الفصل السادس
بدأ عبد الشكور يتعرف على طبيعة العمل في قسم الأسهم والسندات، وما لبث أن فرض نفسه على فتحي السبكي حتى أصبح أقرب المقربين إليه.
وبهذه الصلة الوثيقة تبيَّن له ما أذهله.
لقد كان فتحي يتصرف في أسهم الناس وفي سنداتهم كأنها ملك شخصي؛ ينال منها على غير علم من أصحابها مكاسب فادحة.
وتظاهر عبد الشكور أنه لا يفهم ما يصنعه فتحي، وصرف جهده أول ما صرف إلى التعرف على أصحاب هذه الأسهم؛ فالغالبية العظمى منهم هم أصحاب الأموال الجسام الذين لم يكن العهد الحاكم قد مسَّهم بعد.
وعن هذا الطريق تعرَّف على أصحاب الثراء العريض والأصل الرفيع، حتى إذا وثَّق صلته بهم عاد إلى فتحي الذي كان قد أمن له كل الأمان وجعله يتعرف على خوافي الأمور وسراديبها.
وكان فتحي على قدر واسع من الذكاء؛ مما جعله يتيح لعبد الشكور أن يقوم ببعض العمليات التي تعود عليه بالربح الوفير؛ وإن لم يكن إلى وفرة عمليات فتحي طبعًا.
في يوم من الأيام بينما هو في مكتبه طلبه نبيل في التليفون: ماذا تعمل؟
– مهما يكن ما أعمله أنا تحت أمرك.
– تعالَ.
وحين جلس عبد الشكور أمام نبيل قال نبيل: أتذهب إلى السينما؟
– فيما ندر.
– لماذا؟
– يا نبيل يا حبيبي، أنا العمل الذي لا أكسب منه لا يلزمني.
– ربما تكسب تسلية. ويقولون إن بعض الأفلام المأخوذة عن أعمال كبار الكتاب قد تكسب ثقافة.
– هل هذه الثقافة تنفعني في البنك؟
– المؤكد أنها تنفعك في الحياة.
– كيف؟
– في معاملة الناس ومحادثة أهل الحل والربط.
– والله لك حق؛ فأنا لا أعرف أعظم من صبحي بك. ومن يدري لعل الأيام ترمي بي في طريق بعض العظماء.
– هذا أمر وارد لا شك.
– بدأت أتعرف بأصحاب الأسهم والسندات من الأثرياء الكبار والباشاوات والبكوات السابقين، وأقول لك الحق: ما زلت أتهيب أمرهم وكأنهم ما زالوا باشاوات وبكوات.
– العظمة عند أغلب هؤلاء ليست في الرتبة وإنما في الطبع والتصرف والخلق والثقافة ومعاملة الناس والحياة.
– لك حق. ما زال لهم جلالهم وهيبتهم وكأن الثورة لم تقم.
– وطبعًا أبوك لم يكن يعرف واحدًا منهم.
– وما الداعي لهذه الملحوظة.
– أقصد أن ثقافتك قاصرة في هذا الشأن.
– مؤكد.
– فلا بد أن تثقف نفسك حتى تعرف كيف تحادثهم.
– بالسينما؟
– بالسينما وبالكتب وبالروايات الكبرى لعظماء الكتاب. وإلا ماذا ستفعل إذا حدثك واحد من هؤلاء في الحياة العامة ووجدك لا تعرف أسماء الكتاب المصريين والعالميين.
– يا نهار أسود! تكون مصيبة.
– ابدأ بالسينما.
– أبدأ بالسينما.
– أنا عازمك اليوم في حفلة الساعة السادسة.
– أذهب معك.
– بل تذهب وحدك.
– ماذا؟
– ما سمعت.
– أمرك.
– وهو كذلك. أظنك في هذه الفترة لن تكون محتاجًا لشقتك.
– يا نبيل يا حبيبي، لم تكن محتاجًا لكل هذا لتستعمل الشقة.
– أنا أعلم ذلك، ولكن الحديث جر بعضه، وعليك أن تعلم أنه بصرف النظر عن مسألة الشقة فإن كل ما قتله لك صحيح، وعليك أن تهيئ نفسك لمعرفة هؤلاء الأجاويد.
– والله أنا وزنت ما تقوله ووجدته معقولًا.
– ألم أقل لك.
– فعلًا لك حق. خذ المفتاح.
– شكرًا.
– أنا لا مانع عندي أن أزيد نفسي ثقافة وأذهب إلى حفلة الساعة التاسعة أيضًا على حسابي الخاص.
– يا نهارك أسود! أتريد أن تطردني زوجتي من البيت.
– لماذا؟
– انت انهبلت! أدخل عليها الساعة الثانية عشرة ولا تطردني.
– وإذا طردتك، تنفذ الطرد؟
– سأكون بين اثنتين لا ثالث لهما؛ إما أن أخرج وأتصرف في المبيت بأحد الفنادق، وإما أن تأخذ هي العيال وتذهب إلى بيت أبيها وتصبح فضيحة بجلاجل.
– وما الداعي؟! يكفيك حفلة الساعة السادسة.
– وأين أترك لك المفتاح؟
– إنني منذ عرفتك وأنا معد نفسي لهذا الطلب الذي أعتقد أنه تأخر كثيرًا.
– ماذا تعني؟
– معي مفتاح آخر، وغدًا آخذ منك المفتاح الذي أعطيته لك الآن.
– ولماذا لا تبقيه معي؟
– لا، لا يمكن. لا بد أن تطلبه مني كلما احتجت إليه. وإلا فوجئت بي على رأسك في الشقة وربما في السرير أيضًا.
– فعلًا، فعلًا، لك حق. غدًا أعطيك مفتاحك.
– سأكون عندك بكرة قبل أن تشرب قهوتك.
– وهو كذلك.