الرسامون الإنجليز في عصر فكتوريا
- (١)
طبقة النازعين «إلى ما قبل رفائيل».
- (٢)
ثم طبقة النازعين إلى التاريخ القديم.
- (٣)
ثم طبقة الرسامين الديمقراطيين الذين رسموا ما حولهم وما يؤثره ذوق الجمهور.
- الطبقة الأولى: وهي التي نزعت «إلى ما قبل رفائيل» ففي سنة ١٨٤٨ اجتمع ثلاثة من
الرسامين. هم: روزيتي، وهولمان هونت، وميليس. وألفوا منهم «أخوية» للرجوع
بالفن إلى روحه السابقة لعصر رفائيل مع استغلال الصنعة الحديثة. فقد كان
الرسامون قبل رفائيل يعنون بالفكرة أكثر مما يعنون بالصنعة، ويرمون إلى شرف
الغاية وعبرة الخيال أكثر مما يرمون إلى إتقان الرسم. ولكن منذ رفائيل اتجه
نظر الرسامين إلى إتقان الصنعة مع إهمال هذه الغايات. وهذا ما أراد هؤلاء
الثلاثة أن يعودوا إليه.
وكان أكبرهم «هولمان هانت» الذي ولد سنة ١٨٢٧، وأصغرهم «ميليس» الذي ولد سنة ١٨٢٩، وأوسطهم «روزيتي» الذي ولد سنة ١٨٢٨.
وكان «روزيتي» أبعدهم خيالًا وفلسفة وأضعفهم صنعة، وقد كان شاعرًا أيضًا، ولذلك كان روح هذه النهضة والموحي لها.
وقبل أن نذكر أعضاء هذه الأخوية يجب أن نلمح إلى رجل لم يكن ممن نزعوا إلى «ما قبل رفائيل» ولكنه تأثر بالنهضة الجديدة كما أثر فيها. نعني به «فورد مادوكس براون» الذي ولد سنة ١٨٢١ ومات سنة ١٨٩٣. وكان مولده ونشأته في فرنسا حيث رأى أشهر الرسوم الفرنسية والأوروبية في غنت وبروج وانفرز ورومية. وهناك في هذه المدينة الخالدة انتهى إلى ما يقرب من النتيجة التي انتهت إليها «الأخوية» وهو وجوب الرجوع إلى ما قبل رفائيل في الروح والنزعة مع الاحتفاظ باتقان الصناعة. بيد أنه لم يجعل هذا مذهبًا كما جعله أولئك الرسامون الثلاثة. وبقي طول حياته وهو صديقهم، بل هو نفسه كان معلمًا لروزيتي. وأشهر رسومه صورة «المسيح يغسل قدمي بطرس» وهي تتفق ونزعته إلى «ما قبل رفائيل».
وقد رأى أعضاء هذه «الأخوية» مقاومة بل استهجانًا من الجمهور، فأصدروا مجلة تدعى «الجرثومة» للدفاع عن مذهبهم. وغلوا فيها إلى حد الشطط، فزاد استهجان الجمهور لهم، فلم ينثنوا بل دأبوا في الدعوة حتى صار لهم حزب يدافع عنهم. وأعظم من دافع عنهم هو جون رسكين الكاتب المعروف.
وترى طريقة «الأخوية» على أوضحاه في رسوم «ميليس» مثل «الأمر بالإفراج» و«العمياء». ومات ميليس سنة ١٨٩٦.
أما «روزيتي» فكان أضعف صنعة من «ميليس» ولكنه كان أكبر خيالًا. وأحسن رسومه «الحبيبة» وقد اتخذها من نشيد الإنشاد في التوراة، وهي تمثل المرأة التي يتغنى بها سليمان. وله أيضًا «حلم اليقظة» وقد ساعده رسكين بماله ونفوذه، ولكن حظه كان سيئًا فقد ماتت زوجته التي كان يحبها كثيرًا وبلغ من وجده أن وضع في كفنها قصائده التي ألفها في حياته معها. ولكنه عندما عضته الفاقة عاد فنبش قبرها واستخرج هذه القصائد ونشرها. وقد بقي سنوات بعد وفاتها وهو لا يعمل شيئًا للجمود الذي استولى على ذهنه عقب وفاتها. ومات هو سنة ١٨٨٢.
أما «هولمان هونت» فهو أثبت الثلاثة على مبادئ «الأخوية». وربما ساعده على ذلك تعلقه بالدين؛ لأن هذه الروح تأتلف وما قبل رفائيل. وأحسن ما تركه من الرسوم صورة «نور العالم» وهي صورة للمسيح وحوله هالة من النور وبيده مصباح. وقد زار فلسطين مرتين لكي ينقل المناظر التي حدثت فيها والخاصة بتاريخ المسيح. ومات سنة ١٩١٠.
ولا يمكن أن يذكر الإنسان «أخوية ما قبل رفائيل» حتى يخطر بباله «بورن جونز» الذي ولد سنة ١٨٣٣ ومات سنة ١٨٩٨. فهذا الرسام العظيم لم يكن عضوًا بهذه الأخوية ولكنه تأثر بها. ويرى الناظر إلى وجوه النساء اللواتي يرسمهن شبهًا عظيمًا لوجوه «روزيتي» وإن كان «روزيتي» يمسح عليهن مسحة الصحة حين يكاد «بورن جونز» يجعلن مرضى شاحبات. وأحسن ما تركه هو «أنشودة الحب».
- أما الطبقة الثانية: وهي تلك التي نزعت إلى التاريخ القديم، فقد سبق أن ذكرنا أن بعض الرسامين
في الثورة الفرنسية جعلوا دأبهم رسم الموضوعات التاريخية. وكانوا يحتقرون
رسم الحوادث أو الأشخاص التي تعاصرهم. وقد ظهرت طبقة في إنجلترا في عصر
فكتوريا تنزع هذه النزعة، وأعظم أشخاصها هو «اللورد ليتون» الذي ولد سنة
١٨٣٩ ومات سنة ١٨٩٦. فقد زار وهو بعد صبي إيطاليا وتشبع بتاريخ القدماء،
وبقي مدة في فلورنسا يتعلم الرسم من المعلمين الإيطاليين. ثم رحل إلى باريس
حيث أسس له مرسمًا، وكان يرسم الحوادث الإغريقية وأساطير القدماء. وأحسن
رسومه «استحمام بسيكه» وكان مثًّالًا أيضًا له تمثال «الرياضي
والثعبان».
ومن هذه الطبقة أيضًا نذكر الرسام «بوينتر» الذي ولد سنة ١٨٣٦ ومات سنة ١٩١٩، ومعظم رسومه تتعلق بموضوعات تاريخية عن الإغريق والرومان والمصريين. ومن أحسنها صورة «الجندي الروماني» الذي يقف في مركزه وبومباي تحترق بالبركان وهو ثابت لا يبرح مكانه. وكذلك صورته عن «الإسرائيليين في مصر».
ومن هذه الطبقة أيضًا «الماتاديما» وهو رسام هولندي ولكنه تابع للمدرسة الإنجليزية إذ عاش عمره في إنجلترا. وقد ولد سنة ١٨٣٦ ومات سنة ١٩١٢، وموضوعاته عن المصريين والإغريق والرومان. ومن أحسن رسومه «الحب في الكسل».
ومنهم أيضًا «ألبرت مور» الذي ولد سنة ١٨٤١ ومات سنة ١٨٩٣، وأحسن رسومه «الزهر» أو بالأحرى «النور»، وهي صورة امرأة واقفة وراءها مقدار كبير من النور، وهو لم يكن ينزع إلى التاريخ من حيث رسم الحوادث التاريخية بل من حيث الانقياد للروح الإغريقية.
- أما الطبقة الثالثة: وهي تلك التي نزلت تقريبًا على ذوق الجمهور وصار أعضاؤها يرسمون الحوادث
الجارية، فنذكر منهم «لندسير» الذي ولد سنة ١٨٠٢ ومات سنة ١٨٣٧ وكان بارعًا
في رسم الكلاب. ومن أحسن رسومه «الوقار والوقاحة» وهما كلبان: أحدهما صغير
وقح، والآخر ضخم وقور. واشتهر برسم الكلاب في هيئات وأوضاع مختلفة، حتى إنه
يُحكى عن قسيس أنه عندما عرض عليه أن يرسمه «لندسير» أجاب بقوله: «لست
كلبًا». وله رسوم مع هذا كثيرة عن الأسود، فقد مات أسد عند إحدى الفرق
البهلوانية فأخذ جثته ودرسها لونًا وتشريحًا وبرع بعد ذلك في رسم هذا
الحيوان.
ومن هؤلاء الرسامين «بريتون ريفيير» الذي ولد سنة ١٨٤٠ ومات سنة ١٩٢٠. وهو مشهور أيضًا برسم الحيوان. وأحسن رسومه «العطف» وهي صورة تمثل صبية قد غضبت منها أمها وطردتها ومعها كلبها يعطف عليها في هذا الموقف المحزن.
ولكن أحسن هؤلاء هو «واطس» الذي ولد سنة ١٨١٧ ومات سنة ١٩٠٤. ومن أحسن رسومه «مامون» وهو يمثل رب الذهب أو حب المال وله أذنا حمار وتاج أو إكليل من الذهب وقد قعد على عرش دموي أقيم على جماجم، وفي حجره أكياس النقود. وقد سحق بيده اليمنى رأس امرأة، وتحت إحدى قدميه رجل قد انطرح ميتًا. والصورة تمثل قوة المال في القرن التاسع عشر. وله رسم آخر بديع هو «الأمل».