تكن هناك وسيلةٌ أخرى، وكان من الضروري جدًّا أن أُحذرك.
وقد أحضرت تومي وليندا معي لمرافقتي.
(تنظر مارجريت بفضول في أرجاء الغرفة، وتشير تحديدًا إلى
خزائن الملفات وأكوام تقارير الحكومة الموجودة على الطاولة.)
هذا هو معملك.
نوكس
:
آه، لو كنت فقط ساحرًا كبيرًا في علم الاجتماع بقدر ما كان
إديسون ساحرًا في علوم الفيزياء.
مارجريت
:
لكنَّك كذلك بالفعل. أنت تعمل بكدٍّ أكبر مما تَعترف أو تجرؤ
على الاعتقاد. أنا أعرفك أفضل مما تعرف نفسك.
تومي
:
هل تقرأ كل هذه الكتب؟
نوكس
:
نعم، وما زلت أذهب إلى الكلية وأدرس بجد. ما الذي تنوي
دراسته أنت لتكون الشخص الذي تتمنَّى حين تكبر؟
(يستغرق تومي في التفكير لكنه لا يرد على
سؤال نوكس.)
هل ستكون رئيس هذه الولايات المتحدة العظيمة؟
تومي
(يهزُّ رأسه نفيًا)
:
أبي يقول إن رئيس الولايات المتحدة ليس له قيمةٌ
كبيرة.
نوكس
:
ولا حتى لينكولن؟
(يتحيَّر تومي.)
مارجريت
:
لكن ألا تذكر يا تومي كم كان لينكولن رجلًا عظيمًا؟ تذكَّر
أني أخبرتك؟
تومي
(يهزُّ رأسه ببطء)
:
لكني لا أريد أن أُقتَل مثله. أودُّ أن أخبرك بشيء!
نوكس
:
ماذا؟
تومي
:
أريد أن أصبح سيناتور مثل أبي. إنه يجعلهم يتراقَصون.
(تنصدم مارجريت، وتتلألأ عينا نوكس.)
نوكس
:
من هم الذين يجعلهم يتراقصون؟
تومي
(محتارًا)
:
لا أعرف.
(وبمَزيد من الثقة.)
لكنه يجعلهم يتراقصون على أية حال.
(تُشير مارجريت إلى ليندا لتأخُذ تومي بعيدًا
عبر الغرفة.)
ليندا
(تبدأ في عبور المسرح نحو اليسار)
:
هيا يا تومي. لنَنظر من النافذة.
تومي
:
أفضِّل أن أتحدَّث مع السيد نوكس.
مارجريت
:
اذهب معها لو سمحت يا تومي. تُريد ماما أن تتكلَّم مع السيد
نوكس.
(يَستسلم تومي ويعبر المسرح نحو اليمين حيث
ينضمُّ إلى ليندا ويتطلعان خارج النافذة.)
مارجريت
:
ربما يستحسن أن تَطلب مني الجلوس.
نوكس
:
أوه! سامحيني أرجوكِ.
(يسحب لها مقعدًا مريحًا ويجلس هو على كرسي
المكتب في مواجهتها.)
مارجريت
:
أمامي دقائقُ معدودة فقط. توم عند أبي وأنا سوف أصحبه في
طريقي من هناك لنذهب معًا إلى حفل العشاء، بعد أن أوصل تومي
إلى المنزل.
نوكس
:
لكن خادمتك؟
مارجريت
:
تقصد ليندا؟ لو انطبقت السماء على الأرض، لا يستطيع أحد أن
يستخلص منها أي شيء، خاصة إذا كانت تعتقد أن ذلك يَضرُّني. إن
إخلاصها لي شديد لدرجة تكاد تخجلني منها. أنا لا أستحقها. لكن
ليس هذا ما جئت لأحدِّثك بشأنه.
(تقول ما يلي في عجالة.)
حدث شيء بعد أن غادرت أنت منزلي ظهر اليوم. تلقَّى والدي
برقية، بدا أنها على قدرٍ كبير من الأهمية. وفي أعقابها جاء
سكرتيره الخاص. واستدعى والدي توماس والسيد هوبارد وعقد
ثلاثتهم اجتماعًا. أعتقد أنهم اكتشفوا فقدان الوثائق، وأنهم
يظنُّون بأن لديك تلك الوثائق. لم أسمعهم يذكرون اسمك، مع ذلك
أنا متأكِّدة تمامًا أنهم تحدثوا عنك. أيضًا عرفت من وجه أبي
أن ثمَّة خطبًا جللًا. خذ حذرك! أرجوك خذ حذرك!
نوكس
:
ليس هناك أي خطر أُؤكِّد لكِ.
مارجريت
:
لكنك لا تعرفهم. أؤكد لك أنك لا تعرفهم. هم لا يتورَّعون عن
شيء؛ لا شيء. والدي يعتقد أنه على صواب تمامًا في كل ما
يفعله.
نوكس
:
أنا أعرف ذلك. وهذا ما يجعله ذا بأسٍ شديد. هو لديه وازعٌ
أخلاقي.
مارجريت
(تومئ موافقة)
:
إنها عقيدة يلتزم بها.
نوكس
:
وهي تقوده نحو الهوس كأي عقيدة يَحملها رجلٌ ضيق
الأفق.
مارجريت
:
إنه يعتقد أن الحضارة تعتمد عليه، وأن واجبه المقدس هو
الحفاظ على الحضارة.
نوكس
:
أجل. أعرف.
مارجريت
:
لكن أنت؟ أنت في خطر.
نوكس
:
لا؛ سأمكث هنا الليلة. وغدًا في وضح النهار سأمضي نحو المجلس
لأُلقي خطابي.
مارجريت
(باندفاع)
:
أوه، لو أصابك مكروه!
نوكس
(يتطلَّع إليها بتمعُّن)
:
هل تهتمين لأمري؟
(تُومئ مارجريت برأسها وتخفض عينَيها
فجأة.)
تهتمين بهوارد نوكس المصلح الاجتماعي؟ أم بي أنا
كرجل؟
مارجريت
(بتلقائية)
:
أوه، لماذا ينبغي على المرأة أن تظلَّ دائمًا صامتة؟ لماذا
لا أخبرك بالذي تعرفه بالفعل؟ بل لماذا لا أخبرك بما يُفترض
أنك تعرفه بالفعل؟ أنا بالتأكيد أهتمُّ بك كرجل وكمصلحٍ
اجتماعي … كلاكما؛ لأجل …
(كانت مشاعرها تَلتهب، لكنَّها تكفُّ فجأة
وتتطلَّع نحو ابنها تومي الذي يقف بجوار النافذة، تُنبِّهها
غريزتها أنها لا يجوز أن تنساق خلف الحب في وجود
طفلها.)
ليندا! هلا أخذتِ تومي إلى السيارة في الأسفل …
نوكس
(منزعجًا ومقاطعًا لها بصوتٍ منخفض)
:
ماذا تفعلين؟
مارجريت
(تُسكت نوكس بإيماءة)
:
سألحق بكِ على الفور يا ليندا.
(تتحرَّك ليندا وتومي عبر المسرح باتجاه المخرج
جهة اليمين.)
تومي
(يقف أمام نوكس ويمدُّ يده بجديةٍ
شديدة)
:
طاب مساؤك سيد نوكس.
نوكس
(على نحوٍ أخرق)
:
طاب مساؤك يا تومي. خذ بنصيحتي وابحث في موضوع لينكولن
هذا.
تومي
:
سأفعل. سأسأل والدي بشأنه.
مارجريت
(على نحوٍ يحمل دلالة)
:
تولَّي هذا الأمر يا ليندا. لا يَنبغي أن يعلم أحد شيئًا حول
هذا.
(تومئ ليندا إيجابًا.)
(تخرج ليندا وتومي من اليمين.)
(تزيح مارجريت، وهي جالسة، معطفها للخلف كاشفة
عن ثوب السهرة الذي ترتديه، وتنظر نحو نوكس برغبة وجلال
وحب.)
نوكس
(متأجِّجًا من مشهدها)
:
لا تفعلي! لا! لا أطيق ذلك. رؤيتك هكذا تملؤني
بالجنون.
(تضحك مارجريت بصوتٍ مُنخفض مبتهجة
بالنصر.)
لا أريد أن أُفكِّر فيكِ كامرأة. لا يَنبغي لي أن أفعل ذلك.
اسمحي لي.
(ينهض ويحاول أن يُعيد المعطف على كتفَيها
لكنها تقاومه. ومع ذلك ينجح في تغطيتها قليلًا.)
مارجريت
:
أريدكَ أن تراني كامرأة. أن تُفكِّر فيَّ كامرأة. أن تُجَنَّ
بي.
(تمدُّ ذراعَيها فينزلق المعطف
عنهما.)
أنا أرغبُ … ألا ترين ما أرغبُ فيه؟ …
(يغوص نوكس في مقعده مُحاولًا أن يُغطي
عينَيه بيدَيه.)
(تزيح مارجريت المعطف تمامًا عنها للمرة
الثانية.)
انظر إليَّ.
نوكس
(ينظر إليها، وينهض على قدمَيه ويقترب منها
بذراعَين ممدودتَين ويهمس بنعومة)
:
مارجريت. مارجريت.
(تَنهض مارجريت لمقابلته ويلقي كلٌّ منهما
بنفسه في أحضان الآخر.)
(يسترق هوبارد النظر عبر الباب، ينظر إليهما
وعلى وجهه علامات الاستمتاع الساخر. وتتجوَّل نظراته في المكان
ويرى المستندات في متناول يده فوق خزانة الكتب. يلتقط المستندات
ويَرفعها نحو الضوء على المسرح ويتطلَّع فيها، وبتعابير الانتصار
على وجهه يختفي من المسرح ويُغلق الباب خلفه.)
نوكس
(يُبعد مارجريت عنه وينظر إليها)
:
أحبك. أنا فعلًا أحبك. لكني قررت ألَّا أبوح بذلك أبدًا،
وألَّا أخبركِ.
مارجريت
:
أيها الساذج. أنا أعرف منذ فترةٍ طويلة أنك تحبني. لقد
أخبرتني كثيرًا وبطرقٍ شتى. أنت لا تستطيع النظر إليَّ دون أن
تخبرني نظراتك أنك تحبني.
نوكس
:
هل رأيتِ ذلك في عيني؟
مارجريت
:
وكيف لا أراه؟ أنا امرأة. أنت فقط لم تتفوَّه بكلمةٍ واحدة.
اجلس هناك، حيث يُمكنني النظر إليك، ودعني أقول أنا لك. سأقول
أنا كل الكلام الآن.
(تحثه ليعود ويجلس على مقعد المكتب، وتعود
لتجلس هي على كرسيها.)
(تتصنع محاولة تغطية كتفَيها
بالمعطف)
هل أغطيهما؟
نوكس
(بحماسة ملتهبة)
:
لا، لا! ابقي كما أنتِ. دعيني أُمتع عينيَّ بكِ وأنتِ ملكي.
لا بد أنني في حلم.
مارجريت
(بضحكة انتصار وتباهٍ خافتة)
:
أنتم معشر الرجال! منذ قديم الزمان وإلى الأبد، لا بد وأن
نتودَّد إليكم من خلال حواسكم. لو كنتُ أظهرت لك حكمة هيباتيا
أو علم السيدة كوري، لاستطعتَ أن تحتفظ بسيطرتك الحديدية على
نفسك، ولخنقت صوت قلبك بيد الصمت. لكن بمجرَّد أن أصبحتُ ليليث
للحظة، وتخلَّيت عن هذا المعطف المصنوع ليَحمي من برد الليل،
على الفور اشتعلت بك النيران والتهبت حواسُّك وانطلق لسانك
برغبة الحب.
نوكس
(معترضًا)
:
مارجريت! ليس هذا عدلًا!
مارجريت
:
أنا أحبك … و… أنت؟
نوكس
(بحرارة وإعجاب)
:
أنا أحبك!
مارجريت
:
اسمع إذن. قد أخبرتك عن طفولتي وأحلامي. وكنت أريد أن أقوم
بما تفعله أنت الآن بكل نُبل. لكني لم أفعل شيئًا. لم يكن
باستطاعتي فعل شيء. لم يسمحوا لي. دائمًا ما كنتُ مجبرة على
كبح نفسي. لقد تزوَّجت من أجل أن أتمكن من فعل ما تفعله أنت.
ولكن هذا الزواج أيضًا خذلني. أصبح زوجي من أتباع المصالح،
وأداةً في يد أبي لارتكاب الشرور التي رغبتُ في
محاربتها.
(تتوقف برهة.)
دام الصراع طويلًا، وقد أنهكني التعب، لأنني كنت أواجه الفشل
دائمًا. لا أحب زوجي. لم أحبَّه قط. وهبت نفسي للقضية ولكن
القضية لم تنفع بشيء. (تسكت لحظة.) كثيرًا ما فقدت إيماني …
بكل شيء؛ في الله والبشر، وفي الأمل بأن يسود الصواب يومًا.
لكنك كنت مرارًا وتكرارًا تُوقظني بما تفعله. لم آتِ الليلة
أنانية مني. بل أتيت أحذرك ولأساعد الخير على الانتصار. لكني
بقيت — والحمد لله — كي أحبك وتحبني. ووجدت نفسي فجأة أنظر
إليك وأراك وقد أصابك الإجهاد والتعب كثيرًا. أردتُك أنت … أنت
وحدك أكثر من أي شيءٍ آخر في العالم.
(تمدُّ ذراعَيها إليه.)
تعال إليَّ. أريدك … الآن.
(في نشوة يأتي إليها نوكس، يجلس على ذراع
المقعد العريض ويغوص بين ذراعَيها.)
نوكس
:
لكني أحيانًا ما كنتُ أصاب بالتعب. وهذه الليلة كنتُ منهكًا
للغاية … ثم جئتِ. وأنا الآن سعيد، سعيد وحسب.
مارجريت
:
كنتُ مستهترة الليلة. أعترف بذلك. وأفخر به. لكني لم أكُ
بغيًّا. بل هي المرة الأولى في حياتي. ويكاد الندم يُراودني
أنني لم أعجِّل بذلك؛ فقد تكلل الأمر بالنجاح. لقد عانقتني
وأخذتني بين ذراعَيك … بين ذراعَيك أنت. أوه، إنك لن تعرف
أبدًا ما يَعنيه عناقنا الأول هذا بالنسبة إليَّ. أنا لست
بحقيرة. لست جامدة ولا متحجرة المشاعر. أنا امرأة … امرأةٌ
رقيقةٌ حيية …
(تنهض من مكانها وتسحبه ليقف على
قدمَيه.)
قبِّلني يا حبيبي ومولاي العزيز. قبلني.
(يتعانقان.)
نوكس
(تملأه العاطفة، يتلفَّت حوله بعنف وكأنه
يبحث عن شيءٍ ما)
:
ما الذي سنفعله الآن؟
(يحررها فجأة ويسقط غارقًا في مقعده، وكأنه
ينهار.)
لا. لا يمكن. هذا مستحيل. أوه، لماذا لم نَلتقِ منذ زمنٍ
بعيد؟ كان يمكننا حينها أن نشد من أزر بعضنا. أجمل بها من
رفقة!
مارجريت
:
لكن لم يفُتِ الأوان بعدُ.
نوكس
:
ليس لي أي حق فيكِ.
مارجريت
(مخطِّئة فهمه)
:
هل تقصد زوجي؟ لم يعد كذلك منذ سنوات مضت. ليس له أي حقوق
عليَّ. من يمكن أن يكون له حق عليَّ … سواك أنت يا مَن يهواه
قلبي؟
نوكس
:
لا؛ لا أقصد ذلك.
(يطقطق أصابعه.)
علاقتكما هذه تخصه هو.
(ينهار.)
أوه، لو أنني فقط كنت نوكس الإنسان وليس المصلح الاجتماعي!
لو لم يكن عليَّ واجبٌ أقوم به!
مارجريت
(تعود إلى خلف مقعده وتداعب شعره)
:
يمكننا أن نعمل معًا.
نوكس
(يهز رأسه تحت أصابعها)
:
توقفي! توقفي!
(تصر على تمرير أصابعها في شعره ثم تضع
خدَّها على خدِّه.)
أنت تُصعبين عليَّ الأمر. أنتِ تغرينني كثيرًا.
(ينهض فجأة ويأخذ يدَيها الاثنتين بين
يدَيه ويقودها برفق إلى مقعدها ويُجلسها عليه، ثم يعود ويجلس
إلى كرسي المكتب.)
اسمعي. ليست المسألة في زوجك. ليس لي حقٌّ فيك. ولا لكِ حق
بي.
مارجريت
(تقاطعه بغيرةٍ شديدة)
:
ومن غيري له أي حق فيك؟
نوكس
(يبتسم بحزن)
:
لا؛ لم أقصد ذلك. ليس ثمة امرأةٌ أخرى. أنت المرأة الوحيدة
التي تعنيني. لكن هناك آخرون كُثر لهم عليَّ حقوق أكبر مما لكِ
عليَّ. لقد اختارني مائتا ألف مواطن كي أُمثِّلهم في كونجرس
الولايات المتحدة. وثمة غيرهم كثيرون …
(يتوقف فجأة عن الكلام وينظر إليها، وإلى
ذراعَيها وكتفَيها العاريتين.)
نعم، أرجوكِ أن تغطيهما. ساعديني على ألا أنسى واجبي.
(تأبى مارجريت أن تطيعه.)
هناك الكثيرون ممن لهم حقوق عليَّ؛ الشعب، كل الناس الذين
جعلتُ قضيتهم قضيتي. الأطفال؛ ثمة مليونا طفل عامل في الولايات
المتحدة. لا يمكن أن أخونهم. لا يمكن أن أسرق سعادتي منهم. لقد
تحدَّثت ظهر اليوم عن السرقة … ألا تكون هذه أيضًا
سرقة؟
مارجريت
(بحدة)
:
هوارد! أفِق! هل لعبت سعادتنا بعقلك؟
نوكس
(بحزن)
:
كادت … وتقريبًا للحظاتٍ قليلةٍ جامحة فقدتُ عقلي تمامًا.
ثمة كل هؤلاء الأطفال. هل أخبرتك من قبلُ عن ذلك الطفل من
الأحياء الفقيرة، الذي عندما سألوه كيف يعرف قدوم الربيع
أجابهم: عندما يرى الحانات قد وضعت أبوابها المتأرجحة.
مارجريت
(منزعجة)
:
لكن ما علاقة كل ذلك بحب رجلٍ واحد وامرأةٍ واحدة أحدهما
للآخر؟
نوكس
:
افترضي أننا تحاببنا — أنا وأنتِ؛ هبي أننا أطلقنا العنان
لحبنا. ما الذي سيحدث؟ هل تذكُرين جوركي؛ ذلك المناضل الروسي
المحب لوطنه عندما جاء إلى نيويورك يشتعل شغفًا بالثورة
الروسية. كان هدفه من القدوم إلى أرض الحرية أن يجمع التبرعات
من أجل تلك الثورة. لكن لأن زواجه من المرأة التي أحبها لم
يوافق هوى أصحاب المتاجر، ولأن الصحف أثارت ضجةً كبيرة حول
زواجه، فشلت مهمته بأكملها. أصبح أضحوكة الشعب الأمريكي وخسر
كل تقديره. وهذا ما سوف يحدث لي. سوف يُشهَّر بي وتُشوَّه
سُمعتي وأُصبح أضحوكة. ستضيع كل قوتي.
مارجريت
:
وحتى لو حدث ذلك، فما المشكلة؟ ليُشهِّروا بك وليضحكوا منك.
نحن سنكون لبعضنا. سينهض رجالٌ آخرون ليقودوا الناس، وقيادة
الناس مهمَّة لا يَشكرها أحد في نهاية المطاف. إن الحياة قصيرة
الأمد. يجب أن نتشبَّث بكل ذرة سعادة يمكن أن ننالها.
نوكس
:
آهٍ لو تعلمين، حين أنظر في عينيك الآن، كم يسهل التخلي عن
كل شيء وإلقاؤه في مهب الريح. لكنها ستكون سرقة.
مارجريت
(بتمرد)
:
فلتكن سرقة. الحياة قصيرة جدًّا يا عزيزي. نحن أكبر حقيقة في
العالم؛ بالنسبة إلى بعضنا البعض.
نوكس
:
الأمر لا يخصُّني وحدي، ولا يخصُّ كل رفاقي. قبل لحظة قلتِ
إنه لا أحد له أي حق عليكِ. لكنَّك مخطئة. فطفلك …
مارجريت
(تتوسَّل إليه بألمٍ مفاجئ)
:
لا تفعل!
نوكس
:
بل ينبغي أن أفعل. يجب أن أُنقذ نفسي … وأنقذك. إن لتومي
حقوقًا عليك. ستكون هذه سرقة مرةً أخرى. ماذا يمكن أن نُسمِّي
الأمر غير ذلك، إذا سرقتِ سعادتكِ منه؟
مارجريت
(تحني رأسها على يدها وتَنتحب)
:
كنتُ وحيدة جدًّا … ثم جئتَ أنت … أتيتَ وأصبح العالم مشرقًا
ودافئًا … قبل لحظاتٍ قصيرة مضَت كنتَ تضمُّني … بين ذراعَيك …
قبل دقائقَ قصيرة مضت بدا وكأن حلمي عن السعادة قد أصبح حقيقة
… والآن تُحطمه وتسلُبه منِّي …
نوكس
(يجاهد للسيطرة على نفسه الآن بعد أن
أشاحَت بنظرها بعيدًا عنه)
:
لا؛ أتوسَّل إليكِ أن تُحطِّميه بنفسك. أنا لست قويًّا لأفعل
ذلك وحدي. يجب أن تُساعديني. يجب أن تتذكَّري طفلك ليعينك على
مساعدتي. قد يُجنُّ جنوني بكِ الآن …
(يَنهض مندفعًا نحوها فاردًا ذراعَيه
ليعانقها.)
من فوري هذا.
مارجريت
(ترفع رأسها فجأةً وتمدُّ أحد ذراعَيها
لتمنعه من احتضانها)
:
انتظر.
(تحني رأسها على يدها للحظة لتُفكِّر
ولتستعيد سيطرتها على نفسها.)
(ترفع رأسها وتنظر إليه.)
اجلس لو سمحت.
(يجلس نوكس)
(تمر لحظة صمت تَنظر إليه فيها وتَغمُره
بحبها.)
عزيزي، أنا أُحبُّك حبًّا جمًّا …
(يَفقد نوكس سيطرته على نفسه ويبدأ في
النهوض.)
لا، اجلس مكانك. كنتُ ضعيفة. ومع ذلك لستُ نادمة. أنت على
حق. يجب أن نفترق. لا يمكن أن نكون لصوصًا، حتى ولو في سبيل
الحب. مع ذلك أنا سعيدة أن ذلك قد حدث؛ أنني استلقيت بين
ذراعَيك وتلاقَت شفاهنا. وهذه ذكرى ستظلُّ حلاوتها
للأبد.
(تسحب معطفها حولها وتنهض.)
(ينهض نوكس أيضًا.)
أنت محق تمامًا، المستقبل ملك للأطفال. عندهم يكمن الواجب …
واجبك، وواجبي أيضًا بطريقتي الصغيرة. سأذهَب الآن. يجب ألا
نرى بعضنا ثانية أبدًا. يجب أن ننغمس في العمل … وننسى ما كان.
لكن تذكر أن قلبي سيكون معك في قتالك. وأن صلواتي سترافقك مع
كل ضربة تُوجهها.
(تتردد وتتوقف لحظة، ثم تُحكم معطفها حولها
كدليل على الرحيل.)
حبيبي … هلا قبَّلتني … لمرةٍ واحدة … لمرةٍ أخيرة؟
(لا تحمل هذه القبلة أي شغف، وإنما هي قبلة هجر
وفراق. مارجريت بنفسها هي مَن أنهت العناق.)
(يُرافقها نوكس صامتًا إلى الباب ويضَع يده على
المقبض.)
نوكس
:
أتمنَّى لو أحصل على شيء منكِ يكون معي دائمًا … صورة مثلًا،
ولتكن تلك الصورة الصغيرة، هل تذكُرينها، التي راقت لي
كثيرًا.
(تومئ برأسها.)
لا تُخاطري بإرسالها مع مرسال. فقط أرسليها بالبريد بالطريقة
المعتادة.
مارجريت
:
سأُرسلها لك بالبريد غدًا. سأضعُها في صندوق البريد
بنفسي.
نوكس
(يُقبِّل يدها)
:
وداعًا.
مارجريت
(متلكِّئة)
:
عزيزي، أنا سعيدة وفخورة بما حدث ولن أمحو منه سطرًا
واحدًا.
(تُشير إلى نوكس ليفتح الباب، فيفعل، لكنه
يغلقه ثانية على الفور بينما هي تُكمل كلامها.)
ستكون هناك حياةٌ أخرى خالدة. سيكون هناك حتمًا حياةٌ
مستقبلية نلتقي فيها أنا وأنت ثانية. وداعًا.
(يضغط كلٌّ منهما يد الآخر.)
(تخرج مارجريت.)
(يظل نوكس واقفًا للحظة يحدِّق في الباب
المغلق، يلتفت ويتطلع حوله في حيرة، يرى المقعد الذي كانت مارجريت
تجلس عليه، فيذهب إليه ويركع أمامه ويدفن وجهه في المقعد.)
(باب غرفة النوم يُفتح ببطء ويسترق هوبارد
النظر خارجها بحذر. لكنه لا يستطيع رؤية نوكس.)
هوبارد
(يتقدم مندهشًا)
:
ما هذا بحق الشيطان؟ هل ذهب الجميع؟
نوكس
(ينهض مذهولًا)
:
بحق الشيطان من أين خرجت؟
هوبارد
(يشير إلى غرفة النوم)
:
من هناك. كنتُ فيها طوال الوقت.
نوكس
(يُحاول جاهدًا أن يتخطى الأمر)
:
لقد نسيت أمرك تمامًا. حسنًا لقد غادر ضيوفي.
هوبارد
(يسير حتى يقترب منه ويضحك عليه باستمتاعٍ
كبير)
:
الرجال الصادقون يُصبحون حمقى حين يقعون في الخطأ.
نوكس
:
باب الغرفة كان مغلقًا طوال الوقت. وما كنتَ لتجرُؤ على
التجسس عليَّ.
هوبارد
:
صوت السيدة كان مألوفًا لي.
نوكس
:
هل سمعت ما قلناه! … ماذا سمعت؟
هوبارد
:
أوه، لا شيء، لا شيء … مجرد همهمة أصوات … والمرأة … أكاد
أُقسم إني سمعت صوتها من قبلُ.
نوكس
(وقد ظهر الارتياح عليه)
:
حسنًا، إلى اللقاء.
هوبارد
(يبدأ في التحرك تجاه المخرج جهة
اليمين)
:
ألن تعيد النظر في قرارك؟
نوكس (يهز رأسه نافيًا.)
هوبارد
(يتوقَّف، يفتح الباب بيدٍ ويضحك
ساخرًا)
:
ومع ذلك لم يمرَّ سوى وقتٍ قصير منذ سمعتك تقول إنه لا يوجد
في العالم مَن تخشى أن تقول إنك تَلتقيه.
نوكس
(مذهولًا)
:
ماذا تعني؟
هوبارد
:
وداعًا.
(يَخرج هوبارد ويغلق الباب.)
(يجول نوكس في الغرفة على غير هدًى نحو مكتبه،
يتطلع نحو الخطابات التي كان يقرأ فيها عندما قاطعه دخول هوبارد في
المقام الأول، وفجأةً يتذكَّر حزمة المستندات ويسير نحو خزانة
الكتب المُنخفِضة وينظر فوقها.)
نوكس
(مصعوقًا)
:
اللص!
(يتلفَّت حوله بغضبٍ حانق ثم يندفع كالمجنون في
أعقاب هوبارد، يخرج من اليمين ويترك الباب مفتوحًا على
مِصراعَيه.)
(يُصبح المسرح خاليًا للحظة.)
(يسدل الستار.)