النص
في العادة يضع المسرحيةَ مؤلف، إنه الفنان الخالق، أما المنتج والمخرج والمصمم والممثلون ففنانون مترجمون. وهذا لا يعني أنهم أقل منه شأنًا، أو أنهم يبذلون مجهودًا يقل عن مجهوده؛ إذ غالبًا ما يضطلعون بنصيب يزيد عما يضطلع به المؤلف. إنما المقصود من هذه التفرقة أن النص المسرحي هو الأساس الذي يبنون عليه. على أن الفنانين المترجمين ذوي الكفاية يستطيعون أن يشكلوا النص بطريقة فذَّة. وإني لأعرف حالة تحولت فيها شخصية البطل في إخراج معين إلى شخصية الشرير في إخراج آخر دون تغيير كلمة واحدة في النص. ولكن لا يغرب عن البال أن النص نفسه كان يحتمل كلًّا من الترجمتين، ولولا ذلك لما أمكن تنفيذ هذا التبديل في وجهة النظر.
وأولى وظائف النص أن يلهم الفنانين المترجمين، ويدفعهم إلى القول ﺑ «أن في المسرحية لفرصًا رائعة!» فإذا عجز النص عن هذا فلا أمل يُرجى منه. ومع ذلك فقد لا يقع اللوم على النص نفسه. فطالما قرأت مسرحيات لم تحرِّك ساكنًا، على حين ألهمت غيري من المخرجين لمحات إخراج باهرة. فإذا لم يتأثر الفنان المترجم بالنص، كان شأنه شأن النجَّار الذي يتبع في عمله رسومًا لا يفهم فيها شيئًا.
والوظيفة الثانية للنص هي إمداد الممثلين بالكلمات التي ينطقون بها؛ ولذلك كثيرًا ما يطلق على النص اسم «كتاب الكلمات»، وكثيرًا ما تُحذف بعض هذه الكلمات أو تُستبدل بغيرها عن عمد، ولكن لا موجب مطلقًا لتغييرها كيفما اتفق. فالممثل الذي «يستوعب مجمل الموقف» ثم يستبدل العبارات بألفاظ من عنده، يدخل في روعه أن في مقدوره ارتجال كلمات أنسب من تلك التي يضعها المؤلف بعد تفكير طويل. وهذا ولا مراء زعمٌ قلَّما يكون صحيحًا.
إن النصوص المطبوعة تتضمن في الغالب أكثر من كلمات الحوار؛ إذ نجد في كثير منها تعليمات مستفيضة لإرشاد الممثل. وأحيانًا نعثر في ثنايا هذه التعليمات على شرح لبعض السطور الغامضة، ولكنها في العادة تثير الارتباك أكثر مما تُقدم العون. وإذَن فهي التعليمات المطبوعة إما أن تكون صادرة عن إخراج تصوري في مخيلة المؤلف، أو عن إخراج سابق للمسرحية على مسارح برودواي. ومن المحقَّق أن يختلف إخراجك عن كلٍّ من هذين؛ فالنظارة لديك مختلفون، والمناظر مختلفة، والممثلون مختلفون، والترجمة نفسها مختلفة إلى حد ما. والواقع أن قليلًا من التعليمات المطبوعة تناسب إخراجك على حين يذهب بك أغلبها مذاهب شتى، ومن المحتمل أن يختلط عليك الأمر فلا تعرف زيدًا من عمرو. وحتى إذا طاب لك أن تقرأ التعليمات كلها فلا تتبعها بدون رويَّة، أو تجعلها تقودك كالأعمى.
(١) اختيار المسرحية
يجب اختيار المسرحية بحيث تتفق وميول المتفرجين، لا بالنظر إلى ما قد يكون فيها من فرص للمخرج والممثلين لكي يُظهروا مواهبهم. ويجب أن يكون معيار الجودة هو أفضل ما يمكن أن يستسيغه النظارة، فلا تقدم لهم أدنى ما يحوز قبولهم، كما لا تحاول أن ترفع من مستوى أذواقهم بأن تقدم لهم مسرحيات «تفوق مستواهم». فلم يُخلق حتى الآن المتفرج الذي يستطيع أن يضجر ويتثقف في نفس الوقت.
يعتقد كثير من المخرجين الناشئين أن غموض المسرحية ونهايتها المحزنة يجعلان منها فنًّا رفيعًا. إنهم يخطئون في هذا الاعتقاد الخطأ كله، ولا يوجد أي فرد من النظارة يتفق معهم في هذا الرأي. صحيح أن بعض المسرحيات عظيم رغم غموضه، ولكن لا توجد مسرحية عظيمة بسبب غموضها. أما فيما يختص بالمأساة (التراجيدي)، فيجب أن تعلم أنه يلزم لنجاح المسرحية أن يرضى المتفرجون عن خاتمتها، سواء انتهت بمأساة لشخصياتها أم لم تنتهِ.
(١-١) الاختبارات tests
بعد أن تتأكد من أن مسرحيتك ملائمة جدًّا لنظارتك، اسأل نفسك الأسئلة الآتية:
هل يستطيع مخرجك إخراجها؟ إذا لم يفهم مخرجك المسرحية، أو كان يحس نحوها بكراهية شخصية، فلن يستطيع أن يخرجها كما يجب. وعندئذٍ فلا بد من البحث عن مخرج آخر، أو اختيار مسرحية أخرى.
هل يستطيع ممثلوك القيام بأدوارها؟ وهذا أمر يعتمد في معظمه على التخمين. ولكن إذا لم يمكنك التفكير في ممثل كفء واحد على الأقل لكل دور كانت فرصة النجاح ضئيلة. فلو حدث خطأ في إسناد ولو دور هام واحد، كان هذا في أغلب الأحوال سببًا في إخفاق المسرحية.
هل يمكنك تنفيذها على المسرح؟ من الجنون محاولة إخراج مسرحية تعتمد على مناظر وملابس ليس في مقدورك الحصول عليها. فإذا كانت المسرحية تقتضي تغيير عدد من المناظر بسرعة، أو اختفاء شبح على المسرح؛ وجب عليك أن تعرف كيف يمكن القيام بهذه الأعمال قبل اختيار المسرحية.
كذلك اسأل نفسك عما إذا كانت المسرحية تستحق كل هذا العناء. صحيح أن كثيرًا من المسرحيات الضعيفة تأتي بنتيجة مرضية إذا أحيطت برونق باهر على المسرح. غير أنه في مقدورك أن تُخرج إحدى المسرحيات الرائعة بنفس النفقات وتحصل منها على أثر مضاعف.
(١-٢) وضع برنامج للموسم planning a season
أغلب ما ينتجه الهواة لا يتشتت في أحداث متفرقة، بل يُعتبر أجزاءً محددة من برنامج كامل للموسم كله؛ ولذا يجب مراعاة علاقة كل إنتاج منها بالآخر، وكذلك قيمته الفردية وإمكانيات تنفيذه عمليًّا. والقاعدة الأولى في هذا الصدد هي تنويع البرنامج بقدر المستطاع. اختر مسرحيات من أنواع مختلفة؛ ميلودرامية وكوميدية وجدية واستعراضية وهزلية. وليختلف عدد الشخصيات في كل مسرحية عن الأخرى، كما يجب أن يكون هناك تباين في أشكال المناظر؛ فتعاقب منظر حجرة الجلوس مثلًا من مسرحية إلى مسرحية يبعث على الملل حتى ولو كانت المسرحية رائعة. أدخل في برنامجك مسرحيات بها مناظر خارجية، أو عناصر خيالية.
بعد اختيار المسرحيات، تأتي مشكلة ترتيبها في البرنامج. وهذه مسألة في غاية الأهمية؛ فالمسرحية التي يُنتظر أن تلقى رواجًا شعبيًّا يحسن أن يُختم بها الموسم كي تترك أثرًا طيبًا في نفوس الرواد يبقى عالقًا بالذهن حتى الموسم التالي، ولتبدأ موسمك بالمسرحية التي تليها في الأهمية. أما المسرحيات الجدية فتصلح للعرض شتاءً. وشهر فبراير هو أنسب فترة لتقديم استعراضك الفخم، أو مفاجآتك الجديدة.
(٢) اختصار المسرحية
يفخر بعض المخرجين بأنه لا يُجري الحذف أبدًا في أي سطر من المسرحية مهما كان بذيئًا أو فاحشًا، بل يقدم المسرحية للجمهور على علاتها كما أخرجت في مسارح برودواي. ولكن عبارات الحوار التي تُلقى في برودواي تحتاج لسوء الحظ إلى ممثلين من برودواي، وجمهور من برودواي. والممثلون الهواة مهما كانوا ذلِقي اللسان، يجدون مشقة في إلقاء العبارات الماجنة فوق المسرح؛ إذ تراهم يُغمغمون الكلمات أو يجأرون بها، مما يُفقدها في كلتا الحالين ذلك التأثير الذي عُرفت به في مسارح برودواي. كما أن نظارة نيويورك لم يعودوا يتأثرون إطلاقًا بالعبارات الخليعة أو الفاحشة. وإن المسرح ليعمل على أساس التأثير في الجمهور. فإذا أردت الحصول على نتائج أشبه بنتائج برودواي، فإنك لن تحصل عليها باستعمال ألفاظ برودواي؛ لأن كأس الويسكي لا تُحدث في مدمن الخمر نفس التأثير الذي تُحدثه فيمن لا يذوق الخمر.
لحذف عبارة فاحشة، ابدأ بحذف الألفاظ التي لا تؤثر في معنى الجمل التي تحتوي عليها. وعندئذٍ تجد أنك تستطيع حذف تسعة أعشار الكلمات على هذا الأساس، ثم ابحث عن الحالات التي يحتاج فيها الأمر إلى كلمات شديدة الوقع، ولكن يمكن استبدالها بأخرى أخف منها وطأة. فإذا كانت هناك عبارة مثل «عليه لعنة الله»، أمكن تعديلها إلى «عليه اللعنة». وفي حالات أخرى يمكن استعمال ألفاظ مماثلة، ككلمة «المولى» بدل لفظ «الرب»، و«سحقًا له» بدلًا من «عليه اللعنة»، وهكذا. وفي حالات قليلة قد تجد أنه يستحيل تخفيف حدة الكلمات، وعندئذٍ إما أن تستعمل الكلمة الأصلية أو تختار مسرحية أخرى.
(٣) إعداد النصوص للعمل
يستعمل المحترفون كراسات تحتوي على سطور الدور التمثيلي، مع المفاتيح، وهي نهايات الجمل السابقة على عبارات الدور.
(٤) العلامات الأولية
(٥) الملاحظات notes
وغالبًا ما تكون ملاحظات المخرج ذات صبغة عامة يتناول فيها أمورًا فنية، كالإضاءة ومفاتيح المؤثرات الصوتية. وينبغي تسجيل الملحقات في الركن العلوي الأيسر للصفحة التي تظهر فيها لأول مرة. أما ملاحظات الممثل فتختص بالأمور التي تهمه أو تهم الشخصية التي يمثلها، وهي في العادة مطولة مستفيضة.
(٦) نسخة مدير المسرح stage manager’s script
تتناول ملاحظات مدير المسرح أولًا وقبل كل شيء، إشارات الدخول (المفاتيح) وإشارات الإضاءة والمؤثرات الصوتية والستار. ويجب تدوين جميع الإشارات بالقلم الأحمر، كذلك يجب وضع التنبيهات السابقة لكي يتاح لمدير المسرح أن يتحقق من أن الممثل أو العامل على أُهبة الاستعداد. وتسجل التنبيهات عادةً قبل الإشارات بنصف صفحة، وفي حالات كثيرة يوضع التنبيه قبل الإشارة بمدةٍ أطول من ذلك. وتُكتب التنبيهات بالقلم الأزرق.