فرار العصفور من القفص
في مساء اليوم التالي كان جميل مرمور وجورجي آجيوس في مركبة تنطلق بهما إلى العباسية، وكان جورجي في ثوب قسيس، وكانت الساعة التاسعة حين دخلا، فرأى جورجي العروس في ثوب الإكليل والعريس فهيم بك رماح في ثوب رسمي.
وكان أول ما فعله جورجي أن هنأ العروس قائلًا: إني أهنئك بهذا الزواج السعيد يا ابنتي؛ فإن مثل عريسك نادر جدًّا، فعسى أن تحبيه وتحرصي على قلبه فتعيشين سعيدة إن شاء الله.
فقالت هيفاء: إن لدعائك تأثيرًا في سعادتي يا أبانا.
ثم نظر جورجي إلى فهيم فابتسم هذا له، أما جميل مرمور فكاد يفلت من فكيه عنان ضحكه، فنظر فيه جورجي عابسًا ثم قال: أين الأشبين والأشبينة؟
فقال فهيم: أما الأشبين فهو المسيو جميل، والأشبينة أم العروس.
– لا أرى أم العروس.
فقالت هيفاء: لا تزال تلبس ثوبها، إني ذاهبة لأستعجلها يا أبانا.
ونهضت هيفاء وخرجت، فقال جورجي: سبحان من أعطى ومن سوى؛ أين حظيت بهذه العروس الجديدة يا رمَّاح بك؟
– التقادير ساقتها إليَّ يا أبانا.
– بارك الله عليكما، أين الضريبة المقدسة يا جميل؟
– ها هي في كتاب الصلاة، ومتى انتهى الإكليل تأخذ الكتاب بما فيه.
– لا، أريده تحويلًا على بنك.
– وإذا كان البنك مصادقًا عليه، فما قولك؟
وتناول جورجي الكتاب وفتحه، فرأى التحويل عند فصل صلاة الإكليل، فأبرقت أسرته وقال: ماذا تنتظرون؟
– ننتظر أم العروس.
عند ذلك وقف جميل وأطلَّ من الباب، وقال: يا ست نديمة أعجلي.
وما هي إلا هنيهة حتى دخلت نديمة تتجلى بثوبها الأنيق، فقالت: أين هيفاء؟
فقال فهيم: ذهبت إلى حجرتك لتعجلك.
فبغتت نديمة وقالت: لم أرها.
فوقف الكل قائلين: إذن إلى أين ذهبت؟
وتراكضوا في غرف المنزل، وسألوا الخادمة والخدام فقالا: لم نرها.
فقالت نديمة: لقد هربت الشقية، كيف هربت ولم نعلم؟
فقال الخادم: أظن أوتوموبيلًا أخذها؛ لأني سمعت دويه منذ دقيقة.
فصفقت نديمة كفًّا على كف قائلة: لقد خدعتني هذه الشقية.
فقال جورجي: إذا كنتم لا تستوثقون من رضا العروس، فلماذا تستدعون كاهنًا للإكليل؟
وكان فهيم قد قبض على الكتاب، وأخذ التحويل منه ووضعه في جيبه، وقال لجورجي: خذ هذه عشرة جنيهات الآن جزاء تشريفك، ومتى استوثقنا من الفتاة نستدعيك ثانيًا.
فتناول جورجي الجنيهات العشرة، وقال: إني مستعد لكل خدمة من هذا القبيل يا رماح بك، أين تظنون ذهبت الفتاة؛ فأنا أستردها؟
– لا ندري الآن شيئًا، ولكننا لا بد أن ندري، فهل تود أن تتولى البحث عنها ولك الجزاء الذي تريده؟
– أفعل بكل سرور، ولي أمل عظيم بالفلاح.
وبعد مناقشة في الأمر افترق المجتمعون متفقين على أن جورجي يبحث عن الفتاة.