وتد الفخ
في مساء اليوم التالي كان الأب أمبروسيوس وجورجي آجيوس عند فهيم رمَّاح، ودار بينهم الحديث التالي.
فقال الأب أمبروسيوس: فهمت من ولدنا جورجي يا فهيم بك أنك تريد هيفاء زوجة.
– نعم، وستكون شريكتي في سعادتي إن شاء الله، فلماذا تمسكها عني يا أبانا؟ هل عندك لها عريس أفضل؟
– لا، وإنما أنا وليُّ أمرها بموجب وصية من جدها؛ إذ لا أب ولا أم لها؛ ولهذا أود أن أضمن راحتها وسعادتها قبل زواجها، وإلا فأكون مقصرًا بحق الوصاية.
– لك كل الحق يا أبانا، فهل عندك اعتراض على زواجي منها؟
– كلا، وإنما لي بعض الطلبات.
– إني مستعد لتلبية كل طلب، فماذا تطلب؟
– حسنٌ، أطلب مهرًا للفتاة.
– متى صارت زوجتي كان كل مالي لها بحكم الطبع.
– الأمر مفهوم، ولكن الفتاة مع حداثتها تفهم مصلحتها جيدًا، فهي تخاف أن تكون لها شريكات في سعادتها معك.
فاختلج فهيم بك، وقال: نحن النصارى لا نستطيع أن نتزوج إلا واحدة، فلماذا هذا الخوف؟
فضحك الأب أمبروسيوس، وقال: والزوجات غير الشرعيات؟
فامتقع لون فهيم بك، ونظر في جورجي فقال هذا: إن أبانا يعرف طيش الشباب ويعذر، فما هو مؤنب الآن وإنما هو يود أن يحفظ حقوق الفتاة، فلا تلمه.
– ولكن لن يكون عندي زوجات شرعيات ولا غير شرعيات إلا هيفاء.
فقال الأب أمبروسيوس: لا نقدر أن نحصل على ضمانة لذلك، ولا نطلب ضمانة له، وإنما نطلب ضمانة لراحة الفتاة.
– حسنٌ، ماذا تريد؟
– نريد أن نعطي الفتاة مبلغًا من المال تضمن به راحتها في المستقبل إن حدث ما يقلق راحتها ويحرمها هناءها.
– هذا أمر سهل جدًّا، فإني أقدم لهيفاء كل ما تطلب؛ لأن كل ما هو لها وما هو لي سيكون لكلينا معًا.
– إذن تضع في البنك ثلاثين ألف جنيه باسمها.
ففكر فهيم بك وقال: إنه مبلغ كبير.
– ليس كبيرًا على من ستكون زوجتك، وما هو لها سيكون لك ولأولادكما.
– ما قولك إذا كنت أهبها منزلين بهذه القيمة؟
– بل تضع لها القيمة في البنك، وهي تشتري بها منزلين، أو عزبة، أو ما تروم. ويبقى كل ذلك تحت وصايتي إلى أن تبلغ الفتاة سن الرشد، ويصير لها حق التصرف بمالها، فأسلمها ملكها تسليمًا شرعيًّا، وبعد ذلك يكون شأنها معك وشأنك معها.
ففكر فهيم هنيهة ودنا من الأب أمبروسيوس، وأسرَّ له قائلًا: لك مني خمسمائة جنيه، واترك هذا الموضوع.
فعبس الأب أمبروسيوس، وقال: لا تحمل ضميري ثقلًا؛ فإني كاهن الله ورجل شيخ، ولا مطمع لي في هذه الدنيا، وإنما مطمعي في الآخرة، فاقفل هذا الباب ولا آخذ منك إلا ما تجود به نفسك بعد أن أكللك.
– وإذا جعلنا الخمسمائة ألفًا؟
– ولو جعلتها ثلاثين ألفًا، فإني مكلف بواجب مقدس يجب أن أنفذه بالأمانة.
ففكر فهيم هنيهة ثم قال: إن المبلغ كبير وليس في وسعي تدبيره.
– إذن لا تؤاخذني إذا أخذت الفتاة وحرصت عليها حتى تنتهي مدة وصايتي عليها، وبعد ذلك فلتفعل ما تروم.
وهمَّ الكاهن أن يقف فغمز جورجي فهيمًا كأنه يقول له: لا تدعه يخرج، ثم قال جورجي: مهلًا يا أبانا، إن الثلاثين ألفًا ليست شيئًا عند سعادة فهيم بك، تفضل اجلس إلى أن ننتهي عند نتيجة.
فالتفت الأب إلى فهيم بك، فقال هذا له: إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون.
– لا بد من الثلاثين ألفًا مهرًا للفتاة يا بني، إني مسئول عن الفتاة أكثر منها عن نفسها.
– ليكن ما تريد يا أبانا، فمتى يكون الإكليل؟
– حالما تضع في يدي تحويلًا على البنك باسم هيفاء.
– غدًا إن شاء الله يكون التحويل في يدك.
– وغدًا أكللكما.
– أين؟
– حيث تكون الفتاة، إني أصطحبك إليها، ويكون المسيو جورجي الشاهد الواحد ومرأة أخرى الشاهد الثاني.
– أين نلتقي؟
– غدًا يأتي المسيو جورجي ويصطحبك إلى حيث أكون.
– حسنٌ.
وفيما كان المجلس يرفض أسرَّ جورجي إلى فهيم قائلًا: ماذا جرى بدعد؟
– أظنها خلعت ثوب عارها ونفت من الوجود الشاهد العدل عليه.
– الحمد لله، كل شيء مدبر كما نروم.
– إني أذكر دائمًا فضلك يا جورجي، وغدًا أراك.
– أكثر الله خيرك يا بك.