الحركة
تتم الحركة عند إطاعة الشخصية لدافع من دوافع العلاقات، فكل موقف له دوافعه التي تتطلب بعض الحركة.
(١) أنواع الحركة
تتنوع كلُّ حركة تبعًا للدافع المسبب لها. فعندما نصطدم بشيء نتراجع إلى الخلف. كما تبين الحركة قوة الدافع.
(١-١) الحركة المستقيمة straight movements
إذا كانت الدوافع قوية وبسيطة، كانت الحركة مستقيمة. والعادة أن يحتفظ بهذا النوع من الحركة للمواقف الهامة. والإفراط في استخدام الحركة المستقيمة له تأثير المبالغة الذي لا يناسب غير المسرحيات الساخرة والميلودراما العتيقة الطراز.
(١-٢) الحركة المنحنية curved movements
وللحركة المنحنية ميزتان هامتان:
-
(١)
كونها أكثر رشاقة من الحركات المستقيمة.
-
(٢)
يستطيع الممثل أن ينهي حركته متجهًا في الزاوية التي يريدها باختيار الانحناء المناسب (انظر شكل ٩-١ رقم ٢)، على أنه لو سار في حركة مستقيمة لما أمكنه أن يتجه نحو هدفه إلا عند نهاية الخط فقط. وهذا لا يتفق والدافع المباشر للحركة المستقيمة.
(١-٣) الحركة المتعرجة sidewise movements
أما أن تجذب العلاقات الشخص نحو شيء أو تبعده عنه. فإذا اجتمعت العلاقتان معًا في وقت واحد فإن الشخص يدور حول الشيء وهو لا يدري أيقدم أم يحجم. ومن النادر أن يتحرك الممثل في دائرة كاملة فوق المسرح، بل الشائع أن يتحرك في أقواس صغيرة ببعض خطوات جانبية متعرجة. وهذا كافٍ جدًّا لإظهار الشك والتردد.
وهذه الطريقة تزيد في التنوع، وتوضح حالة الشاب المتردد، وتجعل من المستطاع القيام بحركتين إضافيتين. كما أنها تزيد في تأكيد أهمية الشاب عند اتجاهه نحو أعلى المسرح. وعندما يتحرك نحو أسفل المسرح فإنه يوجه التأكيد إلى الفتاة.
(٢) التأكيد والقوة
يسير التأكيد والقوة، عادةً جنبًا إلى جنب. ولكن كلًّا منهما يختلف عن الآخر. فقد يكون الشخص ضعيفًا وبارزًا. ومن أمثلة هذا، ميركوتيو وهو يحتضر، في مسرحية «روميو وجولييت»، في المنظر الأول من الفصل الثالث.
ومن السهل معرفة كلٍّ من القوة النسبية والتأكيد النسبي لمختلف الحركات. إلا أن كل حركة تتضمن عوامل أخرى قد تتضارب مع تأثير الحركة نفسها. فالحركة من مستوًى منخفض إلى مستوًى أعلى منه تنطوي على القوة والتأكيد في نفس الوقت، ولكنها إذا جعلت الممثل يدير ظهره للمتفرجين فقدت كلًّا من قوتها وتأكيدها. ولا يمكن الإلمام بنتائج هذه العوالم المتناقضة إلا بالتمرين. وكلما زاد فهمُك للصفات الأصلية لمختلف الحركات، قلَّت الصعوبات التي تواجهك.
(٢-١) التأكيد emphasis
(٢-٢) القوة strength
تتميز حركات الاندفاع بالقوة، وتدل حركات التقهقر على الضعف. والحركات المنحنية أضعف من المستقيمة، ويزداد الضعف بازدياد تقعر المنحنى. والحركات من اليسار إلى اليمين، أو من المستوى المنخفض إلى مستوًى أعلى منه، قوية بطبعها. غير أن الأثر قد ينعكس بتأثير العوامل الأخرى.
وليست القوة حسنة ولا رديئة في حد ذاتها، وإنما يجب أن تتناسب مع قوة الشخص في المشهد. ففي المشاهد عديمة الصراع، لا تنشأ مشاكل القوة إلا عندما تبدي إحدى الشخصيات قوتها الكامنة أو ضعفها الكامن.
(٢-٣) قفل الحركات movement endings
نهاية الحركة ذات أثر في إبرازها وقوتها أعظم مما للحركة نفسها. فعندما يجلس رجل تكون الحركة من أعلى إلى أسفل؛ وبذلك تكون ضعيفة. فإذا رفع رأسه قليلًا وهو جالس، ثم اعتدل برشاقة، كان الأثر قويًّا بنفس قوة حركة نهوضه. والعكس صحيح. فإن الحركة القوية ذات النهاية الضعيفة ضعيفة.
ولقفل الإيماءة أهمية خاصة؛ فالنهاية المتلاشية ضعيفة دائمًا، ووجود حركة ولو بسيطة في نهاية الإيماءة يعطيها قوة.
والنهايات الآتية جديرة بالتجربة، وهي مرتبة تصاعديًّا حسب قوتها ودرجة تأكيدها:
-
(١)
اقفل الإيماءة بإيماءة إضافية صغيرة، كتحريك المعصم قليلًا.
-
(٢)
أوقف الإيماءة فجأةً بقبض العضلات. ولا يتأتَّى هذا إلا في الإيماءات المستقيمة المباشرة.
-
(٣)
أحدث صوتًا في نهاية الإيماءة، بطقطقة الأصابع، أو بالضرب على شيء بقبضة اليد.
ويجب أن تتناسب قوة كل إيماءة مع القوة الروحية للشخصية في تلك اللحظة عينها. والإيماءات الزائدة على الحد قليلًا، سواء في القوة أو الضعف، تدل على عدم إخلاص الشخصية (أو على أن الممثل غير كفء). والتناقض الشديد بين قوة الإيماءة وقوة الشخصية تُحدث تأثيرًا ساخرًا.
(٣) طول الحركة
عندما يقول المخرج: «اخطُ خطوةً.» فإنما يقصد بذلك: «اخطُ خطوة بالإضافة إلى نصف الخطوة التي تعود بك إلى وقفتك العادية.» وأهم استعمال لهذه الخطوات «الفردية» هو للتعديلات، حيث لا يوجد تغيير حقيقي في التشكيلات. والخطوة التي يسمح طولها بإحداث تغير تُسمى «عبورًا». ويشمل هذا المصطلح جميع الحركات إلى أعلى المسرح، أو أسفله، وكذلك تلك التي بعرض المسرح. ومن النادر حدوث عبور إلى أسفل المسرح مباشرة، ويكاد يكون العبور المباشر إلى أعلى المسرح غير معروف. وفي العبور العادي تعمل كل خطوة تبدأ بالقدم العليا على إدارة الممثل نحو المتفرجين، في حين تعمل كل خطوة تبدأ بالقدم السفلى على إدارته بعيدًا عنهم. ولما كانت الخطوة الأولى في أي عبور تبدأ عادةً بالقدم العليا، ولما كان من المرغوب فيه أن ينتهي الوضع بالانحراف نحو النظارة قليلًا؛ لذا كان العبور العادي يتألف من عدد فردي من الخطوات. وإذا عملت تجاربك بالعبور، لوجدت أن الحركة ترفع منحنى الاهتمام للخطوات الثلاث الأولى، ولكنه يهبط بعد ذلك بسرعة. وعلى ذلك يكون العبور المكون من خمس خطوات أو أكثر مملًّا.
ومن هذا نستنتج أن العبور العادي يتكون من ثلاث خطوات (في الواقع ثلاث خطوات ونصف الخطوة). وفي العادة يتبع الممثلون هذه القاعدة تلقائيًّا.
ويبلغ طول العبور ذي الخطوات الثلاث حوالَي خمس أقدام. وإذا قام شخص في البيئة الخلفية بعبور أطول من ذلك، كعبور خادم في بهو فندق مثلًا، فإن هبوط الاهتمام بعد الخطوة الثالثة يُعتبر ميزة مفيدة. ومع ذلك فيجب أن يتبع العبور الطويل الذي تقوم به الشخصيات الهامة إحدى الوسائل الحرفة الآتية للمحافظة على الاهتمام:
-
(١)
قسِّم العبور إلى وحداتٍ كلٌّ منها ذات ثلاث خطوات، حتى ولو كانت الوقفات بين الوحدات لمدة لحظة خاطفة.
-
(٢)
يجب أن تعمل الشخصية شيئًا عند الخطوة الثالثة، كأن تبدأ الحديث، أو تنظر خلفها … إلخ. فأقل عمل كافٍ للمحافظة على حيوية الاهتمام.
-
(٣)
دع شخصًا آخر يبدأ بالكلام أو يعمل شيئًا عند ثالث خطوة للشخصية العابرة. فعندئذٍ يتجه الانتباه إلى الممثل الآخر بصفة مؤقتة على الأقل.
-
(٤)
لتكن الخطوات إما سريعة جدًّا وإما بطيئة جدًّا، حتى لا يضيع الوقع العادي لكل خطوة.
(٤) أشكال الحركات على أرض المسرح
من الأمور المسرحية الهامة توضيح شكل الاجتياز أو سلسلة من الاجتيازات على أرض المسرح. والاجتيازات عدة أنواع يجب تصميم كل نوع منها تبعًا للظروف المحيطة به.
(٤-١) العبور من أعلى ومن أسفل crossing above and below
رأينا فيما سبق أن العبور العادي يكون في شكل منحنٍ محدب نحو أعلى المسرح. وهذا ينطبق على العبور فوق أرض المسرح العارية أو حول قطع الأثاث. ومع ذلك فعندما يعبر أحد الممثلين أمام ممثل آخر يكون الموقف أكثر تعقيدًا. وهاك أهم قواعد العبور:
-
(١)
إذا كان الشخص الثابت واقفًا والعابر يتكلم، وجب أن يكون العبور أسفل المسرح (انظر ب في رقم ٥ أ شكل ٩-١)، وإلا غطَّى الشخص الواقف مَن يعبره.
-
(٢)
إذا لم يكن بالإمكان اجتناب العبور من أعلى الشخص الواقف، فإن العابر يتوقف عن الكلام عند تغطية الواقف له (انظر الخط المتقطع في أ برقم ٥ أ شكل ٩-١)، ثم يستأنف الكلام عندما يصل إلى الجانب الآخر.
-
(٣)
إذا كان الشخص الثابت جالسًا والعابر يخاطبه مباشرةً، فمن المستحسن العبور من أعلى المسرح، حيث يخلق هذا دافعًا طبيعيًّا للاستدارة للخارج (انظر أ في رقم ٥ ب شكل ٩-١).
-
(٤)
الأشخاص القليلو الأهمية والموسوسون يعبرون عادةً من أعلى المسرح.
(٤-٢) أنماط الحركة movement patterns
ليست الحركة مجرد وسيلة للانتقال من مكان إلى آخر، بل هي لغة قائمة بذاتها. ومن الأفضل عند تخطيط إخراج المشهد أو المسرحية، البدء بتخطيط الحركة ثم إيجاد التشكيلات المناسبة لها، بدلًا من ابتكار التشكيلات أولًا. والحركة كالتشكيلات، ينبغي أن تكون ترجمة حرفية للتعابير المجازية التي قد تستخدمها في وصف المشهد.
(٤-٣) مشاهد الخطو pacing scenes
(٥) الإيماءة
الإيماءة حركة مجردة، ولكنها مع ذلك عظيمة الدلالة. فلهزة الكتف معناها، وكذلك شد الشَّعر. وليس على الممثل عادةً أن يحضِّر إيماءاته سلفًا ويعد ما تنطوي عليه من معانٍ؛ إذ إنه ما يكاد يداخله إحساس قوي تجاه شيء ما ويترك لنفسه العنان حتى تأتي منه الحركة المعبرة تلقائيًّا. وفي هذا ردٌّ على السؤال الخالد: «ماذا أصنع بيدي؟» فلو أن الممثل دخل في إرهاب الشخصية، لما عرضت له مشكلة الحيرة فيما يصنع بيديه، أكثر مما تعرض للشخصية نفسها.
(٥-١) الليونة freedom
بعض الممثلين جامد في إيماءاته؛ إذ يبدو أولئك كأنما قد سمرت أذرعهم في جوانبهم، وأيديهم إما لا تتحرك قط أو تنتفض في أقواس قصيرة.
ولعلاج هذا الخوف من الإيماءة، ابدأ بحفظ مقطوعة من عشرة أو اثني عشر سطرًا، ولا سيما المقطوعات الحماسية البليغة كالمقطوعة التي تبدأ بعبارة: «تذكر شهر مارس» (من خطبة بروتوس، المنظر الثالث من الفصل الرابع لمسرحية يوليوس قيصر). أو مقطوعة كاترين التي أولها: «كلما زاد إثمي» (من مسرحية «ترويض النمرة» المنظر الثالث من الفصل الرابع). ثم تمرن عليها وحدك في حجرتك الخاصة أو على المسرح إن أمكن، أو في الخلاء. بالغ في الكلام ما شئت أن تبالغ، واضرب الأرض بقدميك وأنت تسير جيئةً وذهابًا. وحرِّك ذراعيك بأقصى ما تستطيع. لا يهمك ما إذا كانت هذه الإيماءات ملائمة لما تقوله أو غير ملائمة. ولا تلتفت إليها إلا لتتأكد من أن حركة الأذرع لينة واسعة وليست مجرد انقباضات. ستكون إيماءاتك في مبدأ الأمر مضحكة لا معنى لها، وهذا يعني أنك ما زلت في حاجة إلى التمرين. وبعد التدريب لفترة مناسبة سترى أن إيماءاتك قد فقدت جمودها وبدأت تتصف بالليونة والرشاقة، وأنها أصبحت تطابق معاني العبارات دون أن تبذل مجهودًا. ولا تخشَ المبالغة، فالمخرج يقول دائمًا: «أطلق العنان لنفسك.» ومن النادر أن يقول: «لا تجهد نفسك.»
(٥-٢) نقط البداية leading points
(٥-٣) مراكز الإيماءات centers of gestures
إذا كنت تعمل في إحدى المسرحيات التاريخية، فمن المفيد أن تعرف أن لكل حقبة مركزًا تنبع منه الإيماءات التي تتسم بطابع العصر. وهذا المركز في التراجيديات الإغريقية هو المستوى العلوي للصدر. وفي الكوميديات الإغريقية، البطن، كما تشهد بذلك عشرات التماثيل والرسوم التي وُجدت على الأواني والزهريات.
وإذا كان عملك يتصل بحقبة غير مألوفة أو بأسلوب غير مألوف، فابدأ بقراءة الحوار مع استخدام إيماءات حرة. وعندما تقع على إيماءة تبدو مميزة، فلاحظ المركز الذي تخرج منه. فإذا صدرت عدة إيماءات مميزة من نفس المركز، أمكنك استخدام هذه الحقيقة رائدًا لك في نقد الإيماءات الضعيفة وابتكار إيماءات أقوى وأحسن.