الوطن العربي
(١) موقع شبه جزيرة العرب وحدودها
تقع شبه جزيرة العرب في الطرف الغربي من قارة آسيا، وهي مستطيل غير متوازي الأضلاع شماله فلسطين وبادية الشام، وشرقه الحيرة ودجلة والفرات وخليج فارس، وجنوبه المحيط الهندي وخليج عدن، وغربه البحر الأحمر.
ويبلغ طوله أكثر من ألفي كيلومتر، وعرضه أكثر من ألف وخمسمائة من الكيلومترات، ومساحته تزيد عن مساحة الهند.
وبلاد العرب جزء من صحراء كبرى ممتدة في شمال أفريقيا وغرب آسيا ولا يفصلها عن آسيا إلا حوض النيل وأخدود البحر الأحمر الذي تحفه الصخور النارية على جانبه.
ويطلق العرب على بلادهم اسم جزيرة العرب، وفي هذه التسمية كثير من التسامح؛ إذ الواقع أنها لم تتم إحاطتها بالماء، ويعلل جغرافيو العرب تسميتها بالجزيرة «لإحاطة الأنهار والبحار بها من جميع أطرافها وأقطارها فصاروا منها في مثل الجزيرة من جزائر البحر؛ وذلك لأن الفرات يُقبل من بلاد الروم مارًّا ببلدة قنسرين، ثم ينحط على أطراف الجزيرة وسواد العراق، حتى إذا قارب البصرة اتحد بدجلة وصبَّا معًا في خليج عمان من بحر الهند، ويأخذ البحر في ذلك الوضع مغربًا طائفًا ببلاد العرب، منعطفًا عليها إلى بلاد عمان والشحر وحضرموت إلى تهائم اليمن، ويمضي إلى ساحل مكة وساحل المدينة، ثم ساحل الطور وخليج أيلة وخليج القلزم، والنيل حتى بحر الروم الذي تقع عليه سواحل الأردن وبيروت وسواحل دمشق وسواحل قنسرين، وهي الناحية التي أقبل منها الفرات منحطًا إلى أعلى أطراف الجزيرة وسواد العراق، إلخ.» (راجع معجم البلدان لياقوت وصفة جزيرة العرب للهمداني).
وهذا التحديد وإن كان يسهل فهم تسمية البلاد العربية بالجزيرة إلا أنه يتطلب أن تعتبر ولايات الشام وفلسطين والأراضي المصرية الواقعة شرقي فرع دمياط من ضمن بلاد العرب، وهذا غير مُرْضٍ عند الجغرافيين المحدثين، ولا هو منطبق على المصطلح الجغرافي ولا على الواقع.
(٢) بلاد العرب في نظر الجغرافيين القدامى
فيما خلا الجزء الجنوبي الغربي حيث بلاد اليمن والجزء الشمالي المتاخم للشام ومصر كانت بلاد العرب مجهولة تمامًا لدى القدماء، فلم تطأها أقدامهم؛ إذ عصمتها الصحراوات والبحار المحيطة بها من الغزو الاستعماري أو الغزو الديني، كما عصمها كذلك ترامي أطرافها وعدم جودها بما يغري الغزاة على تجشم المصاعب في سبيل غزوها.
- (١) بلاد العرب الصخرية Arabia Petraea وهي عبارة عن المثلث المنحصر بين خليجي البحر الأحمر «شبه جزيرة سينا»، والمنطقة التي تليه إلى الشمال والشمال الشرقي، وكانت عاصمتها مدينة بطره Petra وقد سميت بهذا الاسم إما نسبة إلى عاصمتها أو إلى طبيعة المنطقة الصخرية.
- (٢) بلاد العرب الصحراوية Arabia Deserta وهي تشمل بادية الشام وجزءًا من داخل شبه الجزيرة.
- (٣) بلاد العرب السعيدة Arabia Felix وهي تشمل بقية أجزاء البلاد ما عدا الجزأين السابقين.
وجهل القدماء بداخل بلاد العرب هو الذي دعاهم إلى احتسابه ضمن بلاد العرب السعيدة «أو الخضراء» مع أنه في الواقع يعتبر من بلاد العرب الصحراوية، أما ما يصح أن يطلق عليه اسم بلاد العرب السعيدة فهو الجزء الجنوبي الغربي حيث بلاد اليمن التي كانت فيها حضارة معين وسبأ.
(٣) وصف بلاد العرب الطبيعي
يمكن بالإجمال وصف بلاد العرب بأنها هضبة مرتفعة لا يقل ارتفاع أي جزء فيها عن ١٥٠٠ قدم عن سطح البحر.
وهذه الهضبة تنحدر انحدارين أحدهما نحو الغرب والآخر نحو الشرق، ويبدأ الانحداران من سلسلة جبال تقع في غرب شبه الجزيرة وتُعرف باسم جبال السراة، وهي تمتد من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب حيث تصل إلى أعلى ارتفاعها وهو عشرة آلاف قدم «أو أكثر من ٣٠٠٠ متر».
أما الانحدار الغربي فهو شديد، وتحصر سلسلة الجبال فيما بينها وبين ساحل البحر الأحمر واديًا ضيقًا متوسط عرضه خمسة عشر ميلًا (نحو ٢٩ك.م)، وأقصى اتساع له ثلاثون ميلًا «نحو ٥٧ك.م» تتخلله عدة وديان لا يستفاد منها، بل قد تعوق سير القوافل في بعض الأحيان.
وأما الانحدار الشرقي فهو انحدار تدريجي لا يكاد يُلمس ويصحبه انحداران آخران أحدهما ناحية الشمال الشرقي، والآخر ناحية الجنوب الشرقي.
وهذا الوصف الذي ذكرناه يظل صحيحًا اللهم إلا في الجنوب الشرقي حيث تبرز سلسلة من الجبال في عمان هي المعروفة باسم الجبل الأخضر يبلغ ارتفاعها نحو عشرة آلاف قدم أيضًا «أو أكثر من ٣٠٠٠ متر».
وإذا استثنيت بلاد اليمن وعمان وبعض الوديان الواقعة في سلسلة الجبال الغريبة أمكننا وفي نجد والأحساء أن نصف بلاد العرب بأنها قفر مجدبة.
وتُسقط الرياح الموسمية الجنوبية الآتية من ناحية الحبشة بعض الأمطار في بلاد العرب وتستفيد بلاد اليمن بأكبر قسط منها؛ إذ تصدها الجبال العالية، فيزرع هناك البن والحبوب والفاكهة، وفي الجهات التي هي أقل مطرًا من هذه المنطقة تنبت أشجار الصمغ والبخور.
أما عمان فتحمل إليها الرياح الموسمية الشمالية الشرقية بعض الأمطار، وأما حضرموت فلا تستفيد من هذه الرياح الموسمية بسبب محاذاة جبالها لمهب الرياح.
وحيثما يسقط المطر في بلاد العرب ينبت الكلأ وتتيسر سبل الحياة، وفيما عدا ذلك فكل البلاد عبارة عن صحراء شاسعة بعثرت فوق أديمها بعض الواحات التي يوجد فيها بعض الماء، وتكثر فيها زراعة النخيل وبعض البقول وتحف بها بعض المراعي وتربط طرق القوافل هذه الواحات بعضها ببعض، وفي غير هذه الأماكن لا يقع بصرك على سكان.
والوصول إلى عمان ميسور من ناحية البحر حيث يعيش فريق من السكان على صيد الأسماك والغوص على اللؤلؤ في الخليج الفارسي، أما عن طريق البر فترتبط باليمن عن طريق شبوة ولكن الطريق طويل وشاق.
وتغطي الحشائش حافة الصحراء الجنوبية التي تفصل بين عمان واليمن وبينها وبين نجد.
وليس في بلاد العرب أنهار ولا غابات، وأقصى ما وصل إلى عملنا هو وجود بحيرتين أو ثلاث بحيرات صغيرات في منطقة الأحساء.
«والأحساء والحساء — كما في كتب العرب — جمع حسى وهو موضع رمل تحته صلابة، فإذا أمطرت السماء على ذلك الرمل نزل الماء فمنعته الصلابة أن يغيض ومنع الرمل السمائم أن تنشفه فإذا بحث ذلك الرمل أصيب الماء».
- (١)
قسم أوسط أو قلب هو عبارة عن صحراء صلبة فيها عدة وديان وواحات تقوم بأود عدد لا يستهان به من السكان المقيمين.
- (٢)
دائرة كاملة من الكثبان الرملية تحيط بالقسم الأول وتتسع ناحية الشمال وناحية الجنوب.
- (٣)
دائرة خارجية تطوق الثانية وبعض هذه الدائرة نجاد وبعضها وهاد وبعض أجزائها قفرٌ عارٍ والبعض الآخر منزرع وغاصٌّ بالسكان.
- (١)
أما القسم الأول فهو نجد.
- (٢)
وأما القسم الثاني فإنه يشمل صحراء النفود الشمالية والدهناء والربع الخالي.
- (٣)
وأما القسم الثالث فإنه يشمل مدين والحجاز وعسير واليمن وحضرموت وعمان والأحساء.
وتكون مرتفعات عسير واليمن وجزء من حضرموت ما كان يسميه الجغرافيون القدماء ببلاد العرب السعيدة، ومناخ هذه الأجزاء معتدل وأمطارها كافية وتربتها خصيبة.
وتنطبق هذه الأوصاف أيضًا على عمان التي تروي ساحلها نهيرات تستمد ماءها من الجبل الأخضر، ولا يقل خصبها وإنتاجها عن أي جزء من الأجزاء السابقة؛ أما فيما عدا هذه الأجزاء فالغلبة للصحراء التي يبرقش أديمها في بعض الأحيان واحات يصل الخصب في بعضها — كالمدينة والحسا — إلى درجة عظيمة، وأما الربع الخالي فهو خلاء تكثر فيه الأعاصير الرملية ولا يقدر أحد حتى البدو على ارتياده.
(٤) تقسيم العرب لبلادهم
قسم معظم كتاب العرب بلادهم في أخبارهم وأشعارهم وغيرها إلى خمسة أقسام وهي:
هي عند أهل اليمن يمن وشأم؛ فجنوبها اليمن وشمالها الشأم، ونجد وتهامة؛ فالنجد ما أنجد منها عن السراة وظهر من رءوسها ذاهبًا إلى المشرق في استواء دون ما يتمدد إلى العروض، وحجاز وهو ما حجز بين اليمن والشأم، وسراة وهو ما استوثق واستطال في الأرض حيال هذه الجزيرة مشبهًا بسراة الأديم، وعروض وهو ما أعرض عن هذه المواضع شرقًا إلى حيث شمال المشرق، وعراق وشحر، فالعراق ما حاذى المياه العذبة والبحر من الأرض، مأخوذ من عراق الدلو، والشحر مأخوذ من شحر الأرض وهو سبخ الأرض ومنابت الحموض. ا.ھ.
وسنتبع نحن التقسيم الأول؛ لأن إجماع الكتاب القدامى والحديثين يكاد ينعقد عليه، ولأنه أكثر انطباقًا على الحالة الطبيعية لشبه الجزيرة، وهذا بصرف النظر عن أن جغرافي العرب لم يحددوا هذه الأجزاء بحدود ثابتة.
وسنعالج فيما يلي كل قسم من هذه الأقسام الخمسة:
(٤-١) اليمن
وكان يسميها الأقدمون بلاد العرب السعيدة واليمن الخضراء. قال الهمداني: «وسُميت اليمن الخضراء لكثرة أشجارها وثمارها وزروعها.»
وأما سبب تسميتها باليمن ففيه قولان؛ قول يقول: لأنها تقع إلى يمين الكعبة، وآخر يقول: لأنها بلاد اليُمن والخير والبركة.
وهي تمتد على طول المحيط الهندي، ويحدها البحر الأحمر من ناحية الغرب، والحجاز من الشمال، وفيها التهائم والنجد.
وتتكون بلاد اليمن من عدة أقسام صغرى، أهمها: حضرموت وشحر وعمان ونجران، وتنفرد شحر من هذه الأقسام بإنتاج البخور، وأهم مدن اليمن صنعاء، وهي مدينة قديمة جدًّا ذات موقع ممتاز.
ولبلاد اليمن شهرة قديمة بسبب جودة مناخها، وخصوبة تربتها وغناها، ولقد ذكر «استرابون» أن أوصافها هذه أغرت الإسكندر المقدوني بفتحها، إلا أنه أرجأ هذا الفتح إلى ما بعد عودته من حملة الهند، ولكن المنية عاجلته في بابل فلم ينفذ تصميمه.
على أن فريقًا من المستشرقين، يعتقد أن ما نسب إلى اليمن من غنى وخصب مبالغ فيه، وأن معظم الحاصلات التي كان يظن أن بلاد اليمن هي مصدرها، إنما كان يستجلبها العرب والمصريون الذين كانوا يحتكرون التجارة في البحر الأحمر، من جزائر الهند وسواحل أفريقيا الشرقية، وأنهم كانوا يخفون هذا عن جيرانهم، حتى لا يزاحموهم في الحصول عليها من هذه الأنحاء.
ويرجع ازدهار اليمن وخصبها إلى الجبال التي تقع في داخلها، والتي تصد الرياح الموسمية فتسبب الأمطار التي تجعل أرض اليمن تجود بالبن أهم حاصلاتها وبالفاكهة والقمح والأعناب والتوابل.
وليس في بلاد اليمن أنهار مهمة؛ لأن السيول التي تنزل من الجبال قل أن يصل مجراها إلى البحر؛ إذ تتشربها رمال الصحراء المحرقة.
(٤-٢) الحجاز
وسُمي حجازًا لأنه يفصل ما بين نجد وتهامة، أو لأنه يحجز بين اليمن والشام، وهو سلسلة جبال السراة الممتدة من أقصى اليمن إلى الشام.
وأهم مدن الحجاز مكة والمدينة، وتشتهر الأولى بوجود الكعبة المقدسة فيها، وبأنها مكان ولادة النبي ﷺ، وتشتهر الثانية بأنها موطن هجرته عليه الصلاة والسلام، وبأن ترابها ضم جثمانه الطاهر.
وسنرجئ الكلام عن الكعبة إلى موضع آخر.
أما المدينة وتُعرف أيضًا بطيبة، وكانت تُعرف قبل هجرة النبي إليها باسم يثرب «ولعل هناك صلة تربط ما بينها وبين مدينة إتريبس المصرية القديمة» فهي تلي في الأهمية مكة، وتبلغ في المساحة نحو نصفها، وهي بيضية الشكل، تحيط بها أسوار بها ثلاثة أبواب، وتقع بين حرتين من حرات جبل السراة، ويصل الماء إليها من قباء التي تقع على بعد ثلاثة أرباع الميل إلى الجنوب منها، وفي فصل المطر تنهمر السيول من الجبال المجاورة إليها ومن أجل ذلك كانت المنطقة المحيطة بها أكثر خصبًا من مكة وإلى الشمال منها يقع جبل أحد المشهور.
(٤-٣) تهامة ونجد والعروض
-
(أ)
أما تهامة فإنها سميت تهامة من التَّهَمِ، وهو شدة الحر وركود الريح، ويقال لها الغور أيضًا لانخفاض أرضها، وهي تطلق على الأرض الممتدة من غرب جبال السراة إلى ساحل البحر الأحمر، وفيها كان يجري طريق القوافل الغربي الذي يمتد متاخمًا لساحل البحر الأحمر، ومعظم مدنها في الوقت الحاضر ثغور، أهمها جدة التي بناها عثمان بن عفان وهي فرضة مكة، وينبع وهي فرضة المدينة.
-
(ب)
أما نجد فسميت نجدًا لارتفاع أرضها، وهي تشمل المنطقة التي تلي الحجاز من الشرق وتمتد إلى الخليج الفارسي، وحدودها ليست معروفة تمامًا في كتب العرب الجغرافية لكثرة الأقوال وتعدد الآراء وهي ليست قاحلة تمامًا كما يتصورها معظم الناس، وهي تشتهر بمراعيها الجيدة التي تربى عليها أجود الخيول التي تشتهر بها بلاد العرب.
-
(جـ)
أما العروض وتعرف باليمامة، فسميت عروضًا لأنها تعترض ما بين نجد واليمن، وسميت يمامة نسبة إلى اليمامة وهي أشهر بلد فيها، وكانت تسمى أيضًا جو وهو الاسم القديم لليمامة، وينتظم هذا القسم عدا اليمامة بلاد البحرين، ويقال لبلاد البحرين أيضًا هجر، ويطلق على الجزء الشمالي منها اسم الأحساء، ذكر الأستاذ «هل» الألماني في كتابه حضارة العرب أن بلاد نجد واليمامة كانتا تسدان حاجة العرب من القمح، كما كانتا في القرنين السادس والسابع لا تقلان عن أراضي أوروبا المنزرعة اليوم، بل ربما كانتا تبزانها خصبًا في كثير من البقاع.
هذه هي أقسام بلاد العرب في نظر جغرافييهم، وإتمامًا للفائدة نعرض في الفقرة التالية لبعض التفصيلات الطبوغرافية الهامة التي قد يصادفها كثيرًا الباحث في تاريخ العرب. «والطبوغرافية هي فن وصف الأماكن.»
(٥) بعض تفصيلات طبوغرافية
(٥-١) بادية الشام
(٥-٢) النفود الشمالية
وتقع إلى الجنوب من الجوف صحراء النفود الكبرى، ويبلغ طولها من الغرب إلى الشرق نحو ٤٠٠ ميل ومتوسط عرضها نحو ٢٠٠ ميل، وهي في الغالب عديمة الماء، وفي الأشتاء الممطرة تكثر بها المراعي فإذا جاء الربيع انتجعها البدو بإبلهم، وتكثر في صحراء النفود الكثبان المرتفعة ذات الرمل الدقيق التي تتحرك مع الريح، وأشهرها الكثبان التي توجد في منطقة الفلج.
(٥-٣) الدهناء
وتختلف عن النفود في أن متوسط عرضها ٣٠ ميلًا، وأن طولها يبلغ من الشمال إلى الجنوب ٤٠٠ ميل، وتكثر بها التلال الرملية التي يبلغ ارتفاع الواحد منها ٢٠٠ أو ٣٠٠ قدم، ورمل هذه التلال أحمر وليس فيه أي أثر للنبات، ولا ترى هذه التلال في جنوب الدهناء، وإذا سقطت الأمطار ظهرت المراعي، وعند ذلك يؤمها البدو كحالهم في النفود، وتُخترق الدهناء من الشمال في ١٣ ساعة على الإبل وفي ست ساعات من جهة الأحساء، وذكر مؤلف جزيرة العرب في القرن العشرين أنه قطعها إلى نجد في ٣ ساعات بالسيارة، كما ذكر أن بعض الجهات لا تُرى فيها غير الرمال المرتفعة التي تكاد تبتلع المارة لنعومتها وعدم تماسكها فيتجنبها المسافرون ابتغاء سلامة أرواحهم وأموالهم.
(٥-٤) الربع الخالي
ويُسمى أيضًا صحراء الجنوب، هو منطقة لم يطأها قدم مستكشف إلا منذ نيف وعشر سنوات؛ حيث نجح برترام توماس في اختراقها في ٥٨ يومًا من بحر العرب إلى الخليج الفارسي، واكتشف في أثناء رحلته بحيرة من الماء الملح طولها سبعة أميال؛ وقد قطعها من بعده «عبد الله فلبي»، ويرجح أنها صحراء ذات حصا وحجارة جيرية، وأنها عامرة بالكثبان الرملية المرتفعة مثل النفود الشمالية والدهناء، وطرفها الجنوبي الغربي يسمى بالأحقاف وهو المنطقة التي يظن أنها تضم آثار عاد البائدة، وتربي قبائل بني مرة وغيرها إبلهم في بعض أطرافها «كجنوبي نجد وأطراف عمان وحضرموت واليمن» حيث تكثر البرك والمستنقعات الملحة، وتشرب إبلهم الماء الملح بينما يشرب المربون أنفسهم ألبان الإبل.
(٥-٥) الوديان
لا يوجد في بلاد العرب أنهار بالمعنى المعروف، ولكن بعض مجار أو نهيرات صغيرة دائمة في عسير واليمن وجهات عدن والأحساء، وعمان ونجد، ووديان لأعداد لها مما تجري فيها المياه إبان المطر، وهي في الغالب طويلة وغير عميقة، وأطول هذه الوديان وادي الرمة الذي يبدأ قريبًا من المدينة ويمر في القصيم ثم إلى شط العرب، ووادي حنيفة الذي يبدأ في منحدرات جبل طويق الغربية إلى اتجاه الخليج الفارسي «وهو لا يصل إليه» فهذان الواديان يمكن أن يعبر مجراهما أثناء فيضانهما الواطئ والمتوسط بدون صعوبة، وفي بعض الأماكن كما في القصيم «وادي الرمة» والخرج ووادي حنيفة تعلو المياه سطح الأرض وهنالك تتكون الواحات.
أما الوديان التي تتجه نحو البحر الأحمر، فإنها ذات مجرى أعمق وأكثر انحدارًا، وهي تكاد تكون معدومة النفع، وهي عقبة في سبيل المرور من الشمال إلى الجنوب، وهي لا تكون واحات مثل مياه الأودية الأخرى بسبب ما تجلبه المياه في انحدارها من الأتربة وغيرها مما يتراكم بعضه فوق بعض بسرعة، بحيث لا تستطيع حرارة الشمس أن تؤثر في صلابته، ووديان غربي اليمن ومنطقة قسم البحر الأحمر من هذا النوع من مدين إلى حضرموت.
(٥-٦) الجبال
- (١)
جبل شمر: وهو إلى جنوبي النفود الشمالية، وتنحدر إليه المياه من جبلي طي الشهيرين «أجا وسلمى» اللذين يمتدان من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي، ويبلغ ارتفاع جبل أجا أكثر من ٥٠٠٠ قدم.
- (٢)
الجبل الخضر: وهو أعلى جبال الهضبة التي تقع في نهاية الجنوب الشرقي.
- (٣)
جبل طويق: ويقع في الوسط الشرقي ويبلغ ارتفاعه ٦٠٠ قدم.
- (٤)
جبل السراة أو بالحَرَى سلسلة جبال السراة: وهي تمتد من الشمال إلى الجنوب على مقربة من الساحل الشرقي حيث بلاد الحجاز، وليست السراة جبالًا مصمتة بل تتخللها عدة منخفضات تصل ما بين الشرق والغرب، والسراة كثيرة الحرار «وهي الحجارة النخرة السوداء وتكثر في المناطق الغربية والوسطى من شبه الجزيرة وتمتد حتى تصل إلى حوران الشرقية» وتقع المدينة بين حرتين، وخيبر إحدى الحرات، وإلى إحدى هذه الحرات وهي حرة واقم التي تقع إلى الشرق من المدينة المشهورة تنسب واقعة الحرة المشهورة.
- (٥)
جبال مكة وهي مشهورة: أهمها جبل أبي قبيس في جنوبها، وجبل قينقاع في غربها، وجبل حراء ويشرف على مكة من الشرق، وفيه كان يتعبد رسول الله ﷺ، وجبل ثور ويشرف عليها من الجنوب، وفيه الغار الذي اختفى فيه عليه السلام ومعه أبو بكر.
- (٦)
جبل رضوى: وهو جبل بين المدينة والبحر الأحمر.
(٥-٧) طرق القوافل
وتسمى المحاجَّ، واحدتها محجة، والجوادُّ، واحدتها جادة، كان يتخذها جغرافيو العرب أساسًا لتحديد مواضع البلدان فيقولون: البلدة الفلانية على جادة البصرة أو الكوفة، وقد فصل هذا الجواد الهمداني في كتابه «صفة جزيرة العرب» وبين منازلها وما بين كل منزلتين من الأميال، كما أوضحها أيضًا ابن خرداذبة في كتابه «المسالك والممالك».
وذكر الدكتور هيكل باشا في كتابه «حياة محمد» أن «شبه الجزيرة كانت تموج بطرق القوافل، على أن طريقين منها كانا رئيسيين، فأما أحدهما فيتاخم الخليج الفارسي ويتاخم دجلة ويقتحم بادية الشام إلى فلسطين، ويصح لمجاورته لحدود البلاد الشرقية أن يُسمى طريق الشرق.
وأما الآخر فيتاخم البحر الأحمر، ويصح لذلك أن يسمى طريق الغرب، وعن هذين الطريقين كانت تنقل مصنوعات الغرب إلى الشرق ومتاجر الشرق إلى الغرب، وكانت تجلب إلى البلاد أسباب الرخاء والرفاهية.»
وتتخلل شبه الجزيرة طرق قوافل مستعرضة، تمتد في الغالب من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي، متجنبة المناطق الصحراوية، ومتتبعة الوديان الجافة، أو الواحات الوسطى.
(٦) جيولوجية بلاد العرب
يشبه التكوين الجيولوجي لبلاد العرب إلى حد كبير التكوين الجيولوجي لبلاد مصر، وأقدم الصخور فيها من الجرانيت وصخر الشيست، وتُغطي هذه الصخور طبقات رسوبية، تبدأ من الخرسان «الحجر الرملي» النوبي عند بطرة، وتمتد إلى الجوف فالحجاز في الجنوب.
وتوجد طبقات رسوبية أحدث من هذه عند وادي سرحان، وأطراف الصحراء التي تكتنف العراق، ويظهر الجرانيت عند جبل شمر في نجد وفي المرتفعات الغربية، والمخاريط البركانية عديدة، ولقد روى التاريخ حدوث انفجار بركاني في سنة ١٢٥٦ ميلادية بالقرب من المدينة، ويتكون الشطر الأكبر من جنوب بلاد العرب من صخور كلسية ترجع إلى العصر الجيولوجي الثالث «الكاينزوي»، وعند عدن نجد بركانًا خامدًا، كما نرى بجوار مضيق باب المندب بعض الصخور البركانية وانثناء الطبقات الرسوبية في بلاد العرب لطيف، ولكن العيوب الجيولوجية في الطبقات كثيرة الحدوث وخليج العقبة مثال واضح من هذه العيوب، أما منخفض البحر الأحمر فتكتنفه العيوب الجيولوجية على طوال شاطئيه، ولا يفوتنا هنا الإشارة إلى الينابيع الحارة التي تكثر في منطقة الأحساء، ولا الينابيع العميقة في الخرج والأفلاج.
(٧) مناخ بلاد العرب
وإذا استثنينا بلاد اليمن التي تقع في منطقة الرياح الموسمية، والتي تنزل أمطارها في شهور الصيف، وبلاد عمان التي يسقط فيها المطر «وفي بعض الأحيان البَرَد» أمكننا أن نقرر أن بلاد العرب بلاد عديمة الأمطار أو قليلتها، ولا يتجاوز ما يسقط من المطر في عدن وعلى ساحل البحر الأحمر في العام ٣ بوصات، وإذا أمطرت السماء في هذه الجهات أمطرت وابلًا، ولكنه لا يستمر إلا بضع ساعات، وينزل بعض المطر في قلب الجزيرة وفي المناطق الواقعة إلى الغرب منه في فصل الشتاء، كما تمطر السماء قليلًا على هذه الجهات في شهر أغسطس أو سبتمبر، وتقاسي مساحات شاسعة في بلاد العرب وبخاصة في الغرب والجنوب من الجفاف، ولكن ما ينزل من الأمطار على وجه العموم يكفي لأن يجعل الصحراء تزدهر في فصل الربيع، ويساعد الواحات على إنتاج شيء من الزرع، وحظ جبال الحجاز وافر في الغالب من الأمطار، وتمتاز الطائف بأنها تقع عند المرحلة النهائية التي تصل إليها الرياح الموسمية في سيرها شمالًا.
وأما الصحراء الجنوبية فربما لا يصيبها الرذاذ ساعة واحدة كل ثلاث أو أربع سنوات.
أما بلاد حضرموت فلا تسقط فيها أمطار؛ لأن شواطئها توازي الرياح الموسمية في هبوبها، والرياح السائدة في شمال بلاد العرب إما شرقية أو غربية، وتحمل الأخيرة منها الأمطار من ناحية البحر الأبيض المتوسط وتجتاز بها فلسطين، وفيما عدا هذه المنطقة تتبادل الرياح الشمالية والرياح الجنوبية الهبوب على بلاد العرب، فأما الجنوبية فتحمل ما تحمل من أمطار في الشتاء، كما تحمل لفحات الحر في الصيف، وأما الشمالية فإنها في الغالب تلطف الجو.
(٨) نبات بلاد العرب
دلت الأبحاث العلمية التي قام بها علماء النبات في جهات متعددة من بلاد العرب، على أن نباتات بلاد العرب تمتُّ بصلة إلى نباتات أفريقيا أكثر من صلتها بنباتات آسيا الجنوبية.
تنبت في هذه البلاد أنواع مختلفة من التين والتمر الهندي والخرنوب، كما تكثر غابات العرعر في بلاد اليمن وعسير ومدين.
ويزدهر نخيل البلح ازدهارًا في كل مكان، وينتج أنواعًا من أحسن أنواع البلح في العالم، وتعتبر النخلة ملكة الأشجار العربية، وقد ذكر كتاب العرب القدامى أكثر من ١٠٠ صنف من البلح، وتنمو أشجار الأثل في كثير من المناطق الصحراوية، كما تغرس في بعض الأحيان على شكل أسوار حول المزارع لتمنع طغيان الرمال المتحركة من اتلاف الزرع، وفي معظم الواحات تزرع الأعناب والخوخ والبرقوق والرمان والتين.
ويزرع البرتقال والسفرجل في المناطق المرتفعة، والموز في بعض الوديان الصالحة نحو الجنوب.
ومن الحبوب تزرع أنواع عدة أهمها القمح والشعير والذرة والدخن، وفي بعض أقاليم الحجاز يزرع البطيخ، كما يزرع بكثرة في جهات عدة الفجل والخيار والبصل، وتشتهر الطائف وغيرها من الجهات المرتفعة بزراعة الورد الذي يستخرج منه عطر الورد بكميات محدودة، كما تزرع بعض الأزهار ذات الروائح الزكية كالياسمين لنفس الغرض.
أما البن فيقال إنه أدخلت زراعته إلى اليمن من بلاد الحبشة حوالي القرن الرابع عشر الميلادي، وإن زراعته صادفت نجاحًا باهرًا في سفوح بلاد اليمن وعسير التي يتراوح ارتفاعها بين ٤٠٠٠–٧٠٠٠ قدم، والتي تواجه البحر، وتزرع أشجاره في صفوف الواحد منها تلو الآخر، وهي تُروى مرتين كل شهر، وتثمر بعد مدة تتراوح بين عامين وأربعة أعوام، ثم يجفف الثمر في الشمس ويرسل بعد ذلك حبوبًا إلى الحديدة وعدن، حيث يصدر منهما بكميات هائلة، ويصنع من قشره المتخلف بعد تجفيفه شراب يُسمي القشير، يشربه الناس في اليمن وجنوب نجد، وتكثر زراعة التبغ في حضرموت، وتكثر أشجار الصمغ العربي في الصحراء، ويستخرج المر على مقربة من صنعاء في اليمن.
ولا تزال شجرة البخور التي كانت أهم سلعة في الحياة التجارية الأولى لبلاد العرب الجنوبية، تزرع على المرتفعات الموازية للساحل الجنوبي، وخاصة في مهرة والشجر.
(٩) حيوان بلاد العرب
أشهر أنواع الحيوان البري الأسد والفهد والنمر، والضبع والثعلب والذئب، وابن آوى والوعل واليربوع، وبقر الوحش وحمار الوحش والخنزير، والأرنب والغزلان والظباء.
ومن الحيوان المستأنس الإبل والخيل والشاء، والماعز والحمير والبقر والجاموس، والبغال والقردة والنسانيس والكلاب.
وفي بلاد العرب من الطيور النعام والقطا والحجل والكروان، والغراب والبجع والرخم، والهدهد والنسر والحدأة.
ومن حشراتها السامة الثعبان والعقرب والرتيلاء «أبو شيت».
وخيل نجد من أجود أنواع الخيل في العالم، ولكن الاعتماد عليها أصبح الآن ضعيفًا بسبب استعمال البنادق، وبسبب انصراف التجار في سوق الخيل ببمباي عن شرائها وكانوا من أكبر عملاء نجد، وكان اقتناء الخيول من الكماليات، وكان العرب يعتمدون عليها في غزوهم بسبب سرعتها.
وأهم الحيوانات المستأنسة في بلاد العرب الجمل؛ والجمل العربي ذو سنام واحد وهو — على حد تعبير دائرة المعارف البريطانية — أكثر أرستقراطية من جيرانه إبل الممالك المجاورة؛ وأحسن الإبل العربية هو الذي يقوم بتربيته بنو مرة على حافة الربع الخالي، والجمل المري — شأن غيره من الإبل النبيلة — شديد الاحتمال كثير الصبر على الجوع والعطش لمدة طويلة، رغم سرعته في السفر، ولكنه لا يخمل أكثر من ٣٠٠ رطل ولا يقطع في السير المستمر أكثر من ثمانية أميال في الساعة، والإبل الأصيلة تصبر على العطش في الصيف ثلاثة أو أربعة أيام، إذا كانت تقطع في اليوم الواحد ٢٥ ميلًا، أما في فصل الربيع حين تزدهر المراعي فإنها تصبر على العطش شهرًا.
ولقد كان الجمل من العوامل التي سهلت الفتوح الإسلامية الأولى، ولقد صدق الخليفة عمر حين قال: «لا يصلح العرب إلا حيث تصلح إبلهم.»