الشياطين … داخل الصندوق!
انطلقت سيارة الشياطين إلى حيث توجد قاعدة العصابة، وكانوا جميعًا متحفزين لهذا اللقاء.
سأل «خالد»: كان يجب أن نبدأ هذه الخطوة، منذ وصلنا إلى هنا ومعكم «هوفر»!
قال «أحمد»: لقد تخلصنا من خمسة أشخاص، ماذا تظن لو كانوا جميعًا في مكانهم؟
لم يرد «خالد» وظل «بو عمير» في انطلاقه. عند ناصية الشارع قال «أحمد»: انتظر قليلًا حتى نرى الأرقام جيدًا.
اقترب «بو عمير» من إحدى البنايات، فقرأ «أحمد» رقم ١٩ قال: ما زالت أمامنا أرقام كثيرة.
انطلق «بو عمير»، حتى توقف أمام الرقم المطلوب … قال «خالد»: يجب أن نبتعد قليلًا، ونراقب المكان. تقدم «بو عمير» بالسيارة مُبتعدًا، ثم دار دورة كاملة حتى أصبح قريبًا من المبنى. كان المبنى عبارة عن فيلا صغيرة، تتوسط حديقة واسعة، ويقف خلف بابها عملاقان. كانت هناك أضواء خافتة تنبعث من داخل الفيلا، بينما ما يُشبه المواسير الضخمة تعلو سقف الفيلا … قال «أحمد»: سوف أنزل أنا و«خالد» وندخل … فإن تأخرنا كثيرًا، فادخلا. أو قد نُعطيكم إشارة إذا سمح الوقت.
نزل «أحمد» و«خالد» واتجها إلى الفيلا، وعندما اقتربا من الباب، تقدم أحد العملاقين ثم وقف خلف القضبان الحديدية مباشرةً، بينما ارتفع صوت نباح كلاب ضخمة.
قال «أحمد» للعملاق: مساء الخير. إن معي رسالة من مستر «هوفر».
نظر له العملاق قليلًا ثم قال: أين هي؟
«أحمد»: إنها معي، لا بدَّ من لقاء الرجل الكبير!
تردَّد العملاق قليلًا ثم قال: انتظر لحظة.
اختفى داخل كشك خشبي، ثم سمع الشياطين صوته يتحدث في تليفون. لحظات ثم عاد وفتح البوابة الحديدية وهو يقول: تفضل!
قال «أحمد»: معي بعض الزملاء. هل يمكن أن يبقوا هنا بجوارك حتى أُنهي لقائي؟
نظر له العملاق بشكٍّ ثم قال: ممكن.
عاد «خالد» بسرعة وأشار إلى «بو عمير» و«مصباح»، فنزلا من السيارة ثم جاءا سيرًا على الأقدام. دخل الشياطين، وقال «أحمد»: أين الطريق؟
العملاق: اتبعني.
عندما تحرك الشياطين خلفه، قال «أحمد» بلغتهم: الخطة دال.
نظر العملاق خلفه، ثم سأل: هل ستدخلون جميعًا؟
أحمد: لا، سوف أدخل وحدي أما الزملاء فسوف ينتظرون في الحديقة.
توقف الشياطين، واستمر «أحمد» في طريقه خلف العملاق، حتى اختفى داخل المبنى. نظر الشياطين إلى بعضهم، ثم تقدم «خالد» في اتجاه العملاق الآخر، حتى إذا أصبح أمامه قال: مساء الخير، إنني أُدعى «جرين».
قال العملاق: وأنا أُدعى «ثار»!
أشار «خالد» إلى الكلاب المربوطة بجواره وقال: هل هي من نوع الوولف؟ … إنني أهوى تربية الكلاب.
رفع «باد» يده يهرش كتفه فأدرك «خالد» أن «مصباح» قد أطلق طلقةً مخدرة على العملاق، لم ينطق «باد» بكلمة، بل تهاوى في هدوء … أسنده «خالد» بسرعة، في نفس اللحظة التي انطلقت الكلاب تنبح بقوة … وبنفس السرعة … كان الشياطين يطلقون طلقاتهم المخدرة على الكلاب، فركنت إلى الصمت. أسرع الشياطين بتنفيذ الخطة «د»، في نفس الوقت كان «أحمد» يمرُّ في طرقاتٍ كثيرة ومختلفة، حتى توقف أمام باب في النهاية، فُتح بمجرد أن وصل أمامه، وقال العملاق: ادخل وانتظر قليلًا حتى تلقاه …
دخل «أحمد» فأغلق الباب، نظر حوله يستطلع المكان، لم يكن يُميزه شيء، سوى تلك الستارة المعدنية التي تغطي أحد جدران المكان، تقدم منها ورفعها، سمع صوتًا يقول: لا تحاول ذلك!
ارتدَّت يد «أحمد» بسرعة، وعرف أنه مراقَب، وأن حركاته كلها مرصودة. وحاول أن يتبين وجود كاميرات في أي مكان، إلَّا أن شيئًا لم يكن يظهر.
مرة أخرى جاء الصوت الخفي: لن تكتشف شيئًا، فلا تحاول … إنني في الطريق إليك …
انفتحت الستارة المعدنية، وظهر منها قزم غريب الشكل. نظر له «أحمد» بدهشة، لكنه استطاع أن يُخفي دهشته بسرعة … وجاء صوت الرجل وكأنه يأتي من مكانٍ بعيد، كان صوتًا ضخمًا جدًّا وإن كان منخفضًا تمامًا. قال الرجل: إنني أعرف لماذا جئت.
حاول «أحمد» أن يبتسم، إلا أنه لم يستطع، فلم يكن ينتظر أن يقول الرجل هذه الكلمات … لكنه بسرعة قال: لقد أرسلني مستر «هوفر»!
وبسرعة قال الرجل: إنني أعرف أنه أرسلك! إن «هوفر» ساعدي الأيمن، وهو رجل ذكي تمامًا، ولكنه ليس قويًّا، لقد قبضتم عليه وهو الآن محبوس في مكانٍ ما، ومعه عدد من رجالي.
صمت الرجل بعض الوقت، ثم ضحك ضحكة قوية مفزعة، وأخيرًا قال: هل تريد أن تعرف شيئًا آخر.
تقدم الرجل، وجلس على أحد الكراسي، فضغط زرًّا ونظر إلى «أحمد» وهو يقول: تستطيع أن تجلس.
نظر «أحمد» حوله، لكنه تردَّد في الجلوس وقال: شكرًا لك.
صمت الرجل، ثم أعاد ضغط الجرس، وبدت عليه علامات الضيق، وأخيرًا صرخ: هوب!
لم يجد أحدًا، فنظر إلى «أحمد» وقال: هل أنت وحدك؟
فكر «أحمد» بسرعة ثم قال: نعم … إنني وحدي!
هز الرجل رأسه. ثم قال: ولماذا أتيت؟
قال «أحمد» بثقة: أنت لا تصدق أن مستر «هوفر» هو الذي أرسلني؟
ضحك الرجل في عنف ثم قال: لقد قلت لك … لقد جئت من أجل أن ترى.
صمت قليلًا وهو يتفرس في «أحمد» بنظرات حادة. ثم قال: سوف أريك ما تُريد أن تراه، غير أنه سيكون آخر شيء تراه في حياتك.
قام من كرسيه وتحرك في اتجاه الستارة المعدنية، وعندما أصبح أمام «أحمد» قال: «لا تحاول أن تفعل شيئًا، وإلا …» ولم يكمل جملته، فقد فتحت الستارة المعدنية من تلقاء نفسها، فدخل الرجل وهو يقول: تقدم.
تقدم «أحمد» خلفه، ووضع الرجل يده على الحائط ثم انتظر قليلًا، غير أن شيئًا لم يحدث، فاقترب من فتحة في الجدار وصاح: هوب! أين أنت؟
ولم يجبه أحد. أدرك «أحمد» أن الشياطين قد نفذوا الخطة رقم «د» كاملة.
نظر الرجل إلى «أحمد» وقال: ماذا فعلت؟ … لا بد أنك لست وحدك!
ابتسم «أحمد» وهو يقول: كما ترى … إنني وحدي!
هز الرجل رأسه وتقدم قائلًا: لا بأس. سنرى!
أمام جدار رمادي اللون توقف الرجل فانفتح الجدار … نظر إلى «أحمد» وقال: ادخل. هذا ما تريد أن تراه!
دخل «أحمد» معملًا ضخمًا، تملؤه مجموعة من الأجهزة الغريبة المعقدة. كانت هناك مئات اللمبات الصغيرة تلمع، فوقف يُشاهد ما أمامه، ثم قال: إنه شيء رائع!
هز الرجل رأسه وقال: سوف ترى. ضغط زرًّا أحمر اللون، فانفتح جدار آخر وظهر خلفه رجلان متقدمان في السن، كان يبدو عليهما الخوف والهزال.
قال الرجل: هذان عالِمان كبيران. ثم نظر إليهما وقال: نريد بعض الرياح.
اتجه الرجلان إلى جهاز ضخم وضغط أحدهما عدة أزرار بينما ضغط الآخر عدة أزرار أخرى. كان الرجل القزم قد ابتعد عنه وفجأة، حدثت دوامة هواء غريبة أحاطت ﺑ «أحمد»، حتى إنه ظل يدور داخلها، وحاول أن يوقف نفسه أو أن يخرج عن محيط الدوامة إلا أنه لم يستطع … شعر بدوار غريب وسمع شيئًا كأنه الرعد، غير أنه لم يكن سوى ضحكة الرجل القزم. فجأة، توقفت الدوامة وسقط «أحمد» على الأرض، وتردد صوت الرعد مرة أخرى وكان هو صوت ضحكة الرجل … شعر «أحمد» أن دشًّا باردًا قد فتح فوقه أو أنه قد أُلقِيَ به في بحر بارد، أفاق قليلًا، وعندما فتح عينيه وجد السقف يُمطر، فأدرك بسرعةٍ أن هذا هو المعمل الذي يُثير كل شيء في الخارج، فينزل المطر على الجزيرة «مايوركا»، أو يُثير تلك العواصف. تحامل على نفسه وقف بين المطر الغزير، فسمع صوت الرجل القزم يقول: كفى.
فجأة، توقف المطر وتذكر كلمة «هوفر» «مطر حسب الطلب».
ضحك الرجل ضحكة قوية ثُم قال: ما رأيك؟ هل رأيت؟ وإذا كنت تريد رياحًا تُلقى إلى الخارج، فيمكن أن ترى.
لم يرد «أحمد» فقد كان يفكر في الشياطين، خشية أن يكون شيء قد حدث لهم …
ضحك الرجل وقال: سوف أريك ما هو أهم.
نظر إلى الرجلين فضغط كل منهما زرًّا انفتح على إثره باب ضخم … ثم فجأة كاد يغمى عليه، لقد رأى الشياطين وكل منهم في صندوق … ضحك الرجل ضحكة غريبة ثم قال: هنا، نستقبل الدخلاء، إنهم يوضعون في درجة برودة تحت الصفر فيتجمدون، ما رأيك!… هل تريد أن تجرب؟
لم يكن الرجل القزم ينظر إلى الصناديق، بل كان ينظر إلى «أحمد» وهو يتحدَّث إليه، غير أن شيئًا حدث، جعل «أحمد» يبتسم، حتى إن الرجل نظر له في دهشة، وسأله: هل تضحك؟ … ظننت أنك تتجمد من الخوف؟ أمسك «أحمد» بطنه مُتصنعًا الألم، ثم أخذ يتلوَّى على الأرض … ضحك الرجل وقال: لا تخف لن أصنع معك شيئًا من هذا … إن شجاعتك ودخولك عندي تجعلك في أمان. وقد أستفيد منك …
ظل «أحمد» يتلوى من الألم فاقترب الرجل منه ثم انحنى فوقه ليرى ماذا حدث له … وفي سرعة البرق كان «أحمد» قد قفز قفزة هائلة جعلت الرجل يتراجع حتى سقط على الأرض، في نفس اللحظة التي قفز فيها الشياطين من صناديقهم إلى الرجلين فأمسكوا بهما، وقف «أحمد» أمام الرجل وقال: الآن ما رأيك أنت؟ ونظر إلى الشياطين وقال: بهذا يكون قد سقط الجميع.
مد «أحمد» يده يعين الرجل القزم على القيام، إلا أن الرجل وبسرعة غريبة وفي قوة هائلة، جذب «أحمد» جذبةً عنيفة جعلته يخرج من الحجرة جريًا، إلا أن «خالد» كان أسرع من حركة الرجل، فطار في الهواء وأمسك رأسه بقدمه، ثم قام بحركة عنيفة جعلت الرجل يدور طائرًا في الهواء، ثم يسقط قريبًا من «أحمد» … كانت السقطة قوية حتى إن الرجل انقلب على الأرض مُتألمًا.
نظر الرجلان إلى الشياطين وهما يبتسمان، قال أحدهما إنني العالم «بيجيني» وهذا زميلي العالم «بوستيرا»، إننا ألمانيان وقد خطفَنَا وغدَر بنا كثيرًا.
ساق الشياطين الجميع إلى الحجرة الأولى التي دخلها «أحمد» وهناك سألهما «أحمد»: كيف أستطيع الاتصال بالخارج؟
أشار «بيجيني» إلى آلة غريبة … وقال: اضغط الزر ثم اطلب رقم «٨».
تقدم «أحمد» في حذَرٍ ثم ضغط الزر وطلب رقم «٨» فجاء صوت يقول: هنا بوليس «سردينيا».
قال «أحمد»: إننا في الموقع رقم ٦٩ … أرجو الحضور حالًا.
رفع «أحمد» إصبعه ثم قال: ينبغي أن نجلس قليلًا فمن الضروري أن أرسل رسالة …
جلس الشياطين والعالمان، وكان الرجل القزم ما زال ممددًا على الأرض … تقدم «أحمد» إلى الحجرة المقابلة فدخلها، ثم أرسل رسالة إلى رقم «صفر»: «من «ش. ك. س» إلى رقم «صفر» … انتهى كل شيء. اتصلوا ﺑ «زبيدة» و«باسم» للعودة.»
وعندما كان يتلقى ردَّ رقم «صفر» كانت صفارات سيارات الشرطة تتردد … وجاء رد رقم «صفر»: «من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س» أهنئكم.»
عاد «أحمد» إلى الشياطين، ورفع إصبعه مشيرًا بعلامة النصر.