حرية القافية
ولقد عرفت زكي أبو شادي في عام ١٩٣٢، ودعاني إلى زيارته في جمعية أبولو بحارة عمر شاه بالسيدة زينب، ونشر لي قصيدة في مجلة أبولو، وقد خالفته في آرائه، وكان يرى أن يتحرَّرَ الشعر من قيود القوافي، وكنتُ أرى أن القافية شيء مقدَّس، كان فاقهًا وكنت جاهلًا، فقد أصبحتُ أميل إلى تحطيم قيود القوافي، وما هو أكثر من القوافي!
وقد حملت عليه في بعض الصحف الأدبية، وداعبته بنظم شعر على طريقته، طريقة القافية الحرة، وكان يلقاني فيعاتبني بحرارة، وكان يظنني عدوًّا، والواقع أني ما كرهته، ولا ناصبته العداء، ولقد أدرك حقيقة فهمي له وموقفي منه في عام ١٩٤٤، وتكرَّرَ لقائي له وتبادلنا الزيارة.
ولقد كان أبو شادي صاحب آراء سديدة في الشعر، ولكنه لم يستطع أن يعبِّر عن هذه الآراء بشعره، فقد كان برغم دعوته إلى التحرر من قيود الشعر، كثيرًا ما ينظم على طريقة القدامى، ويتخذ نفس تعبيراتهم وطريقتهم، كأنما يريد أن ينفي عن نفسه تهمة العجز عن التقعُّر في اللغة.
وكانت موهبته سليمة، ولكنه عرَّضها للعطب بسبب سرعته في النظم، فليس أخطر على موهبة الشاعر من السرعة.
ولقد أصابه هذا الخطر، وأصبح ما تركه من دواوين تُعَدُّ بعشرات الألوف من الصفحات، في حاجةٍ إلى غربلة وتنقية، حتى يتميز الشعر الزائف من الشعر الصحيح.
ولقد ظلَّ أبو شادي حتى آخِر رمق من حياته يكتب، ويؤلِّف، ويذيع في صوت أمريكا، وتكلَّمَ في إذاعته هذه عن كتاب الشعر العربي في المهجر، الذي ألَّفَه الأستاذ محمد عبد الغني حسن، وعتب على المؤلِّف أنه لم يخصَّ الشاعر المصري — أي أبو شادي — إلا بصفحتين اثنتين، في حين أفسح الصفحات الطوال لشعراء لا يستحقون مجرد ذكر أسمائهم!
واتهم الشاعر إيليا أبو ماضي بأنه اقتبس قصيدته «لست أدري» من شاعرٍ إنجليزي.
إن أبو شادي العالم الأديب الشاعر سيظل شيئًا كثيرًا، وسيبقى طويلًا في تاريخنا الأدبي.