الدموع لا تكذب!
أمضيتُ الليلةَ في قراءة أشعارٍ نظمتُها خلال عشرين سنة، كل مقطوعة من هذه الأشعار تمثِّل تجربةً دخلتها وبقيتُ فيها، كنتُ ألمح خلال الكلمات كل ما رأيته، وعشته وأحسسته، عندما نظمت هذه المقطوعة أو تلك، بعضها استطاع أن يعبِّر بصدقٍ عن شعوري، وبعضها عجز عن التعبير الصادق فانحرف عن الحقيقة تحت ضغط الوزن، أو حكم القافية.
ماذا أسمي هذه المقطوعات التي خانني فيها التعبير؟ هل أسمِّيها شعرًا عذبًا تطبيقًا للمثل العربي القديم «أعذب الشعر أكذبه»؟ ولكني لا أومن بصدق هذا المثل، بل إني أرى أن الشعر مثل أي فن؛ إذا لم يكن صادقًا فهو هباء، هل أسميه نظمًا؟ ولكن ما قيمة النظم، إذا لم يكن له دافع وهدف من الواقع، والشعور، والتفكير؟ ما جدوى الاهتمام بإطلاق اسم عليه، أو الاحتفاظ به دون تسمية؟
ولم تكد هذه الخواطر تملأ رأسي حتى بادرت بتمزيق أشعاري الزائفة، وأبقيتُ على الشعر الذي أعرف أنه نبع من ذاتي، وتجاوَبَ مع الواقع الذي عشته.
إن أكثر الشعر الذي احتفظتُ به يفيض بالدموع، ومن أجل هذا كان صادقًا؛ فليس أصدق من الدمع، إنك تستطيع أن تقول كلامًا جميلًا مقنعًا، منمَّقًا، يشبه الصدق، وأنت كاذب، وتستطيع أن تُخضِعَ ملامحك، وإشاراتك، وحركاتك للحزن والأسى، وأنت لا تحس حزنًا ولا أسًى! وتستطيع أن تضحك ملء فمك وأنت حزين.
أما الدموع فهي لا تكذب، ولا تجاريك في كذبك، إنك لا تستطيع أن تسيلها من عينَيْك إلا إذا مسَّ الحزن قلبك، والدموع يبعثها الألم، وهي وحدها التي تخفِّف الألم!