في حضرة إله الحب
بغتت ليلى؛ إذ رأت يوسف داخلًا وهو يقول باسمًا: ما زالت روح يوسف ترفرف يا ليلى، ولكنها لم تقع إلا هنا.
فانتفضت ليلى ووهنت قوتها حتى كادت تقع عن كرسيها لو لم يسرع يوسف، ويمسك بيدها ويسندها إلى كرسيها، وعند ذلك لم يتمالك أن وضع يدها العاجية على ثغره، وطبع فيها قبلة لا تمحى، ثم جلس إلى جانبها وهي مستغرقة في تأثرها شارقة بدموعها، وبعد هنيهة قال لها: أين كبرياؤك يا ليلى، إنها تلذ لي؟
– الكبرياء للروح، وأنا ترابية فلا تتسفَّل إلي يا يوسف.
– وهل يتأثر التراب يا ليلى؟ فلماذا تحاولين أن تبعدي روحك عني؟
– إن روحي أثيمة فلا تتدنس بها.
– قولي هذا لمن يحسب الحب إثمًا، أما أنا فأقدس كل حب ولو كان فيه ألم لي، جئت إلى منزلك اليوم لكي أفتقدك، فلماذا أسأت الظن بي ورفضت مقابلتي؟
– أي حب تعني؟
– حبك لصديق خطيبك.
فارتجفت ليلى وقالت: قلت لك: إني أثيمة يا يوسف، وأنت تحاول أن تبررني.
– إني أسمى مبدأً من أن أحسب تحول حبك عني إلى صديق إثمًا.
– إني تعسة يا يوسف؛ لأنك لم تفهمني.
– أفصحي فأفهم.
– لم أحب صديقًا، ولكني أحببت الكنز الذي لي، وهو مدفون معه، مائة ألف جنيه غرتني يا يوسف فحملتني على أن أنكر حبك، وأنكر أيضًا بغضي لصديق، فهل صدقت أني ترابية، ولم يبق من روحانيتي إلا ما يشعرني بإثمي هذا؟
– ما هذا إثم يا ليلى؛ لأن الهيولى هي التي أحبت المائة ألف جنيه، فإذا كانت الروح لم تزل على عهدها، فحسبي أن أعلم أن روحي وروحك أليفان، ولو كنتُ في الثرى وأنت في الثريا.
فنظرت إليه ليلى نظرة لا يقدر أن يفهمها أحد غيره، وقالت: إذن ما زلت تحبني يا يوسف؟
– إذا بطلت أن أحبك يزول كياني بكليته، فما أنا سعيد إلا بهذا الحب، إن زواجك من صديق يفصل جسدك عني فصلًا أبديًّا، قد لا أراكِ بعد الآن، قد لا أسمع بذكرك، قد أكون وراء الأوقيانوس، قد أكون في الرمس … وأما روحي فتبقى تناجي روحك.
– إن هذا الحب قد طهَّر روحي من إثمها يا يوسف، بل طهر جسدي أيضًا، فما قيمة المائة ألف جنيه عندي بأكثر من قيمة دخان هذه السيكارة التي في يد المسيو جورجي، فهل قبلت توبتي يا يوسف؟
وارتمت عليه فتلقاها يوسف بين ذراعيه، وقبل ريشة قبعتها وهو لا ينبس ببنت شفة، وجورجي ينظر متأثرًا من هذا المنظر وهو لا يستطيع أن يتكلم، ومن يجسر أن يتكلم في حضرة إله الحب؟!