توفيق الحكيم
كان توفيق الحكيم فيما مضى معروفًا بأنه عدو المرأة والفقر والبرد، وقد أصبح الآن عدو الفقر والبرد ليس إلا! ولأنه يخشى البرد تراه دائمًا يُحكِم إغلاق النوافذ والأبواب، ولا يعرض أي جزء من جسمه للهواء حتى في أشهر القيظ الشديد! ولأنه يخشى الفقر تراه دائمًا يُحكِم إغلاق جيوبه على ما فيها من دفاتر شيكات أو بوالص تأمين، وعلى ما فيها من محفظة نقود، وإن كانت هذه المحفظة خالية من النقود!
وليس معنى هذا أن توفيق الحكيم، لم يُصَبْ بالبرد في حياته، فما أكثر ما أصيب بالبرد، على الرغم من تدثُّره بالملابس الثقيلة صيفًا وشتاء!
وليس معنى هذا أيضًا أن توفيقًا لم يتعرَّض للفقر وشظف العيش، فإن حياته حافلة بتجارب قاسى فيها الأهوال بسبب قلة النقود، هكذا هو يقول!
وذكر لي توفيق الحكيم أنه برغم شدة حذره من المرض يمرض كثيرًا، وبرغم خوفه من الفقر ما زال فقيرًا، ويسألني: ما رأيك في هذا؟
وقلتُ له: هناك حكمة تقول: الناس من خوف الفقر في فقر، وتستطيع أن تضيف إليها: والناس من خوف المرض في مرض، فلا تخشَ المرض تنجُ منه، وإذا أنت لم تخشَ الفقر تصبح غنيًّا! فضحك وقال: قصدك أصبح غني النفس؟ هذا الغنى موجود سواء كان المال موجودًا أو غير موجود!
وكانت هذه الدردشة لمناسبة انقطاعه عن السهر في دار «أخبار اليوم»، وكان قد اعتاد أن يسهر معنا ليلةً في الأسبوع، ثم انقطع عن السهر، وقال إنه أصبح لا يسهر إلا في النهار حتى لا يتعرَّض للبرد، وقد سهرت معه هذا النهار فعلًا، في دار صديقنا محمد حسنين هيكل، وبعد انتهاء الجلسة أو السهرة النهارية، انطلقنا معًا إلى الشارع وأخذنا نتحدَّث عن آثاره الفنية، وأبديتُ له إعجابي بكتابه زهرة العمر؛ لأن هذا الكتاب يرسم ملامح عبقريته، ويلقي الضوء على أصولها، ويحلل كل قطرة دم، ونبضة عرق، وخلجة نفس، والتفاتة ذهن في توفيق الحكيم الفنان، ووافقني على هذا الرأي، وأخذ يحلِّل كتبه وقصصه ومسرحياته، فرفع بعضها إلى القمة، وألقى ببعضها في الهاوية، وقال إن مصيبته الكبرى أن ما يعجب الناس من آثاره لا يعجبه، وما يعجبه لا يعجب الناس!
واقترحتُ عليه أن يقوم بتأليف دراسة عن آثار توفيق الحكيم، فيتناولها بالنقد والملاحظة، والهجوم، وستكون هذه الدراسة ولا شك عملًا أدبيًّا ضخمًا، وأشرت عليه أن يسميها توفيق الحكيم بقلم توفيق الحكيم!
ولكن توفيق لم يتحمس للاقتراح، واكتفى بأن هز رأسه وقال: اقترح ذلك على طه حسين والعقاد؟
فقلتُ: هل أقترح عليهما أن يؤلِّف كلٌّ منهما كتابًا في نقد توفيق الحكيم؟
فابتسم بصوتٍ مسموع وقال: اقترِحْ عليهما أن يؤلِّف كلٌّ منهما كتابًا في تحليل آثاره هو؛ فتقرأ العقاد بقلم العقاد، وطه حسين بقلم طه حسين.
أنا شخصيًّا أتمنى ذلك!