إفلات العصفور ثانية
كانت الساعة الثامنة مساءً حين قُرِع الباب على يوسف براق في غرفته، وهو يكتب على مكتبه.
فنهض يستقبل القادم وفتح الباب، فدخل منه جورجي آجيوس كالمجنون، وقال: خفت ألا أجدك هنا.
– أراك مضطربًا فماذا؟
– هيفاء تحت خطر.
– ماذا تقول؟
– ستتزوج الليلة.
– لذلك الزنيم؟
– له.
فقال يوسف متهددًا: حياتها الروحية أو حياتك الجسدية.
– وعدتك يا يوسف وها أنا أبر بوعدي، ولكني أريد يدك.
– ها يدي فماذا أفعل؟
– اذهب واستأجر أوتوموبيلًا، ها عشرة جنيهات ولا تبخل بعشرين أو مائة أو ألف إذا لزم الأمر.
– ثم ماذا؟
– خذ الأوتوموبيل، وانتظر قرب منزل نديمة، ومتى خرجت الفتاة ضعها فيه وخذها إلى منزل في شبرا، هذا وصفه مدوَّن على الورقة بكل وضوح حتى لا تضل عنه، وهذا مفتاح باب المنزل، ليس فيه أحد، فامكثا فيه ريثما أعود إذا لم أستطع أن أرافقكما، اتركا الأوتوموبيل عند محطة كبري الليمون، وبعد أن يبرح الحوذي اركبا مركبة إلى شبرا.
– حسنٌ، هل أنت واثق بالنجاح؟
– إني واثق، فلا تخف.
•••
في الساعة التاسعة دخل جورجي إلى منزل نديمة، فوجد هناك نديمة وابنتها وجميل مرمور وفهيم رماح، فلما دخل رحبوا به، وأما هيفاء فحملقت فيه وكانت دلائل الكآبة بادية عليها، وكل لمحة من ملامحها كلمة تدل على نفورها وعلى تململها من الضغط الواقع عليها، أما نديمة فتقدمت وأسرت إليه قائلة: ما الذي جاء بك الآن؟
– إذا لم تدعوني فأدعو نفسي لأكون شاهدًا.
– أخاف أن توجس هيفاء منك؛ لأني أراها تحملق فيك كأنها عرفتك.
– الناس يتشابهون يا سيدتي وأنا أتجاهل فلا تخافي، أما جاء القسيس بعد؟
– سيجيء بعد ساعة على الكثير.
بعد هنيهة خرج جورجي إلى غرفة الحمام لقضاء حاجةٍ، وعاد وما هي إلا بضع دقائق حتى صاح الخادم: «حريقة حريقة.» فهرع الكل إلى المطبخ، فوجدوا اللهيب يندلع من بعض الحطام، فاشتغلوا بالإطفاء.
عند ذلك اغتنم جورجي الفرصة، وقال لهيفاء في إبان اضطرابها: إن يوسف ينتظرك خارج الدار؛ ليخلصك من الجحيم الذي تذهبين إليه، إن القسيس الذي سيكللكِ ليس قسيسًا بل هو عامي مثلي، وزواجك لا يكون شرعيًّا بل حيلة، فأسرعي واخرجي ولا تخافي.
فما ترددت هيفاء أن خرجت، ودخل جورجي في الحال يساعد البقية على إطفاء الحريق، وما هي إلا بضع دقائق حتى تغلبوا على الإطفاء، وعلموا أن سره انقلاب مصباح البترول، فجعلت نديمة تحرق الأرم على الخادم والخادمة؛ لأن إهمالهما كان السبب، وأما هما فكانا يتبرآن ويقسمان وكل منهما يلقي التبعة على الآخر.
ولما عادوا إلى البهو لم يجدوا هيفاء، فبحثوا عنها في المنزل فلم يجدوها فصاحت نديمة: إن هذه الفعلة فعلة تلك الشقية إذن، وقد رامت أن تحرق المنزل بنا لكي تهرب؛ إذا وقعت في يدي فأمزقها تمزيقًا.
فقال جورجي: إنكم لمغفلون، أما درستم المسألة أول مرة؟ فلماذا لم تحتاطوا؟
فقالت نديمة: إننا في حاجة إليك الآن يا جورجي.
– إذن مجيئي كان في حينه.
– نعم هل تستطيع أن تهتدي إليها؟
– إن اهتديت إلى يوسف براق اهتديت إليها طبعًا.
– إذن بربك، هل تعجل بالأمر؟
– في بضعة أيام أردها إليكم.
– أخاف أن يتزوجها هذا الجاهل.
– أحول بينهما لا تخافي، دعوني الآن أمضي لعلي أعلم أمرًا الليلة، ثم ودعهم ومضى.