الإمام المراغي وحافظ إبراهيم
حضرت الاحتفال بذكرى الإمام المراغي في داره بحلوان، لقد أحببتُ هذا الرجل بعقلي وقلبي، أحببته إنسانًا وأحببته رجل دين.
كان زميلًا لوالدي، فعرفته وأنا طفل صغير، وكانت طلعته تبهرني، وكنت أجد راحةً كبيرةً في الإصغاء إليه، وهو يتحدَّث في أشياءَ لا أفهمها ولا أعيها، كان صوته ساحرًا جذَّابًا.
ولما كبرت وأصبح في استطاعتي أن أدرك وأَعِي، تبدَّلَتْ نظرتي إلى كثيرٍ من الناس والأشياء، ولكن نظرتي إلى الشيخ المراغي لم تتبدل، فظللتُ مبهورًا بشخصيته، وكان صوته وهو يتحدث في المسائل العامة، أو يلقي أحاديثه الدينية، يأخذ أذني ويخطف سمعي.
وكان — كلما لقيني — يسألني عن آخِر ما قرأتُه في الشعر العربي، ثم يعقب على ذلك بإنشاد أبياتٍ لأبي العلاء أو المتنبي أو شوقي، ويقول: هل هناك ما هو أجمل من الشعر؟!
وقد كان المراغي أديبًا يحب الشعر والشعراء، وقد تعلَّقَ به الشاعر حافظ إبراهيم تعلُّقًا شديدًا، وكان أجمل أوقات حافظ، هذه الساعات التي يقضيها مع الشيخ المراغي في داره بحلوان، يتناقش معه في المسائل الدينية والأدبية، وكثيرًا ما كان حافظ يداعب الشيخ، وكان الشيخ يتقبَّل دعاباته ويحرِّضه على المزيد منها.
طلب حافظ وهو في دار المراغي زجاجةَ كولونيا، فأحضَرَ له الشيخ زجاجة وقال وهو يُقدِّمها إليه: خذها وأنت وبختك، يا ترى ماركة إي دي؟
فقال حافظ على الفور: لازم مية القسيس؟!
واشترى الشيخ المراغي خمسة من الديوك الرومي، ولم يكد الصباح يطلع عليها حتى ماتت، فأرسل حافظ إلى الشيخ كتابَ تعزيةٍ قال فيه:
وكان المراغي في ذلك الوقت شيخًا للأزهر، ورئيسًا لأساطين هيئة العلماء! غفر الله لنا ولحافظ إبراهيم!