الساخر بالحياة
وأخيرًا مات برنارد شو بعد حياة دامت أربعة وتسعين عامًا، وبرنارد شو كاتب في جميع اللغات، فقد انتقل أدبه الجميل إلى كل لغةٍ حية، واحتل فيها مكانًا مرموقًا، وهو فنان موطنه الأصلي أيرلندا، وله بعد ذلك في كل بلدٍ وطنٌ، ومسرح، وجمهور!
وُلِد برنارد شو في العام نفسه الذي وُلِد فيه أوسكار وايلدو، في البلد نفسه — إيرلندا — وكان كلاهما صاحب مذهب وصاحب أسلوب، وكانا صديقين برغم تباين نظرتهما إلى الحياة.
كان أوسكار مشغوفًا بأن يحيا كل دقيقة بحدةٍ وعنف، فعصفت به الحياة وهو في الرابعة والأربعين، وكان شو راغبًا في الحياة ساخرًا بها، هادئًا في استقبال أيامها، فأعطته أربعة وتسعين عامًا!
عاش أوسكار كل دقيقة من حياته القصيرة؛ عاش بالعرض.
وعاش برنارد بعض حياته المديدة؛ عاش بالطول!
ترى أيهما قد عاش حقًّا؟ وأيهما يا ترى سيعيش في التاريخ أكثر من صاحبه؟ أوسكار صاحب الأسلوب الحاد العنيف اللاذع الصريح في جرأة وطيش، أم شو صاحب الأسلوب الساخر الذي لا تعوزه الصراحة أحيانًا، وتعوزه الجرأة والطيش في كثيرٍ من الأحيان؟!
كان شو ساخرًا بالحياة، وما أكبر سخرية الحياة منه حين أعطته عمر القرون. لقد استوى الآن في مثواه مع مَن ماتوا في عمر الزهور!
قال له أحد الصحفيين: إنني أتمنَّى أن أعيش حتى أراك في سن المائة، فنظر إليه شو مليًّا ثم قال: ولِمَ لا؟! إن صحتك على ما أرى تسمح بتحقيق هذه الأمنية!
وزار بعض المقابر فوجد على أحد الأضرحة هذه العبارة: هنا يرقد السياسي الشريف فلان. فقال: هل توجد أزمة مقابر حتى يدفنوا السياسي والشريف في قبرٍ واحد؟!
واقترحَتْ عليه إحدى السيدات أن يتزوَّجها، فإذا أنجبَا طفلًا ورث جمالها هي، وورث عقل شو.
فقال لها: وماذا نصنع إذا ورث رجاحة عقلك وورث جمالي!
كان شو يعتقد أنه سيحيا ٣٠٠ عام، ما أكبر تواضعه! فسوف يحيا آلاف السنين لا في الدنيا، ولكن في التاريخ، وهذه هي الحياة!