الطبقات الاجتماعية في الشرق وبعض الفروق بين الشرق والغرب والنظرية السبعية
إن الدولة جسم حي، قوامه روح الشعب، ولا تعيش أمة بغير مَثَل أعلى يهديها سواء السبيل في دياجير الحياة، فهو بمثابة النور الكَشَّاف الذي يكشف أمامها ظلام الطريق فتتَّقي بضيائه شر العِثار. ولكن المُثُل العليا ليست شائعة وليست من مواهب الجماعة، وقد لا تكون إلا في نفوس أفراد يُعَدُّون على الأصابع، وقد ذهب زمن استئثار بضعة أفراد بتلك المثل العليا وأصبح فرضًا على كل منهم أن ينشره في طبقات الشعب لتمتلئ به كل نفس، لأن العالم والشعوب تسير نحو الديمقراطية بأوسع معانيها. وقد ذهب عهد الأرستقراطية الناشئة عن الميلاد وشرف الأَرُومَة، وأصبحت الأرستقراطية هي شرف الخُلُق وسموُّ المدارك وتمايز العقل. وكما أن في الإسلام لا تفضيل إلا بالتقوى ولا كرامة إلا لمكارم الأخلاق فكذلك ترى الزعماء في الأمم العظمى لا يرون المستقبل إلا في المساواة وتفضيل الفضلاء حقًّا بعقلهم وعلمهم وأخلاقهم. وقد تغير نظام العالم الحديث وليس للمال الآن تلك المكانة التي كانت له في أوائل القرن العشرين، كما أن الأنساب العظيمة فقدت أهميتها لأن أحفاد الأحفاد جاءوا بأفظع الأمثلة فلا يصح أن يكونوا قادة أو في القمة، والإنجليز أنفسهم وهم من أشد الغُلَاة في هذا السبيل عَدَلُوا الآن عن حصر الكرامة في الأعيان واللوردات ويحكمهم اليوم رئيس حكومة من العمال، وهذا الروح سارٍ في العالم كله.
ولو أننا ننظر إلى ألمانيا التي كانت صاحبة أعظم قوة حربية في العالم، لرأينا أن تلك القوة العظيمة لم تكن مستمدَّة من قوة العسكرية وحدها أو من نظام الإمبراطورية المقيدة أو المطلقة، إنما كانت قوة ألمانيا مستمدَّة قبل كل شيء من قوة عقلية عظيمة تغذِّيها وتنفخ فيها، ولا تزال ألمانيا أعظم أمم العالم في التربية والتعليم وانتشار العلوم الحقة كالطبيعيات والكيميا والرياضيات بين ظَهْرَانَيْها، فإن حرب ألمانيا لأوروبا كانت حربًا علمية أكثر منها عسكرية، بل كان وراء مظاهر تلك القوة العسكرية سلسلة طويلة من كبار المفكرين والفلاسفة، فلا نهضة لأمة الآن سواءً أكانت في الشرق أو في الغرب إلا بنهوض أفرادها وترقية عقولهم وتطهير نفوسهم وتأديبها أحسن تأديب.
فهذا البناء الداخلي من التهذيب والثقافة يسبق البناء الخارجي الذي هو مظهر القوة والحرب. وقد ترى في الأمم الضعيفة علائم لا تخفى على الخبير، منها عبادة القوة وإهمال الثقافة والتعلق بمثَل أعلى يتطلب التضحية في حين أن الشعب منغمس في الرذائل سواءً في ذلك الأغنياء والفقراء، ثم ترى الانقسامات السياسية تنخر في عظامه وهو لاهٍ عن مشاكل الحياة الاجتماعية والاقتصادية. وإذا شعر الشعب بعاطفة ظنها فكرة جديدة، فهو لجهله لا يميز بين الأهواء والعواطف والأفكار؛ فالنزاع السياسي هوى، وحب الوطن عاطفة، وتدبير الخلاص من الظلم فكرة، فترانا في الشرق الإسلامي نخلط بين الثلاثة أشياء فنتبع أهواءنا ونمجِّد عواطفنا ونحتقر الأفكار النافعة.
الشرق بين العاطفة والفكر
إن الهوى والعاطفة قوتان عظيمتان في حياة الشعوب، ولكن يجب أن تسخَّرا للعقل المفكر لا أن تقودا الأمة إلى الخراب، لا يمكن لعمل عظيم أن يقوم بغير عاطفة، ولكن العاطفة وحدها لا تكفي بل يجب أن يرشدها العقل ويسيرها، كما أن الهوى كالقوة المحركة لا يُطلق له العِنان إلا بعد أن نستوثق من الطريق التي نسلكها. وحياة الفرد مقسمة بين عقله وهواه، ولكن العقل يجب أن يسبق الهوى ويحكمه، لا يكفي أن تحب أن تسمو أو تتحرر أو تستقل بل يجب أن تريد ذلك، ولا يكفي أن تريده بل يجب أن تفكر في طريق العمل وتعمل للخلاص. والأمم التي تكوِّن مَثَلها الأعلى وهي تحت حكم الهوى تندم في ساعة لا ينفع فيها الندم، ولكن الأمم التي تفكر أولًا في هدوء ثم تندفع إلى العمل تفلح وتنجح.
والغرب الغاصب لا يعرف الهوى ولا يعرف العاطفة في محاربتنا واغتصاب بلادنا، بل يعرف التفكير والتدبير وانتهاز الفرص.
انظر كيف صنع ديزرائيلي في شراء أسهم قنال السويس، ثم ماذا صنعت إنجلترا في الاستيلاء على مصر بطريق القروض المتتالية، وماذا صنعت فرنسا في شمال أفريقيا، هل هاجت أو تبعت عواطفها أو هواها؟ كلا، إنها اتبعت فكرتها وتدبيرها.
لقد هاجت أوروبا في الحرب العظمى وتبعت هواها وعواطفها، فعادت الحرب عليها بالدمار، ولكن الاستعمار كاد ينقذها لأن ما خسرته من المال والرجال عوَّضته بالمستعمرات الجديدة في الشرق.
لقد تحطَّمت المُثُل العليا في الشرق وذهبت مظالم الفراعنة بذهابهم وتبعتهم سلطة الكهنة في الهياكل والمجالس، فانْهَدَّ ركن الاستبداد الملكي والديني، وليس في ديننا خضوع للعلماء الذين هم حفظة كتب ونصوص وليسوا رقباء على ضمائرنا، وشيئًا فشيئًا تتهدَّم نظم الأرستقراطية ويستحيل عليها أن تحكم الأمم، ولن تخضع الشعوب لأرستقراطية من المدَّعِين العَظَمة بالميراث أو بالمال، وربما خضعت لأرستقراطية العقل والذكاء والحكمة.
لقد كان لويس الرابع عشر يقول: «أنا الدولة»، وكان البابا جريجوار السابع يقول: «أنا بابا وإمبراطور»، وكان شارل الأول يقول: «أنا ملك بأمر الله»، كما قال الفاطمي التائه: «أنا الحاكم بأمر الله» وكما قال فرعون: «أنا ربكم الأعلى.» ولكن هذا الحق الذي كان يُظَنُّ أنه مقدس قد حلَّ محله حق الشعوب في حكم نفسها، وحلَّت سلطة الأمم محل سلطة الملوك، وصارت الأمة مصدر السلطات كلها، وتأبى الديمقراطية أن تخضع لغير ذاتها في أوروبا.
لا تزال في العالم سلطة قاهرة للمال، وهي نوع من الأوليجارقية أو حكومة الأشرار التي بيَّنها أرسطو في سياسته، ولكن هؤلاء الأشرار أو هؤلاء الحاكمين بأمر المال قد استبانوا أنهم لن يستطيعوا الحكم بغير إشراك الدَّهْماء معهم، وهم الذين يَشِيدُون مُلكهم الحقيقي بعرق جبينهم، وقد قلَّت أسباب التفاوت بين ابن الأمير وابن الصعلوك، وأصبح الفقير إذا أراد أن يتعلم يكفيه أن يقرأ الكتب فتفتح أمامه أبوابًا كانت فيما مضى مفاتيحها من ذهب، وقد علَّم الكثيرون من أبناء الشعب أنفسهم فصاروا في مصافِّ العظماء وحكموا العالم، ومنهم وأقربهم مثلًا رامزي مكدونلد رئيس حكومة إنجلترا، وأصله صحفي وأستاذ مدرسة، وإدوار هريو رئيس حكومة فرنسا سابقًا، وشتريسمان وهو ابن خمار كان يبيع الجِعَة في إحدى الحانات، وهردنج ومكنلي وإديسون وبريان وسنودون ولويد جورج وقد رباه إسكاف وهو عمه وهذا من مفاخره … وعشرات مثلهم، قبضوا على زمام العالم في الحرب والسلم، وسيَّروا الأمم في طرق النجاح، ولم يكن يخطر ببال أحد منذ مائتي عام أن مثلهم ينبغون ويَسُودون الأمم بمحض كفايتهم وأخلاقهم بدون انتساب إلى الأصول العريقة أو جَرَيَان الدماء الزرقاء في شرايينهم. وهذا كله بفضل إباحة العلم للجميع وتيسير طلبه، فصار ابن الملَّاح والعلَّاف في وُسْعه أن يبلغ في العلم شَأْو أفلاطون أو كانط، وهذا الإسلام يأمر بالمساواة بين الناس ولا يفضِّل أحدًا على أحد إلا بالعلم والتقوى. ولما كان معظم أهل الشرق من العامة والدهماء فهؤلاء لا يزالون كنزًا دفينًا يُخرجون للعالم مئات الألوف من النوابغ النافعين في الحرب والسلم والعلم والاختراع، ولا ينقصهم إلا عدل النظام الاجتماعي الذي يَكْفُل ظهورهم ونجاحهم والانتفاع بهم. ولو أن رجال السياسة الذين فكروا طويلًا في أنظمة الحكم صرفوا بعض وقتهم وقليلًا من همتهم في التفكير في إنهاض العوام والمتوسطين في الشرق، كان لهم من نهضتهم خير نظام وخير ضميرة للمستقبل، وقد آن للمصلح الشرقي أن يدرك حقيقة الحال وهي أن إشراك الطبقات الصغيرة في الحياة العامة أصبح أمرًا واجبًا.
الطبقات الاجتماعية
إن الأمم في الشرق والغرب أيضًا لن تنهض على أكتاف الطبقة الغنية أو الطبقة التي تسمى عالية، بل على الطبقات الوضيعة والمتوسطة، والأمة التي تهمل الوضيع والوسط سوف تبني على الرمل، وكل بناء على الرمل ينهار. لقد مضى الوقت الذي كانت الأرستقراطية تُسقط الفقراء من حسابها، وأصبحنا في زمن لهؤلاء الفقراء فيه مكان مهم، لأن الفقراء إذا أُهْمِلوا كانوا شوكة في جنب الأمة، وربما هدموا البناء الذي يُشيَّد بدون معونتهم. إن الفقراء والأغنياء إخوة ومتساوون، وهؤلاء الفقراء محتاجون إلى النور والهواء والغذاء والتعليم وإلى قسط من الهناء في الحياة. إن قرية الفلاح ومصنع العامل لا تقل عند الله — سبحانه وتعالى — عناية عن قصر الغني أو مكتب المدير المُتَمَوِّل، لأن الله يحب الجميع.
وإذا كان البائس لا يحصل على أجره الكافي لحياته هو ومن معه فإنه يَهْلَك، وإن هلك هلك معه الآخرون من أهله، وإن هو فقد عمله وتعطَّل صار عبئًا على المجتمع وعالة على غيره، وهو في الغالب ليس خاليًا، بل في عنقه جماعة من الأطفال والنساء ذوي الحاجة الملحَّة إلى الطعام والكساء والغذاء والمسكن. إن الممالك الكبيرة والإمبراطوريات الضخمة والجمهوريات القوية والدول الصغيرة مهما كانت تُلْهِيها قوتها الجندية أو البحرية وثروتها المادية ذهبًا كانت أو خِصْبًا، ومهما كانت مواهبها في العلوم والمعارف؛ غير عاجزة بإذن الله عن إيجاد النظام الاجتماعي الذي يكفل سعادة الأفراد بغض الطرف عن المطامع، وقد تحكمت في أوروبا أولًا وفي الشرق ثانيًا تلك المطامع الشخصية، وتلك الأنانية القتَّالة، وتلك الشهوات الفردية التي قضت على العالم القديم وتوشك أن تقضي على العالم الجديد. ولو أننا عذرنا الأمم الأوروبية، أستغفر الله! لو أننا أدركنا حقيقتها وفهمنا أسباب حالتها، فأيُّ عذر لنا وأيُّ تعليل لحالتنا التي نعانيها في انقسامنا وتحزُّبنا وانشغال كلٍّ من رجالنا بمصالحه الشخصية عن المنفعة العامة؟
ليس لدينا قوتهم ولا مالهم ولا علومهم ولا حريتهم ولا فضائلهم، ولكن لدينا نقائصهم ورذائلهم التي كان ينبغي لنا أن نتنزَّه عنها ونخلص منها.
انظر إلى أي دركٍ وصلت أمة عظيمة كدولة فرنسا الجمهورية بسبب المال، إنها بعد الحرب استردَّت ثروتها بغاية السرعة وصارت اليوم أغنى دولة في العالم بمقدار الذهب الذي تملكه في خزائنها.
أتدري ماذا حَلَّ بها؟
إن كبار الرجال فيها جُنُّوا بالذهب وظهرت فضائح المصارف والوزراء، فمن أوستريك الماليِّ الدجال إلى راوول بيريه وزير العدل، ومن شركة البريد الجوي إلى فلاندان وزير المال. ونحن في سنة ١٩٣١ نشهد في فرنسا فضائح أضخم من فضيحة بناما في أواخر القرن التاسع عشر.
وفي بلاد الشرق مثل هذا وأكثر، ولو أتيح كشف القناع عن بعض الحقائق في الشرق لرأينا من الرذائل والفضائح ما لا يقل عما يجري في فرنسا، إنما الشرق خُلُوٌّ من المجالس والصحافة الحرة، ولكن الداء واحد والجراح مسمَّمة بالقَيْح، والقُرَح تَنِزُّ سواءً علمنا أم لم نعلم. وما منشأ تلك الأدواء إلا تسلُّط أفراد معدودين في بلاد الشرق الإسلامي، وهؤلاء الأفراد المعدودون خاضعون للطامع الأجنبي الذي يريد أن يفسد أخلاقهم ويشتري ذِمَمهم ويخرِّب ضمائرهم ليكون تمكنه منهم أعظم، لأنهم إن شَرُفُوا لا يخضعون له ولا يرضَوْن نفوذه ولا يتآمرون معه على أممهم.
الطبقات في المشرق
إن العامِّي البسيط في الشرق شَقِيَ الشقاء كله، وهو في الغالب متدين ومؤمن، وتراه بعد أن خَسِر دنياه أو كاد ينتظر ثواب الآخرة، لأن الأديان علَّمته أنه إن فاته نصيبه في الأولى سيلقاه في الآخرة، وإن سكن في هذه كوخًا فسيسكن في الأخرى قصورًا، حيث يلقى غلمانًا وحُورًا وخيرًا كثيرًا، وأن حظه مخطوط ومرسوم وليس له إلا ما هو مقسوم والمكتوب على الجبين تراه العيون. وقد ساعد علماء الرسوم على ترسيخ هذه الأفكار في ذهنه، وساعدوا على تخديره حتى إنه بدلًا من سعيه وراء خيرات هذه الدنيا أو مناضلته عن بعض منافعه تراه قد زهد فيها مقدمًا وصارت آماله معقودة على ما سوف يناله بعد موته، فأصبح المثل الأعلى معكوسًا، وذاك الذي يجب أن ينال في هذه الحياة تأجل إلى أجل غير مسمى إلى ما وراء القبر، إلى بعد الموت! …
ولكن هذا الحلم اللذيذ قد طال، والأجيال تترى ووراءها القرون، وذلك المخلوق (الإنسان) وهو أفضل الكائنات على هذه الأرض لم يتذوق طعم السعادة، وقد ظهر له أن الشيطان قد شاد للأشرار في هذه الدنيا قصورًا وملأها بالطيبات والأنوار ومظاهر الرفاهية، وأنه وهو الرجل الطيب الصابر لا يزال هو وأولاده وأحفاده وامرأته وبناته ينتظرون.
ولم يصل إلى يده شيء على الحساب مما هو موعود به، بل إن هؤلاء الذين يصبِّرونه ويخدِّرونه من طائفة علماء الرسوم ومشايخ طريقة «بكرة تشوف» متنعمون في هذه الحياة الدنيا وقد جعلوا منها جنة مثل دار الخلد التي يصفون؛ فدهشه الأمر وأيقظه، لماذا هم لا ينتظرون مثله وقد قبضوا كثيرًا من حساب الآخرة، ولعلهم استنفدوا كل حسابهم؟ وإذا كانوا هم العالمون الواثقون لم يصبروا فأَحْرِ به وهو الجاهل الذي يتلقى عنهم أن لا يصبر وأن يلحَّ ولو قليلًا في طلب دفعة من النعيم على الحساب … بل لعله وهو ينتظر الجزاء يتنبه فجأة فإذا هو جائع وإذا داره خالية وديونه متراكمة وصاحب الدين يبيع أثاث غرفته ويُشَلِّح عنه ثوبه الممزق، فتجوع امرأته وأولاده معه ولا يجد قوت يومه، وإذا لجأ إلى ذلك الذي كان يعلمه الصبر ويقول له غدًا ترى ما ينتظرك، أعرض عنه ولَوَى وجهه، وإن كان محتاجًا فقد يتحكم فيه المالك ويطرده كما طُرد أبوه آدم من الجنة فخرج منها بلا ثوب ولا درهم، وإن هو مات وخلَّف وراءه أولادًا وزوجة فلهم الشقاء من بعده، فما أعظم الفرق بين تهذيب الروح وحقائق الحياة! ما أعظم الفرق بين الرجاء في المستقبل والأمر الواقع اليوم … الساعة!
عليك بالعلم والاجتهاد والاستنارة وطلب المزيد من فهم الأشياء على حقيقتها واكتساب التجربة والاختبار وتحقيق الأشياء بنفسك، تلك أسباب النجاة أمامك فاتبعها!
ألمانيا وإنجلترا
لقد ألف المؤلفون كتبًا كثيرة ليفسروا أسباب تمايز بعض الأمم بذكائها، جريًا وراء تعليل ينطبق على الحقيقة التاريخية. وكان آخر من ألَّف فيها هوستون شمبرلن في كتاب «أسس القرن التاسع عشر»، وجيز والمؤرخ الفرنسي وميشليه وتين والدكتور إميل رايش وغيرهم، ولكن هذه النظرية قد ماتت الآن، والذكاء موهبة مُشَاعَة بين جميع الأجناس والأمم ولم تختص به أمة دون أمة ولا شعب دون شعب، وقد هجر هذه النظرية كبار المؤرخين في كتبهم أمثال «ولز» في «تاريخ العالم»، وقد أُهْرقت دماء المحابر في سبيل تأييدها وضده، والآن قد زالت من عقول المفكرين والعلماء وكتبهم، ولكنها لم تزل من أفكار العوام فترى الإنجليزي يعتقد أنه أذكى العالم وشعبه أرقى الشعوب، وكذلك الفرنسي والألماني وغيرهما، وكل هذا راجع إلى رذيلة الغرور والإعجاب بالنفس.
فإن الشعب الروماني كان أقوى الشعوب وأذكاها في زمنه وقد كانت قوته الحربية والسياسية مضرب الأمثال، ومع ذلك قد قضى عليه بضعة رجال من اليهود الثائرين الذين تشتَّتوا بعد عهد أستاذهم ومعلمهم عيسى المسيح، فتمكن بولس وبطرس وبعض الحواريين بخطبهم وكتبهم من دَكِّ أعظم إمبراطورية حربية في العالم، وهكذا تمكن المسلمون الخارجون من الصحراء من القضاء على دولة الفرس ودول العراق ومصر والهند وشمال أفريقيا، بل هاجموا الأوروبيين في أوطانهم واستولوا على ممالكهم، ولم يكن قد مضى على ظهور الإسلام سبعون أو ثمانون عامًا.
ويا حبذا لو استفاد الشرق من مصائبه! فإن الهزيمة لا تكون دائمًا سببًا في السقوط أو الموت، فإن بعض الأمم مدينة في نهضتها إلى هزيمتها، فإن ألمانيا التي كانت أشرفت على الاضمحلال صُدمت صدمة كبرى في موقعة إينا ١٨٠٦ وقد أنزلتها تلك الموقعة إلى حضيض الخيبة والذل، ولكن هذه الهزيمة أيقظت شعور الألمان ونبَّهتهم إلى ما هم فيه من الانحطاط، ومن ذلك اليوم صحت عزيمتهم على النهوض، وفي يوم هزيمة ألمانيا بدأت نهضة ألمانيا. وربما كانت هزيمة الفرنسيين في سيدان ١٨٧٠ هي التي أيقظت همة الفرنسيين، وما زالت تلك الهمة متيقظة في قلوب بعض الرجال أمثال بوانكاريه وديلكاسيه وكلمنصو حتى كانت حرب الانتقام في سنة ١٩١٤، وفيها استردت فرنسا الألزاس واللورين وقهرت ألمانيا في معاهدة فرساي بعد أن ألَّبت عليها دول العالمَين القديم والجديد. فلا يجوز لنا أن نستهين بالهزيمة والانكسار، فرُبَّ هزيمة أورثت نصرًا! وقديمًا قال أحد المتصوفين المسلمين: «رُبَّ معصية أورثت ندمًا واستغفارًا خيرٌ من طاعة أورثت عُجْبًا واستكبارًا.» أو ما هذا معناه. أما الهزيمة الذميمة فهي التي تميت القلب وتُضْعِف الهمة فلا تقوم للمهزوم بعدها قائمة، وهي مثل الانتصار الذي يملأ المنتصر إعجابًا وغرورًا فيكون ذلك بداية هلاكه.
وكل هذا يدخل في اعتبارات تكوين الأمم الخُلُقي والنفساني، فإن الإنجليز اشتُهروا بقوة الإرادة وأذاعوا عن أنفسهم أنهم يعتقدون بأنهم مخلوقون لحكم العالم، والحقيقة أنهم جعلوا الاستعمار في القرن الماضي لسرقته وسلبه ونهبه، فإن الله أعدل من أن يخلق شعبًا ليحكم العالم. والحقيقة أن كل أمة مخلوقة لتحكم نفسها، ولكن الأمة الذكية القوية الإرادة العنيدة المتشبثة قد تسود أمدًا قصيرًا أو طويلًا غيرها من الأمم المستضعفة المستسلمة. وقد اكتسب الإنجليز نصيبًا من الصلابة والعناد التي تشبه صلابة الكلب الإنجليزي القوي المشهور بولدوج، واسم الشعب كله جون بول مزيج من اسم شخص واسم حيوان وهو تشبيه صادق، وهذا «البولدوج» تراه متين العضلات يسير في الأرض مستعرضًا وناظرًا إلى العالم بغباوة وشراسة، وهو مكشر عن أنيابه الدميمة فلا تدري أضاحك هو أم عابس، أعدو هو أم صديق، وهو يبقى سائرًا أو مُقْعِيًا في حالة صمت عميق لا يُبْدي حركة ولا صوتًا ولا يلهث كغيره من الكلاب سواء أحملت عليه أم لم تحمل، ولكنه إذا دنا من شخص وعَضَّه وأطبق فكيه الخبيثتين على قطعة من لحمه فلا يفرقهما إلا عن أشلاء ممزقة، لأن أنيابه مصنوعة بحيث لا تنفرج إذا هي انطبقت وهو نفسه لا يعرف كيف يفرجها، وتراه أحيانًا يعض مولاه فهو لا يفرق بين العدو والحبيب، وربما يستأذن عليه سيده ومربيه في جوف الليل أو في غرفة مغلقة فيهاجمه البولدوج ويُعْمل فيه أنيابه كما يفعل في أجنبي يهاجم مولاه!
وكثيرًا ما شبه علماء الاجتماع الخُلُق الإنجليزي بأخلاق البولدوج.
فترى الإنجليزي صابرًا على الشدائد، مستعدًا لمقاومة ما يقع به من النوائب، مقيمًا على الكفاح حتى يبلغ مقصوده من قهر عدو أو فتح قُطْر أو دفع بلاء.
وأنت إذا شهدت الطفل الإنجليزي كما شاهدناه في وطنه ترى أن أمه تعوِّده منذ نعومة أظفاره على التخلص من ضعف الطفولة وخنوثتها، فلا يبكي ولا ينفعل ولا يُظهر عواطفه على الأسلوب الذميم الذي تراه في أطفال الشرق وصبيانه. وفي الرابعة عشرة حيث يكون الطفل الشرقي لا يزال مدلَّلًا منعَّمًا ترى الفتى الإنجليزي شاعرًا بعبء المسئولية وتراه حائرًا في البحث عن خطة يسلكها في الحياة، وهو يريد أن يشق لنفسه طريقًا سواء في الجامعات أو في المستعمرات أو في سبل العمل المُجْدي.
وقد يكون الصبي الشرقي أو الأوروبي غير الإنجليزي شديد الذكاء واسع الاطلاع، ولكنه لا يبلغ شأو الصبي الإنجليزي في الاعتماد على النفس والاستعداد للكفاح في الحياة. وقد يكون الشرقي أو الأوروبي مهملًا للغد أو متواكلًا، ولكن الإنجليزي لا يعرف إلا تدبير الغد والاستعداد له وحسبان حسابه، وهو يشعر بالمسئولية الملقاة على كاهل الرجل، ولا شيء في العالم يُنْضِج الرجال مثل الشعور بالمسئولية.
التصوف في الشرق والغرب
طالما نسب بعض الناقدين تأخر الإسلام وانحطاط دوله إلى المتصوفين والدراويش، وفي الحق كان لهذه الفرق مضارُّ كثيرة في بلاد تركيا القديمة والحديثة، حيث كانت التكايا حاشدة بأشخاص قادرين على الكسب والعيش في بُحْبُوحة من ثمرة أعمالهم ولكنهم عاكفون على الأكل والنوم وتقوية أعضائهم بحجة العبادة، وما العبادة إلا تابعة للعمل في الحياة، وليست الحياة تبعًا للعبادة، وبالرغم من أن الرهبانية محرمة في الإسلام فكنت ترى هذه الألوف من الرجال يعيشون عيشة الرهبان في مقصوراتهم مع أن ظواهرهم لا تدل على رهبنتهم، وفي الحق لا ترى من هؤلاء العماليق خيرًا لا لأنفسهم ولا للجماعة، وأفضل ما نراه من أعمال هذه الفرق في عصرنا هذا هو الذكر على أنغام الموسيقى، وقد أطلق السائحون على طائفة المَوْلَوِيَّة اسم «الدراويش الرقَّاصة».
ولكن قد ظهر في أوروبا بعض الفرق المتصوفة مثل فرقة اليسوعيين، فكان لهم نصيب عظيم من الأعمال العامة في الدين والسياسة والتعليم، واليسوعي يعطي عهدًا بالفقر والعفة والطاعة، وقد انتشرت تلك الطريقة اليسوعية في أنحاء أوروبا انتشار النار في الهشيم، فكانوا في القرن السابع عشر نحو ثلاثين ألفًا، وقبل أن يقاومهم البابا كليمنتس الرابع عشر في ١٧٥٩ بلغوا ثلاثة وعشرين ألفًا، وهم الآن حوالي عشرين ألفًا من الجيزويت.
ويرجع الفضل في نجاح تلك الفرقة إلى شخصية ليولا مؤسسها في أواسط القرن السادس عشر، وقد قضى سبع سنين في التقشف والاستعداد لتأسيس فرقته منقطعًا في صومعة في مونمارتر بباريس ١٥٢٨–١٥٣٥، ومذهب ليولا يلخص في كلمتين هما «الجمع بين الذكاء والإرادة» في خدمة مبدئه، وأن لا يكون الجمع بين تينك الفضيلتين قاصرًا على الأفراد بل شائعًا بين الجماعة، وقد رأى ليولا أنه إذا توافرت هاتان الخُلَّتان للفيف من البشر فلن يقوى عليه إنسان، كما أن سائر الأنظمة السياسية والدينية تتلاشى أمام تلك القوة. وقد جاءت الحوادث مصدقة لما كان يراه ليولا، فتحكَّم هو وفرقته في تسعة أعشار الحوادث التي حدثت في أوروبا ولا يزال سرها غامضًا.
وقد كان التهذيب الخلقي الذي تحلَّى به اليسوعي منطويًا على خلاص عضو الجمعية من الأهواء والانفعالات التي تعصف بأخلاق الرجال وتعبث بحياتهم، فيتغلب الرجل على الحب والبغض والطمع والطموح والشهوة والتمتع، وبالجملة يقطع كل أوتار الآمال من صدره ويبقى أداة لتنفيذ إرادة شيخه.
وفي الوقت الذي كان فيه شيخ الجبل يؤلف فرقة من الحشاشين والعدميين والفوضيين يطيعون أوامره ويبذلون حياتهم في سبيل طاعته — ولكنهم مسخرون لخدمة الفرد وبغير دافع ديني أو معنوي، بحيث كان أحدهم يلقي بنفسه من شاهقٍ طاعةً لأمر زعيمهم الذي منَّاهم بالجنة وعوَّدهم تدخين القِنَّبِ الهندي ليسبحوا في عالم الأحلام والخيالات، وجعل مثلهم الأعلى صورة من شهوات البدن — رأيت هؤلاء اليسوعيين يؤسسون فرقتهم أو طريقتهم على أساس الخلاص من حكم البدن. ولا فرق بين اليسوعيين والمتصوفين فإن كلًّا منهما فرقة دينية، ولكن الأولى اتبعت مثلًا صحيحًا في الزهد والتقشف والتخلِّي عن الأهواء، والثانية اتَّبعت طريقة استدراج الأنصار جزاء تمتُّع الجسد في حياة مستقبلة، فقد روى مؤرخو الإفرنج والعرب أن حسن بن الصَّبَّاح — وكان يسمى شيخ الجبل — قد بنى قصورًا وزرع بساتين وحدائق وجعلها في مجموعها تشمل نعيمًا كالنعيم الذي جاء في وصف الجنة، وكان يذيق مواليه المخدَّرين لذة اليقظة في وسط هذا النعيم ويمنِّيهم بمثله إذا هم أطاعوه في أوامره ونفَّذوا إرادته في الحرب والقتل والاغتيال.
بيد أن الشرق والغرب يلتقيان ويفترقان في صفات كثيرة، فإن الكنيسة في الغرب سواءً أكانت كاثوليكية أو بروتستية أو كالڤينية تراها قابضة على زمام الدولة، وقد تجلى هذا في إسبانيا وفرنسا وإنجلترا وإيطاليا وألمانيا، فإن الكنيسة حكمت إسبانيا حتى خربتها ومن أعمالها هناك محكمة التفتيش، وعندما حل مذهب كالڤن في إنجلترا أحدث الحروب الأهلية وأدخل تعديلات خطيرة في الدستور الإنجليزي، ولما دخل مذهب كالڤن في فرنسا سبَّب حربًا أهلية دامت من ١٥٥٩ إلى ١٥٩٣، ولا يزال أثر هذا المذهب في مقاطعة جنيف التي حكمها كالڤن بنفسه وكان فيها ملكًا وقسيسًا، ولا يزال تاريخ تلك المقاطعة وقانونها وأخلاق أهلها متأثرة بطابع هذا الرجل الديني الرهيب. أما في فرنسا فلم تتمكن الحكومة من الفصل بين الكنيسة والحكومة إلا في سنة ١٩٠٤.
وفي ألمانيا حاول بسمارك في سنة ١٨٧٤ بعد أن انتصر على فرنسا أن يخلص من كابوس الكنيسة فأصدر قانون مايو الشهير متمردًا على البابا، ولكن بعد انقضاء ثمانية قرون على عهد جريجوري السابع وعلى إذلال هنري الرابع بباب خليفة القديس بطرس في كانوصا، فإن البابوية ما زالت قوية، واضطر المستشار الحديدي بسمارك لسحب قانونه والخضوع لرومة والانحناء أمام سلطة الحزب الكاثوليكي في الريشستاج، وفي العهد الأخير تآخت الفاشبزتيه مع البابوية واصطلح البابا مع الزعيم، وصار للبابا حق الخروج من قصر الفاتيكان في سيارة من «فضة» والكلام في التليفون مع أنحاء العالم بتليفون له مقبضة من ذهب.
ومعلوم أن البابا في نظر الكاثوليك معصوم من الخطأ كالأنبياء عند المسلمين ١٨٦٩-١٨٧٠، كما أن البابا أصدر في ١٨٦٤ منشورًا يصرح فيه بأن «الإنسان عاجز بفطرته عن الخلق والاختراع ولا يمكنه إيجاد الحقيقة، ولكنه يستطيع الفهم والإدراك للحقائق التي تتجلى له بفضل الله من زمن بعيد، وما العلم الحديث إلا مجموعة ألفاظ متناقضة.»
في حين أن الإسلام لا يتدخل في الحكومات ولا شأن لرجاله في تدبير الدولة، ولم يُعرف أن عالمًا أو شيخًا دينيًّا تدخَّل في شئون المملكة أو الدولة أو فسَّر الدين بما يؤخر تقدم الأمم أو يؤخر العلم؛ ترى بعض المؤرخين النصارى يدعون بأن تقدم التعليم وانتشار العلوم الرياضية والطبيعية سَيُدْني ساعة الكنيسة الكاثوليكية لما بينهما من التناقض، وترى أن الإسلام يأمر بطلب العلم ويحُثُّ عليه ويكافئ العالِم ويميزه ويضعه في موضع الشرف في أماكن شتَّى من كتابه المنزَّل وتعاليمه.
بيد أن هذا التضييق من رجال الكنيسة على أهل الفكر والعلم قد انقلب إلى ضده، فأخذ رجال من الفلاسفة الذين يحفظون تاريخ الكنيسة جيدًا يهاجمونها في أصلها ويطعنون في جوهرها وينكرون عليها حق الوجود، ولم يكن هذا إلا من قبيل رد الفعل المنتظر حدوثه في كل الحركات العقلية والدينية، وقد وضعوا لمجموعة مباحثها اسم «النقد العالي» وقد ظهر هذا النوع من النقد في ألمانيا ثم في فرنسا، فأخذوا يدَّعون أن التعاليم المسيحية مشتقة من عقائد وثنية قديمة، وأن عيد نويل ورمز الصليب يرجع عهدهما إلى أجيال بعيدة قبل رومة، وأشهر من كتب في هذا فرنسوا ديبوي مؤلف كتاب «تاريخ الأديان»، وتلاه جودفري هيجنز فألف كتاب «أناكلبس»، وقد ردوا كثيرًا من المعتقدات والطقوس إلى البوذية والبراهمانية.
ثم جاءت فرقة علماء توبنجن فبحثت في أعمال الرسل وألف زعيمها ستراوس حياة السيد المسيح وألف فردينان باور الألماني كتاب «بولس رسول المسيح». ولا تزال معاول النقد العالي تعمل في بناء تاريخ الكنيسة المسيحية، ولا شك في أن الكنيسة تتقبل هذا كله بسرور، لأنها تدين بالتسامح والتساهل اللذين ورد ذكرهما في العهد الجديد المرة بعد المرة والفَيْنة بعد الفينة.
أما الإسلام فلم يتقدم أحد لنقده نقدًا عاليًا ولا نقدًا واطيًا، لأن تاريخه بسيط، وهو خالٍ من الغموض والتعقيد، وليس فيه ما يحير الفكر أو يربك العقل، وكل الفرق التي ظهرت في العراق وفارس إنما هي فرق باحثين في التأويل والتفسير وليس في التاريخ والنشأة التي أجمع المؤرخون على صحتها، كما قال برتلميه سانتهيلير في مقدمة كتابه في حياة النبي محمد (طبع باريس).
الأديان والنقد العالي
إن تاريخ العالم مقسم إلى فترات، قد تدوم الفترة الواحدة منها حوالي سبعة قرون لا تزيد ولا تنقص، وهذه حقيقة اهتدى إليها بعض المؤرخين بالاستقراء، فإن مدينة رومة تأسست قبل المسيح بسبعة قرون، ودامت سلطة رومة ونفوذها في العالم سبعمائة سنة، وفي نهاية تلك المدة ظهر المسيح بدين جديد ينطوي على حياة أمة جديدة وحضارة جديدة، وكان ظهوره مؤْذِنًا بزوال تلك الدولة الرومانية التي حكمت العالم بالعصا والسكين بعد أن فتحته بالقوة والحيلة.
- (١)
رومة دامت سبعة قرون آخرها ظهور المسيح.
- (٢)
المسيحية دامت في دورها الأول سبعة قرون آخرها ظهور محمد.
- (٣)
نهضة الإسلام الأولى دامت سبعة قرون آخرها ظهور الموغول والصليبيين.
- (٤)
هبوط المسيحية وأوروبا دام سبعة قرون آخرها عهد الإحياء الأوروبي للعلوم والفنون.
- (٥)
نهضة أوروبا الحديثة دامت سبعة قرون آخرها الحرب العظمى ١٩١٤–١٩١٨.
- (٦)
نهضة الشرق الحديثة تبدأ في أول القرن الرابع عشر الهجري (القرن العشرون للمسيح).
ومن العجيب أن تطبيق هذه النظرية صحيح في حياة الأمم إذا أُخذت على انفراد، فإن أيرلندا بقيت تحت حكم الإنجليز سبعمائة عام ثم تحررت، ومضى على حكم الملوك في بريطانيا سبعة قرون، ودولة الفرس دامت سبعة قرون، وعظمة اليونان الحربية والبحرية وعهد الفلسفة فيها داما سبعمائة سنة، وقد وصل الشرق العربي إلى نهاية ضعفه في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وهما القرنان المكملان لعهد الهبوط.