بعض المشاكل الخاصة
سنبحث في هذا الباب بعض المشاهد التي تنشأ عنها مشاكل أو صعوبات خاصة.
(١) مَشاهد العنف
من الخطر الجسيم أن يكون «مشهد العنف» شديد الحمية أو شديد الفتور؛ إذ إن شدة العنف تسبب زيادة توتر أعصاب النظارة مما قد يؤدي إلى انفجارهم في ضحك هستيري عند الذروة؛ ولذا ينبغي — إلا في حالات المهازل والميلودراما — اجتناب المعارك الطويلة والمواقف الفخمة وما شابهها. وعلاوةً على ذلك فلا ينبغي عمل أي شيء فجأةً لئلا يثير الضحك غير المرغوب فيه. على أن العراك الفاتر يولد خيبة أمل عند النظارة. وإنه لمن الصعب الوصول إلى حل وسط فيه موازنة صحيحة، وكل مخرج عرضة لأن يخطئ في بعض النقط مهما كان بارعًا.
(١-١) الزيف faking
يجب أن تكون جميع الضربات المسرحية زائفة. وتكون طعنات الخناجر في أسفل المسرح أو في أعلاه مباشرةً، على أن يغطيا جسم الضارب أو المضروب. أما ضربات السيوف فتكون بعرض المسرح، على أن يمر النصل بين جسم المضروب وذراعه العليا. وبالضغط على النصل بين الجسم والذراع، يصبح من العسير سحبه.
ولا ينبغي استعمال الدم المزيف إلا إذا تطلبته خطة المسرحية. وحتى في هذه الحال، يجب تجنب الكلفة في استعماله.
وفي العراك باللكمات، تُوجَّه الضربات دائمًا إلى الفك. والحقيقة أن الضربة تمرُّ أمام الذقن، وعندئذٍ قد يصفق المضروب بكفيه لإحداث صوت يحكي صوت الضربة، أو يضع كفه بجانب وجهه لتقع عليها قبضة الضارب فتحدث الصوت المطلوب. وإذا أجيدت هذه الحيلة، جاءت الحركة سريعة بدرجة لا تمكن النظارة من ملاحظتها. وفي اللحظة التي تقع فيها اللكمة أمام الذقن يميل «المضروب» برأسه كما لو كان قد تلقَّى الضربة فعلًا، كما يترنح إلى الوراء خطوة أو خطوتين. ودقة التوقيت مِن ألزم ضروريات هذه الحركة.
(١-٢) الاحتياطات precaution
تتضمن جميع مشاهد العنف أخطارًا بدنية معينة، وهذا يجب الإقلال منها قدر المستطاع، ليس لسلامة الممثلين فحسب، بل ولأن الأذى الذي يصيب الممثل، مهما كان عديم الخطر في حد ذاته، فإنه كافٍ ليمنع الممثل من الاستمرار في التمثيل فترة قد تكون سببًا في تعطيل المسرحية ولو لبعض الوقت. وللإقلال من هذه الأخطار يحتم المخرج على الممثلين اتباع القواعد الآتية:
-
(١)
عدم إهمال أي احتياط معقول.
-
(٢)
يجب أن يتمرن الممثلون المشتركون في مشاهد العنف على تلك الحركات وحدهم، وألا يقوموا بها في البروفات إلا بعد إجادتها تمامًا بدون أي خطأ.
-
(٣)
يجب تحديد المسئولية الفردية «لكل» حركة. فمثلًا في عراك اللكمات يجب أن يعرف الضارب تمامًا كيف وأين يضرب، كما يعرف المضروب أيضًا متى وكيف يتفادى الضربة. ولا ينبغي أن يترك أي شيء للمصادفات أو لتصرف الممثلين أو لوحي الساعة.
-
(٤)
يجب اتخاذ جميع وسائل الاحتياطات اللازمة لسلامة الممثلين غير المشتركين في العراك، وفي بعض الأحيان لسلامة طاقم العمال الحرفيين والمتفرجين.
(١-٣) مشاهد إطلاق الرصاص shooting scenes
تستطيع الطلقة (الخرطوشة) الزائفة (الصوتية) من عيار ٠٫٢٢ أن تحدث ثقبًا في لوح من الصاج المجلفن على مسافة قدم أو أقل حتى ولو مسته مسًّا عابرًا. ومن المعقول أن تحدث مثل هذا الأثر في الممثل. وحبات البارود غير المحترقة أقل خطرًا، ولكن مدى تأثيرها أطول، كما تنتشر في مساحة واسعة كما ينتشر الرش. وأسوأ من هذا أن للمسدسات طريقة فذة في تعبئة نفسها بنفسها، ولقد مرت بي ثلاث حالات كهذه، وقرأت عن حالة كان «المفروض» فيها أن مسدسًا محشوًّا بطلقات زائفة، فإذا به محشو بست رصاصات حقيقية. وعلى ذلك يجب اتباع التعليمات الآتية:
-
(١)
دع أحد صانعي الأسلحة النارية يعد لك الطلقات الزائفة، على أن تكون حشوتها خفيفة (ومعظم الخرطوش الزائف يحدث صوتًا عاليًا) من بارود سريع الاشتعال بحيث ينتهي اشتعاله داخل أنبوبة المسدس ولا ينثر شررًا حول المسرح.
-
(٢)
لا تحشُ المسدس إلا قبيل أن يحمله الممثل إلى المسرح، وعندئذٍ يجب حشوه بحضور كلٍّ من مدير المسرح والممثل والموظف المسئول عن عهدة الملحقات اليدوية والمخرج، إن كان موجودًا خلف الكواليس. وعندما يخرج الممثل من المسرح بعد إطلاق المسدس، يجب أخذه منه، وتُنزع منه الطلقات في الحال.
-
(٣)
لا تطلق المسدس نحو ممثل آخر أو نحو النظارة. وأفضل احتياط أن يكون الهدف بعيدًا عن الممثل المفروض «إصابته» بثلاث أقدام صوب أعلى المسرح، على ألا يسمح لعمال المسرح بالوقوف في ذلك الجانب من المسرح.
-
(٤)
اجعل مدى الهدف أبعد ما يكون بقدر ما تسمح الظروف. ويُستحسن أن يدير الممثل المضروب ظهره، أو على الأقل يبعد رأسه، كما يجب على بقية الممثلين الموجودين على المسرح أن يبتعدوا عن طريق الطلقة.
-
(٥)
يجب أن يكون مع مدير المسرح مسدس آخر محشو بطلقات زائفة حتى يمكنه إحداث الصوت المطلوب في حالة عدم انطلاق مسدس الممثل.
(٢) مشاهد الحب
تثير «مشاهد الحب» استجابات قوية، ويشاهدها النظارة بشغف زائد. وعلى هذا فكل تفاصيلها بالغة الأهمية؛ ولذلك تستلزم تجارب (بروفات) كثيرة خاصة لا يكون فيها سوى المخرج و«الحبيبين» فقط، لشرح جميع التفاصيل بدقة. ويجب القيام بالحركات العامة، ولا سيما القُبلات في التجارب (البروفات) العادية منذ البداية. ولما كان الممثلون في هذه التجارب (البروفات) يمسكون نصوصهم بأيديهم، فإن القبلات لا تزيد عن ملامسات، بيد أن أداءها يساعد على تلاشي الحرج، ولا يلبث الممثلون أن يألفوها. أما المخرج الذي يصر على التدرج إلى مواضع القبل فلا يفلح إلا في تنمية الشعور بالذات بين ممثليه.
ويراعى في مشاهد الحب ضرورة ملاءمة التمثيل للموقف. فإذا انغمس روميو وجولييت في قبلات فاترة، خاب أمل النظارة، وإذا انغمس عاشقان بسيطان في عناق «ساخن» مما تحبذه أفلام هوليود أحس النظارة بالحرج.
(٣) مشاهد القوى غير البشرية
يجب مراعاة الدقة التامة في المشاهد التي تتضمن أشباحًا، أو جنيات، أو أحلامًا، أو نحو ذلك من الشخصيات والأشياء البشرية. والقاعدة الأساسية هي تمثيل الشخصية غير الحقيقية دون كلفة. كما يلزم عدم الالتجاء إلى التأكيد أو التقابل إلا بعد أن تتركز فكرة القوى غير البشرية في أذهان النظارة ويؤمنوا بها تمامًا. وعادةً يظهر الشخص غير الحقيقي أول ما يظهر من أعلى اليسار. ويراعى قدر الإمكان أن يكون ذلك الموضع منعزلًا عن بقية المسرح. ويكون الأثر أفضل إذا خُصص ذلك المكان للشبح وحده وحُظر استعماله على أي فرد من الأشخاص الأحياء إطلاقًا.
يجب أن يبتعد الشبح والأشخاص الأحياء، كلٌّ عن الآخر في المشاهد الأولى بقدر الإمكان، وألا يتصل أيٌّ منهما بالآخر إلا إذا تطلبت خطة المسرحية ذلك.
ويلزم اجتناب كل ما يُذكِّر النظارة بأن الشبح في الحقيقة ممثل حي. فعندما يجلس الشبح على مقعد وثير، ويغوص بين الوسائد، يتضح أن له وزنًا، فيفسد الإيهام. أما إذا كان المقعد صلبًا جافًّا فإن الوضع يختلف. وبالمثل إذا خرج الشبح من باب، يذكِّر المتفرجين أن الأشباح الحقيقية تستطيع المرور خلال الحوائط ولا حاجة بها إلى الأبواب. ويمكن التهرب من هذا المأزق بلفت انتباه المتفرجين إلى جانب بعيد من المسرح عندما يدخل الشبح أو يخرج. فإذا أجيد القيام بهذا، بدا كأن الشبح يظهر ويختفي. وعلى أسوأ الفروض لا يتجه الانتباه إلى المداخل والمخارج.
وتساعد الأضواء الخافتة على إحداث هذا الأثر. ولتضع نصب عينيك أنه من الخطر القيام بالحيل المسرحية. فحتى لو كُتب لها النجاح، لشغلت النظارة عن مشاهدة المسرحية بالتفكير في الكيفية التي حدثت بها.
(٤) المقطوعات الخاصة
«المقطوعة الخاصة» أغنية أو رقصة أو قطعة موسيقية أو ما إلى ذلك تتخلل العرض. ويجب أن تكون المقطوعة جزءًا من المسرحية وليست منفصلة عنها كما لو كانت إحدى «النمر» في كوميدية موسيقية. ويجب على الممثل القائم بالمقطوعة ألا يوجه أداءه للمتفرجين الحقيقيين، إما بمواجهتهم أو بالاعتراف بوجودهم بأية طريقة. وإنما ينبغي أن يقوم بها من أجل نظارة المسرح. وهذا يعني أن أولئك النظارة موجودون على أحد جوانب المسرح ويقف هو في الجانب الآخر في مواجهتهم. وإذا لم يكن هناك نظارة على المسرح، تجاهل الممثل النظارة الحقيقيين وقام بدوره كما لو كان وحده.
ولا ينبغي استعمال أدوات خاصة، كأحذية الباليه ونحوها، إلا إذا كانت ملائمة لكلٍّ من الشخصية والمواقف. كما يلزم أن يتلاءم أداء المقطوعة مع الشخصية. فإذا كان المفروض أن الغناء صادر من شخص عادي، وتصادف أن كان الممثل القائم بهذا الدور عذب الصوت، وجب إخفاء معدن الصوت وحنكته. وليست للمقطوعة قيمة في حد ذاتها، بل في كونها جزءًا من المسرحية. وذات مرة قضيت عدة ساعات أدرِّب مغنيًا مدربًا، على التنفس الرديء. ومرة أخرى جعلت اثنين من الموسيقيين الموهوبين يغنيان طبقًا لمقام خاطئ؛ إذ لو تُركا على سجيتهما لأنشدا لحنًا ممتعًا وأفسدا المسرحية.
وأية محاولة لجعل النظارة يصفقون تفسد التأثير المطلوب. ولما كان الجمهور لا يصفق عادةً إلا في النهاية، فإن سر منع استحسان النظارة ينحصر في تحاشي نهاية محدودة. ويمكن الوصول إلى هذا بعدة طرق، منها:
-
(١)
اقطع المقطوعة قبل بلوغ النهاية.
-
(٢)
اجعل الممثلين الآخرين يبدءون أدوارهم قبل نهايتها.
-
(٣)
إذا اقتضت خطة المسرحية استمرار المقطوعة نفسها إلى النهاية، فاجعل الموسيقى المصاحبة تستمر في العزف، على أن تتلاشى في أعقاب الحوار التالي.
(٥) الكوميدي
يختلف الفلاسفة في معنى الكوميديا. أما فيما يختص بالمسرح فيمكن تعريفها بأنها أي شيء يعمله أو يقوله الممثل بقصد إضحاك النظارة، وينجح في إحداث هذا التأثير. ونحو ٧٥٪ من نجاح تأثير الضحك يتوقف على حرفية الممثل، بينما يتوقف ٢٥٪ على مغزى النكتة المضحكة.
(٥-١) الكوميدي – (أ) حرفية الهزل
من الأسباب الدالة على أهمية «الحرفية في الكوميديا»، أن جزءًا كبيرًا من الضحك منشؤه أمور غير ذات موضوع مضحك، ولا يمكن القول بأنها مضحكة في حد ذاتها. ومن أشهر أمثلة ذلك الغاز الباعث على «الزغزغة» والضحك (أول أوكسيد النتروجين)، حيث يكون الضحك آليًّا مما ينم عن بداءة الوسيلة. وحرفية الهزل المستخدمة في المسرح تشبه الزغزغة في تأثيرها، غير أنها تنطوي على عوامل ملفوفة مستترة تكفي للحيلولة دون إحساس المتفرج بأن هناك ما «يزغزغه»، وتحمله على الظن بأنه يضحك من شيء مضحك فعلًا.
تأثيرات الهزل farce effects
(٢) الحركة المزدوجة، حيث يقوم ممثلان بعمل نفس الشيء على جانبين متقابلين من المسرح، في وقت واحد أو على التعاقب. وعادةً لا تكون الحركتان متشابهتين تمامًا؛ إذ قد تكون إحداهما تقليدًا سقيمًا للأخرى، كأن يقلد طفلٌ حركات رجل، أو قد تكون إحداهما مرآة للأخرى؛ أي صورة معكوسة لها.
فمثلًا يقوم أحد الممثلين بإيماءة بيده اليمنى، ويقوم ممثل آخر بنفس الحركة بيده اليسرى. وللحركة المزدوجة إمكانيات واسعة لإثارة الضحك.
(٣) المبالغة في التوقيت مما يجعل الممثل كدميةٍ منتظمة الحركة. فمثلًا لا نجد ما يضحك في أن يلبس ثلاثة من الممثلين قبعاتهم بطريقة عادية. ولكن إذا لبسوها بإيقاع موسيقي: واحد – اثنان – ثلاثة، ضحك النظارة ملء أشداقهم. وتتجلى المبالغة في التوقيت، على وجه آلي، في الأفلام المتحركة (ميكي ماوس)، وهذا أهم أسرار شهرتها الذائعة.
(٤) قد يكون لجرس بعض الكلمات تأثير هزلي. فالضحك الذي ينبعث لدى سماع كلمة مثل «أوشكوش» أو «جزنفل» لا يعتمد على غرابتها بقدر ما يعتمد على جرسها، بدليل أن كلمة مثل «روكفور» لا تثير مجرد الابتسام.
(٥-٢) الكوميدي – (ب) الضحك العاطفي
قد يضحك النظارة دون وجود نكتة معينة، عندما يتعرضون إلى توتر عاطفي شديد، ولهذا السبب كانت المواقف التمثيلية العنيفة الطويلة خطرة؛ لأن حدوث أي أمر فجائي مهما كان طفيفيًّا قد يفزع النظارة، فيرتخي توترهم بانفجار في الضحك.
والحرج عاطفة أخرى ترتخي بالضحك. فالشخص المحرَج يضحك لإرخاء توتر أعصابه، ثم يوهم نفسه بأن الضحك كان بسبب حاذق. وهذا يفرج حرجه، وينشأ عن هذا التفريج ضحك عريض جديد. ويتوقف الضحك من النكات الجنسية غالبًا على هذا النوع من الضحك العاطفي. ومنذ خمسين عامًا، عندما كانت السوقية أقل انتشارًا مما هي الآن، وأدعى إلى الحرج، كان الممثل الفكاهي يطمئن إلى الحصول على ضحك أكيد كلما تلفظ ﺑ «كلمة سوقية».
كما أن الضحك يكون عاطفيًّا كذلك عند تعرض شخص ممقوت للهزؤ والسخرية. ففي الحفلات النهارية لمسرحية «النساء» كنت أرى الجمهور يهلل في صخب كبير كلما سُلخ جلد إحدى النساء الشرسات.
(٥-٣) الكوميدي – (ﺟ) مغزى النكتة
تستطيع الحركات الهزلية، والعواطف الزائدة التوتر، والحرج، إحداث الضحك في المواقف غير المضحكة، أو حتى في المواقف التراجيدية. ومع ذلك فأغلب الضحك مترتب على نكتة محددة؛ أي شيء ذي مغزًى معين يتصف بالفكاهة، مهما كانت طريقة إلقائه أو الظرف الذي يقال فيه.
التناقض incongruity
لا بد من وجود صورة ما من صور التناقض وراء كل ضحكة من هذا النوع، سواء أكانت هذه الصورة حقيقية أم ظاهرية. ويمكن إيجاد عدة صور من التناقض — هي في الواقع مجموعة مغازٍ مختلفة — لكل نكتة. ولكننا غالبًا نجد صورة واحدة منها تبرز على الأخريات. وعلى ذلك يجب على الممثل أن يحلل جميع ما لديه من عبارات مضحكة وشغل ومواقف بحثًا عن صورة التناقض الرئيسية هذه، ثم يعمل على تأكيدها وإبرازها.
وأهم صور التناقض هي:
-
(١)
التناقض البسيط simple incongruity: وأبسط مثال له وقوف رجل نحيف طويل إلى جوار آخر بَدين قصير.
-
(٢)
فقدان الوقار collapse of dignity: كأن يقع رجل سياسي عظيم الشأن على الأرض عندما يدوس قشرة موز.
-
(٣)
التناقض بين الموضوع وطريقة علاجه incongruity between treatment and subject: فإما أن يكون الموضوع خطير الشأن وتعالجه بطريقة تافهة، كأن تقول نكتة عن الموت، وإما أن يكون الموضوع تافهًا فتجعل له أهمية كبرى وتتناوله بطريقة جدية. ومن أمثلته: «لوح كتفي اليسرى معجزة في الجمال.» من مسرحية الميكادو The Mikado. ويشمل هذا النوع التعبيرات غير الوافية، مثل: «أكاد أجزم عن يقين أن هتلر هذا ليس مسيحيًّا.» من مسرحية الزرنيخ والعجوز. وكذلك المبالغة الكوميدية، مثل: «لقد كان فارع الطول لدرجة أنه كان يُضطر إلى مدِّ رقبته وإمالتها كالسلحفاة ليسمح للقمر بالمرور.»
-
(٤)
التناقض بين أفعال الشخصية وما يعرفه النظارة incongruity between a character’s action and what the audience knows: كأن يتسلم شخصٌ قرار تعيينه بالبريد ويُزهى على مدير المكتب معتقدًا أنه الساعي. ويشمل هذا النوع سوء التفاهم الفكه، كأن يصف شخص «السيد قشطة» فتظن سيدة بدينة أنه يعنيها بقوله.
-
(٥)
التناقض بين الحقيقة وما يتوقعه المتفرجون incongruity between expectation and fact: كأن تنظر المجموعات نحو جانب المسرح الأيسر وتهتف: «يحيا السلطان.» في حين يدخل السلطان من الجانب الأيمن. كما يشمل هذا النوع أيضًا الذرى المقلوبة (المطبات). فحيث نتوقع أن تأتي الذروة في الخاتمة إذا بها تأتي في البداية. مثال ذلك: «يوم نرى الأزواج (ذروة) أو الكلاب يلفظون آخر نسماتهم.»
-
(٦)
التورية المقرونة بالجناس puns: وهي نوع من اللعب بالألفاظ، وسر التناقض فيها أنها تربط بين فكرتين ليس بينهما صلة منطقية، وإنما ترمز إليهما كلمتان متشابهتان في النطق. مثال ذلك: «قلت للسائح أن يجمد.» ويشمل هذا النوع أغلب الأخطاء الكوميدية. مثال ذلك أن يطلب أحد الأشخاص «قلمًا» للكتابة فينال بدلًا منه «قلمًا» على خده.
-
(٧)
التهكم ridicule: حيث يكون التناقض بين مقياس تفترض فيه العظمة وبين المركز الفعلي للضحية، مثل: «عزيزتي! ما أجمل ثوب السهرة هذا! أهو من صنع يدك؟»
(٥-٤) الكوميدي – (د) حرفية الكوميدي
لا تستطيع، حتى أبرع النكات، إثارة الضحك إلا إذا أجيد إلقاؤها. وتُسمى طريقة إلقاء النكتة «الحرفية الكوميدية». وقد تُستعمل حرفية الهزل والحرفية الكوميدية جنبًا إلى جنب لإثارة ضحكة واحدة، إلا أن كلًّا منهما تختلف عن الأخرى. فحرفية الهزل تثير الضحك من تلقاء نفسها، كما تفعل «الزغزغة»، بينما تهدف الحرفية الكوميدية إلى استغلال مغزًى معين إلى أقصى مستطاع حتى يصبح هذا المغزى مثيرًا للضحك.
التحليل analysis
أولى خطوات التحليل هي البحث عن العبارات والمواقف وحركات الشغل التي يمكن أداؤها ﻟ «إثارة الضحك». ويكون رائدك في هذا ذوقك المرح وميلك إلى الدعابة. ويطلق على كلٍّ من هذه العناصر لفظ «ضحكات»، ولو أنها في الحقيقة ضحكات احتمالية. حلل كل ضحكة وحدها؛ لتعرف ما إذا كانت تعتمد على الهزل، أو على الحرج، أو على المغزى، أو على عناصر مشتركة. فإذا كان لها مغزًى، فما التناقض الذي تتضمنه؟
التشديد stress
بعد أن تنتهي من تحليل جميع الضحكات، ابحث عن طرق تأكيد العناصر التي تجعلها مضحكة. فإذا كانت تعتمد على الحركة المزدوجة، وجب المبالغة فيها مسترشدًا بأسلوب المسرحية. فالأسلوب الهزلي العريض يحتمل المبالغة الزائدة في الحركات المزدوجة إلى درجة الآلية الواضحة. فإذا ظهرت ضحكة من هذا النوع في دراما كوميدية، احتاجت إلى علاج ملفوف ودافع محدد للازدواج. وإذا كان للضحكة مغزًى، كما في موقف «السيد قشطة»، وجب التشديد على التناقض. فكلما كانت السيدة البدينة أشبه ﺑ «السيد قشطة» في ضخامتها، كان هياجها أقوى. وكلما كانت براءة المتكلم واضحة، كانت النكتة أشد إثارة للضحك.
عبارة الضحكة the comic line
يجب أن تكون عبارة الضحكة قصيرة بحيث يمكن النطق بها في نفَس واحد، كأن تتكون من عشر كلمات أو أقل. وإذا كانت عبارة الضحكة في نهاية جملة طويلة، وجب على الممثل أن يتوقف لحظة ريثما يأخذ نفسه قبل النطق بها.
إلقاء عبارة الضحكة delivering a comic line
عبارة التنبيه warning phrase
مثل: «من الأفضل أن تحب وتفشل.» فالغرض منها: (١) الهيمنة على المسرح؛ أي إنها تركز الانتباه على الممثل وتقول للنظارة: «ستكون هذه النكتة رائعة جدًّا، حذار أن تفوتكم.» (٢) تحدث تأثيرًا عاطفيًّا من نوع ما. (٣) تعرض التناقض، كله أو نصفه.
وقف التنبيه warning pause
وهو وقف قصير جدًّا لمدة عد موسيقي واحد، ويأتي بعد جملة التنبيه وكأنه يقول للنظارة: «انتبهوا جيدًا، ستأتي النكتة.»
الخلاصة punch
قد تكون «الخلاصة» هي الكلمة الأخيرة أو الكلمتان الأخيرتان في النكتة، فمثلًا: «أفضل بكثير.» هي الخلاصة في عبارة «من الأفضل أن تحب وتفشل». أو قد تكون حركة مضحكة. والخلاصة قصيرة دائمًا — لمدة عدٍّ أو عدَّين إيقاعيين — وعند إلقائها يجب أن تكون بمثابة نهاية للجملة. فإن كلمة واحدة ترِدُ بعد الخلاصة كفيلة بأن تقتل الضحكة. والخلاصة إما أن تعرض النصف الآخر من التناقض، أو تشرح التناقض السابق. وعلى أية حال فهي توقف الإحساس لدى النظارة وتجعلهم يبدءون بالتفكير. وفي لحظة الضحك لا يشعر النظارة بأي ميل نحو أي فرد من أشخاص المسرحية، بالرغم من أن الميل قد يكون شديدًا قبل الضحك وبعده … وكذلك تموت الاستجابة في خلال الطور الذهني للضحك. ولما كنا نتوقف عن أن نعكس إحساس الشخص الآخر، فإن الضحك يكون في الغالب قاسيًا.
وكلما أمكن إيجاد دافع، وجب على الممثل أن يواجه النظارة مباشرةً في لحظة الخلاصة.
وقف الخلاصة punch pause
يجب أن يعقب الخلاصةَ وقفٌ مدته عدٌّ واحد، يسود خلاله سكون مطبق، فلا صوت ولا حركة. ففي هذه الفترة يستوعب النظارة مغزى النكتة؛ ولذا لا ينبغي شغل انتباههم بأي شيء.
مفتاح الضحك snapper
عندما يضحك النظارة جميعًا في وقت واحد، فإن نفسية الحشد تزيد في تأثير ومقدار الضحك. ولكي يضحكوا معًا، لا بد لهم من إشارة معينة يلتقطونها تُسمى «مفتاح الضحك»، وتكون هذه قصيرة وبارزة، كإيماءة سريعة أو «طقطقة» بالأصابع.
انتظار الضحك wait for laugh
يعقب إشارةَ الضحك وقفٌ آخر يقف خلاله الممثلون صامتين ساكنين؛ إذ في هذه اللحظة يتغلب النظارة على رقادهم الذهني، ويلتقطون أنفاسهم استعدادًا للضحك. وكل محاولة لشغلهم في هذه الآونة من الخطر بمكان. وآخر كلمة في الخلاصة ما هي في الواقع إلا مفتاح لبدء كلام ممثل آخر. وينشأ عن هذه المسألة مشكلة من أصعب المشاكل التي تواجه الممثل غير المتمرن. فإذا «التقط الممثل مفتاحه» وتكلم على الفور قتل الضحك. وإذا انتظر الضحك، ولم يضحك النظارة، أفسد تدفق المشهد، ونبَّه الأذهان إلى أن هناك نكتة لم تنجح. ولكن الممثل المتمرن يعرف في الحال ما إذا كان النظارة سيضحكون أم لا. ويكتسب هذه المقدرة إبَّان العرض الفعلي. أما التجارب (البروفات) والتمرينات فلا تفيد في هذه الناحية … وطريقتي في إخراج الكوميديا هي تدريب الممثلين على التقاط مفاتيحهم، ولكني في نفس الوقت أبين لهم مواضع الضحك المنتظر، وأناقش بصفة عامة ضرورةَ انتظارها. وفي ليلة الافتتاح، يقتل الممثلون عادةً كثيرًا من الضحك بتعجيلهم الكلام؛ ولذا فإني أعمل على شرح الأخطاء قبل العرض التالي، وأحدد مواطن الخطأ بالضبط والأمر الذي يؤدي إلى التحسن الملحوظ في العرض الثاني، فإذا حل العرض الثالث لم يضع منا سوى ضحكات قليلة جدًّا. على أنه مع الممثلين غير المتمرنين، يكون الأمل في بلوغ الكمال ضئيلًا جدًّا.
الحبس وقت الضحك holding for laughs
يلزم ألا يقول الممثل أي كلام هام في أثناء الضحك؛ إذ لا يمكن أن يسمعه المتفرجون. وخير طريقة هي ملء الفراغ بالتمثيل الصامت. وبما أنه لا يمكن تقدير مدة الضحك، قبل ليلة الافتتاح، فيجب على الممثلين أن «يرتجلوا» قِطعًا صامتة تناسب المقام. ويختلف الحبس عند الضحك، تمام الاختلاف، عن انتظار الضحك. وهو لحسن الحظ أسهل بكثير، وحتى أقل الممثلين دربة ليأتي هذا الأمر من تلقاء نفسه، وكأنما بالغريزة.
ومن الأمور المحظورة قطعيًّا على الممثلين، أن يشتركوا مع النظارة في الضحك، حتى ولو كانت المسرحية من النوع الواقعي، حيث لا يليق عدم المشاركة في الضحك في الحياة الحقيقية. ففي ٩٩٪ من الحالات إذا ضحك الممثلون صمت النظارة.
قتل الضحك killing the laugh
إذا تُرك الضحك ليخمد طبيعيًّا رضي النظارة بذلك، وكان من الصعب حثهم على الضحك مرة ثانية. ولهذا السبب يجب قتل الضحك بمجرد أن يبدأ في الضعف. وهذا هو المفتاح الحقيقي لبدء الكلام عقب عبارة أدرك النظارة أنهم سيسمعون أو يرون شيئًا هامًّا، فيلتزمون الهدوء في الحال ليُصغوا إلى بقية الكلام.
وإذا مُثلت حركة مضحكة في تلك اللحظة بدلًا من قتل الضحك، تولد ضحكٌ جديد. ولكن للأسف لا يمكن توليد مثل هذه الضحكات الإضافية إلا بعد افتتاح المسرحية وتقدير الانفعال الإضافي للنظارة. ومن النادر أن يستمر عرض مسرحيات الهواة إلى الفترة التي تكفي لمثل هذا الأمر.
(٥-٥) الكوميدي – (ﻫ) الضحك غير المرغوب فيه
إذا ضحك النظارة في موضع لا يستوجب الضحك سُمِّي الضحك «غلطًا». وتنشأ الضحكات الغلط من قطع التيار العاطفي بما يبعد ذهن النظارة عن المسرحية، كصوت خارجي أو صوت انفجار العادم في سيارة بالشارع بعد أن تقول إحدى الشخصيات بالصدفة: «آه لو قطع صوتٌ ما سكوت هذه الصحراء المميت!» ويمكن اجتناب بعض الضحكات الغلط بمجهود شاق، بينما يتعذر اجتناب البعض الآخر لسوء الحظ. وينشأ نوع آخر من الضحكات الغلط عندما يزيد توتر عواطف النظارة بأحد المواقف الدرامية. وعادةً يمكن معرفة هذه المواقف مقدمًا. ومن النادر اجتناب هذا النوع من الضحك الغلط، ولكن يمكن تخفيفه والإقلال منه بالوسائل الآتية:
-
(١)
اجتناب أي صوت فجائي أو حركة فجائية قرب مجيء الذروة.
-
(٢)
إيجاد فرص مناسبة لإثارة ضحك المتفرجين في منتصف المشهد.
-
(٣)
تخفيف قوة المشهد الدرامية عن عمد.
ويحدث النوع الثالث من الضحك الغلط عند تقديم الحركات الهزلية عن غير قصد. ويحدث هذا خلال البروفات الأولى لكل مسرحية تقريبًا. ويجب على المخرج أن يكون متيقظًا لهذا النوع من الضحك ويعمل على تحاشيه أو تصحيحه. وأشهر مثال له عندما يسير ممثلان بعرض المسرح في وقت واحد، إما في اتجاه واحد أو في اتجاهين متضادين. ويمكن اجتناب هذا الضحك بما يأتي:
-
(١)
إعطاء مفتاحين مختلفين للممثلين حتى لا يتحركا معًا.
-
(٢)
أن يسيرا بسرعتين مختلفتين.
-
(٣)
تغيير نمط التخطيط بالنسبة للمنظر لئلا يكون هناك تماثل في الحركتين.
-
(٤)
تقطيع أحد العبورين إلى جزأين قصيرين.
-
(٥)
يقوم أحد الممثلين بحركة شغل لافتة للنظر، كأن يلوح بقبعته مثلًا، فبذلك يجذب إليه الانتباه ويبعده عن الممثل الآخر.
الضحك الأبله silly laughter
يحدث نوع من الضحك الآلي عندما يقف ممثلان متجاورين تمامًا، وينظر كلٌّ منهما إلى عينَي الآخر فيغالبه الضحك. والنصيحة التي تُوجَّه لمَن تنتابه مثل هذه الحالة أن ينظر إلى ذقن زميله. فعندئذٍ يتلاشى الدافع إلى الضحك، كما أن النظارة لا يلحظون هذا الاختلاف الطفيف في اتجاه البصر.