الفصل الأول

المشهد الأول

المنظر

(يفتح الستار عن شارع يبدو من مظهره مظهر الدكاكين ومختلف المعالم. إنه شارع في حي شعبي. على يمين الشارع مكوجي الأمراء، ومحل بقالة يرفع علمين أحدهما أخضر والآخر أحمر، وعلى الجدار كلمة مكتوبة بالحبر وبخط رديء: «ملك الملوك إذا وهب لا تسألن عن السبب الله يعطي من يشاء فقف على حد الأدب». في يسار الشارع دكان مخدم، اليافطة التي تعلو الدكان مكتوب عليها بخط واضح «مخدم عمومي شنودة حكيم». أثناء فتح الستار يتصاعد في الجو صوت صفارة الإنذار معلنة وقوع غارة جوية. الوقت ظهرًا، والتاريخ صيف سنة ١٩٤١م، عندما تستقر الستارة يظهر بعض الناس على المسرح يهرولون في ذعرٍ نحو المخبأ الذي يقع في نهاية الشارع … يخرج عبده المكوجي من محله فيرى المعلم قطب جالسًا أمام الدكان.)

عبده : إنت لسة مرنخ مطرحك يا قطب! ما تقوم تروح المخبأ لقنبلة تقع فوق دماغك تاخد أجلك.
قطب : وهو المخبأ حايشوف القنابل يا ضلالي؟! ما دام نضيف يبقى مايهمكش.
عبده : وهو الطيار الألماني حايبص يشوف ده نضيف ولا وسخ قبل ما يرمي القنابل؟!
قطب : وهو الألماني اللي بيرمي يا غشيم؟! ده ربنا.
عبده : تعرف لو ربنا اللي بيرمي صحيح؛ أول قنبلة يرميها … ليرميها عليك انت.
قطب : ليه هو انا ضلالي زيك؟! … الحمد لله بيني وبينه عمار.
عبده : قوم يا راجل يا غشيم.
قطب : لأ مش قايم وعلى العموم دي غارة ألماني.
عبده : وعرفت انها ألماني ازاي؟! هتلر كان جوز امك؟!
قطب : ما هو عشان انت واللي زيك حمير مش ممكن تفهموا، إنما انا اعرف الطيارة من صوتها … فلما تكون ألماني يحصل اطمئنان؛ عشان من غير مؤاخذة الألمان أجدع طيارين في العالم، بيرموا القنابل ع الانجليز بالظبط … مش بيضربوا عمياني زي الطلاينة.

(يظهر أثناء الحديث سمير وهو يرتدي بدلة عامل ومعه مجلة الاثنين.)

سمير : والله اللي يسمعك يا قطب يقول ده من أركان حرب رومل.
قطب : أهلًا سمير تعالى اقعد جنبي هنا، وإلا حتروح المخبأ انت راخر.
سمير : لأ مش رايح مخابئ … إنت لسة عايش يا عبده! … إزاي قرايبك الانجليز؟
عبده : عال، بيسلموا عليك.
سمير : أنا شايفك امبارح ماشي من هنا ومعاك واحد انجليزي طويل قوي زي اللوح.
عبده : دا مش انجليزي … ده استرالي.
قطب : أسترالي انجليزي … أهُم كلهم ولاد حرام.
سمير : إنما ده وشه احمر قوي، عامل زي عِجل الوسية.
عبده : ما كلهم وشهم احمر يا كروديا.
قطب : صحيح الحكاية دي حتجنني، اللي ما فيهم واحد وشه اصفر ولَّا دبلان ولَّا عنيه منفخة … كلهم مرسومين حاجة تجن!

(يُسمَع صوت فرقعة في الجو.)

عبده : يا نهار اسود دا الضرب حمي! مش حتقوم يا قطب؟
قطب : لأ، روح انت، أنا حقعد هنا مع سمير.
عبده : خليك قاعد، إياك واحد ألماني يرقعك قنبلة ونرتاح منك.
قطب : خد رايح فين؟
عبده : رايح المخبأ.
قطب : ولَّع قبل ما تمشي.
عبده : أولَّع إيه في الغارة دي؟!
قطب : يعني انت شايف الدنيا كحل قوي! ما احنا في عز الضهر والشمس ما شاء الله ملعلعة … ولع ما تبقاش ندل امال.
عبده : اتفضل ولع كمان.
قطب : لأ مش مولع دلوقت … خليها لبعد الغارة.
عبده (وهو يهم بالانصراف) : وليه بعد الغارة … حوِّشها احسن … ولا أقول لك … خللها.

(يُسرع عبده وظهره نحو المتفرجين إلى المخبأ … يتابعه قطب بنظراته ثم يهز رأسه أسفًا.)

قطب : معلهش يا زهر … عبده معاه علبة سجاير صفيح بقى ده مش طبيخ … إنما على رأي سعد باشا … ما فيش فايدة … ما تقوم تروح المخبأ يا سمير.
سمير : دي مش غارة يا راجل، دي تهويشة.
قطب : تهويشة ازاي بقى من غير مؤاخذة؟!
سمير : الانجليز بينقلوا الجرحى بتوعهم م الميدان … يقوموا يعملوا غارة عشان الناس تستخبى وما حدش يشوف وكستهم.
قطب : يا سلام … عفارم عليك يا واد يا سمير … عليك مخ … إنما يا خسارة! على رأي سعد باشا … ما فيش فايدة.
سمير : إيه حكاية ما فيش فايدة دي بقى؟!
قطب : قصدي الانجليز … مكسورين مكسورين … عشان لا مؤاخذة ما فيش راجل فيهم جدع.
سمير : وهيه الحرب جدعنة يا قطب؟!
قطب : مش قصدي … صبرك علي … لو الانجليز فيهم راجل جدع … يقوم يفتش ع الناس الجدعان اللي في البلد دي … ويقولهم تعالوا.
سمير : تعالوا على فين؟
قطب : ع الميدان … تعالى يا قطب … تعالى يا سمير … ويدِّي كل واحد ألف جنيه … مش يشغلوا العالم الصايعة … ويسيبوا الناس الجدعان قاعدين يهرشوا جنب الحيط!
سمير : طيب وتروح الميدان تعمل إيه يا قطب؟
قطب : أحارب.
سمير : وهو انت تعرف تحارب؟
قطب : كل شيء ممكن بالحداقة … همه بس يسلموني مدفع وطباشيرة وبس.
سمير : طب سلموك المدفع والطباشيرة … هتعمل إيه؟
قطب (ينهض واقفًا) : يا سلام … أشيل المدفع على صدري كده … واقف في الميدان … ما هو الميدان واسع … وكل طيارة فايتة (بصوتٍ عالٍ) طاخ … طيخ طاخ … بعون الله كل الطيارات لازم تقع.
سمير : طيب وقعت الطيارات … إيه اللي هيحصل؟!
قطب : بالطباشيرة واكتب … كل طيارة تقع اكتب عليها قطب … ولما النهار يطلع ويجي تشرشر ويعد الطيارات عشرة قطب وتلاتة مش بتوعي … آخد الألف جنيه. وكمان ظابط بنجمة … هات سيجارة.
سمير : ما انت لسة واخد من عبده.
قطب : إنت حتحاسبني؟!
سمير : طب خد.
قطب : ولَّعْلي.
سمير : اتفضل (يشعل له السيجارة).
قطب (يسحب نفسًا عميقًا) : يا سلام … دي نفَسها حامي قوي … الغرض … أنا بقى ظابط من هنا … وأجيب العساكر الانجليز من هنا … وأسلم كل واحد مدفع وطباشيرة … واللي مايوقَّعش طيارة … ألزقه.
سمير : تلزقه؟ تلزقه ازاي؟
قطب : على قفاه.
سمير : بقى كل الشغلانة دي عشان تلزق العساكر على قفاهم؟!
قطب : أمال … ولو حصل … لازم يكسبوا الحرب بعون الله.
سمير : إنشا الله تنهرش في مخك يا قطب … بقى لما تلزق العساكر الانجليز يا راجل … يكسبوا الحرب؟!
قطب : ما هو عشان انت بهيم زي عبده مش هاتفهم … إنما تعرف؟! … من غير كده ما فيش فايدة وتعرف كمان؟! … لازم أجيب معاهم بإذن الله الواد المخبر عبد ربه اللي في المركز وألزقه راخر … عشان الظلم بتاعه.
سمير : ليه؟ عمل إيه راخر؟!
قطب : آل إيه أول امبارح مقابلني في السكة يقول لي بتشتغل إيه؟! (ينهض واقفًا) ربنا يفوت الأيام دي على خير. وحياة النبي يوم المنى عندي يوم ما ينكسر الانجليز … أنا ناوي أفرق عيش وفول ع الناس الغلابة … أنا ح اخش اريح جنبي شوية.
سمير : طيب انا حاقعد هنا … إذا جه زبون أبيع له؟
قطب : وهاتبيع له إيه يا حسرة؟! … بيع له الحيطان بقى! … الدكان ما فيهاش غير الحيطان.
سمير : طب ما تجيب فيها بضاعة يا قطب.
قطب : منين؟! … قال اطبخي يا جارية … كلف يا سيدي … التجارة عاوزة فلوس … والتجار زي السمك … الكبير ياكل الصغير … واحنا صغيرين يا سي سمير.
سمير : يا أخي بيع الفدان ونص اللي في البلد واشتري بضاعة.
قطب : كفاية اللي بِعناه … أنا لو شحت ما اعملهاش تاني … فدان ونص اللي ليَّه في البلد، يعني أبيعهم واشحت؟!
سمير : تشحت ليه؟ ما يمكن الحظ يضرب معاك.
قطب : ما بيضربش أبدًا … بقالنا ميت سنة ما بيضربش معانا الحظ … ده بيضربنا.
سمير : ويعني الفدان ونص ح يعملوا إيه؟!
قطب : أصلي … أبيع أصلي؟! … تقدر تبيع أبوك؟!
سمير : لأ طبعًا.
قطب : وأنا كمان … الأرض مش ممكن أبيعها.
سمير : وأخرتها؟!
قطب : زي ما ترسى دقلها.

(ينصرف إلى داخل الدكان ثم يعود بسرعة إلى الخارج ويقول مستهزئًا)

خلي بالك م الرصيف والنبي.

(يعود للداخل.)

سمير (يقرأ) : الطريق إلى القمة … كيف تصبح مليونيرًا … قصة حياة المليونير فورد ملك السيارات في العالم … بدأ المليونير الأمريكي فورد عاملًا صغيرًا في اﻟ …

(يتوقف عن القراءة وينظر باهتمام نحو دكان المخدم.)

سمير : هدية … اتأخرتي ليه يا هدية؟ … أنا بقالي مدة مستنيكي.
هدية : معلهش يا سمير. مدام شوشو مسكت فيه قعدْت معاها. أصلها لوحديها يا عيني.
سمير : هيه … وعملتيلي إيه؟
هدية : وضبت لك كل حاجة … اتفقت معاها على كل حاجة … ومن بكرة هتشتغل في الصالة.
سمير : بس انا برضه الشغلة دي مش داخلة دماغي يا هدية … أنا بقول بلاش الحكاية دي وادي احنا قاعدين ربنا يسهل لنا وبيرزقنا باللقمة الحلال وهي ماشية … ونتجوز ونعيش زي بقية الخلق.
هدية : يا عبيط … الخمستاشر قرش اللي انت بتاخدهم في شركة ما توسيان هيعملوا لنا إيه؟! … دول ما يسقوناش مية.
سمير : أهي بكرة تتعدل يا هدية واترقى وابقى أسطى قد الدنيا … وتبقى خمسة وعشرين، واللقمة الحلال ما فيش احسن منها.
هدية : وهو احنا هنعمل حاجة حرام؟! … ما هي الناس كلها شغالة في الأورنس ومبسوطة، ودي حرب كلها مكسب ولازم نلهف حاجة منها.
سمير : بس انا قلبي مش مرتاح للشغلانة دي … وكمان انا خايف يا هدية.
هدية : هتخاف على إيه … مش احسن م العيشة النكد اللي كنت فيها … الله يرحم أيام عمك شنودة.
شنودة : ماله عمك شنودة يا بت؟! عمل فيكي إيه؟! … الله يرحم المنديل ابو أوية والشبشب المقطوع … عملناكي بني آدمة غلطنا؟!
هدية : الله … حنغلط بقى ولَّا إيه يا عم شنودة!
شنودة : لا، العفو يا ست هدية … وهو انت بعد اللي عملتيه … كان يصح أكلم جنابك العالي؟!
هدية : وأنا إيه اللي عملته … عملت عملة ولَّا إيه؟
شنودة : بقى تتبطري ع النعمة … وترفصي الخير برجليكي وترفصي جنيه في الشهر غير أكلك وشربك … وتروحي تهزي وسطك عند بديعة … وبعد دا كله ما عملتيش؟!
سمير : دي مش عند بديعة يا عم شنودة … دي عند شوشو الفرنساوي.
شنودة : أنعم وأكرم … لا والهيئة مظبوط تمام … فرنساوي خالص … وإيه اللي انت لابساه ده؟!
هدية : دي شاما زيت يا عم شنودة.
شنودة : زمزيكة؟ والله عال يا ام زمزيكة … الله ينعل أبو اللي بدع الحرب … لما هدية بنت عبد ربه لابسالي زمزيكة … وحياة العذرا القيامة لتقوم … زمزيكة قال!
سمير : الراجل عقله خف يا هدية … من نهار الحرب والدكان بتاعه خرب … الخدامين كلهم راحوا الأورنس يا هدية.
هدية : كفاية اللي مصه من دم الناس.
سمير : غلبان يا هدية … دا مش لاقي يهرش.
هدية : أهو زمان كانت الواحدة منا شاربة المر … وهو قاعد طول النهار يشرب زبيب.
سمير : أهو بيشرب من كيعانه دلوقتي … الله يكون في عونه.
هدية : هيه … قلت إيه يا سمير؟
سمير : أنا ماليش غرض أروح الشغلانة دي.
هدية : يا سمير ما تبقاش عبيط! … إحنا هنفضل عايشين طول عمرنا في الطين اللي احنا عايشين فيه ده؟ … ما الناس كلها انعدل حالها … الطعمجي اللي مكانش لاقي ياكل راح اشتغل ميكانيكي في الأورنس … والصايع الضايع اللي كان بيتمرمغ في الشمس طول النهار راح اشتغل في الأورنس بالشيء الفلاني … إشمعنى احنا … ما نلهف اللي نقدر نلهفه … ونعيش كويس.
سمير : إحنا عايشين كويس اهه والحمد لله.
هدية : اسمع يا سمير … بلاش عبط. الجواز عاوز فلوس … والناس تبص لفوق … والانجليز فاتحين كنز لازم نغرف منه.
سمير : دي فلوس حرام يا هدية … واللي بيغرف منها بيغرف هم وغم … يا شيخة خلينا في حالنا احسن.
هدية : اسمع يا سمير … إذا كنت بتحبني صحيح وعاوز تتجوزني تعالى معايا اشتغل في الصالة.
سمير : وبس انا حاشتغل إيه يا هدية؟ … أنا راجل بلف سجاير في الشركة … هروح اشتغل إيه في صالة رقص؟!
هدية : حاتشتغل صياد.
سمير : صياد! … حاصطاد إيه في الصالة؟
هدية : تصطاد انجليزي … حتصطادهم بصور … إنت هتخرج زي الجدعان اللي في الصالة ومعاك صور البنات …

(يظهر شنودة ومعه زجاجة عرق.)

سمير : حلو قوي … أشيل صور البنات … وبعدين؟
هدية : وتسرح في الشوارع … تصطاد انجليز وتوريهم الصور وتسحبهم ع الصالة.
سمير : وبعدين؟
هدية : تاخد على كل انجليزي خمسين قرش.
سمير : ودا مش عيب يا هدية؟
هدية : عيب إيه يا سمير! … ما دام الواحد محافظ على شرفه … ما يخافش من حاجة.
سمير : أنا خايف عليكي يا هدية.
هدية : هو انا عيِّلة صغيرة يا سمير؟!
سمير : يعني حنتنِّنا نحب بعض يا هدية؟
هدية : لحد ما نموت يا سمير.
سمير : طيب يلَّا يا هدية انا جي معاكي.
شنودة : أما على رأي المثل … بلد تخاف ما تختشيش … بلد عاوزة الحرق … احرقها بقى وخلصنا!
الجارحي : وهيحرقها ليه بس يا عم شنودة.
شنودة : الناس ضلت يا جارحي … تعرف الواد سمير … راح يشتغل في صالة رقص!
الجارحي : الواد الصايع ابو كريه ده؟!
شنودة : هوه ابو كريه يا جارحي.
الجارحي : دا مقابلني دلوقت ماشي مع بت سنيورة.
شنودة : عارف السنيورة دي … كانت اوسخ منك … وانت سبت المخبأ ليه يا ابني يا جارحي … الغارة خلصت؟
الجارحي : هوه باين ليها خلصان!
شنودة : أومال سبت المخبأ ليه؟
الجارحي : يعني هيحصلُّو إيه المخبأ! … أهو مدردك على دماغ اللي فيه.
شنودة : طيب خد اشرب خد.
الجارحي : لا يا عم شنودة … دا البتاع ده بيشحط في الزور تقول مية لفت!
شنودة : خد اشرب يا ابن الفقيرة … حد طايل!
الجارحي : هات (يشرب) يا سلام يا جدعان … زي ما يكون البتاع ده … فيه أجزا.
شنودة : غني لنا حاجة بقى.
الجارحي : يا زارع الود هو الود سجره قل … ولَّا سواقي الوداد نزحت وماءها قل …
قطب : هو الواحد ما يعرفش يستريح شوية؟! إيه يا واد الدوشة اللي انت عاملها دي!
الجارحي : طب دا انا كنت صيِّيت وحياة سيدي عبد الباسط … غيرشي الهم راكب فوق قلب الواحد!
شنودة : إنت كمان عندك هم؟! … عجايب! … طيب خد اشرب خد …

(يصب ويعطيه فيشرب.)

الجارحي : طب دا انا عندي حكاية يا عم شنودة … إنما ليها العجب!
قطب : احكي احكي … عشان تبقى انت والغارة.
الجارحي : أصل انا في الحقيقة عندي قضية.
شنودة : قضية إيه بقى يا ابني يا جارحي؟
الجارحي : أنا من غير مؤاخذة قتلت اختي.
شنودة : قتلت اختك؟!
الجارحي : لا والنبي يا عم شنودة … أنا راح احكيلك الحكاية زي ما حصلت … هو حصل شوية إشاعات انها ماشية بطال من غير مؤاخذة … والواحد بقى ماشي في البلد مدلدل ودانه ومطاطي راسه … والآخر جرجرتها في ليلة ناحية السواقي وخلصت عليها … وجم خدوني ع المحكمة … وانا مظلوم وحياة النبي يا عم شنودة.
قطب : دا باين عليه سكران ابن الهرمة.
الجارحي : لا … أنا مسكرتش يا عم قطب … دا انا راح اتجنن م الحكاية دي.
شنودة : وبعدين يا جارحي؟
الجارحي : وبعدين حطوني في السجن ١٥ شهر … وطلعوني بكفالة … وبعدين الجيش طلبني طلعت جيش مرابط.
شنودة : ولا يهمك يا ابني يا جارحي … خد اشرب خد (يعطيه فيشرب).
الجارحي : يعني آخد فيها أد إيه دي؟
قطب : لا دي عاوزة مداولات يا جارحي.
الجارحي : يعني ما تعرفش آخد أد إيه؟
قطب : أقول لك بس ما تزعلش؟!
الجارحي : والنبي تقول يا عم قطب.

(تضرب صفارة الأمان فجأة.)

الجارحي : الحمد لله الغارة خلصت.
شنودة : وانت يعني خلصت … ولَّا ما خلصتش هيحصلك إيه … ما انت قاعد ملقح.
الجارحي : وأخرة التلقيحة دي يا عم شنودة؟! … دا انا امبارح طول النهار ما كلتش … وحياة عم شنودة ما دقت الأكل طول النهار … ولحد الوقت ما صدعته.
قطب : ليه … صايم؟
الجارحي : صايم ازاي بقى … العربية بتاع الجيش اللي بتجيب العيش … كل ما تيجي ما تلاقينيش … والنبي تجيب صاغ يا عم شنودة … هات صاغ لما اجيب سانكوتش.
شنودة : إنت يا واد يا جارحي مش حتنفض م الصاغات بتاعتك دي!
الجارحي : وأنا حاعمل إيه بس يا عم شنودة … قول لي بس انا حاعمل إيه؟!
شنودة : خد الصاغ اهه … تعرف ما تطلب تاني.
الجارحي : وأنا يعني كان بخطري يا عم شنودة … حد يرضيه الشحاتة لنفسه … أحلفلك بإيه ما صدعت جنس حاجة من ليلة امبارح … يا خبر يا جدعان!
شنودة : اتوكل على الله بقى ما تهرش مخي!
الجارحي (يهم واقفًا) : أما اروح اجيب السانكوتش واجي على طول.

(تدخل المسرح من شارع جانبي بكرية بنت المعلم قطب في ملابس رخيصة ولكن عصرية.)

قطب : بت يا بكرية.
بكرية : أيوة يابا.
قطب : كنتي فين دا كله يا بت؟
بكرية : كنت عند خالتي ام سيد.
قطب : كل ده عند خالتك ام سيد يا بت … أنا ميت مرة قلت لك لما تخرجي ما تعوقيش … قلت كده ولَّا لأ؟!
بكرية : ما هية اللي مسكت فيه يابا.
قطب : يعني كماشة مسكت فيكي؟! كهربا مسكت فيكي؟! (ينهض غاضبًا) مصيبة مسكت فيكي؟! … والله لأوريكي …
عبده : يعني قاعد لوحدك يا عم شنودة.
شنودة : الوحدة ولا جليس السوء يا ابني.
عبده : وجليس السوء بتاعك راح فين؟
شنودة : دخل الدكان دلوقت.
عبده : هوه مش حيبطل نوم أبدًا؟
شنودة : لا دا ما دخلش ينام الدور ده … دا دخل يضرب بكرية.
عبده : هوه مش حيبطل ضرب في بكرية بقى! … البت كبرت يا عم شنودة … والحال زي ما انت عارف.
شنودة : والله يا ابني انا ما بقيت عارف حاجة … إنت اللي بتعرف يا عبده.
عبده : ساعة الغارة سِبت الواد سمير هنا، راح فين؟
شنودة : هدية جت خدته ومشيت.
عبده : هدية مين؟
شنودة : البت الخدامة بتاعت زمان دي.
عبده : ما عرفتش راحت فين؟
شنودة : أنا إشعرفني!
عبده : ما عرفتش يا عم شنودة راحت فين؟ … دا انا بدور عليها في كل حتة.
شنودة : راحت فين يا شنودة … آه … ولع سيجارة ولع.
عبده : خد يا عم شنودة.
شنودة : أيوة يا سيدي … البت هدية … والله يا عبده ما اني عارف راحت فين … إنما انت مزغوف قوي كده ليه؟
عبده : أبدًا يا عم شنودة … بس فيه مسألة كده … وأنا ماشفتهاش من زمان.
شنودة : الغايب حجته معاه … بكرة تظهر.
عبده : مشيت بقالها كتير.
شنودة : من شوية كده.
عبده : طيب انا حخطف رجلي يمكن الحقها يا عم شنودة.
شنودة : روح يا عبده … روح والعذرا مريم القيامة لتقوم.

(يخرج قطب من الدكان مجهدًا.)

شنودة : إيه لازمته بس يا قطب الضرب ده؟!
قطب : أنا ما عنديش بنات تخرج يا عم شنودة … الله … هو احنا الفرنكة يا أخي!
شنودة : برضه بالسياسة احسن … كل شيء احسن بالسياسة … عارف الانجليز دول … غلبوا العالم بالسياسة.
قطب : الواحد ما بقاش يستحمل بقى يا عم شنودة … الواحد هيلاقيها منين ولَّا منين … هات سيجارة يا عم شنودة هات.
شنودة : والله يا ابني يا قطب ما معايا … دا السيجارة دي واخدها م الواد عبده.
قطب : الله … هو رجع … راح فين امال؟
شنودة : جري يدور على هدية … ساعة ما سمع انها كانت هنا بقى زي المجنون.
قطب : الله يسهل لعبيده.
شنودة : قصدك إيه يا قطب؟
قطب : قصدي انها وزة كويسة.
شنودة : وزة ازاي بقى يا قطب؟!
قطب : هز يا وز.
شنودة : كلامك كله بقى ألغاز اليومين دول يا قطب.
قطب : ما هي الدنيا بقت ألغاز كلها … حد بقى فاهم حاجة … اليومين دول!
شنودة : إنما كله كوم وحكاية الوزة دي كوم.
قطب : الله بقى … أمال انت فاهم عبده لابس السكروتة والجزم الكاوتش ومركب السنان الدهب دي منين … ما هو م الوز يا عم شنودة.
شنودة : وهو عبده المكوجي بتاعنا ده … بيبيع وز؟
قطب : لا ما بيبعش … بيأجر.
شنودة : الوز بيتأجر يا معلم قطب؟!
قطب : أيوة … الانجليز بيأجروه.
شنودة (يضحك) : يوه يوه … إياك وز لابس زمزيكة.
قطب : اسم الله عليك.
شنودة (يضحك) : الله يقطعك يا قطب … على كده الواد عبده بيشتغل فرارجي.
قطب : مورد وانت الصادق يا عم شنودة.
شنودة (يضحك) : والله انا افتكرت وز بصحيح يا قطب … الله يقطعك … طيب ما تشوفلك يا واد وزة من دول … وتورد انت راخر.
قطب : الله الغني يا عم شنودة … ربنا يغنيها بالحلال يا شيخ.
شنودة : ما بتتغنيش بالحلال … يمكن تتغني بالوز (يضحك) أنا بالحق كنت فاهم انه وز بصحيح … الله يقطعك يا قطب.
قطب : إنما مش وز مظبوط يا شنودة؟!
شنودة (يضحك) : مظبوط يا واد يا قطب.
قطب : بذمتك ما نفسك في وزة؟
شنودة : الله يقطعك يا قطب … بيني وبينك نفسي في الوز بصحيح. بس يا واد يا قطب ما بقيتش اقدر … معدتي ما بقتش تهضم … الله يقطعك يا قطب … أنا كنت فاهم انه وز بصحيح!

(يدخل الجارحي قادمًا من ناحية المخبأ ومعه سندوتش.)

الجارحي : والنبي تقولي بقى يا عم قطب …
قطب : حقول لك إيه يا واد؟
الجارحي : قول لي والنبي …
قطب : أقول إيه؟
الجارحي : قول لي الحكم والنبي …
قطب : الحكم بتاع إيه؟
الجارحي : بتاع القضية …
قطب : قضية بتاع إيه؟
الجارحي : القضية اللي حكيتها لك من شوية.
شنودة : قضية اخته … احكم له يا أخي فيها خلي عندك ذوق.
قطب : قضية اخته بتاع إيه؟
شنودة : أخته … الوزة اللي دبحها في البيت.
الجارحي : والله صدقت يا عم شنودة … والله ولا الوزة … والله ما ستحملت أي حاجة في إيدي.
قطب : ومظلوم يا متهم … دا انا هرقعك حكم منيل.
الجارحي : ليه بس يا عم قطب؟
شنودة : الرأفة يا قطب … خلي في قلبك رحمة … الراجل دبح الوزة ما أجرهاش.
قطب : يعني لو كنت أجرتها يا ابن الخايبة … مش كان زمانك لابس سنان دهب دلوقت!
الجارحي : هيه إيه اللي ها أجرها يا اخواتي!
شنودة : الوزة (يضحك) إلا حكاية الوزة دي … بقى عبده فرارجي …
الجارحي : عبده مين اللي فرارجي يا عم شنودة؟!
قطب : ما تتكلمش يا متهم لارقعك حكم يجيب أجلك.
الجارحي : أنا ساكت اهه يا عم قطب.
قطب : طيب … أحكم عليك قانوني يعني؟
الجارحي : أي والنبي يا عم قطب.
قطب : يعني قانوني زي المحكمة تمام؟
الجارحي : أي والنبي يا عم قطب.
شنودة : بقى الواد عبده فرارجي (يضحك).
الجارحي : هوه الواد عبده حيقلب فرارجي؟
قطب : ما هو قالب من زمان يا واد يا جارحي.
الجارحي : أمال هيه فين الفراخ اللي في الدكان؟!
شنودة : ما فيش فراخ … عنده وز بس.
الجارحي : وفين الوز ده … يعني مش باين حاجة!
شنودة : أصل فيه وزة شردت منه كده راح وراها … خد اشرب خد.
قطب : أحكم عليك قانوني يا جارحي؟
شنودة : ما تحكم بقى يا أخي وتخلصنا!
قطب : ولا تزعلش يا واد يا جارحي.
الجارحي : وهازعل م الحق؟!
قطب : طيب روح هات لنا سيجارتين.
الجارحي : والنبي ما معايا ريحتهم يا عم قطب.
قطب : طيب خد … حكمت المحكمة بالإعدام.
الجارحي : ليه بس يا عم قطب كده … دا انا غلبان يا عم قطب … دا انا مسكين يا عم قطب … أنا مظلوم والله يا عم قطب (يبكي) أنا والله غلبان يا عم قطب …
شنودة : ما تبطل خوتة وقلبة دماغ … يعني المستشار قطب حكم عليك!
الجارحي : أنا غلبان يا عم شنودة … أنا مسكين يا عم شنودة (يبكي).
شنودة : إخص عليك راجل عرة … دا انت باين سكرت بصحيح.
الجارحي : والله ما سكرت يا عم شنودة … دا انا بس غلبان والله يا عم شنودة.
شنودة : يخرب بيتك … يعني اسيب لك الحتة وامشي؟ (صفارة الإنذار).
دا باين نهارك مش فايت النهاردة.
الجارحي : هيه الغارة ضربت؟
قطب : طرشت … ما انتش سامع؟!
الجارحي : أما اروح اتمم على المخبأ.

(الجارحي يجري نحو المخبأ.)

شنودة : بقى الواد عبده فرارجي يا جدعان؟! … أما حكاية … أتاري الواد مركب سنان دهب … وعلب صفيح انجليزي … إلا حكاية فرارجي دي! وحياة العذرا … القيامة لتقوم!
قطب : حا اقطع من لحمي يعني؟! … ما تاكلوا طوب زي ما بناكل.
أم بكرية : وهو فين الطوب ده يا معلم … الطوب بقاله سعر راخر.
قطب : كلوا تراب … كلوا طين … أنا خلاص زهقت.
شنودة : إيه الزعيق ده بس يا قطب.
قطب : حاجة تجن يا عم شنودة … كل شوية هات فلوس … هات فلوس … هات فلوس … هوه انا إيه … بنك … دا حتى البنك يقفل!
شنودة : الله يكون في عونك يا ابني. صاحب العيال دايمًا بالشكل ده.
أم بكرية : العيال عاوزة تاكل يا عم شنودة … بقوله … هات بريزة نجيب بيها حاجة للعيال … طلَّع جنونته علينا.
شنودة : معلهش يا ام بكرية … دا الصبر حلو.
أم بكرية : يعني نعمل إيه يا عم شنودة؟!
شنودة : الصبر يا بنتي … الصبر.
أم بكرية : وبعد الصبر يا عم شنودة؟! … الواحد صدَّى ولضَّى وبقى حاله حال … أنا عمري ما شوفت المر دا يا اخواتي … أروح فين يا اخواتي!
قطب : ما حدش غلَّا علينا المش غير ولاد بديعة دول.
شنودة : ربك كبير … بكرة القيامة لتقوم وحياة العذرا مريم.
قطب : قيامة إيه اللي انت ماسكهالنا … هيه حتقوم غير قيامتنا احنا! … يا راجل قول يا باسط هوه المقت نازل غير من عمايلنا احنا! …دول بياكلوا عيش فينو … عيش فينو والله.
شنودة : بكرة كله يتساوى … اللي كل فينو … واللي كل ملطوش.
عبده : اتفضل يا حاج فهمي … اتفضل … سعيدة يا خواجة شنودة … إزيك يا قطب.
شنودة : سعيدة مباركة يا ابني يا عبده … لحقت البنت؟
عبده : لا والله يا عم شنودة (ناظرًا للحاج فهمي) اتفضل يا حاج … اتفضل اقعد.
فهمي : أنا والله كنت عاوز اتكلم وانا واقف كده … أنا أصلي ورايا ميعاد مع واحد طيب زي حضرتك … عشان حنشتري لوط عربيات.
قطب : إيه اللوط دا من غير مؤاخذة؟!
فهمي : والله ما اني عارف. أنا باسمع لوط لوط اقول انا راخر لوط … باروح اعاين وادفع على طول … فلوسي حاضرة والحمد لله.
قطب : ربنا يزيدك من نعيم الله.
عبده : الحاج فهمي باختصار عاوز يشتري الشارع.
شنودة : يشتري الشارع! … حد بيشتري الشارع؟ … دا الشارع بتاع الحكومة.
عبده : مش قصدي الشارع يعني الأسفلت يا عم شنودة … الحاج فهمي راجل ألفي وفلوسه حاضرة والحمد لله.
شنودة : والكلام المفيد يعني عاوز إيه؟
عبده : عاوز يشتري البيوت يعني من غير مؤاخذة.
فهمي : وأنا حاشتريها يعني اعمل بيها إيه! … أنا حاهد ان شاء الله وابيعها أنقاض، وحاشتري أزيد من سعر السوق … وفلوسي حاضرة والحمد لله.
قطب : وحاتشتري بكام يعني من غير مؤاخذة؟
فهمي : زي ما يكون … وفلوسي …
شنودة : حاضرة والحمد لله.
قطب : برضه ما عرفناش حتشتري بكام.
فهمي : أنا اشتريت فعلًا … كلهم باعوا … آخرهم كان عبده وباع النهاردة.
شنودة : بعت بكام يا ابني يا عبده؟
عبده : الحاج فهمي دفع ألف.
فهمي : ودفعنا وخلاص … وانا احب اخلص بسرعة … وفلوسي حاضرة والحمد لله … قلت إيه يا معلم قطب؟
قطب : يفتح الله!
فهمي : يفتح الله على إيه؟! … إحنا لسة ما تكلمناش.
قطب : من غير كلام … يفتح الله!
فهمي : وهو الكلام مش أخد وعطا؟!
قطب : وحنتعب نفسنا في الكلام والآخر برضه ح قول يفتح الله!
فهمي : إنت باين عليك مستغني … على كل حال فكر … ولما يوافقك انا جاهز وفلوسي حاضرة والحمد لله.
عبده : ما تبيع بقى يا قطب وتخلصنا … الحاج فهمي حيدفع ألف جنيه.
قطب : ولا ميت ألف واللي خلقك.
عبده : ليه بقى … يعني هرم خوفو يا خي … دي حتى دكانك ما يسواش نكلة.
قطب : يسوى بقى ولَّا ما يسواش … مش هبيعه!
عبده : إنت حاكم لكع يا قطب … خلاص يا حاج فهمي … هو حيبيع.
قطب : عجايب … بقول لك مش حبيع … إنت إيه ما بتفهمش!
عبده : يعني الدكان ما شاء الله قوي … إيه رأيك يا عم شنودة؟
شنودة : والله يا ابني انا ماليش رأي في المواضيع دي … كل حي عقله في راسه يعرف خلاصه.
قطب : أبيع ازاي … دا الدكان مركز … أبيع مركزي يعني!
عبده : يعني مركز بوليس يا خي … يلَّا بينا يا حاج فهمي … بكرة يبيع غصب عنه.
فهمي : هوه حر … بس نهار ما توافق يا قطب … أنا جاهز وفلوسي حاضرة والحمد لله … يلَّا بينا يا عبده … (يهمان بالانصراف).
قطب : خد يا عبده.
عبده : إيه … إنت طمعان في حاجة زيادة؟
قطب : أنا عاوز ريال منك لحد بكرة.
عبده : إنت ما كل يوم تاخد ريال وتقول لحد بكرة … هوه بكرة ده مش حييجي!
قطب : بكرة ربنا يعدلها.
عبده : يا أخي ما تبيع … فرصة … حد لاقي!
قطب : أبيع واروح فين يا عبده؟ … دي دكانة وبيت … وانا عندي كوم لحم … بقى ارميهم في الشارع!
عبده : ألف جنيه يا لوح … تشتري بيهم طيارات لو عاوز.
قطب : وأخرتها حتعمل إيه! … ما هم برضه حيروحوا ونرجع نشحت … ع الأقل دلوقت بنشحت واحنا مداريين في الحيطان!
عبده (يناوله الريال) : خد.
قطب : بت يا بكرية.
بكرية : نعم يابا.
قطب : خدي ادي الريال ده لامِّك، وقولي لها اني استلفته من عمك عبده.
عبده : إنت عاوز حاجة تاني يا قطب؟
قطب : لأ كفاية كده … كتر خيرك يا عبده.
عبده : لتكون عاوز حاجة زيادة.
فهمي : إن كنت عاوز حاجة زيادة يا قطب انا في الخدمة … أنا جاهز وفلوسي حاضرة والحمد لله.
قطب : تشكر يا حاج فهمي.
فهمي : بس تعالى خد ما تبقاش دماغك ناشفة.
عبده : إنت ما شاء الله بقيتي حاجة حلوة قوي … الواحد من قلبة دماغه ما كنش واخد باله منك يا قمر.
بكرية : الله … جرى إيه يا عم عبده!
عبده : عم عبده دا إيه … قوليلي يا عبده على طول … تعرفي لو خدت بالي منك من زمان …
بكرية : يعني كنت حتعمل إيه؟!
عبده : أعمل إي؟! … الكلام الفارغ اللي انت لابساه ده … مش مقامك … إنت لازم تلبسي حرير ودهب وتاكلي فراخ على طول.
بكرية : والنبي يا عم عبده انت طول عمرك تحب التمأليس.
عبده : دا مش تمأليس يا بكرية … إنت تستاهلي تُقلك دهب … اسمعي … هاتي الريال اللى معاكي دا.
بكرية : إنت رجعت في كلامك تاني؟!
عبده : فشر يا جميل … دا انا خدامك … خدي ورقة بجنيه أهه … فكيها اديهم ريال والباقي عشان عيونك انت.
بكرية : جنيه يا عم عبده؟!
عبده : ما قلنا بلاش عم نيلة دي … خليها عبده كده على طول.
بكرية : بس كل ده! … وانا حاصرف الجنيه فين ولَّا فين!
عبده : بكرة اعلمك انا … دا الجنيه بيتصرف في دقيقة يا غزال.
بكرية : لا والنبي يا عم عبده … خد فلوسك انا مش عاوزاها.
عبده : وبعدين معاكي بقى! … أبوكي يسمعنا تبقى حكاية … وعلى فكرة … أي حاجة تحصل بيني وبينك بعد كده … مش عاوز ابوكي يعرف عنها أي حاجة.
بكرية : وهو إيه اللي حيحصل بينا يا عم عبده؟!
عبده : ولا حاجة … كل خير إن شاء الله.
قطب : الله … جرى إيه … إيه الحكاية يا بت يا بكرية؟!
بكرية : لا يابا … أصل اﻟ…
عبده : الريال فيه حتة بعشرة وحشة … غيرتها لها.
قطب : تشكر يا عبده … وانت يا بت خشي جوة وبلاش لكاعة بقى.
بكرية : حاضر يابا.
فهمي : ما فيش فايدة يا ابني يا عبده … دماغ قطب ناشفة قوي.
عبده : الناشف بكرة يلين … وربنا يحنن قلبك علينا يا جميل.
قطب : جميل! … إنت عميت ولَّا إيه يا عبده … فاهمني وزة ولَّا إيه؟!
عبده : وزة؟ … فشر! … دا انت طاووس يا جميل … سلامو عليكو يا حلو … يا اللي تستاهل تقلك دهب.
فهمي : إحنا خدامين يا عبده … ساعة ما يقول يا بيع انا جاهز وفلوسي حاضرة والحمد لله.
عبده : يلَّا بينا يا حاج … نهارك سعيد يا خواجة شنودة.
قطب : آل ابيع الضلالي … طيب عليَّ الطلاق ما انا بايع!
شنودة : مع السلامة يا حاج فهمي يا ابو فلوس جاهزة والحمد لله … وحياة العذرا القيامة لتقوم.
(ستار)

المشهد الثاني

(نفس المنظر الأول، شارع عباس في الصباح الباكر وقد خلا من المارَّة … عبده جالسًا أمام الدكان على كرسي قش … دكان شنودة لا يزال مغلقًا. يبرز قطب فجأة من داخل دكانه، معه جردل فيه ماء وعيناه لا تريان من أثر النوم … ينحني على الجردل ويبدأ في غسل وشه.)

عبده : بقى دي خلقة تقابل بيها ربنا!
قطب (يرفع رأسه إلى أعلى وقد ابتل بالماء) : دا مين ده، عبده داهية تاخدك!
عبده : بقى حد ينام في دكان يا خايب.
قطب : ما انامش ليه؟ ما دام بشرفي … والنبي انا انام على الرصيف ما دام بشرفي.
عبده : يعني همه اللي نايمين في البيوت ما عندهمش شرف!
قطب : ناس مقتدرين يا عبده، لكن انا معنديش … يعني اسرق … ولا اعمل زي بعضهم!
عبده : إنت قادر تسرق ولا سرقتش، دا قُصر ديل يا ازعر.
قطب : قُصر ديل يا عبده؟ بصوا للورد ما لقوش فيه عيب قالوا يا احمر الخدين … تعرف اللي زيك يا عبده … يموت شحات … أهو انت شوف بتكسب أد إيه … إنما حتموت شحات … على رأي المثل: بيت النتاش ما يعلاش.
عبده : وبيت الفقري هو اللي بيعلا؟!
قطب : الفقري ما لوش بيت … الفقري له دكان.
عبده : تعجبني صراحتك … إنت عارف إنك فقري؟
قطب : عارف والحمد لله … الحمد لله على الفقر والجدعنة، دي الجدعنة حلوة يا عبده … طبعًا انت ما تعرفهاش.
عبده : أنا سبتها لك … كفاية واحد جدع في الحتة … حابقى انا وانت جدعان.
قطب : دا إيه دا اللي انت لابسه ده؟!
عبده : دا حتة حرير ياباني سكروتة معتبرة … ناعمة مش كده؟
قطب : يا حلاوة … دي بتجيب طراوة في الصيف دي يا عبده؟
عبده : بتجيب دهب يا قطب … بحتة زي دي تجيب دهب.
قطب : بقى لو لبست حتة زي دي أجيب دهب؟ … مش معقول … لازم معاها حاجة تاني!
عبده : حاجة إيه اللي قصدك فيها؟
قطب : إنت عارف … وبطل كلام فارغ بقى … ولع سيجارة.
عبده : هيه سيرة؟ إنت مدخنة! بس عمال تقولي بشرفي … بشرفي … هيه الشحاتة شرف؟
قطب : أحسن ما اعمل حاجة تاني، ولع ولع.
عبده : خد، والله انت ما تستاهلها.
قطب : دا انا صاحب عيال ياد يا عبده، أبو بنات، وأبو البنات شحات.
عبده : ما كل الناس عندها بنات … إشمعنى انت!
قطب : إحنا في زمن وحش ياد يا عبده … والبنات عار … أنا هاقرِّي في مين … أنا عارف انت مخلوق من إيه؟! … ما فيش حاجة عندك حرام أبدًا!
عبده : إزاي … عندي حاجات حرام كتير.
قطب : إنت تعرف الحرام؟ … والله ما تعرفه! … دا اللي علمك صنعة المكوجية … ظلمك … إنت كنت لازم تطلع صبي محامي … أنا حادوش دماغي معاك ليه؟ … أنا سايبلك الحتة وماشي!
عبده : المركب اللي تودي.
عبده (صائحًا) : قطب … يا معلم قطب … يا قطب …
أم بكرية (من الداخل) : مين؟
عبده : دا انا عبده يا ام بكرية.
أم بكرية : خير يا سي عبده … عاوز حاجة؟
عبده : هو المعلم قطب مش هنا؟
أم بكرية : لا والنبي يا سي عبده … دا خرج من شوية.
عبده : آه. طيب … هيه بكرية هنا؟
أم بكرية : عاوزها في حاجة يا سي عبده؟
عبده : لا أبدًا … أنا بقول يعني يمكن تكون عارفة ابوها راح فين.
أم بكرية : أبدًا دي بكرية حتى نايمة.
عبده : نايمة … حد ينام لدلوقت … دي خم نوم قوي.
أم بكرية : عاوزها في حاجة يا سي عبده اصحيهالك؟
عبده : أبدًا … (بعد فترة) هيه نايمة قوي يعني؟
أم بكرية : أبدًا … همه العيال الصغيرة دول بيناموا! … بت يا بكرية … يا بكرية …
عبده : سيبيها يا ام بكرية … سيبيها نايمة … نامي يا بكرية نامي … نامي يا بكرية …
أم بكرية : تنام إيه بلا دلع … اتفضل اقعد يا سي عبده … أعملك شاي؟
عبده : يا ام بكرية … ما لوش لازمة.
أم بكرية : أنا اعملك شاي … بس يا رب الاقي شاي!
عبده : إنت لسة هتدوري … خدي … ربع جنيه اهه هاتِلنا شاي وسكر.
أم بكرية : ربع جنيه يا سي عبده! … أجيب بيه كله؟
عبده : كله … هاتي من على الترماي … الراجل اللي على الترماي بيبيع شاي حلو قوي.
أم بكرية : طب والنبي تخلي بالك لحد ما اخطف رجلي اجيب الشاي.
عبده : بكرية … بكرية …
بكرية (من الداخل) : أيوة يامَّة!
عبده : أنا مش امك ولا حاجة … أنا عبده يا حبيبتي.
بكرية : ماله عبده يا امة؟!
عبده : بكرية … بكرية … حبيبتي … أنا بحبك قوي يا بكرية … خدي … خدي يا بكرية … خدي الخمسة جنيه دي يا بكرية … إصحي يا حبيبتي … غطي رجلك يا حلاوة رجلك يا بكرية … سبحان الخلاق العظيم … غطي يا حبيبتي غطي … يا ميت حلاوة!
بكرية : ما تروحي انت تجيبي حلاوة ولَّا جيبي جبنة … أنا ما نمتش … الله!
عبده : أنا عبده يا حبيبتي … أنا عبده.
بكرية : مين؟ … عم عبده!
عبده : ما قلنا بلاش عم نيلة دي … يا حلاوتك يا بكرية … أنا ما كنتش فاهم إنك حلوة كده! خدي الخمسة جنيه دول يا حبيبتي.
بكرية : عاوزني اجبلك إيه يا عم عبده؟
عبده : تجيبي إيه وبتاع إيه … دول بتوعك يا بكرية … دول علشانك يا حبيبتي.
بكرية : أمال فين ابويا يا عم عبده؟
عبده : ما قلنا بلاش عم نيلة دي!
بكرية : وأمي راحت فين؟
عبده : أبوكي خرج … وامك راحت لحد شارع الترماي … بقول لك إيه يا بكرية … أنا عاوز اجيب لك فستان حرير.
بكرية : صحيح يا عم عبده …
عبده : ما قلنا بلاش عم نيلة دي! … قولي يا عبده … قوليلي يا عبودة … قولي أي حاجة يا قطقوطة.

(طرقعة قبلة ثم قبلة.)

بكرية : إيه دا يا عم عبده! (طرقعة قلم … ثم طرقعة قلم).
شنودة (بدهشة) : مين؟ … عبده! … إنت كنت بايت عند قطب ولَّا إيه؟!
عبده : عم شنودة … إزيك يا عم شنودة … هوه قطب فين؟
شنودة : قطب فين؟ أنا اللي أسألك ولَّا انت؟!
عبده : إنت شفته يا عم شنودة؟
شنودة : إنت جرا حاجة في عقلك ياد يا عبده؟!
عبده : لا أبدًا يا عم شنودة … لا أبدًا … بس … أنا كنت جوة باشوف إيه الحكاية …
شنودة : ماله قطب، عيان ولَّا إيه؟

(يتقدم نحو دكان قطب.)

عبده (وهو يجذبه من ملابسه) : سخن قوي يا عم شنودة … فرن!
شنودة : بيشكي من إيه مسكين … الله … لكن انت وشك مزرود كده ليه؟
عبده : أصله صعِب علي قوي يا عم شنودة … بقول لك فرن!
شنودة : المجد لله في الأعالي … صاحب عيال مسكين.
عبده : إنت رايح فين بس يا عم شنودة؟!
شنودة : أشوف الراجل ليجرى له حاجة يا عبده!
عبده : بس استنى دلوقت ما تخشش.
شنودة : هوه فيه مين عنده يا عبده؟ … دا بكرية بتعيط يا عبده! … ربنا يشفيك يا قطب … اوعى يا عبده كده … أما اشوف الراجل دا ماله زي العلقة كده! … سلامتك يا قطب … ألف سلامة!
بكرية : عاوز إيه انت راخر!
شنودة : قطب فين يا بنتي؟
بكرية : قطب دا إيه يا الدلعدي … ما انت عارف انه خرج … مش عيب كده تبقى راجل شايب وعايب!
شنودة : إنت اتجننتي يا بت يا بكرية ولَّا إيه؟!
بكرية : والنبي تخرج كده بلاش مسخرة … هوه احنا حيطة ما يلَّا ولَّا إيه يا الدلعدي؟!
شنودة : أبوكي مش عيان يا بت؟!
بكرية : إنشا الله انت واللي يكرهونا … عيان؟! … إلهي تعيا ما تقوم!
شنودة : إخص عليكي عديمة التربية … الله يخرب بيتك يا عبده!
بكرية : عبده دا إيه راخر يا الدلعدي … احفظ أدبك احسنلك يا عم شنودة … هوه احنا من بتوع عبده ولَّا إيه؟! … آل عبده آل … انجر اخرج بقول لك انت إيه اللي مدخلك هنا؟!
شنودة : إخص … إخص … وحياة العذرا القيامة لتقوم.
أم بكرية : خير يا عم شنودة … إيه الحكاية؟!
شنودة : أم بكرية! … إنت فين؟ … البت بكرية تشتمني وتلعن قرمة جدودي … يخلصك يعني؟
أم بكرية : تشتمك! … قطع لسانها من جوة … إيه يا بت يا بكرية إيه الحكاية … إنت سايبة يا بت … ماحدش عارف يربيكي يا بت؟!
بكرية : ما هو اللي داخل علي وانا عريانة يامه!
أم بكرية : داخل عليكي وانت عريانة! … تخش عليها وهيه عريانة ازاي يا عم شنودة … دا يصح منك ده؟! … بقى بدل ما تستر عليها يا عم شنودة!
شنودة : إنت برضه صدقتي البت يا ام بكرية! … صدقتي البت؟!
أم بكرية : يعني حتكدب عليك ليه يا عم شنودة! … حتدعي عليك ليه … وهيه العيلة دي تعرف الكدب!
شنودة : كده؟ … طب خلاص يا ام بكرية … خلاص. وحياة العذرا القيامة لتقوم … وحياة العذرا القيامة لتقوم.
أم بكرية : تقوم ولَّا ما تقوم … إحنا ناس في حالنا … ما نحبش المسخرة وقلة الأدب أبدًا.
شنودة : خلاص بقى يا ست ام بكرية حقك علي … حقك علي يا ست … وحياة العذرا … لتقوم القيامة … الواد عبده … أقول له الراجل عيان؟ … يقول لي دا فرن! … أتاري فرن جوة صحيح!
أم بكرية : فرن يلمك … راجل ناقص!
شنودة : كده؟! … طب خلاص يا ام بكرية … خلاص. وحياة العذرا القيامة هتقوم صحيح … يا سلام دا الدنيا اتشقلب حالها. إنما انا راجل لطخ صحيح … إيه اللي مدخلني جوة … لكن تقول إيه للنصيب … نصيب (يشرب) لكن كله كوم وحكاية فرن دي كوم … فرن آل … (يضحك) فرن … بقى فرن يا عبده فرن!
الجارحي : عاوز حاجة م الفرن يا عم شنودة؟!
شنودة : فرن لما يحرق عضمك … إنت هتَّنَّك بهيم طول عمرك.
الجارحي : هوه انتو كلكو تشتموني يا عم شنودة … مش انت اللي بتقول الفرن؟!
شنودة : ما هي الافران كتير ياد يا جارحي …
الجارحي : أيوة ما اني عارف … فيه فرن افرنجي بتاع العيش الفينو … وفرن بلدي بتاعنا.
شنودة : لا وفيه فرن عبده.
الجارحي : هوه عبده فتح فرن؟! … إنتو هاتجننوني ليه … مرة تقولوا فتح فرارجي … ومرة تقولوا فتح فرن … أنا عقلي هيوج مني يا جدعان!
شنودة : ما هو البغل اللي زيك مش ممكن يفهم أبدًا … عارف ياد يا جارحي انت أغبى م البغل!
الجارحي : وبعدين معاك يا عم شنودة … إنت مش حتبطل البتاع الهباب اللي انت بتشربه ده … حد يشرب على الريق كده؟!
شنودة : مش بقول لك انت بغل … إنت بتاخد كام في الجيش المرابط يا واد؟
الجارحي : ستين فضة، واكل واشرب.
شنودة : يعني بتشرب العرقي يا خي … مش بتشرب م الجردل؟
الجارحي : ويا ريت بس يا عم شنودة … طب وحياة عم شنودة أكل الجيش ده بقالي تلت تيام ما صدعته.
شنودة : روح يا واد يا جارحي شوف انت كنت رايح فين … روح يا ابني … روح خليك لطخ … كده احسنلك.
الجارحي : وهو انا لطخ يا عم شنودة؟!
شنودة : لا العفو … أنا اللي لطخ … بالذمة انا لطخ صحيح … آل فرن آل … إلا فرن ده …
الجارحي : إنت برضه عاوز تمخولني وتقول فرن!
شنودة : إنما فرن إيه يا واد يا جارحي … فرن مظبوط.
الجارحي : عبده عامل فرن جوة صحيح يا عم شنودة؟
شنودة : ما انتش مصدقني خش شوف.
الجارحي : بقى يا اخواتي حتة الدكانة دي … تنفع الواحد يفتح فيها فرن!
شنودة : أفران م النوع ده آه. دا الواحد يفتح تلاتين فرن في دكانة اصغر من دي.
الجارحي : أمال ما فيش ريحة خبيز في الدكانة ليه؟!
شنودة : فيه ريحة طبيخ.
الجارحي : وقطب شِركة ويَّا عبده في الفرن؟
شنودة : أيوة … بس قطب ما يعرفش ياد يا جارحي.
الجارحي : قطب ما يعرفش إن دكانه فيها فرن! … بقى دا اسمه كلام؟ … حد يفتح فرن في دكان واحد … والواحد دا ما يعرفش! … (مذعورًا) آي! دا مين ده؟! جرا إيه يا قطب … هوه انا ملطشة ولَّا إيه؟!
قطب : يركبك الهوا يا ابن الهرمة.
شنودة : دا غلبان يا قطب سيبه.
قطب : غلبان إيه … ده بكرة يسيب الجيش المرابط ويدخل البوليس ويبقى حكمدار دورية قد الدنيا ويعمل علينا قمع.
الجارحي : هوه مين دا اللي يخش البوليس … والنبي دا القعدة على حرف الترعة في بلدنا تسوى مداين … ياما نفسي يا جدعان اقعد ع المصطبة بالليل في القمراية واكل بتاو ناشف بمش وجبنة.
قطب : بقى وحشك المش قوي يا جارحي؟
الجارحي : بتقول فيها … طب والقرآن الكريم وحشني.
شنودة : وش فقر … (لقطب) إنت جاي منين دلوقت يا قطب؟
قطب : رحت اجيب شوية بضاعة … الواد بتاع البقالة ما رضيش يديني … عاوز ضامن آل … جيت آخد معايا الواد عبده … تعرفش الواد عبده راح فين؟
شنودة : لا والله يا قطب.
الجارحي : يمكن يكون في الفرن … خش شوفه … مش عيب يبقى عبده فاتح فرن جوة ولا تعرفش!
قطب : فرن؟ فرن إيه يا ابن العبيطة!
الجارحي : عم شنودة يحكيلك … إحكيله يا عم شنودة …
شنودة : يا واد بطل عبط وروح في داهية.
الجارحي : والنبي تحكيله.
شنودة : يا واد روح لضيع وشك (يهدده بالزجاجة).
الجارحي (وهو يفر من المسرح) : والنبي تحكيله.
قطب : فرن إيه اللي بيقول عليه الواد الجارحي؟
شنودة : دا واد مخبوط في عقله ما تخدلوش على كلام.
قطب : طيب ما تيجي معايا انت يا عم شنودة عند الواد البقال تضمني.
شنودة : يلَّا يا قطب … ولو ان الواد عارف إن غراب ضمن حداية …

(يخرجان.)

أم بكرية : والنبي إن جبتي سيرة لبوكي لاكسر رقبتك! … هو الجدع عمل فيكي إيه … كلك … ولا كلك!
بكرية (وهي تبكي) : وليه يخش علي وانا نايمة!
أم بكرية : وفيها إيه يعني … راجل أد ابوكي … ولا يعني السفيرة عزيزة دخل عليها … يا شيخة اتوكسي اتوكسي كده … وانت موكوسة من دون البنات!
بكرية : ويبوسني ليه وانا نايمة؟
أم بكرية : يعني باس البرنسيسة … والنبي دا الكلب الجربان ما يستعني يبوسك.
بكرية : وسايب الفلوس دي جنبي ليه؟ … خمسة جنيه سايبهالي عشان إيه؟!
أم بكرية : راجل طيب … افتكرك بني آدمة … وهو انت تسوي قرش صاغ … وانت ما تسويش مليم احمر … جتو خيبة اللي يشتريكي بقرش تعريفة … مش عاجباكي الفلوس هاتيها اوعي كده … اوعي إيدك هاتي الفلوس … يعني مكلبشة عليها زي الحداية؟!
بكرية : سيبي إيدي … يلَّا.
أم بكرية : إشمعنى دي عرفتيها … طب ما انت مش عاجبك … ولما انت عارفة الخمسة جنيه … والعشرة جنيه … ما تقومي تغسلي وشك كده وتغيري زي البنات … إنت مش حاسة بروحك يا بت؟!
بكرية : والله العظيم لأقول لابويا.
أم بكرية : طب قوليله كده. شوفي انا حاعمل إيه … وحياة سيدنا النبي لأجيبها فوق دماغك.
بكرية : وحياة النبي لاقوله.
أم بكرية (صارخة) : يا بت ما تخلينيش اكلك بسناني!
بكرية (باكية) : الله … اوعي شعري ما تشديش (تبكي).
عبده : إيه الحكاية جرى لكم إيه؟! … هيه بكرية لسة صغيرة عشان تنضرب كده يا ست ام بكرية … دي بقت بسم الله ما شاء الله عروسة.
أم بكرية : عروسة إيه … عروسة لما تاكل مصارينها … دي ما فيش عقل في دماغها يا سي عبده.
عبده : إزاي بقى … دي ست العاقلين كلهم.
أم بكرية : سامعة يا اللي تنوكسي عمك عبده بيقول عليكي إيه؟ ده انا يا اخويا زي ما اكون عدوتها … مش عاوزة تعرف مصلحتها فين أبدًا.
عبده : معلهش يا ست ام بكرية … أنا ح اعقلها.
أم بكرية : يا ريت يا سي عبده … يا ريت.
عبده : اسمعي يا ست ام بكرية … أنا سبت لبكرية خمسة جنيه ساعة انتي ما رحتي تجيبي الشاي.
أم بكرية : أيوة يا اخويا انا خدتهم منها … هي دي تعرف تشيل فلوس يا سي عبده.
عبده : وتشيلهم ليه … إمسكي كمان خمسة جنيه اهم … وتخطفي رجلك تجيبي لها فستان كويس كده وجزمة وشنطة كمان … أنا عاوزها تبقى سنيورة خالص.
أم بكرية : طيب من عيني يا سي عبده … بس عقلها انت يا سي عبده على ما اجيب الحاجات واجي (تنصرف).
عبده : اسمعي يا بكرية …
بكرية (تخرج) : نعم.
عبده : نعمين عليك يا جميل … عاوزك تدوري قوي. جمعة كمان حتبقي أشيك واحدة في الحتة.
بكرية : وعاوزني اعمل إيه يا عم عبده؟
عبده : ما قلنا بلاش عم نيلة دي!
بكرية : طيب … عاوزني اعمل إيه يا سي عبده؟
عبده : شوفي يا ست … ولا حتعملي حاجة ولا محتاجة … الحكاية كلها بسيطة … إنت عارفة ان الانجليز دول عبط … يعني الواحد يقدر ياكل مخهم … المشوار لحد عندهم بتاع عشرة جنيه.
بكرية (منزعجة) : لهو انت عاوزني اروح عند الانجليز يا سي عبده؟!
عبده : وانت حتروحي ليه؟! … همه اللي هيجولك.
بكرية : هيجولي هنا في الدكان؟
عبده : لا … حيجوا هنا قريب منك … الحاجات دي كلها حدبرها انا.
بكرية : لا يا سي عبده … أخاف … ما اقدرش.
عبده : شوف العبط بتاع البنات … هوه انت حتروحي لوحدك ليه … هو ما فيش وراكي رجالة … أنا رجلي على رجلك … إنت فاهمة انا اسيبك تروحي لوحدك للانجليز؟!
بكرية : لا انا ما رحش للانجليز يا سي عبده.
عبده : وانت حتروحي يعني تعملي إيه … دا انت هتضحكي عليهم … دا ربك بيسبب الأسباب … ناس عبط زي دول … لازم ناس ناصحة تاكلهم.
بكرية : وامَّا ابويا يعرف يا سي عبده؟!
عبده : أبوكي! … يعني ابوكي ما شاء الله قوي؟!
بكرية : لا متغلطش امال في ابويا يا سي عبده.
عبده : مش قصدي حاجة … قصدي يعني ابوكي مش هيعرف أي حاجة.
بكرية : طب افرض عرف يا سي عبده.
عبده : مش هيعرف حاجة عمره … أحلفلك بإيه عشان تصدقي؟ … وشرفي ما حيعرف حاجة.
بكرية : يعني ابويا مش حيعرف.
عبده : أبدًا … النهاردة بالليل فيه انجليزي مريش قوي عاوزين نضحك عليه انا وانت.
بكرية : بس حنرحلوا فين يا عبده.
عبده : أهو دا اللي بفكر فيه … خشي انتي اغسلي وشك كده ووضبي نفسك على امك ما تيجي … ما تشغليش بالك انت خالص … شوفي نفسك بس وشوفي صحتك … وانا علي الباقي … كل شيء حندبره يا جميل.
الجارحي : واد يا عبده … عبده … إنت بصحيح يا واد فتحت فرن؟
عبده : آه … عاوز تخبز حاجة؟
الجارحي : جد يا عبده فتحت فرن؟
عبده (يقوم بتهويشه) : ما تبطل عبط يا ابن العبيطة!
الجارحي : والنبي عم شنودة قال لي النهاردة الصبح انك فتحت فرن في دكان قطب.
عبده : مظبوط يا واد يا جارحي.
الجارحي : فرن بحق وحقيق يا عبده … فرن كبير يعني؟
عبده : كبير قوي … أكبر من عقلك … حاكم انت عليك عقل كبير بشكل!
الجارحي : إنت بتتمألس علي … طب هوه انا لو ما كنش عقلي كبير كانت الحكومة مسكتني مخبأ؟!
عبده : عندك حق … فكرتني يا واد يا جارحي اسمع … المخبأ فاضي؟
الجارحي : إيه فاضي يعني؟
عبده : يعني فيه حد؟
الجارحي : حيكون فيه مين؟ ما دام مفيش غارات يبقى فاضي … ساعة الغارة يتملي لعينه.
عبده : أصل انا محتاج المخبأ الليلة دي شوية.
الجارحي : ليه هوه فيه غارة الليلة دي؟
عبده : مش عشاني انا يا جارحي … اسمع … ولع.
الجارحي : أيوة ربنا يجبر بخاطرك … هات.
عبده : اسمع يا واد يا جارحي … فيه واحد انجليزي صاحبي عاوز يستخبى في المخبأ عندك الليلة دي.
الجارحي : الانجليزي اللي حيستخبى؟
عبده : آه … عندك مانع؟
الجارحي : والانجليزي حيستخبى من إيه؟
عبده : من إيه ازاي يا مغفل … مش فيه حرب؟
الجارحي : أيوة الحرب شغالة.
عبده : طب هو حيستخبى من الألمان.
الجارحي : والألمان جم هنا يا عبده؟
عبده : يا واد الألمان ما هم طول النهار والليل في الجو … هيه طياراتهم بتبطل مشي!
الجارحي : حقة طيارات الألمان شغالة ليل ونهار؟
عبده : طب ما انت عارف اهه!
الجارحي : أيوة ما انا عارف كل حاجة.
عبده : اسمع … الانجليزي ده حيستخبى ساعة واحدة … وحيهفك جنيه.
الجارحي : جنيه يا عبده وحتة واحدة!
عبده : آه … جنيه اخضر.
الجارحي : طب إنشا الله يستخبى على طول … والجنيه انت تسعين قرش وانا بريزة.
عبده : لا … حد الله … أنا مش عاوز حاجة من الجنيه … والجنيه دا حقك انت غفير المخبأ مش انا.
الجارحي : وماله لما ناكل اللقمة سوا يا عبده.
عبده : لا يا عم انت حتاخد الجنيه لوحدك.
الجارحي : والانجليزي دا فين؟
عبده : حييجي العشا … روح وضب نفسك انت … وما تخليش مخلوق يقف عند باب المخبأ … فاهم؟
الجارحي : ولا سريخ ابن يومين حيكون هناك.
عبده : وريني شطارتك بقى يا واد يا جارحي.
الجارحي : أنا حتربط هناك من دلوقتي مش قايم.
عبده (بصوت عال) : خد يا واد يا جارحي.
الجارحي (يعود مسرعًا) : أيوة يا عم عبده.
عبده : خد ياد … رزقك (يضرب يده في جيبه) خد … إنت وبختك … يلَّا يا عم.
الجارحي (ناظرًا في الورقة) : إيه دي يا عم عبده … ربع جنيه دي؟
عبده : ربع جنيه إيه يا ابن العبيطة … ده جنيه بحاله.
الجارحي : هوه ده الجنيه يا عم … جنيه حتة واحدة … يشتري قيراط في بلدنا … ودا عشان إيه يا عم عبده؟
عبده : تحت الحساب … بعد كده نتحاسب.
الجارحي : واحنا حنتحاسب … يعني بينا التجارة؟
عبده : يا واد ما هو دا كلام الانجليز … كل انجليزي حيستخبى عندك بخمسين صاغ … ودا مقدم … مالكش دعوة انت … أنا بعدين حاحاسب القيادة الانجليزي.
الجارحي : بس يا عبده … (يقف مترددًا)
عبده : يا واد ما تبقاش بجم … أنا عاوزك تقلع الخيش اللي لابسه ده وتلبس حتة سكروتة … وتاكل لحمة مشوية بدل الطعمية اللي قطعت قلبك دي … تعالى معايا اما افطرك.

(الجارحي ينصرف وعبده ينظر نحوه في سرور.)

(يدخل إلى المسرح سمير ثم فرملة تاكسي وصوت هدية من الكواليس تنادي.)

هدية : سمير … سمير (تلحق به إلى المسرح).
سمير (بغضب) : عاوزة مني إيه يا هدية؟
هدية : إنت زعلت يا سمير؟ بقى انا باعمل دا كله عشان خاطرك …
سمير : عشان خاطري انا بترقصي مع العساكر الانجليز وتسكري معاهم عشان خاطري؟!
هدية : أنا مش باعمل كده عشان نحوش قرشين ونعيش كويس يا سمير؟!
سمير : الله الغني عن القرشين اللي م النوع ده … دول ما يعيشوش كويس يا هدية دول ذل وهم وغم أزلي.
هدية : يعني عاجبك عيشة قطب المهببة يا سمير، عاجبك شنودة اللي مش لاقي يفطر؟!
سمير : والله الواحد ياكل تراب ويعيش راسه مرفوعة احسن.
هدية : بقى مش عاجبك يا سمير الفلوس بقت تجري في إيدك ومانتش عارف لها أول من آخر … عاوز ترجع تعيش في الفقر اللي في الحتة دي … يلَّا يا سمير نرجع ما يبقاش عقلك فارغ!
سمير : أنا مش راجع معاكي يا هدية … والنبي لو كلت لحمة محمرة ليل مع نهار ما انا راجع الصالة تاني ولا شاربلها مية … أنا هاقعد في الطين هنا ومش راجع … هافرش خيشة وانام ع الرصيف جنب قطب ومش راجع تاني.

(يسمع صوت نفير السيارة.)

هدية : يا سمير يلَّا احسن التاكسي قلق.
سمير : لا … إرجعي انت للتاكسي … أنا راجع بيتنا موتورجل … هوه احنا بتوع تاكسيات يا هدية!
هدية : يا سمير يلَّا بينا بعدين ترجع تندم.
سمير : أرجع اروح فين؟ … دا انا كنت مخبوط في عقلي يوم ما روحت معاكي!

(صوت النفير.)

هدية : يعني مش عاوز ترجع؟
سمير : لأ روحي انت مع السلامة … روحي انت يا هدية.

(ينصرف.)

هدية : طيب غور في داهية (بعصبية) غور يا وش الفقر.

(تستدير عائدة إلى السيارة ويسمع صوتها وتنصرف.)

عبده : يظهر ان الجو حايروق ويبقى آخر مملكة.
(ستار)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤