الملابس
(١) نقل الآراء والمعلومات عن طريق الملابس
لا تكفي ملائمة الزي، بل يجب أن يُعبر كذلك عن طبيعة الشخصية والموقف والمسرحية. فأي زي لسيد من سادة القرن السادس عشر يتصف بالبهرج من الممكن أن يناسب شخصية بتروكيو في مسرحية «ترويض النمرة». ولكن إن صبغت زيه باللون الأحمر وزينته بالشرائط والحشيات وجعلته يمسك بسيف كبير، ويضع على رأسه قبعة ضخمة ذات ريشة مكسورة، لأدرك النظارة على الفور:
-
(١)
أن المسرحية هزلية رومانسية.
-
(٢)
وأن بتروكيو هو البطل.
-
(٣)
وأنه مبارزٌ مغوار.
(١-١) العلاقة بين شخصيات المسرحية relationships of characters
يجب أن توضح علاقة الشخصيات:
-
(١)
بالنسبة للمسرحية: بأن تبين الأهمية النسبية بين الشخصيات. وهذا يحتاج إلى براعة ودهاء عظيمين في بعض الأحيان. ففي كثير من مسرحيات «باري» تكون البطلة سيدةً حقيرة، ومع ذلك فيجب أن تدل ملابسها على أنها البطلة. ومن الوسائل المستعمَلة في ذلك أن نجعل ثيابها من لون واحد — كالأزرق الفاتح مثلًا — ونُلبس الآخرين أزياءً من ألوان مختلفة. فالمرء في الطريق العام يستطيع ملاحظة ثوب يتألف من لونين متقابلين أو أكثر. ولكن على المسرح، حيث تكون الرؤية من مسافة بعيدة، يكون الثوب ذو اللون الواحد بارزًا، ولا سيما إذا كان هناك تقابل بينه وبين ما خلفه. وهذا لا يعني أن من تلبس سترة حمراء فوق رداء أبيض تكون أقل بروزًا ممن تلبس رداءً رماديًّا. ولكن هذه القاعدة صحيحة في حدود المعقول، وتساعدنا على حل كثير من المسائل الصعبة.
وأية ظاهرة غريبة في الملابس، كالقفاز المصنوع من الفراء الذي يلبسه الرجل رقم ٢٢ بشكل ١٩-٢، تُعتبر من لمسات الزي وتجعل الشخص بارزًا. ومن عوامل الإبراز، أن تلبس البطلة ثوبًا أبيض ناصعًا في الفصل الأخير.وقد يبدو هذا الرأي شخصيًّا، ولا يتفق، بطبيعة الحال، وكل مسرحية، ولكنه أتى بالفائدة المرجوة في كل مرة جرَّبته فيها.
-
(٢)
بالنسبة إلى بعضها فيما بينها: قد يرتدي أفراد التكتلات أثوابًا متجانسة لتدل على علاقة كلٍّ منهم بالآخر (انظر شكل ٥-١)، أو يشدد التقابل بين ملابس الخصمين. وأحيانًا تكون ملابس الخدم تقليدًا لملابس مخدوميهم. وعلى هذا فإن علاقة الملابس وسيلةٌ ناجعة في نقل المعلومات ببراعة.
(١-٢) التعبير عن الشخصية expressing the character
هناك إمكانيات لا تُحصى في تعبير الملابس عن الشخصيات. وما سنذكره هنا لا ينطبق على جميع الشخصيات، ولكنه رغم ذلك جدير بأن تحاوله في كل مرة تُصمم فيها زيًّا للتأكد من أنك لم تترك فرصةً دون استغلال.
وأهم ما تجب مراعاته عند تصميم الزي هو:
طبيعة الشخص
هل هو متواضع أو متكبر، فظ أو رقيق، خجول أم كثير الزهو … إلخ؟
عمره
ولهذا العنصر أهمية خاصة في تصميم ملابس كبار السن في مسرحيات الجامعات، حيث يترك «المكياج» والتمثيل عادةً ثغرات تحتاج إلى سد.
المركز المالي والاجتماعي والذوق وغير ذلك
توضح الملابس مثل هذه الأمور للنظارة في سهولة ويسر. ولكن المسألة قد تتعقد أحيانًا بتغير حالة الشخص قبل بداية المسرحية. فمُواطن روسيا البيضاء المفلس، إذا وُجد في باريس عام ١٩٢٠م، يختلف ملبسه عن ملبس عبد مفلس هارب من القيصر ولا يستطيع العودة إلى روسيا. وقد يلبس الغني ملابس عتيقة في أوقات فراغه، غير أن ملبسه رغم ذلك لا يشبه ملبس الفقراء.
هل الشخص صاحب البيت أم غريب عنه
ينبئ ارتداء القبعة عن أن مرتديها غريب عن المكان. ومن يلبس قميصًا وخفًّا يدل على أنه من أصحاب البيت. وقد يحتاج الأمر إلى دلائل أكثر براعة وفي هذا عليك أن تقوم بدراسة المسرحية والشخصية.
حالة الشخص العاطفية
هل هو جبان أم جسور، راضٍ بحظه أم طموح، مُتعَب أم مرتاح، نشط أم خامل؟ وبالطبع تُعتبر طريقة ارتداء الملابس هي الأساس هنا. مع ذلك فلا ينبغي إهمال نوع الملابس وحالتها. فمن يعلم أنه قد ورث ميراثًا عظيمًا لا يلبس كمَن يفكر في الانتحار.
(٢) خامات الملابس
إذا كان لك أن تصمم الملابس، أو حتى تخوض الحديث فيها بطريقة مقبولة، وجب عليك أن تلم بخواص خاماتها. وكثيرًا ما يقضي المصمم الخبير عدة ساعات يقلب في يديه قطعةً من القماش ويضعها في الضوء أمام عينيه، ويتحسس نسيجها بين أصابعه. ويجب على الممثلين أن يتدرَّبوا على مثل هذا الإجراء لمعرفة الكيفية التي يرتدون بها الملابس (وهذا أمرٌ نادر الحدوث)، ولكي يستطيعوا كذلك مناقشة المصممين والخياطين في مواصفات ملابسهم. فإذا شكوت من ثوب ولم تستطِع توضيح موضع الشكو، كنت سببًا في مضايقة أخصائي الملابس واحتقارهم لك.
(٢-١) ثقل القماش weight
(٢-٢) الاتساع fullness
بصفة عامة، إما أن يكون الثوب مفرودًا فوق الجسم أو ذا اتساع حوله. وأي شيء وسط بين هذين يجعله يبدو مختلًّا. وعمل الاتساع لسوء الحظ باهظ الثمن، بيد أن هناك ما يعوض عن غلاء الثمن هذا؛ فثوب من ملابس القرن الثامن عشر يحتاج إلى ستة «عروض» من الشفوف «الموسلين»، على حين يحتاج إلى أربعة «عروض» فقط من المخمل.
(٢-٣) الصلابة stiffness
(٢-٤) البشرة surface
عند مراعاة بشرة القماش، لا ينبغي التفكير في اللون واللمعان فقط، بل وفي الزخرفة أيضًا. فكل رسم على القماش يزيد في قيمته الظاهرية. ويوجد بالسوق عدة أنواع من بويات الأقمشة يمكن استعمالها باليد بوساطة «الإستنسل» أو بطريقة الفرشاة الجافة، أو بالإستنسل والرش معًا. وهناك طرق أخرى معقدة لا تتناسب فائدتها مع ما تستلزمه من عناء.
(٢-٥) الصباغة dyeing
لقد سهلت الصبغات الحديثة عملية صبغ الملابس والأقمشة. وصبغات الأنيلين الرخيصة منتشرة في السوق، ويوجد منها عدد كبير من الألوان الجميلة تفي بجميع الأغراض.
(٣) الأزياء الفضفاضة والمُحكَمة
(٣-١) القصات الفضفاضة drape
(٣-٢) القصات المحكمة fit
تشكل القصات المحكمة عادةً تبعًا للجسم بحيث تكون مطابقة للمقاس تمامًا. فالصديرية الموضحة برقم ١٣ تأخذ شكل الجسم تمامًا كأنها جورب ملتصق بالجسم.
(٣-٣) المشابك fastenings
تلعب طرق شبك الأقمشة دورًا هامًّا في كلٍّ من الأزياء التاريخية والحديثة، وأنواع المشابك كثيرة يخطئها الحصر.
(٣-٤) الأبزيم المزخرف (الفبية) fibulae
انظر هذا النوع من المشابك عند كتفَي رقم ٤. وفي الأزياء الإغريقية لعصر متأخر، كانت المشابك أكثر أناقة من هذه، كما في الأكمام برقم ٥.
(٣-٥) الأزرار buttons
كانت الأزرار في أول نشأتها حوالي عام ١٣٠٠ ميلادية، عبارة عن أقراص تُستعمل للزخرفة، ثم استُعملت في الغرض الشائع الآن منذ عام ١٤٠٠ ميلادية. وهناك نوع مزخرَف استُعمل في تزيين الملابس له مشبك مجدول بدل الثقوب يُعرَف باسم «الضفدع» (انظر الجاكتة برقم ٢٨). وهذا النوع ملائم جدًّا للملابس العسكرية المزخرفة، ويمكن استعمال مشابك الخطاطيف أو «الكبسون» بدلًا من الأزرار. وقد تُغطى الخطاطيف والكبسولات والأزرار بشرائح من القماش تُعرف باسم «ثنية الأزرار».
(٣-٦) الحزام lashings
للحزام أهمية في الأزياء التاريخية (انظر رقم ٤)، وقد يكون الحزام لأحد الأغراض الآتية:
-
(١)
لغرض الزينة ليس غير (كما في رقم ١٢ بشكل ١٩-٢).
-
(٢)
لضم القماش من الوسط (كما في رقم ٥).
-
(٣)
لمنع سقوط الملابس (كما في السراويل الحديثة).
-
(٤)
لتعليق بعض الأدوات كالسيوف والمسدسات ونحوها (رقم ١٨).
(٣-٧) الأربطة lacing
للأربطة غرضان هما الربط والزينة (كما في أربطة الحذاء برقم ٣).
(٣-٨) الخياطة sewing
لا يستطيع النظارة عادةً رؤية غرز الخياطة عن بُعد. ومع ذلك فليست الخياطة قاصرة على وصل قطع القماش بعضها ببعض، بل تؤدي أيضًا غرض الزخرفة (كالوشي الذي يمكن تقليده بالبوية)، وكوسيلة لضم القماش تبعًا لأنماط مختلفة تسمى «سموكنج».
(٣-٩) شريط الإقفال (السوستة أو الفرموار) zippers
يُستعمل شريط الإقفال المصنوع من المطاط «البلاستيك» الزاهي اللون كإحدى وسائل الزخرفة. ويمكن تغطيته بثنية أزرار حسب الحاجة.
(٣-١٠) الزخارف ornament
ولتصميم زخرفة الملابس قاعدتان:
-
(١)
اتبع في الثوب الواحد نوعًا واحدًا من الزخرفة. وإذا تراءى لك أن تجعل به أكثر من نوع، فليكن أحدها بارزًا أكثر من البقية.
-
(٢)
لا تستعمل زخرفة لغير ما غرض، أو لا «يبدو» منها أنها وُضعت لغرض محدود. مثال ذلك الأزرار في أكمام معاطف الرجال؛ إذ يبدو منها أنها وُضعت لتثبيت أطراف الأكمام، والسماح لباطنها بأن ينقلب إلى الخارج. ويمكن ملاحظة هذا بوضوح في أكمام المعطف المبين برقم ٢٢ من شكل ١٩-٢. أما إذا لم يدل الزخرف على معنًى خاص، تجلى عدم الذوق في تصميم الثوب وأفسد الزي.
(٤) الأزياء التاريخية
ويراعى في دراسة الأزياء التاريخية خاماتها وتركيبها وزخارفها. بيد أن هناك نقطة أخرى تغرب عن البال، وهي أن الأزياء لا تُبتكر وإنما هي تطور لأزياء سابقة. فمثلًا أثواب السيدات عام ١٦٤٠م (رقم ١٩) تَكرار لأثواب عصر الملكة إليزابيث (رقم ١٧)، ولكن من منسوجات أخف تُكسبها مظهرًا غير المظهر السابق. وإذا تتبعت تطور الزياء من عصر إلى عصر، وجدت أن هناك فروقًا واضحة بين الأثواب الداخلية الشفافة الرقيقة وبين مثيلتها الثقيلة الصلبة. وأحيانًا تكون الملابس الداخلية هي كل الملابس كما في ملابس سيدات الإغريق (رقم ٤). وفي بعض العصور لا يظهر للرائي سوى الرداء الخارجي (كما في رقم ٧)، بينما نرى أحيانًا خليطًا من الطريقتين.
وإذا تتبعت الأهمية النسبية لنموذجين، أمكنك فهمُ تاريخ الزي وتاريخ الأقوام الذين أخرجوا النماذج المختلفة. فمثلًا أخرجت الثورة السياسية بفرنسا النموذج الثوري المبين برقم ٢٥، وهو محاولة لتقليد الزي الإغريقي (رقم ٤). ولكنا نجد الزي الأصلي من ثوب داخلي فضفاض من المنسوج الخفيف بينما التقليد رداء خارجي محكم من القماش الصلب، ثم تلا ذلك عدة إصلاحات في كلٍّ من الأزياء والسياسة (انظر رقم ٢٨).
(٥) الاستعارة والاستئجار
جرت عادة هواة التمثيل أن يستعيروا الملابس المسرحية أو يستأجروها. غير أن هناك بعضًا من الملابس — ولا سيما الملابس الرسمية — يجب أن تُستأجر، ولكنها مع ذلك لا تكون ملائمة قط. وإنك لتجد عدة مشاكل مهما استأجرت من أشهر محلات الملابس المسرحية، ومهما بذلت من جهد؛ لأن الملابس المستأجَرة لا يمكن قط أن تفي بالغرض أو تناسب أجسام الممثلين تمامًا.
وإذا كانت الأحذية الطويلة الرقبة (بوت) جزءًا من الملابس ذا أهمية خاصة، فإنك لن تجدها عند مؤجِّري الملابس، بل تجد لديهم ما يحل محلها مثل «طوزلق» من المشمع يُلبس فوق الحذاء العادي، كذلك لا يعطونك الأحذية الثقيلة الخاصة بالمشاة الألمان، وإنما أحذية خفيفة لركوب الخيل. وكذلك تقابلك أشباه هذه المشاكل في السيوف ونحوها من الملحقات المسرحية الخاصة.
وأسوأ من كل هذا أن أغلب مجموعات الملابس المستأجرة لا بد وأن تتضمن على الأقل مفاجأةً غير سارَّة. ومن أمثلتها: «تنسيل» أطراف ثوب، أو يكون هناك ثوب بأكمله لا يصلح لشيء، أو أن ثوبًا لم يصل على الإطلاق من المحل. وبما أنك لا تعرف المشكل إلا بعد فوات فرصة طلب غيره، فإن الموقف يغدو جد خطير.
وأخيرًا فإن الملابس المستأجَرة لا تتيح لك فرصة للتصميمات الفنية؛ ولذا تجد نفسك مضطرًّا إلى قبول أي نمط أو لون يمكنك أن تعثر عليه لدى مؤجر الملابس؛ إذ من النادر أن تحصل على الملابس التي تتناسب تمامًا مع المسرحية وأشخاصها.
(٦) صنع الملابس
إذا استطاعت جماعة من الممثلين أن تصنع ملابسها، أصبح لديها مجموعة رائعة يمكن تعديلها لتناسب كل مسرحية مستقبلة. وصنع ملابس المسرح أسهل كثيرًا من صنع الملابس العادية؛ إذ لا تستلزم اعتناءً زائدًا ولا تشطيبًا محكمًا. فإن قص القماش بمقص «مشرشر» الحد (كالمستعمَل في قص عينات المنسوجات)، فلا حاجة إلى خياطة أطراف القماش البتة (سيرفيليه)، وإذا خيطت فإنما تكون بطريقة سريعة دون أي اعتناء أو تعب. كذلك لا يرى النظارة الخيط المستعمَل في خياطة الملابس، وعلى هذا يُستعمل الخيط الرمادي لجميع الأقمشة، أو يستعمل الخيط الأبيض للألوان الفاتحة، والأسود لجميع الألوان القاتمة.
ويمكن تقليد المنسوجات الفاخرة الغالية بأخرى رخيصة، إما بتنشيتها لإكسابها مظهر الامتلاء والصلابة، أو بذرها بطلاءات عمل المناظر المسرحية. ولا بد لمن يقوم بذلك أن يكون ذا خبرة ودراية بهذا الأمر. على أنه إذا صُنعت عدة أثواب بهذه الطريقة أمكن الاقتصاد كثيرًا في النفقات.
ويمكنك أن تشتري كثيرًا من النماذج (الباترونات) المختلفة التي تملأ السوق في المكتبات أو في محلات الأزياء وغيرها، لتصنع ما يلزمك من ملابس بنفسك. وإذا لم تعثر على النموذج المطلوب فيمكنك أن تحل المشكل بسهولة؛ إذ تستطيع أن تأخذ أكمام هذا النموذج وجونلة النموذج الآخر وهكذا وتكوِّن منها جميعًا النموذج المطلوب.
(٦-١) التعديلات والتغييرات alterations
أبسط طريقة لعمل الملابس المسرحية هي أن تُحدث تعديلات وتغييرات في الملابس الشخصية العادية بدلًا من شراء كميات كبيرة من المنسوجات. فيمكن صنع الملابس الريفية من ملابس الرجال العادية، وذلك بأن تقص أرجل السراويل إلى الطول المرغوب، وتقصر السترة وتزين ببعض الأشرطة الزاهية الألوان.
كذلك يمكن تقليد الزي الرجالي لعام ١٨٩٠م بعمل ثنية في موضع الخياطة الداخلي للسراويل الحديثة، مع إضافة زر واحد بأعلى السترة. كما أنه بالإمكان صنع الملابس الخيالية من الحلل العسكرية ولبس قميص أو «بلوزة» داخل السروال، وشد الوسط بحزام عريض، ووضع قبعة غريبة الشكل على الرأس.