غرائب القدر
كانت الساعة الثامنة مساءً حين ازدحم أول شارع كلوت بك من جهة الأزبكية بالمركبات، بعضها مركبات نقل وبعضها مركبات ركوب، وبعضها مركبات كهربائية، فحدث اصطدام خطير لولا العناية الإلهية لأفضى إلى حادثة مشئومة.
وتحرير الخبر أن مركبة كانت تقل فتاتين إحداهما بقبعة والأخرى «بحبرة»، واتفق أنه كان وراءها بعض مركبات وقطار كهربائي، وأمامها بعض مركبات نقل، فحاول حوذيها في أول الأمر أن يتجاوز مركبات النقل التي أمامه، ولكنه رأى قطارًا كهربائيًّا مندفعًا نحوه وكاد ينطح جوادَي مركبته، فما لوى عنانه حتى رأى مركبة أخرى من ورائه قد اندفعت إلى جانبه الأيسر، فلوى العنان إلى أيمنه، والظاهر أنه ارتبك والجوادان جمحا، واندفعا إلى الرصيف فأصبحت عجلتا المركبة اليمنيان على الرصيف والعجلتان الأخريان ما زالتا في أرض الشارع، فارتعبت الفتاتان ووقفتا ووثبت ذات الحبرة إلى الرصيف، وكان الحوذي حينذاك يلوي عنان الجوادين إلى الشارع، فرامت الفتاة ذات القبعة أن تثب فلم تستطع؛ لأن المركبة مثقلة بها من الجانب السفلي، فانقلبت المركبة بالفتاة وأصبح نصف الفتاة بين العجلتين، وكادت العجلة الخلفية تمر عليها لو بقي الجوادان يندفعان إلى الأمام، وفيما كانت الفتاة تصرخ من الرعب معتقدة أن أجلها سينقضي في تلك اللحظة، شعرت أن قوة هائلة ترفع جانب المركبة عنها، والفتاة الأخرى رفيقتها تستخرجها من تحت المركبة.
كل ذلك حصل في بضع ثوان.
وقفت الفتاة وهي تصرخ: «رجلي رجلي، انكسرت رجلي.» وكانت في الوقت نفسه تنظر إلى القوة التي رفعت المركبة عنها، فرأت فتى يجاهد في تقويم المركبة، والحوذي الذي انقلب من المركبة أيضًا نهض، وجعل يعاونه إلى أن اعتدلت المركبة في مكانها.
وكان جمهور من الناس قد تجمهر، وبينهم شرطي يأمر الحوذي بالذهاب إلى القرقول.
أما الفتى فانعطف إلى الفتاة يستعلم منها عما أصابها، فأمسك بيدها قائلًا: ألا تستطيعين أن تنقلي رجلك؟
فنقلها ومشت خطوتين قائلة: أظن رجلي سليمة من الكسر ولكني أشعر بألم.
– الحمد لله أنها سليمة؛ لأن المركبة لم تضغط عليها إلا لحظة أو أقل من لحظة.
– إني ممتنة لتداركك الخطر الذي داهمني، بربكم مركبة أخرى تأخذني إلى بيتنا، وفي الحال استدعى الفتى حوذيًّا آخر فأخذ الفتاتين.
وكان الفتى بطل روايتنا يوسف برَّاق، أما الفتاة فكانت ليلاه، ولكنه لم يعرفها إلا وهي تستقل المركبة، فتراجع إلى الوراءِ كأنه استكبر أن تعلم بوجوده هناك في تلك اللحظة، ولكن الظروف ساقته إليها كأن الأقدار تمهد الطريق لإيجاد علاقة بينه وبين الفتاة.