أربعة رجال عرفتهم
حسن عاصم باشا
قبل أن تجمعني الصداقة بالمرحوم حسن عاصم باشا، جمعني العمل معه في النيابة العمومية، وكان وقتئذٍ «أفوكاتو» عموميًّا، عرفته رئيسًا، وعرفته صديقًا، ثم عرفته مستشارًا، ثم سر تشريفاتي لسمو الخديو عباس حلمي الثاني، ثم رئيسًا للديوان الخديوي، فما وجدت رجلًا أظهر ثباتًا على المبادئ، وأقوى تمسكًا بنهج الاستقامة من هذا الرجل، فمن عرفه عرف خلقًا صريحًا لا يتلوَّن، وسيرًا قويمًا لا يعوج، ومبادئ راسخة لا تتغير، حتى لقد كان يرميه بعضهم بالتطرف، وشدة التمسك بالحق، ويعدون ذلك عليه جفاء في الأخلاق، وما به جفاء، ولكن الطاعة للمبدأ كالطاعة لقائد الجيش في ميدان القتال.
كان عاصم باشا رجلًا أسمر اللون، قصير القامة، جذاب الطلعة، مقتصدًا في حركاته عند الحديث، جهوري الصوت يميل في لبسه دائمًا إلى السواد على طراز واحد، وقورًا في ملبسه، وقورًا في مجلسه، لا يخرج إلا نادرًا، قليل الضحك كثير التبسم، ويمتاز عن كثير من أمثاله بأنه لا يغلو في إرضاء الناس بالقول، ولا يعد بعمل ما لا يريد.
وقد اشتغل رئيسًا لنيابة الإسكندرية، ثم لنيابة طنطا، ثم مفتشًا في لجنة المراقبة، ثم عين أفوكاتو عموميًّا، وبقي منتدبًا في لجنة المراقبة فلما طلب إليه مظلوم باشا ناظر الحقانية وقتئذ والسير سكوت مستشارها، أن يباشر عمله الجديد رفض الاشتغال بوظيفة الأفوكاتو متى كانت خلوًا من العمل الجدي؛ لأن مسيو لوجريل لم يكن يريد مشاركة غيره في العمل، فوعده الناظر والمستشار أن سيكون له عمل معين، وأنه لن يبقى إلا بضعة أشهر، ثم يعين نائبًا عموميًّا بدل المسيو جريل.
ولكن الحال قد تبدل، واتهم عاصم بأنه معاد للإنجليز، فأمر اللورد كرومر المستشار السير سكوت بفصله من وظيفة الأفوكاتو العمومي، وكان سكوت من العدالة في الأخلاق بحيث يعز عليه تنفيذ هذا الأمر في حق رجل، عرف هو والناس أجمعون مكانه من الفضل والعمل، وموضعه من أصالة الرأي والاستقامة، فكان المستشار في مركز حرج بين تنفيذ أمر المعتمد البريطاني ومعاملة عاصم بما يقتضيه العقل وتوجيه المصحلة من أن يرقيه، كما وعده، لا أن يفصله من غير ذنب، فبقي الأمر بين البقاء والإقصاء، كل هذا وعاصم يعمل بغيرته المعروفة وجده الزائد من غير أن يهتم بفصله أو ترقيته.
ومما يدل على ما كان له من علو في النفس، وقوة في الخلق أنه في هذه الفترة بين الفصل وعدمه وضع مشروعًا يقضي بنقل نحو خمسة وثلاثين كاتبًا باليومية في محكمة الاستئناف التي غصت بالكتبة إلى المحاكم الابتدائية التي كانت في أشد الحاجة إلى الموظفين، فدخل عليه باشكاتب المحكمة بخطاب نقل هذا الجم الغفير، وقال له: «ما لك ولهذا العمل؟ والأمر بفصلك تحت الختم.» فأجاب: إني لا أشتغل إلا للأمة، وما دمت في وظيفتي ولم يصدر أمر فصلي، فلا مندوحة عن القيام بواجباتي.
بقي أمر الفصل تحت التقديم إلى مجلس النظار حتى وجدت وظيفة مستشار من الدرجة الثانية في محكمة الاستئناف فعين فيها، ولم يلبث فيها طويلًا، ثم عين سر تشريفاتي لسمو الخديو، فوضع للتشريفات نظامًا وقواعدَ، ثم رقي إلى وظيفة رئيس الديوان الخديوي، وما لبث أن تغيرت ثقة سموه فيه من غير ذنب أتاه إلا حب محافظته على مبادئه وإخلاص النصح لسموه، فقوبل على ذلك بالإبعاد والإحالة إلى المعاش، ثم تفرغ لأعمال الجمعية الخيرية الإسلامية التي له من الفضل في إيجادها وبقائها القسط الكبير.
أما مذهبه السياسي، فكان رحمه الله يرى رأي حزب الأمة، ويعمل لنشر مبدئه، وهو الاعتدال والدأب على أن تنال الأمة الاعتراف بشخصيتها لتنال الاستقلال التام.
مصطفى كامل باشا
لا أريد أن أطيل القول في مصطفى كامل، فحياته معروفة مشهورة، ولكني أقول موجزًا:
إن مصطفى كامل كان شعاره الوطنية، ووسيلته الوطنية، وغرضه الوطنية، وكلماته الوطنية، وكتابته الوطنية، وحياته الوطنية، حتى لبسها ولبسته، فصار بينهما التلازم الذهني والعرفي، فإذا ذكرت مصطفى كامل بخير، فإنما تطري الوطنية، وإذا قلت: الوطنية، فإن أول ما يتمثل في خيالك شخص مصطفى كامل، كأنما هو والوطنية شيء واحد!
ولقد تمثل ذلك يوم وفاته في هذه المظاهرة التي لم نعرف لها في ذلك الزمان مثيلًا؛ فقد اشترك جميع أفراد الأمة في أمر واحد، على رأي واحد، بصورة واحدة مع اختلافهم فيما عداه.
كل هذا دل على أن الشعور الذي قادهم ليس مذهبًا سياسيًّا، ولا طريقة من طرائق المنازعة السياسية، بل هو أعلى من ذلك؛ هو التضامن القومي، والجامعة الوطنية.
إن مصطفى كامل كان تمثال الوطنية، ولقد دعوت في اليوم التالي لوفاته على صفحات الجريدة إلى إقامة تمثال له يشهد بالاعتداد بفضله في عمله، وتخليدًا لذكره، واعترافًا من الأمة لكل عامل يقف نفسه على خدمتها، وتجسد لهذه الروح الطاهرة.
وقد شاعت هذه الفكرة بين جميع الطبقات، وفتحنا الاكتتاب على صفحات «الجريدة» وتكلفنا بالقيام بهذا العمل، ولو أننا لم نكن من حزبه السياسي؛ لأن مصطفى كان مصريًّا لجميع المصريين.
قاسم أمين بك
كان قاسم أمين من أصل كردي؛ لأن جده أمير من أمراء الأكراد، أخذ ابنه رهينة في الأستانة لخلاف كان بين الأكراد وبين الدولة العثمانية، وكان ذلك الرهينة هو المرحوم أمين بك والد قاسم بك، فجيء به إلى مصر في زمن إسماعيل باشا، ودخل في الجيش المصري، حتى رقي إلى رتبة أميرالاي، وتزوج بكريمة المرحوم أحمد بك خطاب فكان أكبر أولاده قاسم.
ربي قاسم بك التربية المعتادة لأمثاله في مدارس الحكومة، وكان ممتازًا دائمًا بجده وحدة ذهنه وقوة ذكائه، فلما أتم دراسته بمصر أرسل في بعثة إلى فرنسا، فأتم دروس الحقوق ودخل خدمة الحكومة في سنة ١٨٨٥ وكيلًا للنائب العمومي في محكمة مصر المختلطة، ثم لم يبقَ بها غير عامين حتى عين مندوبًا بقلم قضايا الحكومة بنظارة المالية، ثم عين بعد أشهر رئيسًا لنيابة بني سويف، ثم لنيابة طنطا ثم نائب قاض، فمستشارًا في الاستئناف.
أقل مراتب العلم ما تعلمه الإنسان من الكتب والأساتذة، وأعظمها ما تعلمه من تجاربه الشخصية في الأشياء والناس.
كان قاسم بك اجتماعيًّا لا كبقية الاجتماعيين الذين يجعلون أدمغتهم محافظ لآراء الغير، فإذا حضرتهم المناقشة، أو دعتهم الكتابة إلى موضوع اجتماعي، أخذوا يسردون عليك محفوظاتهم من المؤلفين السابقين من غير أن يكون لعقلهم في الموضوع نصيب من الرأي، لا، لم يكن كذلك أبدًا، بل كان مفكرًا بالأصالة، نقادًا لا يستغني عن أفكار الغير، ولكنه لا يعتنقها إلا إذا اعتقدها، وصارت له بما قام في نفسه من الأدلة اليقينية.
بحث قاسم أمين في المسائل الاجتماعية على العموم، فكان رأيه فيها أنها خاضعة دائمًا للقوانين الطبيعية، قوانين التحليل والتركيب، والنمو التدريجي، والانتقال.
وبحث في المسألة الاجتماعية لمصر على الخصوص، فوجد أن حلها متوقف على نظام العائلة المصرية، ووجد أن المرأة هي الأساس الأول لبناء العائلة، فأخذ يفكر كيف يرقي المرأة المصرية، وأطال في ذلك التفكير، وأخذ يجمع قوته وعدته ليفك هذا الإنسان الضعيف من سلاسل الأسر التي قيدته بها العادة، وليهدم هذا السجن العميق الذي حبس الاستبداد في غيابته عقولَ نصف المصريين، وحجب ذلك الضوء الساطع، ضوء روح السيدة المصرية، عن أن ينتشر بين سمائها الصافية وأرضها المخصبة انتشارًا يضيء للرجال طريق السعادة المنزلية، ويوصلهم من غير عناء إلى ذروة المجد والاستقلال.
أجل، ليفك أسر المرأة التي أوقعوها فيه باسم الدين، وما هو من الدين في شيء، فالدين أسمى مما يظنون، فكتب كتاب «تحرير المرأة»، ثم قفاه بكتاب «المرأة الجديدة»، كتبهما فهد ركن سجنها، وأضاء لها ظلمات الحياة المنزلية والزوجية، وجعلها تحس أنها أم الرجل لها احترامه، وأخته لها عطفه وحنانه، وزوجه لها منه محبة لذاتها واعتباره لمركزها، كما هدى إلى ذلك الدينُ القيم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
كتب فأجاد، ولم يخشَ منتقدًا ولا لائمًا، ولم ينزله خوف الانتقاد عن فكرة من أفكاره ولا لفظ من ألفاظه؛ ذلك لأنه يعتقد اعتقادًا كاملًا بصحة ما كتب، ويغريه الانتقاد في حب البلاد بألا يعبأ بالانتقاص الذي وجه لشخصه، بل صيره متينًا في رأيه ومكينًا في اعتقاده مجاهرًا به في كل يوم حتى ساعة وفاته.
أخذ قاسم على عاتقه حمل هذا العبء الثقيل، عبء السعي بالمرأة المصرية إلى نظام العائلة، وبنظام العائلة إلى الرقي الاجتماعي المنشود، وبهذا الأخير إلى استقلال البلاد.
وقد كان يربأ بنفسه عن أن يكون حاله كحال أولئك الأذكياء المجازفين الذين إذا ضم أحدَهم مجلسٌ طرحت فيه فكرة أو مناقشة، انحدر انحدار السيل يفيض في القول صوابًا أو خطأ من غير تدبر كأن معانيه وألفاظه لا قيمة لها في نظره يجود بها إسرافًا وتبذيرًا، فأما قاسم، فإن كل من عرفه أو سمعه يتكلم أول ما يخطر في باله أنه لم ينطق إلا عن روية وفكرة طويلة سابقة؛ شأن الرجل المتحرج في ذمته لا ينشر بين الناس إلا ما قام له الدليل الواضح على صحته.
وإن الذي يدرك معاني قاسم أمين، أو أغراضه، وتوجهه بكليته إلى العلم والفكر، ربما يظن أنه ككثير من العلماء والمفكرين فاتر الطبع، ساكن الأعصاب، كلا، لم يكن كذلك، بل كان ملتهبًا في الدفاع عن دينه ووطنه، بل إن بينه وبين الباقين بونًا بعيدًا؛ فإنهم إذا حضرتهم هذه الوطنية انفعلوا، ولكنه إذا جاءته هو انفعل، وانفجر انفعاله على قلمه ولسانه.
كتب «الدوق داركو» كتابًا هجا فيه المصريين وأنحى على دينهم، وسفه أحلامهم وقبح عاداتهم وأخلاقهم، فانبرى له قاسم، ووضع كتابًا باللغة الفرنسية مكينًا في معناه، ساحرًا في أسلوبه، قويًّا في تركيبه، دفع فيه عن الدين الإسلامي التُّهمَ التي هو براء منها، وقارن بين حال المسلمة وحقوقها في الإسلام وبين حال المرأة الأوربية المتمدنة، فكان لهذا الكتاب صدًى في عالم الكتابة الأوربية.
وقابلت قاسم أمين بعد وفاة المرحوم مصطفى كامل باشا فقال: «ما أنت وهذه الحركة القائمة؟» قلت: «على ما قد قرأت.» قال: «إنهم يقولون إنك بالغت في وصف الروح الوطنية، وإنك تعلق عليها آمالًا، وقد لا تكون صادقة.» قلت: «والله ما اخترعت، ولا بالغت فيما كتبت، ولكني رأيت رأي العين شعور التضامن يتجلى أمامي على رءوس الناس في الشوارع والطرقات، فما فعلت شيئًا أكثر من أني أرسلت الألفاظ لتلبس هذا المعنى الطاهر وسطرتها على صفحات «الجريدة»، وهل أنت تقول: إني بالغت مع القائلين؟»
فانبرى يقول: «إني أتهمك بالتقصير في وصف هذه الحال الشريفة، ولو كنت أخفف عليك في الحكم، لقلت: إنك في نظري أميل إلى التقصير في هذا الموضوع منك إلى الغلو والإغراق، إن هذا الشعور الوطني الشريف، هذا المولود الحديث الولادة الذي خرج من دم الأمة وأعصابها، هذا هو الرجاء في المستقبل، هذا هو الذي يجب عليكم جميعًا أن تباركوا عليه وتتعهدوه حتى يصير شابًّا، هناك تنالون الاستقلال.»
أحمد عرابي باشا
في سنة ١٩١١ توفي أحمد عرابي باشا قائد الثورة العرابية التي نشبت سنة ١٨٨٢، أيام كنت صبيًّا في العاشرة من عمري، ولما كان — غفر الله له — من نوابغ المصريين وقد لعب دورًا مهمًّا في تاريخ مصر، أود أن أسجل رأيي فيه في هذه المذكرات:
لقد كان مستقبل مصر طوع يدي هذا الرجل، إن أصاب الفكرة، وحزم الرأي، وأتقن العمل، جعله مستقبلًا سعيدًا، وإن عجل ولم يتدبر وانقاد لشهواته أو شهوات زملائه وقعت مصر في التعاسة، ومن نحس الطالع أن الذي جرى هو آخر الفرضين!
لعرابي حسنات قبل الثورة، له حسنة رضيت عنها الأمة وفرحت بها، رضيها الخديو توفيق باشا، وسار عليها العمل، تلك الحسنة الكبرى هي الدستور؛ فالدستور المصري من عمله، ومن صنع يده، ومن آثار جرأته، طلبه عرابي، لا بوصف أنه عسكري ثائر، ولكن بوصف أنه وكيل وكلته الأمة في ذلك، فإن عريضة طلب الدستور كانت ممضاة من وجهاء الأمة ومشايخها، فأما كون القوة العسكرية هي التي كانت الآلة لتنفيذ إرادة الأمة في ميدان عابدين، فذلك — إن لم يكن مشروعًا قانونًا — فإنه مشروع بتقاليد الأمم؛ لأنه هكذا جرى في كثير من البلاد، وكان القائد للحركة الدستورية في كل بلد يحمل على الأكتاف، ويهتف باسمه في الشوارع والنوادي والمجالس، فعرابي حقق آمال الأمة بالدستور، ولم يرتكب في ذلك جريمة، ولم يسفك دمًا، بل كانت الحركة في حقيقتها سلامًا لابسًا كسوة عسكرية.
لا يجوز لنا أن نغمط حق الرجل في إنالتنا الدستور، بل يجب علينا أن نردد له ثناء آبائنا يوم صدر قانون الانتخاب، وقانون مجلس النواب، فإن كانوا بعد ذلك لم يستطيعوا حفظ مراكزهم، أو إذا كانت إنجلترا أغلقت المجلس، وألغت قانونه يوم دخولها؛ فذلك ليس من خطأ عرابي المباشر، ومع ذلك إذا كان في أخريات الأمر أو في عهد الثورة لم يحترم استقلال المجلس، وضغط عليه بقوة السيف، فذلك عمل آخر يحسب عليه بعد أن يحسب له كسب الدستور.
لعرابي سيئات بعد ذلك، فيما يتعلق بخروجه على خديو هادئ من غير مصلحة عامة للأمة، وفي عدم تقديره حالة أمته من القوة والضعف تقديرًا صحيحًا، وفي الجهل بالمقارنة بين قوته الحربية وقوة إنجلترا، وفي الانخداع ببعض المهيجين الإنجليز، وبكلمات بعض نوابهم الأحرار.
•••
عرابي له حسنة كبرى، وسيئة كبرى، حسنة عَمدية، ومعظم سيئته خطأ وجهل، فأما الخيانة، فذلك أمر لا نعرفه في زعمائنا المصريين المحسنين والمسيئين على السواء، وكان من شأن هذه السيئة التي عوقب عليها أن تأكل الحسنة الأولى التي أسداها، وهي الدستور، فيصبح بعد ذلك على الأقل إنسانًا لا له ولا عليه كبقية خلق الله، ولكن كان الأمر على غير ذلك، فإن الرجل عاش في منفاه مذمومًا عند قومه، فلما جاء من منفاه، وهو شيخ أشيب، لم يحترم له شيء من حسن نيته، ولم يحفظ له شيء من تاريخه الطيب، بل اتهم ضميره بالخيانة! ولا يعلم الضمائر إلا الله.
الرجل ما قابلته أبدًا ولا جالسته مطلقًا، ولكني أظن أن سوء مقابلته من أصحابه ومواطنيه غيرت قلبه، وحطت من همته، فأخذ يدافع عن نفسه بعض الأحيان دفاعًا أقل تناسبًا مع اسمه وملكاته، ولا ينطبق على قائد كبير مثله قابله الدهر باليد العسراء، وجعل الفشل قيدًا لجهاده في خدمة بلاده.
لا أنكر أن عرابيًّا أساء إلى وطنه وأمته، ولكن يجب أن أسارع بأنه أساء غير قاصد إساءته، أساء من حيث أراد أن يحسن، وأضر من حيث أراد أن ينفع، فله ثواب النية، وعليه مسئولية النتيجة.
نعم عليه مسئولية النتيجة، ولكن ما أظنه منفردًا بها؛ لأن الحكومة يجب أن تتحمل منها نصيبًا أيضًا، ومجلس النواب يجب أن يتحمل منها نصيبًا، كلٌّ على قدره، بل أعيان البلاد وتجارها يجب عليهم أن يتحملوا من المسئولية شيئًا.
يقولون: إن عرابيًّا أخافهم بحد السيف! والواقع أننا ما سمعنا أن رجلًا واحدًا قتله العرابيون؛ لأنه تنبأ بسوء العاقبة، وأنذر وحذر، ووقف لهم في طريق الثورة موقف الخصم الألد، فعرابي لا يصح أن يكون وحده هو المسئول عن جميع الأعمال التي كونت الثورة، وأدت إلى هذه النتيجة السوداء …