العودة من العالم الآخر
قِصَّة غريبة من جزيرة بوكوك – رُوح مُتجسِّدة ترفض العودة – لمحة أولى عما قد يُسبِّب مشكلة بالغة الانتشار في العالم
سُمح لنا باقتطاع فقرات من خطابٍ شخصي يَحمل توقيع سيدٍ نبيلٍ معروف في دوائر النشاط التجاري، لم نَسمع من قبلُ أن مِصداقيَّتَه كانت محلَّ شكٍّ قطُّ. تُثير أقواله الدَّهشة ولا تكاد تُصدَّق، لكنَّها إن كانت صحيحة، فمن المُمكن التحقُّقُ منها بسهولة. بيدَ أن العقل المفكر سيتردَّدُ في تصديقها دون وجود دليلٍ كامل؛ فهي تُباغِت العالم بمشكلة اجتماعية بالغة الأهمية؛ بل إنَّ المخاطر التي جابَهَها السيد مالثوس وأتباعُه تَصير ضئيلة وعاديَّة أمام هذه القضية الجديدة والرَّهيبة.
يعود هذا الخطاب إلى جزيرة بوكوك، وهي بلدة صغيرة في مُقاطعة واشنطن، في ولاية مين الواقِعة على بُعد نحو سبعةَ عشرَ ميلًا من البرِّ الرئيسي، في منتصف الطريق تقريبًا بين ماونت ديزرت وجراند ماريان. بلغ عدد سكان جزيرة بوكوك حسب الإحصاء السكاني الأخير للولاية ٣١١ نَسمة. يَعمل أغلبُهم في مصائد أسماك البغروس. وفي الانتخابات الرئاسية لعام ١٨٧٢ فاز جرانت بفارق ثلاثةِ أصواتٍ منَحَتْهُ إيَّاها الجزيرة. هاتان المعلومتان هما كلُّ ما تَسنَّى لنا معرفته عن ذلك المكان من مصادر خارج الخطاب الذي أشَرنا إليه من قبلُ.
يكْفِي ما ذَكَرْتُه عن الأمر البغيض الذي أتى بِي إلى هذه الجزيرة الكئيبة في شهر نوفمبر. لديَّ قصةٌ فريدةٌ أوَدُّ أن أُخبِرَكَ بها. أعلم أنك بعدَ تجرِبَتِنا معًا في تشيتندين لن تُنكِر أيَّ ادِّعاءاتٍ لمجرَّدِ أنها مُروِّعة.
يُوجَد هنا يا صديقي في جزيرة بوكوك رُوح مُتجسِّدة تَرفض العودة لحالَتِها الرُّوحية. في هذه اللحظة، وعلى بُعد رُبع ميل من حيث أكتبُ لك، يُوجَد رجل، مات ودُفِن منذ أربع سنوات، وسبَرَ أسرار ما بعد الموت، يَمشي ويتكلَّم ويتواصَل معَ سُكَّان الجزيرة، وتشير كلُّ الظَّواهر إلى اعتِزامِه البقاء على نحوٍ دائم في هذا الجانب من النَّهر. سوف أرْوِي لك الواقعة باختصارٍ قدرَ ما أستطيع.
جون نيوبجين
في أبريل من عام ١٨٧٠، تُوفِّي جون نيوبجين ودُفن في الجبَّانة الصغيرة في الناحية المُواجِهة لليابسة من الجزيرة. كان نيوبجين في الثامنة والأربعين تقريبًا، بلا أُسرة أو معارِف مُقرَّبين، وكان غريب الأطوار لدرجةٍ كانت أحيانًا تُثير الشُّكوك بشأنِ سلامة عقلِه. كان قد استثمر المال الذي جناه من الصيد على الضِّفاف على مدى عدَّة مواسم في شَراكةٍ بنِسبةِ الرُّبع في مَركبَين شِراعِيَّين صغيرَين لصيد الإسقمري، فيما كانت النسبة المُتبقِّية مِلكًا لجون هودجدون، أغنى أغنياء بوكوك، الذي قُدِّرَت ثروته من قِبَل جهاتٍ مَوثوقٍ منها بثلاثةَ عشرَ أو أربعةَ عشرَ ألف دولار.
كان نيوبجين على قدْرٍ من الثقافة؛ فقد قرَأَ كمًّا كبيرًا في مُختلِف ألوان الأدب. وكان، كما وصَفَه لي أحد سُكان الجزيرة السُّذَّج، «يَملِك مِن المعارف والأفكار ما يفوق أيَّ شخصٍ آخر في بوكوك.» كان رجلًا ذكيًّا بطبيعته، وكان من المُمكِن أن يكون ذا نفوذٍ في المجتمع لولا العشوائيةُ التامَّة الطَّاغِية على شخصيَّتِه، وعدمُ اكتراثه للثروة، ونَهَمُه للشَّراب الذي استحوَذَ عليه.
سيتذكر كثيرٌ من أصحاب اليُخُوت، الذين كانوا يتوقَّفُون في بوكوك للتزوُّدِ بالماء أو للمَبيتِ في المرفأ أثناء الرحلات البحرية الشرقية، ذلك الشخص الطويل الخامِل بلباسِهِ المُثير للدَّهشةِ المكوَّن من سروالِ جيشٍ أزرقَ وحذاءٍ مطاطيٍّ طويل، ورداءٍ رومانيٍّ فضفاضٍ من قماشٍ قطنيٍّ مطبوعٍ زَاهٍ، وقُبَّعَةٍ رديئةٍ جدًّا، وهو يترنَّح في أنحاء المُستوطنة الصغيرة، يتبعُه حشدٌ من الأطفال المُشاغبين المُتهَكِّمين، ويتوقَّف ليُسدِّدَ ضربات عشوائية لمن يَقترب من سمكة الإسقلبين النافِقة التي كان عادةً ما يحمِلُها من ذيلِها. كان هذا هو جون نيوبجين.
موته المفاجئ
كما أشرتُ من قبل، فقد مات في أواخر شهر أبريل منذ أربع سنوات. كانت ماري إيميلين، أحد القوارب الشراعية الصغيرة التي كان يمتلك حِصَصًا فيها، قد عادت من ناحية الشرق وقد هرَّبت أو «أدخلت» كمية من براندي سانت جون. انزوى نيوبجين عن الناس وانغمَس في العَرْبدة لفترة طويلة، ثم لُوحِظ تغيُّبُه عن جولاته المُعتادة لعدة أيام. وحين اقتحم سكَّان الجزيرة الكوخ الذي كان يعيش فيه، القريبَ مِن العُشب البحري ويكاد يطُوله مدُّ البحر، وجَدُوه صريعًا على الأرض، وعلى مَقرُبةٍ من رأسه زجاجة ضخمة فارغة.
وكما هو مُتَّبع في عادات الجزيرة البُدائيَّة، دفنوا جُثمان جون نيوبجين دونَ فحصٍ من قِبَل الطبيب الشرعي، أو شهادة وفاة، أو مراسم جنائزية، وفي نَشوةِ فرَحِهم بصيدِ كمية كبيرة من البغروس في ذلك الصيف، سرعان ما نَسوه هو وحياته الخالية من الأصدقاء. وآل نصيبُه في ماري إيميلين وباتيبوت إلى جون هودجدون؛ ولم تُسَوَّ تركته قطُّ؛ لأنَّ أحدًا لم يتقدَّم ليُطالب بتسويتها؛ فالإجراءات القانونية لا تُتَّبَع بحذافِيرها في بعضٍ من هذه المُجتمعات الهامِشيَّة.
ظهورُه من جديدٍ في بوكوك
حسنًا يا عزيزي، كان قد مضَى أربع سنوات وأربعةُ أشهرٍ توَالَتْ بفصولها المختلفة على جزيرة بوكوك، حين ظهرَ جون نيوبجين من جديد، في الظروف التالية:
كما تَذكُر، في الجُزء الأخير من شهر أغسطس الماضي، هزَّتْ عاصفةٌ عاتية أرجاءَ ساحلِنا الأطلنطي. في أثناء هذه العاصفة اضطُر أسطول يُخُوت نادي اليخت في نوجاتاك، الذي كان عائدًا من رحلةٍ بحريةٍ صيفيةٍ بلغت كامبوبيلو، إلى أن يأويَ إلى المَرفَأ الواقع في الجهة المُواجِهة للرياح من جزيرة بوكوك. أمضى سادةُ النادي ثلاثةَ أيام في المستوطَنة الصغيرة القائمة على الشاطئ. وكان من بين المجموعة السيد آر إي؛ أحد الوسطاء الرُّوحانيين الذائِعِي الصيت الذي لاقَى نجاحًا في تجسيد الأرواح بصفةٍ خاصة. صنع السيد إي خلوةً صغيرةً في مبنى المدرسة الصغير في بوكوك، وعقَد جلسة استحضارٍ للأرواح؛ نُزولًا على رغبة رِفَاقه، وللتَّخفيف من حدَّة الضَّجَرِ في محبَسِهم الاضطراري؛ ممَّا أدخلَ البهجة على زُملائه من أصحاب اليخوت وأذهَلَ سكان الجزيرة ممَّنْ سُمِح لهم بمشاهدة الأرواح المُجسَّدة.
بدَت الظُّروف مُواتية لظهور الأرواح على نحوٍ غير مألوف، وبوجهٍ عام كانت هذه الجلسة ربما أبرزَ الجلسات التي أقامها السيد إي على الإطلاق. وكان أكثر ما جعلها مُمَيَّزة أن الأجواء المُحيطة كانت مُحكمة؛ حتى إنَّ أكثر الناس تشككًا وتحامُلًا لم يستطِع اكتشاف أيِّ شُبهةِ خِداع.
كانت أول رُوح ظهرت من الخزانة الخشبية، التي كانت بمنزلة الخلوة، بعد أن قيَّد مجموعة من بحارة اليخوت المُسنين السيد إي بداخلها، لزعيمٍ هنديٍّ قدَّم نفسه باسم هوك آموك، الذي انصرف بعد أن أدَّى إحدى رقَصَات «مهرجان الحصاد» بمُفرَده، وأعلن بكلماتٍ واضحةٍ وحاسمةٍ جدًّا معارضتَه للسياسة الهندية الحاليَّة في الحكم. تَلَا هوك آموك في الظهور روحُ عمَّةِ أحدِ مالِكِي اليخوت، التي لم تترك مجالًا للشكِّ في هُويَّتِها بالإشارة إلى مسائل عائلية وإظهار أثرِ حرقٍ في ذراعها اليُسرى، أصيبت به أثناء إعدادِها صلصة الطماطم حين كانت لا تزال على قيد الحياة. ثم تلاها طفل فرنسي كندي لا يستطيع تحدُّثَ الإنجليزية ولم يتعرَّف عليه أحد من الحاضرين، وسيِّد مَهِيب الطلعة قدَّم نفسه باسم ويليام كينج، أول حاكم لمين. ثم عادوا تباعًا إلى الخلوة ولم يَعُد أحدٌ يَرَاهم.
مضى بعض الوقت قبل أن تتجلَّى رُوحٌ أخرى، حين أعطى السيد إي توجيهاته بخفض الضوء أكثر. ثم انفتح باب الخلوة الخشبي ببطءٍ وظهر شخصٌ مُنتِعلٌ حذاءً مطاطيًّا طويلًا، في رداء مُبهرج بألوان أشبَهَ بألوان سلمون قوس قزح، حامِلًا سمكةً نافِقةً في يده اليُمنى.
إصراره على البقاء
قِيل لي إنَّ رجال المدينة الذين كانوا حاضِرين ظنُّوا أن الوسيط كان مُتنَكِّرًا في ثيابٍ غريبةٍ لإدخال مزيدٍ من الانبهار على سكان الجزيرة، لكنَّهم نهضوا من مقاعِدِهم وصاحُوا في إجماع: «إنه جون نيوبجين! إنه جوني بالتأكيد!» ثم استداروا وفرُّوا هاربين من حجرةِ الدَّرس وهم يُطلِقُون صيحاتٍ مُوحِشَة، وقد تَمَلَّكَهم رعبٌ فِطريٌّ من رؤية الشَّبَح.
تقدَّم جون نيوبجين في هدوءٍ وأذْكَى شُعلةَ مِصباح الكيروسين الوحيد الذي كان يُلقِي بضوءٍ متذبذبٍ على الجلسة. ثم جلس في مقعدِ المُدرس، وعَقَد ذراعَيه ونظرَ حوله بلامُبالاة.
وأخيرًا وبعد فترةٍ طويلةٍ أفصَحَ قائلًا: «يُمكنكم أن تفُكُّوا قيْدَ الوسيطِ الرُّوحاني؛ فأنا أنوي البقاء في الحالة المادية.»
وبالفعل بَقِي. وحين غادرت المجموعة مبنى المدرسة كان جون نيوبجين يَمشي بينهم كإنسانٍ من لحمٍ ودمٍ مثلهم تمامًا. ومنذ ذلك اليوم وحتى الآن وهو يعيش كأحد سكان جزيرة بوكوك، يأكل ويشرب (ماءً فقط) ويَنام مثل البشر. قد يَعتقِدُ أصحاب اليخوت، الذين أبحروا إلى مرفأ بار صباح اليوم التالي مباشرة، أنه مُحتالٌ استعانَ به السيد إي من أجل تلك المناسبة، لكنَّ أهل بوكوك الذين جهَّزُوا جُثَّتَه للدفن وحفروا قبره ووضعوه فيه منذُ أربعِ سنواتٍ يعرفون جيدًا أن جون نيوبجين قد عادَ لهم من أرضٍ لا يعلمون عنها شيئًا.
عضو فريد في المجتمع
في بادئ الأمر لم تكن فكرة وجود شبح — وإن كان مُكَثَّفًا بعض الشيء أكثر من الشبح التقليدي — كفرد في المجتمع من الأفكار السارَّةِ لسكان جزيرة بوكوك الذين يُناهزون ٣١١ شخصًا؛ بل إنَّهم حتى يومنا هذا ما زالوا يَستشعرون حساسيةً بعض الشيء تِجاه هذا الموضوع؛ إذ لديهم إحساس قاطع بأن الأمر إنْ ذاع في الخارج، فقد يضرُّ بمبيعات زيت البغروس الممتاز؛ مُنتَج الصناعة الوحيدة التي يعملون بها. هذا الإحجام عن إعلان السر، بالإضافة إلى بطء هؤلاء البُلَدَاء الفاتِرِي الهمَّة الواقعيِّين في إدراك الأهمية الفائقة للأمر، هو التفسير الذي يجب قَبوله لوجود روح جون نيوبجين على الأرض لمدَّةٍ تَرَاوَحت بين ثلاثة وأربعة أشهر دون أن يَذيعَ أمر هذه الواقعة الفريدة عبرَ جميع أنحاء البلاد.
لكن أخيرًا أدرك أهل بوكوك أنه ليس من الضروري أن تكون الرُّوح شرِّيرة، ولمَّا تقبَّلُوا وجوده كأمرٍ واقِعٍ بأسلوبهم المُتبَلِّد الذي لا يحكمه مَنطِق، صاروا ودُودِين مع السيد نيوبجين وأحبُّوا مخالطته.
أعلم أن سُؤالك الأول سيكون: «هل ثَمَّةَ دليلٌ كافٍ على أنه قد مات من الأساس؟» ورَدِّي على هذا السؤال بِلا تردُّدٍ هو: نعم؛ فقد كان شخصية معروفة للغاية، وكثير من الناس رأَوا الجثَّة بما لا يسمح بوجود أي خطأ من هذه الناحية. وأزيد على ذلك أنه في مرحلةٍ ما كان ثَمَّةَ اقتراح بإخراج الرُّفات الأصلي من القبر، لكن ذلك الاقتراح نُبذ احترامًا لرغبةِ السيد نيوبجين، الذي استشْعَر حساسيةً فطريَّةً تِجاه بعثرة أول مجموعة عظامٍ له بداوفع فضولية بحتة.
حوار مع ميت
سيَسهل عليك أن تصدِّق أنني انتهزتُ الفرصة لرؤية جون نيوبجين والتحدُّث معه. وقد وجدتُه لطيفًا بل وثرثارًا. إنه مُدرِك تمامًا لوضعه الغامض ككائن، لكن تَحْدُوه آمالٌ في أن يصير هناك تشريع مُستقبلًا يُحَدِّد وضعَه ووضع أيِّ روحٍ قد تَتْبعه للعالم المادي على نحوٍ صحيح. الأمر الوحيد الذي يَتكتَّم بشأنه هو تجربته خلال السنوات الأربع المُنصرمة ما بين موته وظُهوره مُجدَّدًا في بوكوك. لنا أن نفتَرِض أن الذِّكرى ليست سعيدة؛ فهو لا يتحدَّث عن هذه الفترة مُطلقًا. غير أنه يعتَرِف صراحةً أنه سعيد بالعودة إلى الأرض، وأنه انتَهز أول فرصة ليتجَسَّد في شكلٍ مادي.
يقول السيد نيوبجين إنه نادِم أشدَّ الندمِ على السنوات الضائعة من حياته الماضية. والحق أن سلوكه خلال الأشهر الثلاثة الماضية يُثبت أن نَدَمَه حقيقي؛ فقد نَبَذَ حُلَّته الغريبة، وصار يرتدي ملابس تليق برُوحٍ مُتزنة. كما أنه لم يَلمَس الخمر منذ ظهوره مجدَّدًا. وانخرط في تجارة زيت البغروس وتُنافس صفقاته صفقات هودجدون، شريكه القديم في ماري إيميلين وباتيبوت. بالمناسبة، يُهدِّدُ نيوبجين بمقاضاةِ هودجدون للحصول على نَصِيبِه كاملًا غير مَنقُوص في كلا القارِبَين؛ ومن ثَمَّ يُرجَّحُ أن تحظَى هذه القضية المُثيرة للاهتمام بتحقيقٍ شاملٍ في المحاكم.
إنه يَلقى احترامًا بوجهٍ عامٍّ كرجل أعمال. وإن كان ثَمَّةَ إحجام ملحوظ عن إعطائه قروضًا طويلةَ الأجل. إيجازًا، إنَّ السيد جون نيوبجين مُواطن يحظَى ببالغِ الاحترامِ (إن كان يُمكِنُ لرجلٍ ميتٍ أن يكون مُواطنًا)؛ حتَّى إنه أعلن عن نيَّتِه الترشُّح في انتخابات المجلس التشريعي القادمة!
خلاصة القول
والآن يا عزيزي، لقد أخبرتُكَ بخلاصة كلِّ ما أعرِفُه فيما يخصُّ هذه القضية الشديدة الغرابة؛ لكن لمَ هي غريبة على أيِّ حال؟ لقد صدَّقْنَا تجسُّد الأرواح في تشيتيندين، فهل نحتاجُ إلى شيءٍ آخرَ غير المنطقِ لتصديقِ هذا الأمر؟ إن كان للروح أن تعود إلى الأرض وقد اكتَسَتْ باللحم وجرَتْ في عروقها الدماء واكتسبت كلَّ صفات البشر المادية، فلِمَ لا تظلُّ على الأرض ما دامت ترى ذلك مناسبًا؟
عند التفكير في الأمر من أي منظور، لا يَسَعُني إلا النظر إلى جون نيوبجين كرائد لموجة هجرةٍ كُبرى مُحتملة من عالم الأرواح؛ فبمجرَّد أن تزول العقبات، سيتقاطَر سِربٌ كامل عائدين إلى الأرض. وحين أفكر في الارتباك الذي سيطرأ على علاقاتنا الاجتماعية جرَّاء ذلك، وسقوط كلِّ المؤسسات المسلَّم بها، وإبطال كل مبادئ الاقتصاد السياسي والقانون والدين، أجدُ نفسي ضائعًا في لُجَّةٍ من الحَيرة والخوف.