طه حسين يرميني في جنة الشوك!
لم أتصوَّر أن الكلمة التي كتبتُها عن الفقر الذكي والثراء الغني، ستثير السخط على شخصي بهذه الصورة؛ لقد اتهمني الأغنياء بتحريض الفقراء عليهم، واتهمني الفقراء بأني أحاول تخديرهم بكلامٍ لا يسمن ولا يغني من جوع!
أما أستاذنا الدكتور طه حسين، فهو الوحيد الذي برَّأني من التحيُّز للأغنياء، أو التعصُّب للفقراء، واكتفى بأن جعلني من إخوان الشياطين؛ تطبيقًا للآية الكريمة التي تقول: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ!
قال الطالب الفتى لأستاذه الشيخ: أَلَمْ تقرأ ما كتبه الأستاذ كامل الشناوي في «الجمهورية» أمس، وأنبأنا فيه بأن يده لا تمسك المال إلا كما تمسك الماءَ الغرابيلُ.
قال الأستاذ الشيخ لتلميذه الفتى: لو قد أكثر قراءة القرآن لَصدَّ عن ذلك صدودًا، ولَأنفق حين يحسن الإنفاق واقتصد حين يجب الاقتصاد.
قال الطالب الفتى لأستاذه الشيخ: وما ذاك!
وقال الأستاذ الشيخ لتلميذه الفتى: وأنت أيضًا لا تقرأ القرآن، أَلَمْ تسمع قول الله عز وجل: وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا، وقوله عز وجل قبل هذه الآية: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا.
قال الطالب الفتى لأستاذه الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لقد هممتُ أن أذهب مذهبَ الأستاذ كامل الشناوي.
قال الأستاذ الشيخ لتلميذه الفتى: إياك أن تفعل فإن الله عز وجل قد وصف عباده الذين أخلصوا قلوبهم له، فقال في بعض وصفهم: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا، فاحرص جهدك على أن تكون من هؤلاء.
وقد كتب الدكتور طه على هامش كلمته، هذه العبارة: «لا تُنشَر وإنما تُعرَض على كامل الشناوي.»
ولكني لم أستطع أن أطوي الكلمة، وها أنا ذا أنشرها في اليوميات، لأتيح للقراء أن يروني، وقد أمسك بي الدكتور طه ورماني في جنة الشوك!
وكل ما قاله الدكتور طه لا يخضع للجدل، فهو من صميم القرآن الكريم الذي أحفظه وأومن به، وأعترف بأني أفهم بمنطق العقلِ مدلولَ ما ورد في كتاب الله عن التبذير والمبذِّرين، ولكن منطق العقل يتعارض أحيانًا مع منطق السلوك!
ولقد قادني سلوكي بمنطقه الخاص إلى أن أبذر في إنفاق المال، وهو منطق يقوم على أن التبذير الذي يجعلني من الشياطين، أو إخوان الشياطين، ليس هو التبذير في المال بالإنفاق، ولكن التبذير في العمر بالحرمان من المتاع الحلال، والحرمان يقتضي التقتير في الإنفاق، وهكذا يصبح لرصيد الحياة، وهو شر أنواع التبذير والتبديد!
كان هذا منطق سلوكي في فهم التبذير، وهو منطق يتعارض مع منطق العقل، إن كان ذنبًا فأنا التلميذ الفتى لم أقع فيه وحدي، ولكن وقع فيه أيضًا الأستاذ الشيخ!
وإلا فَلْيقل لي أستاذنا وشيخنا طه حسين: ماذا جمع من المال؟ وماذا اقتنى غير البيت الذي يسكنه الآن، وكان إلى سنواتٍ قليلة مضت يستأجر السكن وينفق عرق جبينه على الديون!
ماذا جمع طه حسين؟ ماذا جمع الرجل الذي ملأ الدنيا، وشغل العالم، وربح مئات الألوف من الجنيهات؟
وَلْيسمح الدكتور طه أن أستعير أسلوبه في جنة الشوك، وأختم به كلمتي على هذا النحو:
قال التلميذ الفتى لأستاذه الشيخ: أليست هذه حقيقة، حقيقة تؤلمك؟!
قال الأستاذ الشيخ لتلميذه الفتى: إنها لا تؤلمني، إنها تشرفني!