الاتفاق على مكيدة
قال جميل لجورجي: هيا بنا إلى السفنكس بار يا جورجي.
– تبت عن الشرب.
– أظنها توبة إفلاس فهَلُمَّ؛ فإن معي من الأصفر الرنان ما يسكر عشرين.
– كلا، لو شئت أشرب لأسكرت ألفًا، فدعنا هنا وهات ما عندك.
– لا أعرف أن أتكلم إلا شاربًا فهلمَّ.
– قلت لك: لا أذهب، هل تريد أن تلقي عليَّ خطابًا ولا تستطيع أن تجود بالخطابة إلا شاربًا؟
فضحك جميل وقال: إن الموضوع الذي سأكلمك به يليق به الشرب.
– هات قل فإني أفهم صاحيًا أكثر مني سكرانًا.
فسكت جميل هنيهة، ثم قال: هل تريد أن تملأ جيبك من الأصفر الرنان بأضحوكة؟
– ليس غريبًا في هذا البلد أن تجني الأضاحيك أموالًا، فما هي أضحوكتك؟
– تمثيل دور صغير في مرسح صغير وعلى حضور قلائل.
– ما هو هذا الدور؟
– هو أن تلبس ثوب كاهن وتكلل زوجين.
فأحجم جورجي قائلًا: إنك تنصب لي فخًّا.
– لا والله، بل أريد أن أكسبك مائة جنيه، فما قولك أن تكسبها وأنت تقف وقفة كاهن نحو ربع ساعة؟
– لا والله، لا أقف وقفة كهذه ولو دفعت لي ألفي جنيه.
– إنك مجنون.
– لماذا لا تمثل هذا الدور أنت؟
– لأني بلا لحية وتعرفني العروس.
– إذن الدهاء على أهل العروس.
– بل على العروس وحدها.
– وأهلها؟
– ليس لها في الدنيا إلا أم، وأمها تريد ذلك.
– ولكن لماذا هذا الزواج المزور؟
– لأن العريس لا يريد زواجًا، والعروس لا تريد إلا زواجًا.
– أظن العريس فهيم بك.
– نعم.
فضحك جورجي قائلًا: ألم تكفه الخليلات الثلاث؟
– لو عرف الرابعة قبلهن لاكتفى بها؛ لأنها آية في الجمال ولم تزل صغيرة.
– وأمها تريد أن تجعلها رابعة الخليلات؟
– نعم؛ لأنها ربتها لهذا الغرض وقد صادفت الرفيق الثمين.
– تبًّا لها من أم!
– ما نحن هنا في موقف وعظ يا جورجي، بل في موقف شغل، وقد وددت أن أخدمك هذه الخدمة.
– أن تغريني على ارتكاب جناية؟
– جناية صغيرة ولكنها لا تظهر، والأجرة وافرة.
– هل تعد المائة جنيه أجرة وافرة؟ هب أني حوكمت.
– إن حوكمت تحبس شهرًا، أفلا تحبس شهرًا بمائة جنيه؟
– قد أحبس عامًا؛ ولهذا لا أقبل أقل من ألفي جنيه.
وبعد جدال طويل تم الاتفاق بينهما على ألف جنيه، ثم قال جورجي: متى أكون كاهنًا؟
– بعد غد الساعة العاشرة مساءً في منزل العباسية، بيد أننا نلتقي هنا نحو الساعة التاسعة، فأصطحبك إلى المنزل حيث تجد كل شيء مدبرًا.
– والدفع؟
– نقدًا بين لبس بدلة الكهنوت والإكليل.
– إذن إلى الملتقى.
– بقي أمرٌ جوهري جدًّا يا جورجي.
– ما هو؟
– يجب أن تتلقن بعض الصلوات بالعربية؛ لكي تفهم العروس الصلاة، ولا يخالجها ريب بصحة الإكليل كما لو كانت الصلاة كلها باليونانية فقط.
ففكر جورجي هنيهة، ثم قال: الحق أني لم أفطن للصلاة، فلا بد من إعداد كتاب صلاة الإكليل.
– الكتاب موجود ولكنه باليونانية، ونحن نود أن يكون بعض الصلاة بالعربية؛ ولهذا يجب أن نجتمع غدًا؛ لكي ألقنك صلاتين أو ثلاثًا بالعربية.
ففكر جورجي وقال: لقد شاخت ذاكرتي وتصلبت، فلا تستطيع أن تطبع فيها صلاة ولا ترنيمة.
– إذن ما العمل؟ لا مناص من تلاوة بعض جمل بالعربية، فيجب أن تطرِّق ذاكرتك؛ لكي تلين ويمكن أن نطبع عليها صلاة، وإلا فالمشروع فاسد والاتفاق منقوض.
– أنت قلت: إنك تملأ جيبي دراهم بلا تعب، فما بالك تريد أن تتعبني بحفظ صلوات غيبًا وتطرق ذاكرتي؟
– أنت طلبت أجرة كثيرة، أفلا يحق لي أن أطلب عملًا قليلًا؟
ففكر جورجي هنيهة، وقال: إذن هات كتاب الصلاة بالعربية وأرحني من التلقين.
– وما الفائدة من الكتاب ولا قارئ؟
– أقرؤه.
– لسنا في مزاح.
– قلت لك: إني أقرؤه فلا أمزح.
فدهش جميل وقال: إنك يوناني فمتى تعلمت العربية؟
– تعلمتها هنا وأقرؤها.
– لا أصدق.
ثم ناوله جميل جريدة، وقال له: اقرأ لأرى.
فقرأ جورجي بكل فصاحة، فازدادت دهشة جميل، وقال: عجيب أمرك يا هذا، كيف تعلمت العربية وأنت يوناني؟
– ليس هذا شغلك.
– حسن إذن أنت الكاهن الوحيد الذي يقوم بعقد الإكليل، لقد تيسر كل أمر والحمد لله، بالله قم معي فإني أود أن أشرب كاسًا، وإذا شئت ألا تشرب فلا تفعل.