دردشة مع طه حسين
قال لي الأستاذ الدكتور طه حسين: إن أعظم ما استرعى انتباهه في أثناء رحلته إلى لبنان وسوريا، هذا النشاط الذي لا يعرف حدًّا، ولا يقف عند نهاية، وبخاصة في النواحي الثقافية.
وسألته: أَمَا زلتَ عند رأيك أن هذا النشاط يوشك أن ينقل زعامة الأدب من القاهرة إلى بيروت أو دمشق؟
فضحك وقال: لقد كان هذا السؤال أول سؤال استقبلني في لبنان، وأول سؤال استقبلني في سوريا، وقد قلت لكلِّ مَن سأل: إنني أردتُ بما قلتُه في مصر عن انتقال راية الأدب إلى اللبنانيين أو السوريين، أن أحضَّ المصريين على أن ينشطوا ويجدُّوا في مجال الثقافة والمعرفة، وأنا في لبنان وفي سوريا أقول للبنانيين السوريين، إنهم إذا لم يستمروا في نشاطهم وإنتاجهم، فإن لواء الأدب لن ينتقل إلى أيديهم، وسيظل دائمًا في أيدي المصريين.
ويمضي الدكتور طه في حديثه ليقول: إن كل ما أقصد إليه هو التحريض على الإنتاج الأدبي، والنشاط الثقافي، وإشعال نار المنافسة بين جميع البلاد العربية، ولا يعنينا بعد ذلك أن ينتقل اللواء من القاهرة إلى لبنان أو سوريا، وإنما الذي يعنينا أن يظل لواء الأدب والثقافة مرفوعًا، ويستوي في ذلك أن تحميه أيدي المصريين، أو أيدي اللبنانيين، أو أيدي السوريين، المهم أن يظل اللواء مرفوعًا.
وتطرَّقَ الدكتور طه من هذا الحديث إلى التعليق على الكلمة، التي كتبها صديقنا ناصر الدين النشاشيبي في يوميات «الأخبار»، وقد وصف فيها طه حسين وهو يحاضر في لبنان، وأشار إلى ما استُقبِلَ به من مظاهر الإعجاب والحفاوة والإجلال، من الناس والأساتذة، ومن المستمعين والخطباء وقال إن طه حسين لم يُجِبْ على هذه الحفاوات كلها بحركةٍ واحدة، ولم يشكر الذين رحَّبوا به أو هتفوا له أو قدَّموه، وذكر أن هذا ليس غريبًا، وعقب النشاشيبي قائلًا: «فأنا أعلم أن طه حسين يعتقد في قرارة نفسه، أنه أعظم من أن يرحب به أحد، أو يهتف له أحد، وأشهر من أن يُقدِّم له أحدٌ، إنه يؤمن بأن كل مديح يقال فيه إنما هو أقل من القليل، وكل ثناء يكال له إنما هو بعض الحقيقة وبعض الواجب.»
وقال لي الدكتور طه: إنني أشكر ناصر النشاشيبي على هذه الكلمات الجميلة، ولعل هذا الشكر ينفي عني اتهامه لي بأني لا أشكر المادحين! فالواقع أني عندما أسمع كلمات الثناء ينتابني خجل شديد، فلا أعرف بماذا أجيب، ولا أجد خيرًا من السكوت، بل لا أستطيع إلا السكوت، وأحب أن أقول إني كلما سمعتُ ثناءً، خُيِّلَ إليَّ أنه ليس صحيحًا، أو أنه موجَّهٌ إلى غيري، فأنا حتى الآن لم أعمل شيئًا يستحقُّ الثناءَ والمديحَ.
وإني أومن كل الإيمان بقول الشاعر القديم: