الغفران
كنَّا نتحدَّث عن الشاعر عمر الخيام، هل كان ملحدًا؟ هل كان شاكًّا؟ هل كان متصوفًا؟ هل كان عربيدًا؟
وقلت: إن الخيام كان مؤمنًا، وفغر الحاضرون أفواههم، وقالوا: هل يكون مؤمنًا مَن يناقِش الله ويعاتبه، ويقول له: كيف لا تغفر لي إلا إذا تبتُ عن ذنبي؟ إنك لست تاجرًا حتى تعطيني غفرانًا مقابل توبة، ولكنك إله تُعطي بلا مقابل!
إن هذا تجديف.
قلتُ: إن هذا التجديف يدل على الإيمان أكثر ممَّا يدل على الإلحاد؛ فالإيمان بالله هو أن تشعر به.
والخيام يُخاطب الله كما لو كان — سبحانه وتعالى — كائنًا حيًّا يرضى ويغضب، يقسو ويرحم، وهذا شعور عميق نافذ جارف بوجود الله.
ربما كان تصوُّر الخيام خاطئًا، ولكن الشعور صحيح، وإذا كان منطق الخيام ضعيفًا أو تافهًا، فإن هذا لا يعني أنه غير مؤمن، وما أكثر المتصوفين والمنقطعين لعبادة الله، الذين خاطبوا ربهم، عاتبين ساخطين، وقد رَوَتِ الأساطير القديمة أن أيوب، وهو نبي من أنبياء الله، ثار على ما امتحنه الله به، من موت زوجه وأبنائه، وإصابته بالجذام والبرص والطاعون، ولما زاره أصدقاؤه من الملائكة والرسل، وسمعوا صرخاته في وجه الله هربوا منه، فقال لهم الله: لماذا تهربون؟ لو لم يَغضب من قسوتي لما استحقَّ رحمتي!
وتطرَّقَ الحديث إلى الخيام، وهل هو فيلسوف؟!
وقلت إن الفيلسوف يحب أن يكون صاحب مذهب، والخيام صاحب خواطر وأفكار وانفعالات، فهو شاعر وليس فيلسوفًا، ولقد تأثَّرَ بأبي نواس وبأبي العلاء المعري.
وقيل إن تأثُّرَه بأبي العلاء كان أكثر من تأثُّره بأبي نواس، وأبو العلاء كان فيلسوفًا.
وقلتُ إن أبا العلاء لم يكن فيلسوفًا لكن كان شاعرًا، وما تصوَّرناه فلسفةً ليس إلا تفكيرًا وتأمُّلًا، ولا يمكن أن نعدَّ زهده في الحياة وعزوفه عنها مذهبًا فلسفيًّا، وإنما هو نظام ربط نفسه به ولم يدعُ أحدًا إلى انتهاجه.
وفي أثناء ذلك دخل الأستاذ الشيخ الباقوري، وقال: عمَّ تتساءلون؟
قلنا: عن النبأ العظيم، الذي هم فيه مختلفون.
وقال: أي نبأ وأي خلاف؟!
قلنا: نبأ الخيام، وهل هو ملحد؟ أو هو مذنب؟
وقال الأستاذ الباقوري: إن الخطيئة طبيعة في الإنسان، وعلى الإنسان ألَّا يُجاهِر بها، والله يغفر الذنوبَ لمَن يشاء، وروى هذا الحديث الشريف، وهو: «كل أمتي معافًى، إلا المُجاهِرين، وإنَّ من الإجهار أن يعمل المرء بالليل عملًا ثم يُصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، إني عملت كذا وكذا. فيبيت يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه.»
وروى الأستاذ الباقوي حديثًا قدسيًّا هذا نصه: «عبادي لا تيئسوا من رحمتي إذا أذنبتم، فوَعِزَّتي وجلالي، لئن لم تذنبوا لخلقتُ خلقًا غيركم يذنبون فيستغفرون فأغفر لهم!»