التشكيلات
(١) آلية الفعل
يُشترط في التشكيل أن يتناسب والآلية الأساسية للفعل. فإذا أراد عاشقان أن يجتمعا في قبلة، فلا ينبغي أن يكونا على جانبين متقابلين من المسرح. وإذا كان على شخص أن يعزف على البيانو، وجب أن يسمح له التشكيل بالجلوس على كرسي البيانو. وإذا كان على شخص أن يلقي جملته الأخيرة ثم يخرج، لزم أن يقف بقرب الباب ليتحاشى فترة صمت قد تكون غير مستحبة وهو يجتاز الطريق إلى الباب. إن احتياجات الآلية التي من هذا القبيل حيوية رغم أنها كثيرًا ما تتضارب مع العوامل الأخرى الواجب مراعاتها في تنسيق التشكيلات.
(٢) اختيار المناطق
(٢-١) خصائص المناطق qualities of each area
-
(١)
تختلف مناطق المسرح في قوتها الكامنة من اليمين إلى اليسار (انظر شكل ٢-٣). وهذا يعني أنه إذا وقف شخصان في ناحيتين متقابلتين، فمع فرض تعادل العناصر الأخرى، يكون الشخص الواقف في المنطقة اليمنى أقوى من الواقف في منطقة الوسط أو اليسار.
-
(٢)
مناطق أعلى المسرح نائية عن المتفرجين؛ وبذا تكون فاترة وبعيدة.
-
(٣)
المناطق القريبة من حوائط المنظر رقيقة وتتسم بالألفة، بينما أسفل الوسط الذي يُعتبر منعزلًا عن المنظر يتسم بالخشونة.
(٤) المناطق اليسرى أشد فتورًا من اليمنى لسبب ما، وكثيرًا ما توحي بشيء من الكآبة.
فإذا نظرنا بعين الاعتبار إلى جميع هذه العناصر، كان لمناطق المسرح الخصائص الآتية:
- أعلى اليسار: رقيق وناءٍ وضعيف، ويُستعمل للمشاهد غير الهامة. وهو أكثر ملاءمة للمشاهد المروعة لأنه يخفف من حدة الذعر، وكذلك لمشاهد الأشباح إذ يضفي عليها صفات عالم غير هذا العالم.
- أعلى اليمين: يشبه أعلى اليسار ولكنه أقوى، ولا يلائم مشاهد الفزع والأشباح بدرجة المنطقة السابقة. وكثيرًا ما تُمثَّل فيه المشاهد القليلة الأهمية.
- أسفل اليمين: أليف ودافئ وقوي، وملائم جدًّا لمشاهد الحب، ومشاهد العطف والإنسانية. وغالبًا ما توضع فيه المدافئ؛ لما فيه من إيحاء قوي ﺑ «الاستئناس».
- أسفل اليسار: أليف كالمنطقة السابقة، ولكنه أضعف وأكثر فتورًا. ويُستعمل في مشاهد الحب الثانوية، ويناسب بصفة خاصة مشاهدَ الأسرار والفضائح والغيرة والمؤامرات.
- أعلى الوسط: بعيد وفاتر، ولكنه قوي. وهو منطقة جيدة جدًّا لبدء المشاهد الهامة التي سوف تنتقل فيما بعد إلى أسفل المسرح.
- أسفل الوسط: قوي وفاتر، وعارٍ، ويتوافر له التأكيد. يُستعمل للمشاهد التي تتقابل فيها قوى المسرحية وجهًا لوجه. ويجب أن يقتصر استعماله على هذا الغرض.
ويمكن موازنة الخصائص الطبيعية بعناصر أخرى. فمثلًا تعمل المنصات في أعلى اليسار أو أعلى اليمين على زيادة القوة والتأكيد في هاتين المنطقتين.
وإذا ما شغلنا عددًا من هذه المناطق، فإننا نهتم فقط بالمناطق التي يقف فيها أشخاص المسرحية الرئيسيون. وإذا شغل الأشخاص الرئيسيون منطقتين أو أكثر، ضعف تأثير كل منطقة منها لدرجة يمكن معها إهماله.
(٣) العلاقات
-
(١)
أن يركز كل فرد بصره على الشخص المتجه بنظره إلى خارج المسرح. أو:
-
(٢)
ألا يكون هناك مركز للاهتمام بين المجموعة.
ومن الأمور السيئة الأثر دائمًا، وجود مركزي اهتمام في وقت واحد؛ إذ لا يستطيع المتفرجون أن يلتفتوا إلا إلى نقطة واحدة في أية لحظة.
(٤) التأكيد في التشكيلات
توزيع التأكيد (انظر [الفصل الخامس: التعبير عن القيم – القيم العقلية])، عنصر هام جدًّا في التشكيلات. وهناك صورة كثيرة من التأكيد يمكن استعمالها في هذا المجال. وقد يساعد بعض هذه الصور بعضها الآخر، وقد يتضارب معه، ووظيفة المخرج هي أن يُحدث توازنًا فيما بينها حتى يحصل على النتيجة التي يريدها.
(٤-١) التأكيد بالمناطق emphasis of area
يلقى الشخص الواقف في منطقة أعلى اليسار أقل اهتمام من النظارة. أما الواقف أعلى اليمين فأكثر تأكيدًا، ويليه الواقف أسفل اليسار. وأما أعلى الوسط وأسفل اليمين فمتعادلان تقريبًا. ويُعتبر أسفل الوسط أكثر مناطق المسرح تأكيدًا.
(٤-٢) العلاقة بالنظارة relationship to audience
كلما كانت علاقة أحد أشخاص المسرحية بالنظارة وثيقة، زاد اهتمامهم به. ويمكن الحصول على هذه العلاقة بالوسائل الآتية:
-
(١)
الاقتراب من النظارة.
-
(٢)
الاستدارة نحو النظارة.
(٤-٣) الارتفاع elevation
(٤-٤) العزلة isolation
نحصل على صورة قوية من صور المقابلة إذا عزلنا شخصًا ما عما يحيط به من أشياء. ويرجع بعض قوة التأكيد في منطقة أسفل الوسط إلى عزلتها عن حوائط المنظر. ويمكن عزل شخص بوضعه وحده وتكتيل الآخرين في مجموعة أو مجموعتين، ومع ذلك فلا ينبغي الإقدام على هذا العمل إلا إذا رأينا العلاقات بين أشخاص المسرحية.
وكذلك يمكن العزل بفصل الشخص عما يحيط به بوساطة إطار، كباب في الحائط الخلفي للمنظر مثلًا.
(٤-٥) الألوان colors
تميل الألوان الخفيفة الزاهية إلى زيادة التأكيد أكثر من القاتمة والدكناء.
(٤-٦) الحجم size
ضخام الأجسام أكثر تأكيدًا من النحاف. وذات مرة استبدلت ممثلًا ضخمًا بآخر أقل منه بنية، فانقلب تأكيد المسرحية كله رأسًا على عقب.
(٤-٧) التقوية support
قد يحصل شخصٌ وسط تشكيل ما على التأكيد، لا عن طريق التقابل فحسب، بل وعن طريق التقوية أيضًا. فإذا ركَّز أفراد تشكيل ما أبصارهم على مركز الاهتمام الرئيسي، أمدُّوه بقوة تعمل على تأكيده وإبرازه. وهذا النوع من التأكيد ذو فائدة عظمى في تحويل انتباه النظارة بسرعة من موضع إلى آخر.
(٤-٨) التكرار repetition
يكون الشخص الواقف في فتحة باب محملًا بالتأكيد، ليس فقط لأنه محاط بإطار، ولكن لأن امتداد جسمه يتكرر في خطوط قوائم الباب. ويمكن إحداث مثل هذا التأثير بطريق التكرار بأن يتبع أحدَ الضباط حارس أو حارسان.
(٤-٩) الحجم المستعار borrowed size
(٥) التغطية
إذا اختفى شخص أو شيء وراء آخر قيل إنه «تغطَّى»، وعادةً يفقد الشيء المغطى قوة تأكيده. ويلجأ المخرج في بعض الأحوال إلى تغطية الأشياء عمدًا عن النظارة، كتغطية أثر السكين أو الخنجر في حالة القتل؛ لكيلا يلحظ المتفرجون أن الجرح غير حقيقي، أو لتخفيف أثر الذعر.
-
(١)
يكتم الصوت لدرجة تستلزم زيادة الإيضاح في النطق حتى يكون الكلام مفهومًا.
-
(٢)
إذا لم يبصر النظارة شفتَي المتكلم عسر عليهم تحديد المتكلم.
-
(٣)
عندما يدير الممثل ظهره يفقد قوة تأكيده في الوقت الذي يكون في أشد الحاجة إليها.
وليست هذه المساوئ خطيرة عندما تكون الأفعال تكرارًا للألفاظ؛ فمثلًا يقول الممثل: «تفضل سيجارة»، ويمد يده في نفس الوقت بعلبة السجاير … والكلام صوب أعلى المسرح مفيد عمليًّا إذا لم يكن من المتوقع أن يفهم النظارة معنى الألفاظ، أو كانت مما لا يهمهم أمرها. ويحصل هذا في هتافات الجماهير، أو عندما يكون المتكلم في سَورة غضب، أو يتكلم بلغة أجنبية، أو يكرر عباراته عدة مرات.
(٥-١) التغطية – (أ) دافع الاستدارة إلى أعلى
في أغلب المواقف، تكون المشاكل التي تترتب على الكلام صوب أعلى المسرح عسيرة، لدرجة أنه يكون من الأوفق عمل الترتيب اللازم لكي يلقي الممثل كلامه صوب أسفل المسرح (على الأقل في وضع جانبي). وتنحصر الصعوبة هنا في إيجاد الدافع لاستدارة الممثل نحو أسفل المسرح، أو التغلب على باعث طبيعي لدى الشخصية للاتجاه نحو أعلى المسرح. ويكون هذا بإحدى الوسائل المذكورة بعد. ومثل هذه المشاكل شائعة الحدوث، فيجب على كلٍّ من الممثل والمخرج أن يعرف كيف يتصرف فيها.
إيجاد الدافع عن طريق التشكيل grouping for motivation
مخاطبة الشخصية السفلى على المسرح speaking to character farthest downstage
الاستدارة بعيدًا turning away
الدوافع المضادة counter motivation
المراوغة steals
(٦) بعض مشاكل التشكيلات
للتشكيلات بضع مشاكل مستعصية كثيرة الحدوث لدرجة توجب على المخرج والممثل ومصمم المناظر الإلمام بوسائل حلها.
(٦-١) الجلوس إلى المناضد seating at tables
-
(١)
إذا كان عدد الأشخاص فرديًّا، فأجلسْه في الجانب القريب من أعلى المسرح.
-
(٢)
أجلسْ أهم الأشخاص إلى الطرف الأيمن ومن يليه أهمية إلى الطرف الأيسر. أما بقية الأشخاص فيجلسون حسب أحجامهم وأهميتهم. فصغار الأحجام والقليلو الأهمية يجلسون في الناحية القريبة من أسفل المسرح، ويجلس ضخامهم والمهمون منهم في الناحية القريبة من أعلى المسرح، كما توضع وسائد على مقاعدهم لزيادة ارتفاعهم.
-
(٣)
اترك مقاعد الجانب القريب من أسفل المسرح خالية بقدر الإمكان، ولا سيما المقعد الذي يواجه محدثًا أعلى المسرح. وعادةً يمكن إيجاد الدوافع لتأخير جلوس شخص في الجانب القريب من أسفل المسرح أو جعله يغادر مجلسه.
-
(٤)
يجب على الأشخاص الجالسين في أعلى المسرح وأسفله أن ينهضوا للحديث كلما سمحت لهم الظروف. وعلى المتحدثين أسفل المسرح أن يوجهوا كلامهم إلى مَن في أسفل المسرح مثلهم، أو إلى الشخص الجالس في نهاية النضد.
-
(٥)
عندما ينهض شخص في أعلى المسرح للكلام، يجب على الشخص الجالس أمامه أن ينحني ليكتب مذكرة أو ليلتقط شيئًا من الأرض.
(٦-٢) جلوس شخصين على أريكة two characters on sofa
(٦-٣) الشخصيات الهامة بدون كلام important character without lines
وقد يكون على شخص هام في مشهدٍ ما ألا يقول سوى بضعة أسطر قلائل، أو لا يتكلم إطلاقًا. وأبسط حل لهذا الموقف هو وضع ذلك الشخص في وسط المجموعة. فعندما ينتقل انتباه النظارة من أحد المتكلمين إلى الآخر، فإن بعض الانتباه يسقط عليه. وإذا كان من الضروري فصله عن المجموعة، وجب على الآخرين أن يركزوا الاهتمام عليه بين آونة وأخرى بالنظرات والإشارات.
(٦-٤) مَشاهد المحاكمات courtroom scenes
(٦-٥) المجاميع crowds
-
(١)
تجنب مساحات الفراغ بوضع حواجز من الممثلين في أسفل المسرح، مع انتشار الباقين وتوزيعهم للإيحاء بالعمق.
-
(٢)
ضع بعض الممثلين (أو عمال المسرح) في مداخل الأبواب لكي تبدو الجماهير ممتدة إلى خارج المسرح. وعلى المتحدث أن يُكثر من مخاطبة ذلك الحشد الخيالي، بقدر الإمكان.
-
(٣)
يجب أن يبتعد كل ممثل عن الآخر قدر استطاعته، ويتحاشى التزاحم في كتلة واحدة.
-
(٤)
ارتداء الممثلين للمعاطف أو الملابس السميكة يساعد كثيرًا في هذا الغرض.
(٧) تنويع التشكيلات
مِن ألزم الضروريات للتشكيلات أن تتنوع باستمرار. ويجب ألا تختلف أوضاع الشخصيات في التشكيل فحسب، بل ويجب أيضًا ألا يتكرر تنسيقها حتى ولو تغيرت الشخصيات إلا في الحالات التي يقصد المخرج فيها لفت النظر إلى أن أحد المشاهد يردد صدى مشهد آخر. وهذا يعني أن المسرحية تحتاج في المتوسط إلى ما بين مائة ومائتين تشكيل بخلاف التنوعات البسيطة.
(٧-١) التنوع بالمناطق variety in areas
من وسائل تنويع التشكيلات أن تغير المناطق؛ فمثلًا يُرتَّب التشكيل الأول في منطقة واحدة، ويشغل التشكيل الثاني المسرح كله، ويكون الثالث في ثلاث مناطق، والرابع في منطقة واحدة غير المنطقة التي رُتب فيها التشكيل الأول، وهكذا. ويمكن الحصول على ٦٣ احتمالًا لترتيب التشكيلات في مناطق المسرح الست (٦ عند شغل التشكيل لمنطقة واحدة، ١٥ لمنطقتين، ٢٠ لثلاث مناطق، ١٥ لأربع مناطق، ٦ لخمس مناطق، ١ لست مناطق). ولما كان ١٦ من هذه الاحتمالات ليست كثيرة الاستعمال من الوجهة العملية، فيتبقى لدينا ٤٧ احتمالًا. وعلى ذلك فلا عذر للمخرج في تكرار استخدام نفس المناطق عدة مرات في مسرحية واحدة.
ويجب أن يبدأ المخرج بمنطقة غير هامة ثم ينتقل إلى منطقة مهمة، فأهم منها، وهكذا. والتحفظ عادةً أصعب من البناء، وعلى ذلك يُحجز أسفل الوسط للمشاهد الهامة. ومع ذلك فلن تقلَّ أهمية هذه المنطقة إذا شغلتها شخصيات قليلة الأهمية، أو استُعملت في مشاهد الانتقال.
ويجدر في المسرحيات ذات المنظر الواحد، حجز منطقة — عادةً أعلى اليمين أو أسفل اليسار — للفصل الأخير، حتى يمكن تقديم شيء جديد للنظارة.
(٧-٢) التشكيلات الثلاثية three characters
-
(١)
انقل المثلث إلى منطقة أخرى من المسرح.
-
(٢)
غيِّر مساحة المثلث.
-
(٣)
غيِّر من وضع رأس المثلث إلى أعلى المسرح أو أسفله.
-
(٤)
غيِّر شكل المثلث (بتغيير زواياه ونِسب الأضلاع بعضها إلى بعض).
-
(٥)
اقلب وضع المثلث.
-
(٦)
غيِّر من اتجاه الشخصيات بالنسبة لاتجاه أضلاع المثلث.
-
(٧)
استعملْ أوضاعًا تخفي الشكل المثلثي.
-
(٨)
غيِّر مستوى أحد الأشخاص (أي ارتفاعه) حتى يكون المثلث المكون من رءوسهم مائلًا.
(٨) تخطيط التشكيلات
عند تخطيط التشكيلات، يبدأ المخرج بتلك التي تستلزم آلية الفعل فيها وجود شخصية معينة في نقطة بعينها، كأن تكون قريبة من الباب قُبيل اللحظة التي عليها أن تغادر فيها المسرح. بعد ذلك يخطط المشاهد الهامة ومشاهد الذرى حتى يمكن تمثيلها في المناطق المناسبة لها، ثم يملأ الأمكنة الباقية بالمشاهد الأقل أهمية. على أنه يجب على المخرج أن يلاحظ سهولة تدفُّق الحركة، فلا يصمم تشكيلًا يقتضي أن يقفز ممثل من جانب إلى آخر ثم يعود إلى مكانه السابق ثانيةً بدون مسوغ.