التوقيت
يعمل التوقيت عمل السحر في التأثير على النظارة، لدرجة أنك لا تصدق إلا إذا جربت بنفسك شيئًا موقتًا وشعرت باستجابة المتفرجين له. وتتأتى البراعة في التوقيت عن طريق الخبرة أمام الجمهور. إلا أنه يمكنك أن تتعلم السر بسهولة وبسرعة إذا ألممت جيدًا بالمبادئ التي يُبنى عليها التوقيت المحكم.
(١) تحديد المفاتيح setting cues
وهناك مشكلة في المفاتيح تبدو سخيفة ولكنها شائعة بحيث لا يمكن إهمالها. وذلك عندما يغفل الممثل عبارة تحتوي على مفتاح ما. فمثلًا إذا كان مفتاحك لتدير جهاز الراديو هو: «أليس كذلك؟» في العبارة: «يمكنني أن أرى، أليس كذلك؟ إذ عيناي سليمتان.» ولكن الممثل لم ينطق بالجملة كلها، بل قال: «يمكنني أن أرى؛ إذ عيناي سليمتان.» وعندئذٍ ينبغي أن تدير جهاز الراديو مهما كان الأمر. ولكن المدهش أن بعض الممثلين يظن أن إغفال المفتاح معناه حذف الحركة المتوقفة عليه، ولكن هذا خطأ كل الخطأ.
يمكنك اجتناب الوقوع في مثل هذا لخطأ، بأن يكون تفكيرك في المفتاح، ليس بألفاظه، بل باللحظة التي يقال فيها سواء قالها من قبلك أو حذفها.
(٢) التوفيق بين الحركة والحوار
الحركة أشبه بعلامات الترقيم؛ فالحركة التأكيدية تقسم المسرحية إلى فقرات من الأفكار، والحركات المتوسطة التأكيد توضح الجمل، وتبين الحركات البسيطة أجزاء الجمل.
وليست المشابهة تامة بين الحركة والترقيم، فلن تستطيع القيام بحركة صغيرة عند كل فاصلة، أو بحركة متوسطة عند كل نقطة. بيد أن هذا المبدأ يسري على وجوب التناسب بين الحركة وأهمية الفواصل بين الأفكار.
تأتي الحركة عادةً بين السطور، كما تأتي علامات الترقيم العادية بين الجمل. بيد أنه إذا بولغ في ذلك أضجت المسرحية بطيئة. وعلى ذلك ينبغي للممثل أن يقوم بالحركة وهو يتكلم. وقد تأتي الحركة الطويلة أثناء سطر يلي سطرًا آخر هامًّا. وعادةً يقوم كل ممثل بالحركة أثناء كلامه هو، وإلا جذب الممثل المتحرك الانتباه إليه بدلًا من المتكلم.
ويجب ألا يتحرك أكثر من ممثل واحد في الوقت الواحد؛ لأن هذا يسهل على النظارة تتبع الفعل الدرامي. وإذا اقتضى الأمر أن يتحرك ممثلان في وقت واحد، وجب ألا يبدآ سويًّا، وألا ينتهيا معًا.
(٢-١) توافق الزمن synchronization
تسير الحركة والكلمة في المسرحية جنبًا إلى جنب. وقوة التأثير تستدعي توافقهما معًا في الزمن. ولحسن الحظ يقوم الممثلون بطبيعتهم، حتى غير المتمرنين منهم، بالتوفيق بين كلٍّ من الحركة والكلام. وعلى ذلك يبدو أن لا صعوبة في هذا الأمر. على أنه من المفيد مراعاة القواعد التالية. وإذا أمكنك التعرف على الموقف بالنسبة للتوقيت، حدث التوقيت تلقائيًّا.
(٢-٢) الوقف pauses
تتألف العناصر الصوتية في توافق الزمن من ألفاظ ووقفات، كما يتألف عنصر الحركة من حركات ووقفات. وهذه الوقفات لا تقل أهمية عن الكلام أو الحركة. ويجب أن تتصف وقائع المسرحية بالاستمرار. ففي كل لحظة من لحظات المسرحية ينبغي أن يكون هناك شخص يتكلم أو شيء يحدث، أو يكون هناك «وقف له أهمية خاصة». وفوائد الوقف هي:
-
(١)
التأكيد؛ فالوقف قبل كلمة أو حركة يسترعي الانتباه إليها.
-
(٢)
يبين أن الشخص يفكر، مثل: «دعني أفكر في الأمر (ثم وقف) آه، لقد عرفت السر …»
-
(٣)
يكون بمثابة فاصلة لتوافق الزمن.
وإذا تلكأ ممثل في التقاط مفتاح حديثه، أو إذا امتدت فترة وقف أطول مما يجب — أو إذا تعطل سيال العرض لأي سبب — تعرضنا لما يُسمى «الانتظار المسرحي». والمتفرجون شديدو الحساسية بمثل هذا النوع من الانتظار. ففترة انتظار لمدة أقل من ثانية قد تسبب لهم قلقًا لا شعوريًّا، وإذا بلغت ثانيتين أو ثلاثًا جعلتهم يعتقدون أن هناك خللًا ما.
(٢-٣) الأفعال الخاطفة instantaneous actions
بعض الأفعال، كطقطقة الأصابع والضرب بقبضة اليد على المناضد، يستغرق وقتًا قصيرًا جدًّا لدرجة يتعذر معها قياسه. ومثل هذه الأفعال تأكيدي، ويأتي عادةً في أثناء فترات الوقف قبيل الكلمة أو الجملة التي يراد تأكيدها. كما يأتي أحيانًا مع المقطع المشدد من الكلمة المؤكدة، أو خلال الوقف الذي يعقب الكلمة أو الجملة. والتوقيت في كلٍّ من هذه الحالات لا يتأتَّى بغير المرانة والتجربة، حيث يمكن تحديد الوسيلة التي تؤدي إلى تأثير أفضل من غيرها.
(٢-٤) الأفعال الممتدة longer actions
الأفعال الممتدة التي تستغرق من الوقت ما يجعل بدايتها ونهايتها تبدوان كشيئين منفصلين، يجب أن تتوافق مع وقت الكلام بإحدى الطرق الثلاث الآتية:
-
(١)
إذا جاء الفعل أثناء وقف، فيجب أن يملأه تمامًا. فمثلًا عندما تقول: «أسمع صوت شخص في الخارج (وتعبر إلى النافذة). نعم، إنه جون.» فما إن تنطق بعبارة «في الخارج» حتى تبدأ بالعبور إلى النافذة، وعندما تصل إليها وتقف، تقول: «نعم …» وحتى لو تألف الفعل من حركات مطولة تستغرق عدة دقائق، يجب أن تبدأ به بعد الكلام السابق له مباشرةً، على أن تلقي بأول مقطع في العبارة التالية في اللحظة التي ينتهي فيها الفعل.
-
(٢)
الفعل الذي يحدث خلال جملة حوار يجب أن ينتهي عند آخر مقطع مشدد في الجملة. وغالبًا ما يكون المقطع الأخير القابل للتشديد هو نفس المقطع الذي يشدد عادةً في الكلمة. ومع ذلك فهناك بعض عبارات يجب نقل التشديد فيها إلى كلمة سابقة، مثل: «سيعمل على قتلك، وقتلي أنا أيضًا.» فلا يكون التشديد على كلمة «أيضًا» بل على الضمير «أنا».
-
(٣)
وأحيانًا تتفق بداية الحركة مع بداية جملة، مثل: «أنت أيها الكلب القذر …» فيبدأ المتكلم بالحركة وهو ينطق بكلمة «أنت». وقد تتفق نهاية الحركة مع نهاية الجملة أو لا تتفق معها.
وقد يمتد الفعل حتى ليشغل عدة فقرات قصيرة. ولن تجد صعوبة في مثل هذه الحال إذا اتبعت المبادئ السابقة.
(٣) الإيقاع
ليس هناك مَن يعرف كثيرًا من الإيقاع، حتى في الموسيقى أو الشِّعر حيث يكون الإيقاع واضحًا. والإيقاع المسرحي أكثر غموضًا. والقليل الذي نعرفه عنه يمكن تلخيصه في إيجاز، ومع ذلك فهذا القليل ذو أهمية، كما أنه لحسن الحظ سهل في استخدامه.
(٣-١) الوحدة (أو التفعيلة) beats
إذا كنت تشاهد مسرحية وأخذت تنقر بقدمك دون مراعاة وحدة خاصة، فسرعان ما تجد أن قدمك تنقر تبعًا لوحدة خاصة تتفق والمسرحية، غير أن هذا النوع من النقر منتظم كنقر «الرقَّاص الموسيقي (المترونوم)»، وخالٍ من الدقات غير المشددة التي نصادفها في الموسيقى أو الشِّعر. والمسرحية تشتمل على وحدات غير مشددة وإن كانت تبدو غير منتظمة إلى حد كبير. على أنه يمكنك أن توفر على نفسك مئونة ملاحظتها، إلا إذا كنت ترغب في دراسة الإيقاع عمليًّا. وإذا استخدمت لحنًا من ألحان «الفالس» مثلًا في مسرحية فلا تحاول أن توفق بين إيقاعه ذي الثلاث الدقات وبين أي شيء في المسرحية. وكذلك إذا كنت بإزاء مسرحية شعرية، مثل «بير جنت» حيث يتبدل الوزن من المقياس الثلاثي ذي النبر المقدم إلى المقياس الخماسي ذي النبر المؤخر، فلا تحاول أن توجد توافقًا مماثلًا في إيقاع المسرحية. فإن أي توافق بين الإيقاع الملفوف للنص المسرحي والإيقاع الموسيقي أو الشعري، إنما ينبغي أن يُترك ليحدث من تلقاء نفسه، وإذا حاولت إقحامه عنوةً أحدثت ضررًا يطغى على النفع الذي تبغيه.
ويمكن معرفة وحدة الإيقاع المسرحي بالعد دون اعتبار لسرعة العد، فإذا كنت ذا حساسية بالإيقاع عامةً، أمكنك أن تعد بالسرعة الصحيحة، ما دمت على صلة بالمسرحية.
(٣-٢) وحدة الكلام speech beats
تقع الوحدة في الكلام على المقاطع المشددة أو على مواضع الوقف، ولا تجيء أبدًا على المقاطع غير المشددة. على أنه ليس من الضروري أن تأتي الوحدة مع كل مقطع مشدد. ففي جملة: «ليسخر بالندب من لم يحتمل جرحًا.» نجد أن جميع المقاطع التي تحتها خطٌّ مشددة، غير أن الدقة لا تقع في الغالب إلا على «يسخر» و«لم» و«جرحًا». ويمكن تغيير نمط وحدة الكلام بتغيير التشديد على المقاطع. فالجملة السابقة يمكن إلقاؤها بدقتين فقط؛ إحداهما على «الندب»، والأخرى على «جرحًا». والوسيلة إلى معرفة أفضل نمط يلائم الموقف لا تتأتى إلا بالتجربة.
(٣-٣) وحدة الفعل action beats
لبعض الأفعال، كخطوات العبور مثلًا، وحدة ظاهرة. وبعضها ينساب في نعومة بحيث لا تبدو له وحدة، غير أنه يوجد عادةً لمثل هذه الأفعال تشديد معين في النهاية يمكن أن يخضع للوحدة. وكل إيماءة فجائية قصيرة يمكن أن تعد كوحدة مفردة.
(٣-٤) التوافق بين الكلام والفعل عن طريق الإيقاع synchronizing speech and actions through rhythm
سبق الكلام على وسائل التوفيق بين الكلام والفعل، غير أنه يمكن تسهيل هذه الوسائل باستخدام الإيقاع. ونجد خير فرصة لدراسة الإيقاع في الميلودراما العتيقة الطراز، حيث تكون الوحدة ظاهرة غير مستترة. ويوضح المثال الآتي كيفية التوفيق بين وحدة الألفاظ ووحدة الأفعال:
«رهن مزارعٌ أرضه وادخر قيمة الرهن في إبريق قهوة، فسرق لصٌّ النقود واشترى وثيقة الرهن. فلما علم المزارع باستيلاء ذلك الوغد على وثيقة الرهن، أسرع لإحضار النقود ليدفع قيمة الوثيقة، وعاد يحمل إبريق القهوة في يده:
(يخطو للخلف) (يخطو للخلف) (يخطو للخلف).
ماذا! لقد اختفت!
(٣-٥) قوة الإيقاع strength of rhythm
تتطلب الواقعية، والواقعية الممسرحة، إيقاعًا قليل الوضوح. أما التعبيرية فتستلزم إيقاعًا قويًّا. والتشديد على الوحدة يقوي الإيقاع. فعندما يضرب الممثل الأرض بقدمه في أثناء سيره، يكون الإيقاع أقوى مما لو سار في انسياب. وكذلك يقوى الإيقاع عند توافق عدة عناصر. ففي المنظر السابق، يجفل المزارع، ويُخرج يده من الإبريق، وينظر فيه في آنٍ واحد. وإذا خطا خطوة في نفس الوقت، كان التأثير أكثر وضوحًا. ولا يحسن عادةً أن يحدث شيئان في وقت واحد، إلا في المسرحيات الشديدة الأسلوبية.
(٣-٦) اقتراحات suggestions
-
(١)
إذا تم عبور من ثلاث خطوات في أثناء حديث، وجب أن تتفق الخطوات الثلاث مع الوحدات الثلاث الأخيرة للحديث. هذا مع عدم حساب نصف الخطوة التي يختتم بها العبور من ضمن الإيقاع.
-
(٢)
يجب في البروفات الأولى أن «يعد» الوقف بأن تقول في سرك: «واحد، اثنان، ثلاثة … إلخ.» ويستغرق الوقف القصير في العادة مدة عد واحد. أما الطويل فيستغرق من خمسة إلى ثمانية. ويمكن اعتبار الحد الأقصى للوقف عشر عدَّات. ولكن حدث ذات مرة أني لاحظت وقفًا استغرق اثني عشر عدًّا. وإذا بدأ أحد الفصول بوقف، ﻓ «ابدأ» العد بعد «توقف» الستار عن الحركة مباشرةً.
-
(٣)
يجب أن يتتابع الحديث في الظروف العادية دون وقف. ويميل المبتدئون إلى إدخال وقف من عد أو عدين قبل كل مفتاح من مفاتيح الكلام. وإن هذا ليجعل المسرحية مملة؛ لذا يجب على المخرج أن يعمل على منعه من البداية.
(٣-٧) تمرين exercise
لهذا التمرين مفعولٌ عجيب في مساعدة الممثل على الإحساس بإيقاع المسرحية، وتأكيد أحاديثه، وتوقيتها، والتوفيق بين حركاته وألفاظه.
وزيادةً على ذلك فله مفعول السحر في علاج التصلب والتشجيع على إنجاز الإيماءات في سهولة ويسر.
اتلُ نص دورك جملةً بعد أخرى دون انتظار للمفاتيح. وعند الكلام تصور أنك ملاكم، وتحرك حول المسرح، واضرب بيدك عند كل كلمة تعتقد وجوب تأكيدها. فسرعان ما تعرف أي الكلمات يجب تأكيدها، وكذلك أنه من السهل الضرب على الكلمات المؤكدة، في حين يصعب الضرب على الكلمات غير المؤكدة. كما أنك تجد أيضًا أن بعض الكلمات يتطلب مناورات بسيطة، بينما يستوجب البعض الآخر هجمات عنيفة. وليست معرفة الملاكمة الحقيقية تفرق بين استعمال كلٍّ من اليدين، ويقتضي هذا التمرين استعمال اليدين بلا تفرقة. كذلك يمكنك أن تتصور أنك تلعب «التنس» بدلًا من الملاكمة؛ إذ لا تفرق هذه اللعبة بين استعمال اليدين. وتستطيع التمرن خارج المسرحية بأن تحفظ عشرة سطور من أية تمثيلية، ثم تتلوها عدة مرات. هذا هو أفيد تمرين أعرفه، وعلى مَن يريد إجادة التمثيل أن يعمله بدقة.
(٣-٨) الإيقاع كقيمة جمالية rhythm as esthetic value
ليس الإيقاع مجرد وسيلة لتوافق الزمن، بل يضفي على الإخراج قيمة جمالية كما يفعل الجمال. وأحيانًا يقلل من ملل الفقرات ذات الوتيرة الواحدة، ويربط بين الفقرات التي ليس بينها وحدة حقيقية. أو بمعنًى آخر، يضفي الإيقاع على التنوع مظهر التجانس، ويجعل التجانس أكثر إمتاعًا.
(٤) الخطو
تختلف سرعة استيعاب النظارة للأفكار باختلاف الأفكار وباختلاف النظارة أنفسهم. ومع ذلك يجب الاهتمام بها. فإذا سارت المسرحية وئيدًا، خرجت الأفكار متباعدة، ومل النظارة فترات الفراغ. وإذا سارت بسرعة أتت فكرة جديدة قبل أن يستوعب النظارة الفكرة السابقة لها، فتسبب ارتباكهم، وتضيع منهم الفكرتان، وتكون النتيجة أنهم يملون المسرحية. وعلى هذا ينشأ ملل النظارة بسبب الإبطاء أو الإسراع في الخطو.
يميل هواة التمثيل إلى الإبطاء. وفي مثل هذه الحال يجب على المخرج ألا يحاول زيادة الخطو، بل يعمل على تنويعه باختيار المشاهد المثيرة في كل فصل، وزيادة سرعتها عن بقية المَشاهد الأخرى. وعادةً لا ينبغي أن يزيد خطو المشهد فجأة، بل يجب أن يتدرج في البناء من بداية المشهد إلى نهايته. وإذا تُرك الهواة وشأنهم، وكانوا أميل إلى البطء، وإذا حثهم المخرج على الإسراع أسرعوا أكثر مما يجب في أنواع معينة من المسرحيات، ومثل: (١) الدراما العنيفة ذات الحوار المتوتر. (٢) الكوميديا الراقية كمسرحيات أوسكار وايلد ذات النكتة الملفوفة المستترة التي تتطلب مهلة من أذكى النظارة لفهم مغزاها. (٣) الميلودراما العتيقة الطراز.