الأبحاث على الحيوان
لسبعة عشر عامًا، بدءًا من عام ١٩٦٠، أجرى العلماء في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي في مدينة نيويورك سلسلة من التجارب على الجنس لدى القطط. في هذه التجارب، شوَّه الباحثون القطط بطرق عدة — مثل التخلص من أجزاء من أدمغتها، وتدمير حاسة الشم لديها، وإماتة حاسة اللمس لديها عن طريق قطع بعض الأعصاب في أعضائها الجنسية — ثم قيَّموا أدائها الجنسي في سياقات مختلفة. فعلى سبيل المثال، قام الباحثون بحساب متوسط مرات «المعاشرة» لدى القطط التي جرى حرمانها من حاسة الشم. وبالرغم من تلقي تمويلها من المعهد القومي (الأمريكي) لصحة الطفل وتنمية الإنسان، والمعاهد القومية للصحة، كان من الصعب تحديد كيف يستفيد الأطفال، أو أي إنسان، من أبحاث كتلك. في المقابل، لم يشعر مدير المتحف، توماس نيكلسون، بضرورة وجود نفع محتمل من وراء هذه الأبحاث: «إذا كان ثمة ما يميز هذا المتحف فهو حريته في دراسة ما يرغب في دراسته، بقطع النظر عن القيمة العملية المؤكدة … ونحن نهدف إلى الحفاظ على هذه الحرية» (نقلًا عن برنز). لكن بينما خالج بعض العلماء شعور مشابه أثناء هذا الخلاف على قيمة أبحاث كتلك، لا يبدو أنهم وجدوا أي أهمية في عمل كهذا من الناحية العلمية المحضة. من بين الأبحاث الواحد والعشرين التي نُشرت في سياق التجارب على الجنس لدى القطط، لم تجرِ الإشارة إلا إلى عدد محدود منها في المراجع العلمية. إضافة إلى ذلك، لم يعبأ الناس بصورة عامة بمبدأ «دعه يعمل، دعه يمر» لنيكلسون بشأن الأبحاث على الحيوان، بمجرد معرفتهم بأمر التجارب من خلال جهود الناشط هنري سبيرا (مثلما ذُكر، إضافة إلى التجارب نفسها، في كتاب سنجر حول سبيرا). وجَّه المواطنون رسائل معترضين فيها على التجارب للمتحف، والمعاهد القومية للصحة، والكونجرس، مما دفع الكونجرس للضغط على المعاهد القومية للصحة، التي توقفت في النهاية في عام ١٩٧٧ عن تمويل التجارب.
من خمسينيات القرن العشرين إلى سبعينيات القرن العشرين، أجرى هاري هارلو — عالم نفس مرموق كان يعمل في مركز أبحاث الرئيسيات (ماديسون، ويسكونسن) — تجارب كان يجري فيها تنشئة القرود الرضيعة منذ ميلادها في عزلة تامة لا يتصلون خلالها بأي قردة أو بشر. مستكشفًا موضوعات متنوعة — مثل العوامل المؤثرة على ترابط الأم والرضيع — درس هارلو وزملاؤه من الباحثين الآثار النفسية للعزلة الاجتماعية (بما في ذلك الحرمان من الأم)، والرفض، وصورة متنوعة أخرى للتعذيب. في معظم هذه التجارب، قابلت القردة الرضيعة أمهات بديلة، بعضها مصنوع من الأسلاك، وبعضها الآخر من القماش، بعضها يسهُل الوصول إليه، وبعضها لا يمكن لمسه نظرًا لوجودها في صناديق زجاجية. جرى بحث سلوك القردة الرضيعة «تجاه» الأمهات البديلة في عدد من المواقف المخيفة، وهي ما نشأ عنها سلوكيات غير معتادة مثل تشبيك الأيدي، التأرجح، الانقباضات التشنجية. في بعض هذه التجارب، صمم هارلو «وحوشًا» تحاول القردة المحرومة من أمهاتها الحقيقية التعلق بها. شملت هذه الوحوش قردة «أمًّا» مصنوعة من القماش تُصدِر هواء مضغوطًا عالي الضغط، و«أمًّا» تهز صغيرها بعنف؛ ما قد يجعل رأس الصغير يرتج، وأمًّا تقذف بالقرد الصغير عن طريق زنبرك، وأمًّا أخرى تخرج منها مسامير حادة فجأة. عادة، كانت القردة الصغيرة تواصل محاولة الاقتراب من هذه الأمهات الوحوش حتى بعد أن تتعرض للرفض من جانبها. لاحقًا، ربَّى هارلو قردة إناثًا في عزلة، وكان يخصِّبهن صناعيًّا، ثم يُبقي عليهن بصحبة مواليدهن. بينما كان بعض الأمهات يتجاهلن الصغار، كان بعضهن يهاجمنهم، وفي بعض الحالات يقتلنهم. اشتملت بعض التجارب اللاحقة على طرق مبتكرة مثل «نفق الرعب» و«بئر اليأس». (أدت التجربة الأخيرة إلى النتيجة الآتية: أسفر الحبس في غرفة رأسية مدة ٤٥ يومًا في فترة مبكرة من الحياة عن سلوك مرضي شديد ودائم ذي طبيعة تتسم بالشعور بالاكتئاب لدى من تُجرى عليهم التجارب.) بينما درس هارلو موضوعات مهمة، وربما سلَّط الضوء على سمات الترابط بين الأم ورضيعها، تساءل العديد من علماء النفس عما إذا كان هارلو اكتشف شيئًا مهمًّا كان بالإمكان اكتشافه دون الاستعانة بالقرود. قد يردُّ أحدٌ على ذلك قائلًا إن أبحاث هارلو هذه (التي يصفها سينجر باستفاضة في كتابه تحرير الحيوان؛ انظر أيضًا أورلانز، بوشامب وآخرين، وتايلور) سلطت الضوء على آثار الحرمان من الأم، وهي مسألة مهمة بالقطع. في المقابل، قبل إجراء هارلو لتجاربه، خلص جون باولبي، وهو باحث رائد في هذا المجال، إلى أن الحرمان الطويل من عناية الأم يؤثر تأثيرًا سلبيًّا على الأطفال الصغار. بدلًا من الاستعانة بالقرود لمعرفة سلوك الأطفال من البشر، أجرى باولبي تجاربه على اللاجئين، والأطفال الأيتام بسبب الحروب، وأطفال الإصلاحيات.
تأتي التجارب على الجنس لدى القطط وأبحاث هارلو لتمثل تحديًا للطرح القائل إن الأبحاث على الحيوان لا يجب بأي حال من الأحوال تقييدها عبر المخاوف حيال رفاهة الحيوانات. في المقابل، يسعى الكثير من التجارب اليوم — مثل ما في مجالات الإيدز والسرطان — إلى تسليط الضوء على أمور في غاية الأهمية لصحة الإنسان، مع الحد في الوقت نفسه من الضرر الواقع على حيوانات التجارب. حتى نضع الأمور في نصابها، بينما نالت الأبحاث على الحيوان اهتمامًا ونقدًا عامين كبيرين أكثر من ممارسات المزارع التجارية، لا تزال الحجة الأخلاقية المدافعة عن الأبحاث على الحيوان أقوى. ومن ناحية، على الأقل في الكثير من الدول المتقدمة، توجد قوانين ولوائح تنظيمية حاليًّا تهدف إلى الحد من الألم والكرب الواقعَيْن على الحيوانات في الأبحاث. إلا أن ضمانات الحماية المتوافرة للحيوانات في المزارع التجارية أضعف كثيرًا وربما تكون غائبة. إضافة إلى ذلك، بينما تقدَّر أعداد الحيوانات المستخدمة عالميًّا في الأبحاث ما بين ٤١ إلى ١٠٠ مليون حيوان سنويًّا، يقدَّر عدد الحيوانات التي تُقتل سنويًّا في المزارع التجارية بأكثر من خمسة مليارات حيوان في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها. قد يدفع المرء بأن حيوانات الأبحاث، بخلاف حيوانات المزارع التجارية، توفر منافع كبيرة لا يمكن تحقيقها بطرق أخرى. في المقابل، لا يزال من قبيل الأمور الخلافية ما إذا كان من الممكن تبرير إجراء أبحاث على الحيوانات؛ وفي حال كان ممكنًا، فوفق أي ظروف؟ تثير هذه المسألة أسئلة أساسية حول المكانة الأدبية للحيوانات، كذلك تثبت الاختلافات بين المعاني الثلاثة «لحقوق الحيوان» (انظر الفصل الثاني) أهميتها في هذا السياق.
(١) خلفية
في هذه المناقشة، سوف يُستخدم مصطلح «الأبحاث على الحيوان» عمومًا للإشارة إلى مساعٍ مختلفة عديدة. يتمثل أحد هذه المساعي في «السعي لتحقيق معرفة علمية أصيلة». (عندما يُستخدم مصطلح «الأبحاث على الحيوان» بمعناه الضيق، يُقصد به الإشارة إلى هذا المسعى في مقابل مساعي إجراء الاختبارات والتعليم.) ينقسم هذا النوع من الأبحاث إلى نوعَيْن فرعيَّيْن، ألا وهما: الدراسات التي تسعى إلى تحقيق معرفة جديدة بالعمليات والوظائف البيولوجية (الأبحاث الأساسية)، والدراسات التي تسعى إلى تحقيق معرفة طبية، أو بيطرية، أو بيولوجية جديدة بغرض تعزيز صحة البشر، أو الحيوانات، أو البيئة (الأبحاث التطبيقية). يقيِّم نوع آخر من الأبحاث، «الاختبارات»، طبيعة المنتجات الكيميائية وغيرها للتحقق من سلامتها. أخيرًا، قد تُستخدم الحيوانات «لأغراض تعليمية»، مثلما في مشروعات المسابقات العلمية، والتشريح، وممارسة الجراحة. بما أن الاستخدامات العلمية للحيوانات تشمل العديد من الاستخدامات التي لا تعتبر من قبيل التجارب، يتسع معنى «أبحاث» ليشمل هذه الموضوعات.
برزت الأبحاث على الحيوان كأحد الأنشطة العلمية المهمة في أوائل القرن التاسع عشر. جزئيًّا، في رد فعل على الأبحاث الرائدة للفرنسيَّيْن فرانسوا ماجندي وكلود برنار، وُلدت الحركة المناهضة لتشريح الحيوانات الحية في إنجلترا في القرن التاسع عشر. وبالرغم من تاريخها الطويل، لم تسفر المعارضة المنظمة للأبحاث على الحيوان عن توقف أي تجربة حتى توقفت المعاهد القومية للصحة عن تمويل التجارب على الجنس لدى القطط في عام ١٩٧٧. بحلول ذلك الوقت، ظهرت بعض القوانين واللوائح التنظيمية التي تُطبَّق على الأبحاث على الحيوان.
في الولايات المتحدة، ثار غضب عارم في عام ١٩٦٦ إثر اكتشاف سرقة الكلاب الأليفة، وانتهاكها من قبل تجار الحيوانات، وبيعها لمعامل الأبحاث. في تلك السنة نفسها، تم العمل بقانون رفاهة حيوانات معامل الأبحاث، الذي كان في الأساس مشروع قانون لحماية الحيوانات الأليفة. زادت التعديلات اللاحقة — التي جعلت اسم القانون أقصر، «قانون رفاهة الحيوان» — من الاشتراطات اللازمة لتوفير العناية لحيوانات الأبحاث واستخدامها. تناولت أحكام القانون استخدام العقاقير المخفِّفة للألم، واشتراطات حجم الأقفاص، وتشكيل لجان رعاية واستخدام مؤسسية للحيوانات، وذلك في إطار نظام تتولى المؤسسات التي تتلقى دعمًا فيدراليًّا فيه مراقبة نفسها بشكل أساسي.
بينما يمثل التشريع الأمريكي تقدمًا في مجال حماية الحيوانات، فلا يزال يتعرض لانتقادات من قبل المدافعين عن حقوق الحيوان ومن المسئولين الممثلين لمؤسسات رعاية الحيوان في أوروبا الغربية، حيث تشريعات حماية الحيوان أقوى. فمن ناحية، لا يشمل قانون رفاهة الحيوان حيوانات المزارع، أو الطيور، أو الزواحف، أو البرمائيات، أو الأسماك، بل، للعجب، لا يشمل القانون أكثر الحيوانات استخدامًا في الأبحاث؛ الفئران والجرذان. لكن قد يتغير الوضع في أكتوبر ٢٠٠١ عندما يحل موعد سريان قاعدة جديدة وضعتها وزارة الزراعة الأمريكية تتوسع في تنظيم حماية الحيوانات لتشمل الطيور، والجرذان، والفئران، ما لم يتدخل الكونجرس مجددًا لمنع تفعيل القاعدة للسنة الثانية على التوالي. على أي حال، تشمل سياسة خدمة الصحة العامة جميع الحيوانات الفقارية في الأبحاث التي تمولها خدمة الصحة العامة. يتمثل سبب آخر للقلق في أن واحدًا من المبادئ المعلنة التي من المفترض أن تمثل دليلًا إرشاديًّا للعناية بالحيوانات واستخدامها يبدأ بما يسمح ضمنًا بوجود استثناءات في حالة الحيوانات الأخرى: «فيما يُشترط وجود استثناءات فيما يتعلق بأحكام هذه المبادئ …» لا تضع المبادئ قيودًا على الاستثناءات المسموح بها. في المقابل، تتجنب «المبادئ الدولية الإرشادية للأبحاث الطبية-الحيوية على الحيوانات» الوقوع في مثل هذه الثغرة العامة.
في بريطانيا العظمى، مست الحركة المبكرة المناهضة لتشريح الحيوانات الحية (انظر الفصل الأول) ما يكفي من مشاعر الجماهير، ما أدى إلى صدور قانون مناهضة القسوة تجاه الحيوانات في عام ١٨٧٦، وهو القانون الذي وفَّر الحماية لحيوانات الأبحاث بوجه خاص. وفق التحليل التاريخي لروبرت جارنر، كان لهذا القانون أثر على سلوك الباحثين في مجال الحيوان؛ إذ حال دون وقوع انتهاكات كبيرة تجاه الحيوانات وربما أدى إلى إثنائهم عن إجراء بعض التجارب التي كانت ستُجرى لولا صدور القانون. أجرت لجنة ملكية تشكلت في عام ١٩٠٦ عدة إصلاحات شملت تعيين مفتشين دائمين ووضع قاعدة تشترط قتل الحيوانات التي تعاني من ألم حاد مستمر دون التسبب في ألم لها. بينما اشتعل الاهتمام بأبحاث الحيوان مرة أخرى في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، مع ظهور حركة حقوق الحيوان المعاصرة، كان على الجمهور البريطاني الانتظار حتى عام ١٩٨٦ من أجل الإصلاح القانوني الكبير التالي، قانون «(الإجراءات العلمية) على الحيوانات». مثلما يشير جارنر، اشترط القانون الجديد على الباحثين أن يحصلوا على رخصة شخصية — تُراجَع كل خمسة أعوام — ورخصة مشروع لتنفيذ إجراءات تجريبية محددة. إضافة إلى ذلك، أفضى القانون إلى تشكيل «لجنة إجراءات تجارب الحيوان»، التي يضم ممثلوها مدافعين عن حقوق الحيوان، كما اشترط القانون على مربي الحيوانات ومورديها التسجيل والتقدم لعمليات التفتيش.
عبر تاريخ الأبحاث على الحيوان، وفي كل أنحاء العالم، زعم المدافعون عنها باستمرار بوجود منافع مهمة جراء إجراء أبحاث على الحيوانات. بالإشارة إلى أن دراسات الحيوان لعبت دورًا في ظهور مجموعة ضخمة من العلاجات والأساليب الطبية الجديدة — وفي تطور المعرفة البيولوجية الأساسية — يشير المدافعون عنها إلى التقدم في مجالات أمراض ألزهايمر، والإيدز، وعلم الجينات الأساسي، والسرطان، وأمراض القلب والأوعية الدموية، والهيموفيليا، والملاريا، ونقل الأعضاء، ومعالجة إصابات العمود الفقري، وأمراض أخرى لا حصر لها. بينما يهدف الجانب الأعظم من الأبحاث على الحيوان إلى تعظيم المصالح الإنسانية، لا يزال المدافعون عن الأبحاث على الحيوان يذكروننا بأن المنافع الإضافية لها تشمل قدرتنا على العناية بالحيوانات. من أمثلة ذلك الأساليب والعلاجات الطبية المتفوقة لعلاج الحيوانات الأليفة المريضة أو المصابة، والمضادات الحيوية لمعالجة التهابات الضرع لدى الأبقار، والأبحاث السلوكية، وتحسن الحفاظ على الحيوانات البرية.
(٢) صعوبات تحديد قيمة الأبحاث على الحيوان
في ظل تحقق الكثير من التقدمات الطبية-الحيوية، لا شك في أن الأبحاث على الحيوان كانت جزءًا من الطريق إلى التقدم. ولكن، لا يترتب على ذلك أن الأبحاث على الحيوان ضرورية لحدوث هذا التقدم. بالمثل، لا يعني أنك أوصلتني بسيارة إلى مترو الأنفاق أنني كنت في حاجة إلى ركوب سيارة إلى هناك؛ إذ كنت أستطيع بلوغها سيرًا أو باستقلال الحافلة. في حقيقة الأمر، يزعم بعض المنتقدين أننا حققنا تقدمًا طبيًا-حيويًّا «رغم» الأبحاث على الحيوان.
يتشكك هؤلاء المنتقدون في أن الحيوانات غير البشرية تمثل نماذج علمية جيدة للبشر. بداهة، لا تعتبر الفئران، والجرذان، والقرود بشرًا. ومن الإنصاف بمكان القول إن نماذج الحيوانات «قد» تكون مضللة، وهو ما يترتب عليه تبعات خطيرة. على سبيل المثال، يرى هيو لافولت ونيال شانكس أن الاعتماد على نماذج الحيوانات المضللة أدى إلى تأخير تطور لقاح فعَّال لمرض شلل الأطفال سنوات طويلة.
في المقابل، من المنطق بمكان افتراض أن اختيار نماذج حيوانية بعناية يوفر عادة معلومات قيمة على طريق تحقيق تقدم في المجال البيولوجي-الطبي، وذلك نظرًا للتشابهات البيولوجية والنفسية بين الأنواع. ماذا لو كانت هناك طرق أخرى لا تستعين بالكائنات غير الحيوانية لتحقيق التقدم؟ والحجة المؤيدة للأبحاث على الحيوان أضعف كثيرًا في حال ما إذا كان استخدام الحيوانات غير ضروري. بناء عليه، السؤال الحاسم هنا: ما مدى أهمية المنافع التي لا يمكن الحصول عليها «إلا» من خلال الأبحاث على الحيوان؟
هذا موضوع في غاية التعقيد. يتطلب تناول هذا الموضوع عقد مقارنة بين (١) التقدم الذي يتحقق، أو قد تحقق، جراء الاستخدام الفعلي للحيوانات في التجارب العلمية وبين (٢) التقدم الذي تحقق، أو كان يمكن أن يتحقق، جراء تطبيق أفضل الأساليب التي لا تعتمد على الحيوانات. يتطلب تقييم الحالة (٢) وضع تقديرات افتراضية. إذا لم يستطع المدافعون عن الأبحاث على الحيوان عقد هذه المقارنة بصورة مقنعة — وهو ما أشك فيه — فإذن إن كانوا يزعمون عن حق أن الأبحاث على الحيوان أسفرت عن منافع ملموسة، فهم لا يملكون الزعم في المقابل أن الأبحاث على الحيوان كانت «ضرورية» لتحقيق تلك المنافع. إضافة إلى ذلك، يجب أن نتذكر أنه بينما تعتبر المنافع التي تتحقق جراء الأبحاث على الحيوان «ممكنة ومأمولة» فحسب، تعتبر الأضرار التي تلحق بالحيوانات جراء إجراء الأبحاث عليها فورية ومؤكدة. (بناء عليه، تؤدي تجارب لا حصر لها إلى إلحاق الضرر بالحيوانات دون تحقيق أي منافع.) يجب أن يضاعف أي تحليل أمين للتكاليف والمنافع من قيمة منفعة ما مرجوة «في مقابل احتمالية تحقيقها» قبل مقارنة ذلك التقدير بالأضرار المتوقعة. في ضوء (١) موضوع توافر بدائل غير حيوانية لإجراء التجارب، و(٢) الحاجة إلى الأخذ في الاعتبار عوامل النجاح لإجراء تحليل للتكاليف والمنافع يتسم بالأمانة، ستبدو قيمة الأبحاث على الحيوان أقل مما يؤكد المدافعون عنها دائمًا.
(٣) هل تبرر الغايات المهمة الوسائل الضارة؟
دعنا نفترض أن بعض الأبحاث على الحيوان تعد بمنافع لا يمكن تحقيقها عن طريق آخر. هل يبرر ذلك استخدام الحيوانات — التي، بداهة، لا تستطيع منح موافقة واعية — بطرق تسبب الضرر لها؟ من الشائع التفكير في أن وجود نسبة مؤاتية من المنافع إلى التكاليف، حيث لا يمكن تحقيق المنافع بطرق أخرى، ستبرر تلقائيًّا استخدام الحيوانات بطريقة معينة. ولكن، ليس ذلك منطقيًّا. في جميع الأحوال، لا يبرر استخدام البشر في التجارب بطريقة معينة ما تؤدي إلى تحقق منافع لا تتحقق بطرق أخرى ويحقق نسبة مؤاتية من المنافع إلى التكاليف، لا يبرر تلقائيًّا إجراء تجربة ما. ندرك وجود قيود أخلاقية على استخدام البشر، وهو ما ينعكس، على سبيل المثال، على الاشتراطات الواجبة للحصول على الموافقة الواعية لمن يجري إجراء الأبحاث عليهم من الراشدين ذوي الأهلية وفي ظل مخاطر مقبولة مقارنة بالمنافع المتوقعة. يجب أن تمثل هذه القيود الأخلاقية أطرًا يعمل الباحثون في المجال البيولوجي-الطبي في حدودها. بناء عليه، قبلنا منذ وقت طويل حتمية إجراء دراسات من المحتمل تحقيقها قيمة ما، مثل إجراء أبحاث واعدة في مجال طب الأطفال يواجه من تُجرى عليهم الأبحاث مخاطر جمة دون التأكد من تحقق منافع لهم.
وعليه، تتمثل القضية الرئيسية المتعلقة بالحيوانات فيما إذا كانت مكانتها الأدبية تستبعد أو تحدُّ من استخدامها في الأبحاث بقطع النظر عن المنافع الممكنة. ترفض وجهة النظر الداعمة لحقوق الحيوان بقوة — التي ترى الحقوق بمعنى تجاوز المنفعة — إلحاق الضرر بهذه الكائنات (دون الحصول على موافقة منها) من أجل تحقيق منافع لمصلحة الآخرين. بينما تستبعد هذه الرؤية استخدام الحيوانات في الأبحاث، فإنها لا تستبعد ذلك تمامًا. تسمح هذه الرؤية بإجراء (١) أبحاث لا تتسبب في إلحاق الضرر بحيوانات التجارب، و(٢) أبحاث بيطرية علاجية، بعبارة أخرى، أبحاث تكون في صالح الحيوانات أنفسها (متى لم يكن هناك أسلوب متبع في معالجة أمراضها على سبيل المثال).
ربما تتقبل الرؤية المؤيدة لحقوق الحيوان بقوة فئة أخرى من الأبحاث على الحيوان. عند النظرة الأولى، سيبدو أن رؤية الاعتبار المتساوي تدعم إجراء أبحاث غير علاجية على الحيوان، لا تعرِّضه إلا «لأدنى المخاطر»، حيث إن الجميع تقريبًا يقبلون وجود معيار الحد الأدنى من الخطر في حالة الأطفال الذين، مثل الحيوانات، لا يستطيعون منح موافقة واعية. في المقابل، بينما يقبل المؤيدون لرؤية حقوق الحيوان مبدأ الاعتبار المتساوي، ربما سيرفضون فرض أي مقدار من المخاطر حتى لو كان ضئيلًا على الحيوانات — أو أطفال البشر — في الأبحاث غير العلاجية. ربما يدفع هؤلاء بالقول إن معيار الحد الأدنى من المخاطر لا يحترم بما فيه الكفاية حقوق الأطفال في الحماية.
سواء أقبلت الرؤية الداعمة لحقوق الحيوان بمعيار الحد الأدنى من المخاطر أم لا، فإن نظرية أخرى للاعتبار المتساوي — النفعية — تقبل به. في حقيقة الأمر، يذهب النفعيون أبعد من ذلك. يقبل النفعيون إجراء الأبحاث على الحيوان، التي تشكل ما هو أكثر من الحد الأدنى من المخاطر للحيوانات طالما كانت المنافع الموعودة — أخذًا في الاعتبار احتمالية تحقيقها ومنح مصالح الحيوانات وزنًا مساويًا لمصالح البشر المشابهة — تتجاوز التكاليف، وفي ظل عدم وجود بدائل أخرى توفر نسبة أفضل من المنافع إلى التكاليف. يؤكد النفعيون الذي يطبقون نظريتهم على نحو صحيح (على عكس «النفعيين» الذين يقللون من قدر مصالح الحيوانات عمومًا) على أن قدرًا يسيرًا للغاية من الأبحاث على الحيوان يعتبر مبررًا. لكن نظرًا لأن النفعيين يقبلون بإجراء بعض الأبحاث غير العلاجية التي تندرج تحت الفئة التي تتجاوز فيها المخاطر الحد الأدنى، يتخذ النفعيون — مثل بيتر سنجر — موقفًا مختلفًا بصورة ملحوظة عن منظِّري الرؤية القوية المدافعة عن حقوق الحيوان مثل توم ريجان. من الجدير الإشارة إلى أن النفعية، على الأقل من حيث المبدأ، لا تجد مانعًا في استخدام «البشر» على غير رغبتهم في الأبحاث.
مقارنة بالنفعية، تعتبر رؤية المقياس التراتبي — التي تمنح على سبيل المثال معاناة الحيوان وزنًا أدبيًّا أقل من المعاناة الإنسانية — أكثر ترحيبًا بإجراء الأبحاث على الحيوان. لكن نظرًا لأن هذه الرؤية تسلِّم بتوافر مكانة أدبية لدى الحيوانات، نافية أن تكون الحيوانات مجرد أدوات لاستخدامنا، سترفض هذه الرؤية على الأرجح الكثير من الأبحاث الحالية على الحيوان، خاصة الأبحاث التي تستخدم الحيوانات «الأعلى مرتبة». من أمثلة ذلك التجارب التي تفتقر إلى منافع حقيقية (مثل التجارب على الجنس لدى القطط)، والأبحاث التي تتسبب في إيقاع ضرر بالغ (مثل كثير أو جميع دراسات هارلو)، واستخدامات الحيوانات التي يمكن إيجاد بدائل لها بسهولة (مثل كثير من استخدامات الحيوانات لأغراض تعليمية).
(٤) الأضرار والتكاليف
بعد استكشاف المنافع المحتملة للأبحاث على الحيوان، وموضوع ما إذا كانت هذه المنافع تبرر إلحاق الضرر بالحيوانات التي تُجرى عليها التجارب وإلى أي درجة، يجب أن نلتفت الآن إلى الأضرار ذات الصلة فضلًا عن التكاليف المصاحبة الأخرى. بدءًا من الأضرار التي وقعت خلال الإجراءات التجريبية، تتراوح هذه الأضرار بين لا شيء إلى أقصى درجات الضرر الممكنة. لا تؤدي مجرد ملاحظة الحيوانات في الدراسات الميدانية إلى إلحاق الضرر بها. لا يتسبب أخذ عينة دماء صغيرة أو عينة مهبلية من حيوانات التجارب إلا في أدنى شعور بعدم الراحة. على الجانب الآخر، قد يعتبر أخذ عينات دماء متكررة، أو الإبقاء على الحيوانات مقيدة — في غرفة استنشاق مواد كيماوية معينة مثلًا — ضررًا متوسطًا، وهو ما ينطبق كذلك على إجراء عملية ولادة قيصرية على إحدى الحيوانات الحبلى. تشمل أمثلة للضرر البالغ الحرمان الطويل من النوم أو الغذاء أو الماء، وتخليق أورام سرطانية، والتسبب في تلف المخ (مثلما في الدراسة المعروفة في جامعة بنسلفانيا التي جرى فيها إحداث صدمات في رءوس قردة البابون)، وإجبار الحيوانات على تناول طعام ما حتى يموت نصفها (مثلما في اختبارات «إل دي ٥٠» للمنتجات الجديدة).
عادة، تُقتل حيوانات الاختبارات، إما أثناء إجراء التجارب أو بعدها. ومع أنه من المنطقي جدًّا الاقتناع بأن الموت يسبب الضرر للحيوانات فضلًا عن البشر (سواء أكان ذلك بالدرجة نفسها أم لا، انظر الفصل الرابع)، تشير سياسات الأبحاث على الحيوان الحالية إلى عكس ذلك من خلال النص على أحكام للتقليص من الألم والكرب إلى الحدود الدنيا، دون النص على أي أحكام لتجنب قتل الحيوانات. تشير هذه الرؤية بالغة التبسيط لمصالح الحيوان إلى أن التجربة التي لا تتضمن إلحاق أي ضرر بالحيوانات بينما تنتهي «بالتضحية» بها تعتبر تجربة ضارة. بينما قد يشكل الموت الذي ينهي معاناة أخرى لا سبيل إلى تجنبها الاحتمال الأقل شرًّا، يعتبر الموت أحد أشكال الضرر التي يجب ألا نتجاهلها.
قد تشمل الأضرار التي تلحق بحيوانات التجارب ظروف السكنى أيضًا. تعيش حيوانات الأبحاث عادة في أقفاص صغيرة تمثل ظروفًا معيشية غير مألوفة على الإطلاق في ظل عوامل إثراء ضئيلة أو معدومة في حياتها. يعتبر الملل وغياب الصحبة من الأمور الشائعة لدى حيوانات التجارب. بينما تشترط اللوائح التنظيمية الأمريكية الحالية ممارسة الكلاب للرياضة وتوفير سبل الإثراء النفسي للرئيسيات، تنتمي معظم حيوانات الأبحاث إلى الثدييات «الأدنى مرتبة»، وهي الحيوانات التي لا تحميها هذه الاشتراطات. في الفصل السادس، دافعنا عن معيارَيْن لاقتناء الحيوانات، ألا وهما ضرورة تلبية الاحتياجات الجسدية والنفسية الأساسية للحيوانات، وضرورة توفير حياة للحيوانات على القدر نفسه من الجودة مثلما كان سيتاح لها في البرية. حاليًّا، نادرًا ما تلبي ظروف السكنى لحيوانات التجارب هذين الشرطين. في ظل توافر القدر الكافي من التمويل والخيال والتفاني، ربما سيستطيع الباحثون الوفاء بهذين الشرطين في جميع حالات الأنواع تقريبًا. يستطيع الباحثون أيضًا استخراج استجابات الحيوانات نفسها من خلال منحها اختيار ظروف معيشتها وملاحظة أي منها تفضلها (أحد الاقتراحات المفيدة العديدة التي أشار إليها سميث وبويد). لا تعتبر السكنى التي تحقق الشرطين السابقين صحيحة من الناحية الأخلاقية فحسب، بل تعزز أيضًا العلم الجيد، حيث إن الإجهاد، والمرض، فضلًا عن الأضرار الأخرى غير الضرورية، قد تؤدي إلى وجود عدم اتساق بين نتائج التجارب بين الحيوانات المختلفة، وهو ما يؤدي إلى تشوش البيانات.
قد تتسبب مناولة الحيوانات أيضًا في إلحاق الضرر بها؛ فقد تتسبب المناولة الخشنة، مثلما يحدث عند إناخة حيوان بالقوة قبل حقنه، في كرب وألم هائلَيْن. لاحقًا، قد تتسبب ذكرى الألم السابق في شعور الحيوان بالخوف عند عودة المسئولين عن مناولة الحيوانات. في المقابل، تؤدي المناولة الرفيقة للحيوانات، التي تشمل التعزيز الإيجابي لتجاوب الحيوان، إلى تجنب وقوع مثل هذه الأضرار، خاصة إذا كان يكمل عملية المناولة عملية بناء علاقة مع الحيوان والعناية به بصورة منفصلة عن الإجراءات المتبعة أثناء التجارب.
تشكل عملية الحصول على حيوانات التجارب مصدرًا ممكنًا آخر للضرر؛ فحين تُنقل الحيوانات من مكان ما خارج المختبر، قد تتراوح هذه العملية بين الضغوط الخفيفة إلى الشديدة منها. ما المصدر المناسب للحصول على حيوانات التجارب؟ دافع مجتمع الأبحاث الطبية-الحيوية الأمريكي طويلًا عن «حقه» في استخدام الكلاب والقطط المأخوذة من المآوي أو الزرائب — ومن ثم تقليل تكلفة الحصول عليها — وعن حقه في الحصول على الحيوانات من البرية. مع ذلك، فإن هذا الموقف مريب. مثلما رأينا عند تناولنا لموضوع حدائق الحيوان (الفصل السادس)، يتضمن الحصول على الحيوانات من البرية أضرارًا عديدة لا يجب أن تحدث إلا نادرًا، إن حدثت من الأساس. في الوقت نفسه، تنطوي عملية تحويل الحيوانات الأليفة سابقًا إلى حيوانات تجارب معملية على ضغوط وخوف عظيمَيْن. يشجع الحصول على الحيوانات بهذه الطريقة أيضًا على مشكلة تشرد الحيوانات الأليفة، من خلال استخدام أعداد الحيوانات الزائدة «استخدامًا جيدًا»، وهو ما يفرغ فكرة وجود مآوٍ باعتبارها ملاذًا للحيوانات من مضمونها. يتمثل الحل الأفضل، في رأيي، في استخدام الحيوانات التي رُبيت خصيصًا لأغراض البحث، مثلما تتطلب قوانين بريطانيا وقوانين العديد من الدول الأوروبية الأخرى.
إضافة إلى الأضرار التي ناقشناها، تستحق تكلفة أخرى النظر إليها بعين الاعتبار، ألا وهي المال. تستخدم الأبحاث التي تمولها الحكومات أموال دافعي الضرائب. في المقابل، تُستخدم أموال المساهمين لتمويل أبحاث الشركات الهادفة للربح، مثلما هو الحال في تمويل اختبارات المنتجات الجديدة. بداهة، بينما لا تتسبب البدائل التي لا تستعين بالحيوانات في أضرار لها، تستتبع هذه البدائل تكاليف مالية.
ثلاثة معايير لاستخدام الحيوانات في الأبحاث
رؤية قوية للدفاع عن حقوق الحيوان
قد يجري استخدام الحيوانات في الأبحاث فقط عندما (١) لا يتضمن استخدامها إلحاق أي ضرر بها، أو (٢) إذا كان استخدامها في صالحها إجمالًا (الأبحاث العلاجية). ربما تسمح هذه الرؤية أيضًا باستخدام الحيوانات في الأبحاث عندما (٣) لا يتضمن استخدامها إلا إلحاق أقل ضرر بها.
النفعية
قد تُستخدم الحيوانات في الأبحاث فقط عندما يعظِّم استخدامها من المنافع في المجمل — أخذًا في الاعتبار احتمالات النجاح — في مقابل الأضرار، مع الأخذ في الاعتبار مصالح جميع الأطراف (بما في ذلك الحيوانات) بصورة غير متحيزة.
نموذج المقياس التراتبي
قد يجري استخدام الحيوانات في الأبحاث فقط عندما يكون استخدامها متوافقًا مع منح مصالحها وزنًا أدبيًّا مناسبًا بالنظر إلى درجة تعقد الحيوان الإدراكية، والشعورية، والاجتماعية.
بعد طرح الأضرار والتكاليف الرئيسية للأبحاث على الحيوان، دعنا نواجه سؤالًا مطروحًا متكررًا: هل هناك درجة من الضرر لا يجب بأي حال من الأحوال أن تمر بها حيوانات التجارب، بقطع النظر عن المنافع الممكنة؟ على الجانب الآخر من اعتبارات التكلفة والمنفعة، إلى أي درجة يجب أن تكون إحدى التجارب واعدة مما يبرر إجراءها؟
قد نتناول هذين السؤالين وفق وجهات النظر التي بحثناها. وفق الرؤية القوية للدفاع عن حقوق الحيوان، يجب ألا يمثِّل استخدام الحيوانات في أبحاث غير علاجية ضررًا لها أو يعرضها لمخاطر تتجاوز الحد الأدنى. بما أن «جميع» الأضرار التي تلحق بحيوانات التجارب يجب أخذها في الاعتبار، ينبغي أن تلبي ظروف السكنى للحيوانات معيارَي تلبية الحاجات الأساسية وتوفير حياة تشبه نظرائها بالبرية. في الوقت نفسه، لا يبدو ما يعد به البحث المقترح عاملًا ذا أهمية كبيرة. في المقابل، تسمح الرؤية النفعية ببعض الاستثناءات لمعيار الحد الأدنى من الخطر ولشرطَي اقتناء الحيوانات في حال عدم وجود طريقة أقل ضررًا لتعظيم المنافع في مقابل الأضرار. لا يمكن تحديد مدى المنافع التي تتحقق من وراء تجربة ما إلا إجمالًا، إضافة إلى أخذ الأضرار والتكاليف في الاعتبار. مبدئيًّا، لا يوجد حد أقصى مسموح به للضرر أو حد أدنى لازم للمنفعة. في المقابل، بما أن الرؤية النفعية تساوي بين معاناة الحيوان والبشر، وبما أن المنافع التي تعود من الأبحاث ليست إلا مرجوة، لن تدعم هذه الرؤية سوى الأبحاث التي تلبي الاحتياجات الطبية العاجلة، ولن تسمح إلا نادرًا جدًّا بإلحاق ضرر بالغ بحيوانات التجارب. مثلما في رؤية النفعية، لا تقدم رؤية المقياس التراتبي أي صيغ فيما يتعلق بالضرر المسموح به أو المنافع المرجوة اللازمة. في ضوء الأضرار والنفقات المصاحبة عادة للأبحاث على الحيوان، يبدو أن الدراسات المقترحة يجب أن تكون مقنعة للغاية، وفق هذه الرؤية، بما يبرر تلك التكاليف.
(٥) بدائل
في المناقشة السابقة حول ما إذا كانت المنافع المهمة تبرر إلحاق الضرر بالحيوانات، افترضنا عدم وجود بدائل سانحة لاستخدام الحيوانات في السعي لتحقيق هذه المنافع. دعنا نتناول موضوع البدائل الآن. بما أن البدائل السانحة ستتخلص من الأضرار المصاحبة للأبحاث أو تحدُّ منها، يجب تبنيها بحماس.
لكن ما هي البدائل تحديدًا؟ أحيانًا لا يشير مصطلح البدائل إلا إلى «استبدال» طرق للتعامل مع الحيوان بأخرى، خاصة في «الدراسات المختبرية»، التي يُطلق عليها حرفيًّا «الدراسات الزجاجية». لكن إجمالًا نعني بالبدائل هنا «الاستبدال والتقليص والتحسين»؛ فإضافة إلى «الاستبدال»، هناك «تقليص» لعدد الحيوانات اللازمة لإجراء تجربة ما و«تحسين» الأساليب المتبعة بغرض تقليل الألم، والكرب، والمعاناة لدى الحيوان. تجري عمليات التقليص في بعض الأحيان من خلال استخدام أساليب إحصائية متطورة تقلص من عدد الحيوانات اللازمة المستخدمة في التجارب لتحقيق نتائج مهمة. تشمل أمثلة تحسين الأساليب المتبعة الآتي: جعل الحيوانات تتكيف مع ظروف التجارب قبل إجرائها من خلال تقليص التوتر؛ والاستخدام الأمثل للمواد المخدرة والمسكنة بغرض تقليل الألم؛ واتباع أساليب مناولة مناسبة؛ وإثراء الأحوال المعيشية للحيوانات، وهو ما يقلل من الملل ويعزز من صحتها؛ واعتماد نقاط معايرة نهائية أكثر إنسانية مثل المؤشرات الإكلينيكية المحددة، بدلًا من الموت، لتكون نقاط معايرة نهائية في اختبارات سمية المواد أو اختبارات فعالية اللقاحات. تركِّز مبادرة «المجتمع الإنساني» بالولايات المتحدة لإيجاد طرق للتخلص من جميع أشكال الألم والكرب الكبيرة لدى حيوانات المختبرات بحلول عام ٢٠٢٠، على تحسين الأساليب المتبعة.
إضافة إلى تعزيز رفاهة الحيوان، تُفضَّل البدائل في بعض الأحيان بناء على أسباب علمية أو اقتصادية. في بعض الحالات، تعتبر الأساليب التي لا تعتمد على الحيوانات هي الأكثر مباشرة في الإجابة عن أسئلة بعينها، وهو سبب رئيسي في الاتجاه لاستخدام أساليب الاستعانة بأساليب مختبرية في مجالات الصيدلة، والكيمياء الحيوية، والمجالات ذات الصلة. عادة يمكن استخدام الأعضاء أو الأنسجة أو الخلايا البشرية، أو حتى متطوعين من البشر، وهو ما يجعل استنباط النتائج من خلال بيانات الحيوانات مسألة غير ضرورية بالنسبة للبشر. في بعض الأحيان، تكون الأساليب التي لا تعتمد على الحيوانات أقل تكلفة من استخدام الحيوانات.
رغم تصديق منظمات حماية الحيوان على استخدام البدائل، فضلًا عن شعبيتها لدى العامة، لا تزال حركة استخدامها تواجه مقاومة من داخل مجتمع الأبحاث البيولوجية-الطبية، إضافة إلى مواجهة عقبات أخرى. في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ساهم وضع لوائح تنظيمية جديدة تشترط إجراء أبحاث على الحيوان قبل إجرائها على الإنسان، والتمويل الوفير للأبحاث البيولوجية-الطبية، والتطور المذهل في مجال الصناعات الكيميائية، في إزكاء جذوة تقليد راسخ يقوم على البدء في إجراء أبحاث بيولوجية-طبية على الحيوانات. بالتأكيد يؤدي التقليد إلى ظهور العادات، والعادات بدورها — مثل التفكير في إطار النماذج الحيوانية — تموت ببطء. إضافة إلى ذلك، شعر بعض متصدري مجال الطب الحيوي الذين كانوا يخشون الناشطين في مجال حقوق الحيوان، أن قبولهم البدائل سيوصل رسالة إلى العامة مفادها «استسلامهم» للناشطين. علاوة على ذلك، لا يوجد حتى اليوم اعتراف كافٍ ببديل «الاستبدال والتقليص والتحسين» باعتباره فرعًا علميًّا ناضجًا. يعقِّد من هذه الصعوبات الغياب الكامل للتمويل الحكومي لتطوير البدائل، بالرغم من توفير بعض الأطراف في القطاع الخاص تمويلًا كبيرًا لتطوير البدائل. وبالرغم من هذه الصعوبات، شهدت السنوات الأخيرة تقدمًا كبيرًا في تطوير البدائل في مجالات التعليم، والاختبارات، والأبحاث الأساسية.
لسنوات عدة، استخدمت الكليات الطبية والبيطرية الحيوانات الحية في العروض الفسيولوجية والصيدلية فضلًا عن ممارسة الجراحة. كان استخدام الحيوانات شائعًا أيضًا لإجراء عمليات التشريح في صفوف المدارس الثانوية، وفي عروض الطلاب في معارض المدارس الثانوية للعلوم. لكن ثمة بدائل بدأت تشق طريقها. على سبيل المثال، يستخدم طلاب الكليات الطبية، والبيطرية، وطلاب المدارس الثانوية نماذج كمبيوتر تفاعلية أو دلائل إرشادية سمعية بصرية أخرى في أغراض تعليمية محددة، محققين بذلك ميزة المشاهدة المتكررة، للنماذج الحيوانية والإنسانية على حد سواء. في الوقت نفسه، أدى الاهتمام العام المتزايد برفاهة الحيوان بالمشاركين في معارض العلوم الأمريكية إلى فرض قيود أكثر على استخدام الحيوانات، من خلال تقليص الأعداد المستخدمة أو استخدم أساليب محسنة. يعتبر هذا الحد من استخدام الحيوانات منفصلًا عن العقوبات القانونية؛ نظرًا لأن قانون رفاهة الحيوان يعفي المدارس الابتدائية والثانوية من الاشتراطات التي ينص عليها. في المقابل، تحظر بريطانيا على الطلاب في المرحلة ما قبل الجامعية القيام بتدخلات من شأنها التسبب في إيلام أو معاناة الحيوانات الفقارية، فيما توجد قوانين لدى الكثير من الدول الأوروبية تقيِّد من استخدام الحيوانات في المدارس الابتدائية والثانوية.
تُختبر المنتجات الجديدة — مثل المبيدات الحشرية، والعقاقير، والشامبو، ومستحضرات التجميل — بصورة روتينية على الحيوانات الحية للتأكد من سلامتها قبل طرحها في الأسواق. في الولايات المتحدة الأمريكية، لا يخضع جانب كبير من الاختبارات للتنظيم الحكومي بشأن استخدام الحيوان؛ نظرًا لأن كثيرًا من الشركات لا تتلقى تمويلًا حكوميًّا. في المقابل، لاقى اختبارَا «إل دي ٥٠» و«دريز» انتقادات واسعة — يرجع الفضل في ذلك إلى عمل هنري سبيرا — فضلًا عن إلهامهما حركة البدائل. يتضمن اختبار «إل دي ٥٠» إجبار الحيوانات على تناول منتج ما — مثل أحمر الشفاه — حتى يموت نصفها. أما في اختبار «دريز»، يجري وضع مواد سامة مباشرة على أعين أرانب واعية حتى تُدمَّر بشدة. نتيجة لتنامي القلق العام حيال مثل هذه الاختبارات، تأسس مركز جامعة جون هوبكنز لبدائل اختبارات الحيوان في عام ١٩٨١ من خلال مساهمات مالية من شركات أفون، وبرستول-مايرز، وشركات أخرى لها باع طويل في إجراء الاختبارات على الحيوانات. بعدها بعامين، أعلنت إدارة الأغذية والأدوية عدم حاجتها إلى بيانات اختبار «إل دي ٥٠». تشمل بدائل اختبارات السمية القياسية «اختبار الحد»، وفيه تتلقى مجموعة صغيرة للغاية من القوارض جرعة واحدة من مادة اختبارية لرؤية ما إذا كانت ستموت أم لا (وهو أسلوب يجمع بين تقليص الأعداد وتحسين الأساليب) واستخدام كروسيتكس، وهو نوع من الجلد المخلق (مثال على الاستبدال). إضافة إلى ذلك، جرى التراجع عن مركبات كيميائية جديدة بعد أن بينت برامج كمبيوتر سميتها. في عام ٢٠٠٠، اتفقت ثلاث وكالات أمريكية فيدرالية على قبول بيانات السلامة الكيميائية الناتجة عن اختبار كروسيتكس بدلًا من بيانات الاختبارات على الحيوانات. في العام نفسه، وافق الاتحاد الأوروبي على إدراج ثلاث اختبارات سمية «مختبرية» ضمن إرشاداته الرسمية، وهو ما يعني أنه متى ثبتت جدوى هذه الاختبارات فستحظر الدول الخمس عشرة الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إجراء اختبارات على الحيوانات.
بينما وجدت البدائل طرقًا واضحة في المجالات التعليمية والاختبارات، وبينما قد يتشكك قليلون في إمكانية تطبيق الأساليب المحسَّنة وتقليص الأعداد في الأبحاث الأساسية، قد يتشكك المرء في جدوى استبدال الحيوانات في الأبحاث الأساسية. ربما يسمع المرء شيئًا من قبيل: «لا يوجد بديل عن الشيء الحقيقي.» لكن، في نهاية المطاف، يعتبر «الشيء الحقيقي» هو الإنسان، حيث إن هدف الأبحاث على الحيوان جميعها تقريبًا التي تسعى إلى تحقيق المعرفة العلمية الأصيلة هو توفير البيانات المفيدة للطب الحيوي! على أي حال، هناك تقدم ملموس في مجال تطوير بدائل الاستبدال يشمل بعضها البشر. على سبيل المثال، تساهم دراسات علم الأوبئة في تحديد العوامل المؤثرة في الإصابة بأمراض بشرية معينة. في بعض الحالات، قد يشارك متطوعون من البشر — دون إجراء اختبارات على الحيوانات أولًا — في اختبار الإجراءات التشخيصية أو في الدراسات الفسيولوجية. تتمثل إحدى المجالات الواعدة الأخرى في استخدام مزارع الأنسجة والخلايا، الإنسانية والحيوانية. على سبيل المثال، يمكن زراعة خلايا الورم الإنسانية «مختبريًّا» ثم استخدامها في دراسات متنوعة، بدلًا من استخدام حيوانات حية. تستخدم المئات من المؤسسات الآن إجراء مزارع الخلايا العصبية البشرية في الأبحاث الأساسية. حلت مزارع الخلايا أيضًا في بعض الحالات محل استخدام الحيوانات في دراسات علم الفيروسات، وإنتاج الأجسام المضادة وحيدة النسيلة، واختبارات اللقاحات، رغم أنه من المحتمل أن يكون حيوان ما قد قُتل بغرض الحصول على خلايا فقط. في بعض الأحيان، يعتبر استخدام نماذج الكمبيوتر مفيدًا في محاكاة الأنظمة البيولوجية والكيميائية. يتمثل أحد التطورات الأخيرة في استخدام تكنولوجيا التصوير الجديدة — مثل عمليات التصوير بالرنين المغناطيسي وبالموجات فوق الصوتية، وتكنولوجيا بي إي تي (التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني) — وهو ما يسمح بدراسة المخ والجسد الحيين للإنسان دون إجراء عمليات تدخلية على الإنسان أو الحيوانات.
إلى أين تمضي بنا البدائل؟ قبل وقت غير بعيد، كان الكثيرون يعتقدون عن غير حق أن استخدام أساليب اختبار سمية المواد دون الاستعانة بالحيوانات كان مستحيلًا. بناء عليه، يجب علينا أن نحذر من التوقعات المتشائمة. على الجانب الآخر، تبدو التصريحات السطحية بأن أساليب البحث التي لا تعتمد على الحيوانات يمكنها أن تحل محل جميع استخدامات الحيوانات مع الحفاظ على «المستوى نفسه» من التقدم البحثي ساذجة، أو على الأقل لا يدعمها ما يكفي من الأدلة. لكن — مثلما أشرنا سابقًا — لا تبرر الغايات المحمودة من تلقاء نفسها استخدام الوسائل الضارة. من وجهة نظر أولئك الذين يأخذون حقوق الحيوان مأخذًا جادًّا، مثلما تحد الأخلاقيات من الاستخدامات التي يمكن أن نطبقها على البشر في الأبحاث — رغم كونهم أفضل نموذج علمي محتمل — تحدُّ الأخلاقيات أيضًا من الاستخدام المبرر للحيوانات. فالحيوانات في نهاية المطاف ليست مجرد أدوات. ومن الممكن أن توفر التطورات المستقبلية أرضية مشتركة يلتقي عليها كلٌّ من المدافعين عن حقوق الحيوان والباحثين في مجال الطب الحيوي.