يجب … أن نعيد التفكير
عندما كانت الساعة تشير إلى السابعة مساءً، كانت سيارة الشياطين تدخل مدينة «تونس» العاصمة. بعد اجتياز الحدود المصرية وطريق ليبيا البري … ثم اتجه الشياطين إلى مقرهم السري في «تونس»، وفي دقائق كانوا يجلسون داخله حيث الدفء. رفع «أحمد» سماعة التليفون، واتصل بشركة الطيران «التونسية»، وبعد أن تحدَّث قليلًا في التليفون، وضع السماعة ونظر إلى الشياطين الذين كانوا في انتظار نتيجة المكالمة. قال في هدوء: يجب أن ننتظر حتى الصباح؛ إن حركة الطيران مُتوقفة تمامًا …
بو عمير: إذن علينا أن ننطلق بسيارتنا لكي نكسب الوقت …
تلاقت أعين الشياطين لحظة، ثم وقفوا في نشاط، كان وقوفهم بلا اتِّفاق، إلَّا أنهم أحسوا جميعًا بضرورة الانطلاق في الحال.
لم تمضِ لحظات، حتى كانوا يأخذون طريقهم إلى السيارة التي انطلقت بسرعة، وكان «بو عمير» هو الذي يقود السيارة. أخذوا طريق الساحل، وفي طريقهم إلى أرض «الجزائر»، كان الليل قد أظلم تمامًا والجو رائقًا بعد أن أمطرت السماء. كانت أضواء السيارة تكشف أمامهم الطريق اللامع، وكانت نسمات البحر الشتوية تأتيهم باردةً قليلًا. كان الطريق هادئًا، وكانوا يمرُّون بالمدن، فلا يرَون فيها سوى جنود الحراسة.
دخلت السيارة «جمهورية الجزائر»، فمرُّوا على «عنابة» ثم انحرفوا شمالًا حيث أخذوا طريقهم إلى «قسنطينة» وكان الليل يلمُّ أستاره، والمسافات ما زالت طويلة، والسيارة تقطعها بلا توقف، وعندما بدءوا دخول «الجزائر» العاصمة، كانوا قد شعروا بالتعَب الشديد …
وعندما بدأ الفجر ينشر أضواءه الرقيقة في الأفق، وقبل أن تدبَّ الحركة في الشارع الجزائري كان الشياطين يدخلون مقرَّهم السري في عاصمة «الجزائر»، وعندما أغلقوا خلفهم باب المقر، كان كل منهم يأخذ طريقه إلى حجرته في صمت؛ لقد كانوا مُتعبَين تمامًا. ألقى كل منهم بنفسه في سريره، واستغرق في النوم لتوِّه.
عندما فتح «أحمد» عينَيه، كانت الساعة تعلن انتصاف النهار. نظر حواليه ثُم قفز من سريره في نشاط؛ فقد كان جهاز الاستقبال يُضيء إضاءاتٍ متقطعة، أسرع «أحمد» إلى الجهاز، كان يعرف أن هناك رسالة عاجلة من رقم «صفر» وبدأ «أحمد» يتلقى الرسالة: «من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س» هناك تحركات مُريبة تقوم بها العصابة. الانفجارات تتوالى الآن في مجموعة جزُر «البليار». أسرعوا إلى هنا …»
رد «أحمد» بسرعة: «من «ش. ك. س» إلى رقم «صفر». عُلم. نحن في الطريق خلال ساعات.»
أسرع «أحمد» إلى الشياطين، وفي دقائق كانوا جميعًا يستعدون، وفي نفس الوقت أجرى «أحمد» اتصالًا سريعًا بشركة الطيران الجزائرية، فعرف أنَّ هناك طائرةً مُتَّجِهة إلى «مدريد» بعد ساعة. حجز أربع مقاعد للشياطين، وعندما وضع سماعة التليفون، كان الشياطين جميعًا يقفون في حالة استعداد، وقال «أحمد»: ينبغي أن نترك السيارة في جراج المقر.
أسرع «بو عمير» إلى الخارج، ولم تمضِ دقيقة حتى سمع الشياطين صوت السيارة تتحرك، بعدها بقليل، كان «بو عمير» ينادي الشياطين. نزلوا بسرعة وكانت هناك سيارة تاكسي في انتظارهم، وعندما أغلقوا أبواب التاكسي انطلق في طريقه إلى مطار «الجزائر».
كان الطريق هادئًا، تحوطه المساحات الرملية والجبلية، وعندما توقف عند باب المطار، كان صوت مذيعة المطار يعلن عن توجُّه الركاب إلى الطائرة المتجهة إلى «مدريد»، وفي أقل من دقائق، كان الشياطين يأخذون طريقهم على سُلَّم الطائرة إلى داخلها …
وكعادة الشياطين، جلس كل اثنين في مكان، فجأةً … اختفت الشمس، وسمع الشياطين صوت الرياح. نظرت «زبيدة» إلى «أحمد» مُبتسمة فابتسم «أحمد» هو الآخر، وقال: نعم. لقد بدأت المغامرة.
اهتزت الطائرة بعنفٍ فقد كانت الرياح تهبُّ عليها بقسوة وعندما سارت الطائرة في الفضاء بدأت الأمطار تنهمر. كانت «زبيدة» تجلس بجوار نافذة الطائرة، وشاهدت الأمطار التي بدأت تتزايد، فقالت: يبدو أن العملية قد بدأت …
لم تكد تنهي جملتها، حتى علا صوت مذيعة الطائرة يعلن أن الطائرة سوف تُضطر إلى العودة؛ لأن سرعة الرياح وقوة المطر، تؤثران تأثيرًا مباشرًا على الطائرة. نظر «أحمد» إلى «زبيدة» مُفكرًا. دارت الطائرة دورةً كاملة وبدأت تهتز اهتزازًا شديدًا. لم تمضِ ربع ساعة، حتى كانت تأخذ طريقها مرةً أخرى إلى أرض المطار.
نظرت «زبيدة» من النافذة. كانت أضواء المطار تلمع تحت وقع المطر. اصطدمت عجلات الطائرة بالأرض، وبدأ الركاب يغادرون أماكنهم ومعهم الشياطين إلى باب الطائرة، تسلَّم كل واحدٍ من الركاب «بالطو» ضد المطر، لبسه ثم نزل مُسرعًا في اتجاه مبنى المطار. وفي قاعة الانتظار، قدموا لهم مشروبًا جزائريًّا ساخنًا. كان المطر يبدو غزيرًا تمامًا … من خلال الزجاج اقترب «أحمد» من أحد ضباط شرطة المطار، وسأله: هل يُنتظَر استئناف الطيران اليوم؟ …
الضابط: إن أجهزة الأرصاد قد أعلنت أن الطيران قد يتوقف لأيام، فهناك موجة رياح مُمطرة، تهب الآن وهي قادمة من أوروبا …
شكره «أحمد» واتجه إلى الشياطين، فأخبرهم بما قاله ضابط الشرطة. نظر إليه الشياطين فقال: ينبغي أن نُسرع، فيبدو أن العصابة تسبقنا بخطوات كثيرة.
باسم: هل نقطع رحلتنا بالسيارة؟ …
أحمد: لا مفرَّ من ذلك. وقد أخبرتكم برسالة رقم «صفر» إلينا …
تحرك الشياطين بسرعة. تركوا المطار واستقلوا «تاكسيًا» إلى حيث مقر الشياطين، وهناك أخرج «بو عمير» السيارة التي انطلقت بهم في طريقها إلى «المملكة المغربية». كان الطريق وعرًا يمر بين سلسلة جبال «أطلس» العالية، لكن ذلك لم يكن يُثني الشياطين عن طريقهم. ازدادت كثافة المطر حتى أصبحت السيارة وكأنها تسبح في محيط، وأخذت سرعة العربة تقل بفعل ثقل الماء. فجأة توقفت السيارة، قال «أحمد»: علينا أن نقترب من الشاطئ، وأن نستخدم البحر في الوصول إلى هدفنا. يبدو أننا لن نذهب إلى «مدريد»، بل سنتجه مباشرةً إلى جزر «البليار»، فسيارتنا لها خاصية الغوص في الماء، كما تعلمون.
ضغط «بو عمير» على بعض الأزرار في السيارة فبدأت أجهزة جديدة فيها تعمل وظهرت لها بعض الجوانب الحادَّة، ثم أدار المحرك فدارت معه السيارة وأخذت طريقها إلى البحر. كان المطر لا يزال يسقط بغزارة، ولكن السيارة كانت تشق طريقها في المياه وكأنها حوتٌ آلِي، ثم ظهر البحر من بعيد. كانت الأمواج تبدو مُرتفعة تمامًا، فتوقفوا عند شاطئ «البحر المتوسط»، المُمتد أمامهم إلى ما لا نهاية. رفع «بو عمير» سرعة المحرك، ثم انطلق، وفي لحظة، كانت السيارة تشقُّ طريقها وسط الأمواج المرتفعة ولأنها لم تكن ثقيلة تمامًا، فقد بدأت الأمواج تلعب بها. فقال «أحمد»: إن ذلك سوف يُعطل حركتنا. علينا أن نغوص في الماء، حتى ننزل تحت مستوى الأمواج.
ضغط «بو عمير» أزرارًا أخرى، فأخذت السيارة تهبط في هدوء إلى قاع البحر. بدأت تظهر النباتات البحرية، وبدأت مجموعة الأسماك الصغيرة تظهر أيضًا. كان ظهور تلك المناظر الطبيعية مُسلِّيًا بالنسبة لهم وسط هذا التوتر الذي عاشوه، استقرت السيارة في قاع البحر، ثم بدأت تأخذ طريقها في سرعةٍ متوسطة تبعًا لمؤثرات «البوصلة»، التي كانت تُحدِّد اتجاهات السيارة.
تكاثرت مجموعة الأسماك حول السيارة، حتى أصبحت تصطدم بزجاج السيارة الأمامي، ابتسمت «زبيدة» وقالت: مأدبة طيبة، في هذا الجو الشتوي.
… ابتسم «أحمد» وقال: نعم. نستطيع أن نفتح موتور السيارة الآن، وأن نقوم بشَيِّ بعض الأسماك.
وفجأة … أظلمت الدنيا … حتى إن أضواء السيارة لم تعُد تؤثر. وكانت السيارة تتقدَّم تبعًا للبوصلة دون أن يرى الشياطين شيئًا. قال «أحمد»: لا بدَّ أن هناك شيئًا! …
سألت «زبيدة»: ماذا تعني؟ …
قال «أحمد»: يجب أن نعود إلى تلك المنطقة الآن.
باسم: هل تعني منطقة الإظلام! …
أحمد: نعم! …
توقف «بو عمير» ثم عاد بالسيارة إلى الخلف، وعندما بدأت السيارة تدخل منطقة الظلام، قال «أحمد»: أطلق بعض الدخان …
داس «بو عمير» قدم البنزين فارتفعت سرعة الموتور، ثم أصدر سحابةً كثيفة من الدخان، الذي اتجه إلى مقدمة السيارة … قال «أحمد»: يجب أن نُعيد تفكيرنا … هناك شيء! …