المشهد الأول
(تجرى أحداث هذا المشهد في الصباح الباكر من أحد
أيام عام ١٩٤٣م … تفتح الستار على بكرية في ملابس
عصرية جميلة وفي يدها حقيبة فاخرة. وتصبغ وجهها
بالمساحيق … تدخل بكرية المسرح في طريقها إلى
الدكان تتلفت خلفها في حذر وتراقب الطريق وهي شديدة
القلق … قبل أن تدخل إلى الدكان يبرز «سمير» الذي
يكون مختبئًا في أحد الزوايا ويناديها بصوت
عالٍ.)
سمير
:
بكرية.
بكرية
(مذعورة)
:
مين! … بسم الله الرحمن الرحيم (تتلفت
خلفها).
سمير
:
أنا سمير … إيه خوفتي؟ … بتخافي يا
بكرية؟
بكرية
(بغضب)
:
سمير! … عاوز مني إيه؟
سمير
:
كنت فين لحد دلوقت؟
بكرية
:
وانت مالك … كنت من بقيت أهلي ولَّا
إيه؟
سمير
:
بقى مش عيب عليكي يا بكرية … إنت بنت
الناس الطيبين … إنت بنت المعلم قطب … أطيب
راجل في الحتة …
بكرية
:
إنت عاوز مني إيه دلوقت … مالك
ومالي؟
سمير
:
وبرضه ليكي عين تزعقيلي … وبتهبي فيه يا
بكرية!
بكرية
:
ماليش عين ليه يا الدلعدي!
سمير
:
طب وحياة ربنا انا لو معايا سكينة لادبحك
واشرب من دمك!
بكرية
:
ما يحكمش … قتلت كام واحدة يا الدلعدي …
والنبي تروح كده تشوفلك شغلة.
سمير
:
بقى الواد النتن عبده المكوجي يجر
رجلك!
بكرية
:
ماله عبده المكوجي يا الدلعدي … صايع
وضايع زيك؟ … قاعد طول النهار جنب الحيط لا
شغلة ولا مشغلة؟ … والنبي ما انتش مكسوف من
نفسك!
سمير
(بتهافت)
:
يا بكرية عيب يا بكرية …عيب تحطي راس
أبوكي في الطين … إعقلي يا بكرية انا بحبك
… بحبك …
بكرية
(بسخرية)
:
بتحبني؟ (تضحك) حبك برص … والنبي تروح
تشوفلك ترعة تغسل فيها قميصك المزيت
ده.
سمير
:
يعني مش ناوية تتلمي يا بكرية … مش ناوية
تعقلي وتسيبك م المشي البطال ده؟
بكرية
:
إنت حتتجر تمشي من هنا ولَّا ارقع بالصوت
واخلي ابويا يطلع يشرب من دمك؟
سمير
:
كده يا بكرية؟ … طيب … طيب يا بكرية …
أنا وانت والزمن طويل!
بكرية
:
روح يا شيخ كده شوفلك موتة قبل ما الموت
يغلا.
سمير
:
طيب يا بكرية بكرة تقولي يا ريت اللي جرى
ما كان … بكرة تعيطي بدل الدموع دم يا
بكرية.
(يدخل شنودة.)
شنودة
:
من اللي قاعد ده … سمير … داهية تاخدك …
يا واد قاعد كده ليه زي قرد قطع!
سمير
:
يا ريتنا قرود يا عم شنودة … هوه احنا
حصلنا!
شنودة
:
إيه يا واد اللي راميك على الرصيف الصبح
بدري كده؟
سمير
:
البت بكرية يا عم شنودة … البت بكرية
…
شنودة
:
مالها البت بكرية يا ابني … جرى لها
حاجة؟
سمير
:
يا ريت يا عم شنودة … يا ريتها
ماتت.
شنودة
(يقترب من سمير)
:
إيه الحكاية يا ابني ما تفهمني!
سمير
:
الواد عبده لف عقل البت وشغلها
معاه.
شنودة
:
شغلها معاه! … شغلها معاه إيه يا
ابني؟
سمير
:
شغلها معاه في المخبأ.
شنودة
:
مخبأ … مخبأ إيه يا واد انت جرى لك حاجة؟
… هيه بكرية خدوها الجهادية؟!
سمير
:
جهادية إيه يا عم شنودة … ما تفهمني بقى
… بقى يعني ما انتش عارف عبده بيشتغل إيه
في المخبأ؟
شنودة
:
يوه يوه يوه يوه … البت بكرية؟!
سمير
:
أيوة بكرية.
شنودة
:
بنت المعلم قطب؟
سمير
:
أيوة بنت المعلم قطب.
شنودة
(يضرب كفًّا
بكف)
:
بنت الراجل الطيب الأمير … اللي طول عمره
قاعد يحافظ على شرفه؟!
سمير
:
بنت الطيب الأمير يا عم شنودة.
شنودة
:
بسم الأب والابن والروح القدس … استرها …
استرها في الأيام السودة دي … دي علامات
الآخرة يا ابني يا سمير … علامات الآخرة
بالحق يا ابني … لكن قول لي انت مالك
ومالها … إنت راخر عايز منها إيه؟
سمير
:
كنت عاوز اتجوزها … يا عم شنودة.
شنودة
:
إنت يا واد مش بتحب البت هدية؟!
سمير
:
آه … لكن هدية … ماشية في سكة تانية
خالص.
شنودة
:
لكن يعني لو رجعت لك … تتجوز مين
فيهم؟
سمير
:
بيني وبينك يا عم شنودة … أتجوز
هدية.
شنودة
:
يبقى نصيحتي. يا واد يا سمير تبعد عن
البت بكرية … الله يسهل لعبيده … لكن دي
حكاية غبرة قوي اللي انت بتحكيها دي … البت
بكرية؟ … بكرية بنت المعلم قطب؟ … إخص! …
بالحق دي من علامات الآخرة ياد يا
سمير.
(ينهض ويتجه إلى
الدكان.)
سمير
:
آخرة إيه بس اللي انت ماسكهالنا دي … هو
بقى فيه آخر ولا أول!
(سمير ينصرف حزينًا
آسيًا.)
شنودة
:
إخص على دي أيام … إخص … البت بكرية؟ بنت
المعلم قطب؟ … إخص! … (يفتح الدكان) إخص،
إخص … بنت المعلم قطب … إخص على كده … بنت
المعلم قطب … بنت الراجل الطيب … يا سلام
ربنا ينهيها على خير. بقى بنت الراجل الطيب
بقت وزة … الله يخيبك يا عبده … والواد
الجارحي كمان الواد الفلاح الحمش يعمل كده!
… إخص عليك يا جارحي … إخص.
الجارحي
:
يا عم شنودة … الواد عبده فين؟
شنودة
(ناظرًا للخلف)
:
مين؟ الجارحي!
الجارحي
:
أيوة الجارحي يا عم شنودة.
شنودة
:
إيه يا واد الحاجات الحلوة دي اللي انت
لابسها … إنت قتلت قتيل يا واد؟
الجارحي
:
جلبية سكروتة يا عم شنودة.
شنودة
(يتحسس الجلباب)
:
إنما دي طرية قوي يا واد يا
جارحي.
الجارحي
:
وهاقتل قتيل ازاي يا عم شنودة … هيه
البلد دي تعرف تقتل فيها فرخة … دا الواحد
قبل ما يمسك في خناق الراجل يتلم عليه ميت
عسكري … هيه دي بلد الواحد يعمل فيها راجل!
… إنت فكرك شوفنا خير بعد ماسيبنا بلادنا
يا عم شنودة؟
شنودة
:
إنت يا واد مش كنت قتال قتلة في
بلدكو؟
الجارحي
:
بلدنا شيء وهنا شيء تاني يا عم شنودة …
بلدنا الخير فيها كتير لسة يا عم شنودة
والواحد هناك يقتل القتيل في عز الضهر ولا
من شاف ولا من دري … إنما هنا وحياة سيدي
المدبولي ما فيه رجالة في البلد دي يا عم
شنودة … البلد دي كلها نسوان من غير
مؤاخذة!
شنودة
:
وانت عملت مَرَة انت راخر ياد يا
جارحي!
الجارحي
:
أني يا عم شنودة؟ … دا انا راجل من ضهر
راجل طول عمري … غيرش على رأي المثل إن
لقيت بلد بتعبد طور حش واديله.
شنودة
:
وحشيت معاهم انت راخر يا واد؟
الجارحي
:
أعمل إيه يا عم شنودة!
شنودة
:
وحشيت كتير مع الواد عبده؟
الجارحي
:
وهو عبده بيحش راخر يا عم شنودة؟
شنودة
:
أمال يا واد … الواد عبده ده قائد كبير …
وانت كمان يا جارحي بكرة تبقى قائد انت
راخر.
الجارحي
:
أنا يا عم شنودة ابقى قائد؟!
شنودة
:
أمال يا واد … مش لبست سكروتة يا واد …
ما هيه السكروتة دي من علامات
القيادة.
الجارحي
:
بقى انا بقيت قائد يا عم شنودة؟ دي ما
كنتش حتة جلابية!
شنودة
:
بكرة تلبس يا واد … وتركب سنان دهب …
وساعات دهب … بكرة تبقى قائد يا واد بس
اصبر … إنت دلوقتي وكيل قائد … بكرة تترقى
بكرة تترقى يا واد يا جارحي.
الجارحي
:
يعني الواحد لو كان له أجل يا عم شنودة …
يترقى بإذن الله؟
شنودة
:
أمال … مش بيقول لك يا واد يا جارحي … من
جد وجد … إنما قول لي … هوه عبده
فين؟
الجارحي
:
وهوه انا باشوفه يا عم شنودة؟
شنودة
:
الله! … هوه مش بيشتغل معاك في
المخبأ؟
الجارحي
:
أيوة بس انا ما بارحش المخبأ
دلوقتي.
شنودة
:
ما بترحش المخبأ! … أمال بتشتغل معاه
ازاي؟
الجارحي
:
أنا مأجر له المخبأ بس.
شنودة
:
مأجر له المخبأ؟
الجارحي
:
أيوة يا عم شنودة … أهي شغلانة جديدة طلع
فيها الواد عبده وربنا سهلهاله … ناصح
الواد عبده … والله يا عم شنودة.
شنودة
:
ومأجر المخبأ منك بكتير يا جارحي؟
الجارحي
:
الانجليزي بخمسين قرش يا عم
شنودة.
شنودة
:
وهو بيأجر للانجليز من الباطن يا
جارحي؟
الجارحي
:
حد عارف بقى يا عم شنودة … أهو رزق الهبل
ع المجانين.
شنودة
:
وبيعملوا إيه الانجليز جوة في المخبأ يا
جارحي؟
الجارحي
:
الواد عبده بيقول انهم بيستخبوا من
الطيارات الألماني حاكم الانجليز
خوافين.
شنودة
:
اسمع يا واد يا جارحي … اللي بيروحوا
عندك مش الانجليز الخايفين لأ … اللي بيروح
عندك الانجليز اللي عاوزين ينبسطوا … وعارف
مين بيروح معاهم كمان؟ … ستات يا واد يا
جارحي!
الجارحي
:
الله … الله … شوف الراجل … يا اخويا …
إنت سكرت وحتخرف؟!
شنودة
:
أنا ماسكرتش يا واد يا جارحي استنى …
استنى لما اخلص كلامي … وعارف مين كمان من
الستات بيروح مع الانجليز عندك المخبأ؟ …
بكرية بنت المعلم قطب … وعارف لو عرف
المعلم قطب حيشرب من دمك!
الجارحي
:
عم شنودة … إنت سكران وبتلبخ؟!
شنودة
:
إنت مش حاسس بنفسك يا واد يا جارحي … ده
انت اللي سكران.
الجارحي
:
بقى انا اللي سكران يا اخواتي؟ أنا اللي
سكران؟
شنودة
:
أيوة انت سكران يا واد يا جارحي … ولازم
تفوق.
(يدخل شنودة إلى
دكانه.)
الجارحي
(ينهض واقفًا)
:
بقى الواد عبده شغلني معاه الشغلة
المهببة دي … (يتحسس الجلباب) ودا لبس
الشغل يا جدعان! … وكمان عبده بيشغل بكرية
معاه؟ أتاريها كانت واقفة معاه ليلة امبارح
عند المخبأ … البت بكرية كانت واقفة معاه
وانا ماخدتش في بالي!
الجارحي
:
يا عم قطب … عم قطب.
قطب
(يخرج من
الدكان)
:
إيه يا واد عاوز إيه ع الصبح؟
الجارحي
:
صباح الخير الأول.
قطب
:
صباح الزفت على دماغك.
الجارحي
:
ما تعرفش الواد عبده فين يا عم
قطب؟
قطب
:
حد قال لك إن انا شايله في جيبي!
الجارحي
:
طب وبكرية فين يا معلم قطب؟
قطب
:
وعاوز بكرية ليه!
الجارحي
:
يمكن تعرف طريقه.
قطب
:
وهيه بكرية من بقية أهله ولَّا إيه؟ …
كلام إيه الفارغ اللي بتقوله ده يا واد يا
جارحي … إزاي تجيب سيرة بكرية على
لسانك؟
الجارحي
:
ما هي كانت معاه عند المخبأ ليلة
امبارح.
قطب
:
عند المخبأ؟ بكرية بنتي؟ … بتعمل إيه مع
عبده هناك؟
الجارحي
:
أنا إيش عرفني يا عم قطب … أهي كانت
واقفة هناك.
قطب
:
بت يا بكرية … بكرية.
بكرية
(من الداخل)
:
أيوة يابا.
قطب
:
تعالي هنا يا بت.
بكرية
:
نعم يابا.
قطب
:
إنت كنتي مع عبده امبارح عند المخبأ يا
بت؟
بكرية
:
أنا يابا؟ … أبدًا والنبي يابا!
قطب
:
أمال الطور دا بيقول الكلام ده
ليه؟
بكرية
:
أنا ما كنتش هناك أبدًا … والنبي يابا
انا كنت هنا واسأل امي.
قطب
:
الساعة كام شفتها هناك ياد يا
جارحي.
الجارحي
:
ساعة المغربية.
بكرية
:
أنا ماحططشي رجلي برة الدكان من ساعة
الضهر والنبي يابا … ما تسأل امي ما هي
قدامك اهى.
الجارحي
:
مش انت اللي كنت واقفة مع عبده عند
المخبأ ليلة امبارح يا بكرية؟
بكرية
:
أنا يا جارحي؟ … إنت شفتني يا
جارحي؟
الجارحي
:
أيوة انا شايفك يا بكرية.
قطب
(في ثورة)
:
يعني الجارحي حيكدب ليه؟ مصلحته إيه يعني
… إنت بتستغفليني!
بكرية
:
أنا وحياة النبي ما خطيت برة الدكان يابا
… ما تسأل امي دهده.
أم بكرية
:
إيه الحكاية يا الدلعدي؟ (تخرج من
الدكان)
قطب
:
البت بكرية كانت فين امبارح بالليل يا ام
بكرية؟
أم بكرية
:
كانت فين ازاي؟ … كانت متلقحة جوة الدكان
… إيه الحكاية يا معلم؟
قطب
:
أمال ازاي الجارحي شافها مع الواد عبده
عند المخبأ.
أم بكرية
:
الجارحي؟ … الجارحي دا إيه! … إيه
الحكاية يا سي جارحي … بتقول شوفت بكرية
امبارح عند المخبأ؟ … إنت شفت بكرية يا
اعمى يا جربان … إنت تقول على بكرية كده …
يا اللي ينقص لسانك من اللغلوغ.
الجارحي
:
أيوة شفت بكرية واقفة مع عبده عند المخبأ
يا ست ام بكرية.
أم بكرية
:
إخرس قطع لسانك … قال ست بكرية قال … ست
عفاريت لما يركبوك انت واللي خلفوك.
الجارحي
:
وأنا قلت حاجة يا ست ام بكرية؟ … أنا
اتخايلت في واحدة تشبه بكرية.
أم بكرية
:
اتخايلت يا اللي ما تختشيش على عرضك! …
روح إنشا الله العالم تتخايل عليك وانت
قاعد مكسح … إحنا عندنا بنات تخرج تروح
مخابئ؟!
الجارحي
:
طب انا غلطان يا ست ام بكرية.
قطب
:
غلطان ازاي ياد يا جارحي … هيه أعراض
الناس كده بالساهل يعني ولَّا إيه!
الجارحي
:
كانت ساعة مغربية يا عم قطب والعتب ع
النظر.
قطب
:
أنا اللي يجيب سيرة بنتي … أجيب كرشه.
عارف يعني إيه أجيب كرشه؟!
(يهم واقفًا.)
الجارحي
:
طب خلاص يا عم قطب حقك عليا انا
غلطان.
بكرية
(تبكي)
:
آل شافني آل … دا انا حتى ما حطتش رجلي
برة الدكان طول النهار امبارح.
قطب
:
خلاص يا بت خشي جوة بلاش خوتة … وانت روح
انجر من هنا احسن نهارك يبقى اسود!
أم بكرية
:
أنا مش حاسيبه النهاردة الصايع الضايع ده
(تندفع نحوه) تعالى هنا يا دايخ يا اللي مش
لاقي تفطر (تضربه تمسك فيه وتمزق
جلبابه).
الجارحي
:
عاجبك كده يا معلم قطب الجلابية السكروتة
تقطعها لي … الجلابية السكروتة يا اخواتي
الجلابية السكروتة يا عم قطب … دي حتى مش
بتاعتنا يا ناس … الجلابية السكروتة يا
اخواتي!
(يدخل شنودة ومعه الحاج
فهمي.)
شنودة
:
خبر إيه يا ناس الدوشة دي على
الصبح!
قطب
:
سي الجارحي لبس سكروتة وعمل قمع.
الجارحي
:
الجلابية السكروتة يا عم شنودة
قطعوهالي.
شنودة
:
يبقى ما انتش مترقي في سنتك.
الجارحي
:
قطعوهالي يا عم شنودة.
شنودة
:
حد يقطع هدوم الشغل يا جارحي؟
الجارحي
:
قطعتها ام بكرية يا عم شنودة.
شنودة
:
بس هوه إيه اللي جرى يا جدعان.
أم بكرية
:
الواد اللي ما يختشيش يا عم شنودة آل إيه
شاف بكرية عند المخبأ مع عبده
المكوجي.
شنودة
:
كلام إيه ده يا جارحي؟ … مالكش
حق!
الجارحي
:
أنا اللي ماليش حق يا عم شنودة؟!
شنودة
:
طبعًا مالكش حق … وده كلام حد
يقوله؟
الجارحي
:
مش انت اللي قولت يا عم شنودة؟
شنودة
:
أنا يا واد قلت حاجة؟ انت اتهبلت في عقلك
ولَّا إيه!
قطب
:
إنت اتجننت ولَّا إيه يا واد؟
الجارحي
:
إنت يا عم شنودة مش قلت …
قطب
:
انجر يا واد من هنا بقى احسن اقوم
الخبطلك وشك!
الجارحي
(منصرفًا)
:
طب أديني انجريت يا عم قطب (لشنودة) بقى
انت ما قلتش يا عم شنودة؟ … ما قلتش … ما
قلتش …
(يختفي من المسرح.)
شنودة
:
عجايب! … الحرب لخبطت الناس ولَّا
إيه؟
(يدخل الحاج فهمي.)
قطب
:
اتفضل يا حاج فهمي … خشي يا بت يا بكرية
اعملي لنا شاي.
أم بكرية
:
لا انا اللي هاعمل لكم الشاي بإيدي … ألف
نهار ابيض يا حاج فهمي دا احنا زارنا النبي
النهاردة.
الحاج فهمي
:
الله يحفظك يا ست ام بكرية (لقطب) جاي في
كلمتين وماشي … أنا أصلي من غير مؤاخذة
عندي أوردر ولازم اروحه.
أم بكرية
:
إنت دايمًا مستعجل كده يا حاج فهمي …
والنبي لازم تشرب الشاي.
الحاج فهمي
:
اللهم صل عليه … طيب نشرب الشاي من إيدك
الحلوة دي.
(ينظر نحوها نظراتٍ ذات
مغزًى.)
قطب
:
ومستعجل ليه إن شاء الله … لازم وراك لوط
عربيات يا حاج فهمي.
الحاج فهمي
:
بصراحة … ما اخبيش عليك … أنا عندي شغل
مش أد كده إنما لازم اعمله … أصلي اديت
كلمة وانا كلمتي بريفكس يا معلم قطب … لما
ادي كلمة خلاص انجليزي.
قطب
:
حتشتري حاجة يعني من غير مؤاخذة؟
الحاج
:
أبدًا والله … ما اخبيش عليك انت مش غريب
… بقى انا أصل معرفتي بالجيش الانجليزي إيه
… إنت عارف انا كنت مُقرئ وبعدين في أول
الحرب الجماعة الهنادوة اللي كانوا بيموتوا
ويدفنوهم في الهرم … كانوا بيحتاجوا واحد
يقرأ عليهم من غير مؤاخذة … قول خدت انا
المقاولة دي.
شنودة
:
مقاولة إيه اللي انت خدتها؟
الحاج
:
القراية ع الميِّتين بتوع الجيش.
قطب
:
يعني اشتغلت مقاول قراية؟
الحاج
:
مظبوط وبكتير … الحتة بحتة بعشرة.
قطب
:
حتة إيه … السورة بحتة بعشرة؟
الحاج
:
لأ من غير مؤاخذة الجثة … الجثة بحتة
بعشرة … ويجيبوهم مكومين في اشولة … ميت
حتة ميتين حتة … وربنا بيكرمنا ونكر عليهم
سورة واحدة كلهم، واهو يوم نطلع بعشرين
جنيه ويوم بخمسين … ولما ربك يكون فاتحها
علينا قوي والحرب تحمى … أيام بنطلع بميت
جنيه وميتين جنيه.
شنودة
:
ولسة بتشتغل الشغلة دي؟
الحاج
:
أعمل إيه … اديت كلمة … وانا لما ادي
كلمة خلاص … وكمان اهو كل شيء بثوابه يا عم
شنودة.
شنودة
:
مفيش ميتين أقباط يا حاج فهمي؟
الحاج
:
كتير … إنما الجيش عنده قول ولا مِيت
متين قسيس يا عم شنودة … لابسين ظابط زي
الظباط تمام … حكمة ربنا ما تفرقش القسيس
من الظابط … وحكمة ربنا كمان … ما عندهمش
فُقَها ظباط.
شنودة
:
والله الجيش الانجليزي فرج ع العالم كلها
… الواد عبده بيبسطهم وانت تدفنهم.
الحاج
(لشنودة)
:
أهو كله بثوابه يا خواجة … إنت نويت
ولَّا لأ يا قطب؟ … الفلوس حاضرة في جيبي
أهي والحمد لله.
شنودة
:
ما تخلص بقى يا قطب الحاج فهمي له غرض …
ما تعصلجش بقى!
قطب
:
أنا قلت مش هابيع يا عم شنودة … الحاج
فهمي لو جاي على عيل من عيالي ادبحه … لكن
بيع مش هبيع.
الحاج فهمي
:
ولو بعت يا قطب انا عندي لك شغلة حلوة
قوي.
شنودة
:
كمان؟ ابسط يا عم.
قطب
:
شغلة إيه بقى من غير مؤاخذة؟
الحاج
:
أنا محتاج ملاحظ أنفار زيك كده … يعني
انت مش حتعمل حاجة … حتقعد ع الكرسي زي
الباشا طول النهار.
قطب
:
وبكام دي يا حاج فهمي؟
الحاج
:
بعشرة جنيه في الشهر يا معلم قطب.
قطب
:
ومن كام لكام الشغلة يا حاج فهمي.
الحاج
:
من ستة الصبح لستة المغرب.
قطب
:
بقى عاوزني اقعد من ستة الصبح لستة
المغرب بعشرة جنيه! … لا، الله الغني يا
حاج.
شنودة
:
طب ما انت قاعد اهه من ستة الصبح لستة
الصبح تاني يوم وببلاش يا قطب … وفيها إيه
لما تقعد من ستة الصبح لستة المغرب وتاخد
عشرة جنيه.
قطب
:
أبقى انا راجل قاعد احافظ على شرفي طول
عمري يا عم شنودة وبعدين اقبل شغلة طول
النهار بعشرة جنيه … لا يا عم انا اكلها
بدقة احسن.
شنودة
:
يا راجل ما تبقاش دماغك ناشفة.
قطب
:
وأنا إيه اللي يقومني الساعة ستة الصبح
يا عم شنودة؟ … بقى دا اسمه كلام … مش
شغال.
الحاج
:
إنت حر يا معلم قطب … رأيك إيه بقى في
البيع؟
قطب
:
لا مش بايع يا حاج فهمي … أنا اكلها بملح
واقعد في دكاني مبسوط أربعة وعشرين
قيراط.
الحاج
:
إنت حر بقى يا معلم قطب … أنا كنت عاوز
اشتري الشارع اعمله سرايات، واديني عملت
الى عليا والسلام … نستأجز احنا.
قطب
:
تستأجز ازاي؟ … لازم تشرب شاي!
الحاج
(وهو ينهض)
:
ما لوش لزوم.
أم بكرية
:
يا ندامتي! على فين يا حاج؟!
الحاج
:
ورايا شغل يا ست ام بكرية.
أم بكرية
:
وده يخلصك برضه يا حاج فهمي؟ … بقى عشان
احنا فُقَرا تقوم تقول مش عاوز تشرب
الشاي!
شنودة
:
اقعد بقى اشرب الشاي عشان خاطر ام
بكرية.
الحاج
:
هاتي يا ست ام بكرية من إيد
منعدمهاش.
أم بكرية
:
إنت مش حتشوف شغلانة للمعلم قطب يا
حاج؟
الحاج
:
يا ميت صلاة الزين … يا ميت مليون حلاوة
… دا يشتغل ملك وحياة النبي ملك إيه يا
اخويا … دا يشتغل كابتن … حاكم الكابتن في
الجيش الانجليزي ولا الملك.
أم بكرية
:
والنبي تشوفلو شغلانة عندك.
الحاج
:
أنا خدام … أنا تحت الأمر بدل الشغلة
شغلتين … وبدل الجنيه مية … المعلم قطب
يستاهل تقله دهب … يستاهل تقله ألماظ …
المعلم قطب انا خدامه انا عبد تحت رجليه …
يا ميت صلاة النبي على رجليه.
قطب
:
إيه هوه ده!
الحاج
:
إيه يا معلم قطب … وافقت؟ … إن كنت وافقت
انا خدامك … أنا فلوسي حاضرة والحمد
لله.
أم بكرية
:
ما توافق بقى يا معلم قطب امال.
شنودة
:
ما قلنا له يا ست شغلة بعشرة جنيه ماهوش
راضي.
أم بكرية
:
ماهوش راضي! … ماهوش راضي ازاي يا عم
شنودة … صحيح الكلام ده يا معلم؟
قطب
:
أيوة حتتدخلي في أموري ولَّا إيه؟
أم بكرية
:
أمور إيه يا معلم … إنت أمورك بقت عجب! …
مش احسن م اللطعة اللي ملطوعها دي … هوه
الشغل عيب يا جدعان هوه الشغل تهمة! …
العالم كلها بتشتغل … وانت حتفضل قاعد لحد
ما نموت م الجوع.
الحاج
:
معلهش يا ست ام بكرية مسير الحال يتعدل …
ده ربك كبير قوم بينا يا قطب.
قطب
:
حاتقوم بينا على فين؟
الحاج
:
على المخزن … أنا عندي في المخزن شوية
كراكيب كده مش محتاجينها لا مؤاخذة … اللي
ينفعك منها شيله.
شنودة
:
قوم معاه يا قطب يمكن النحس يغور.
(ينصرفان.)
شنودة
:
وادي قطب راخر راح المخزن … وحياة العذرا
القيامة لتقوم … (يدخل دكانه ثم يعود
بزجاجة)
(ينقطع الصوت داخل الدكان …
ويظهر عبده والجارحي في الشارع … جلباب الجارحي
لا يزال ممزقًا.)
عبده
:
مش عاجبك يا سي جارحي؟ … حاضر بلاش يا
سيدي … إنت وصلك كام لحد دلوقت؟
الجارحي
:
وصلني خمسة جنيه … وسبعة يبقوا
حداشر.
عبده
:
يبقوا اتناشر يا بجم.
الجارحي
:
وستين فضة خدتهم منك امبارح.
عبده
:
مش عاوز الستين فضة دول … أنا باتكلم ع
النقدية الكبيرة.
الجارحي
:
ماخدتش غير كده.
عبده
:
والجلابية نسيتها.
الجارحي
:
الجلابية ما اتقطعت يا عبده.
عبده
:
استلمتها مقطعة … ولَّا انت اللي
مقطعها؟
الجارحي
:
يعني عاوز تحسبها علي كمان يا
عبده؟
عبده
:
أمال انت فاهمها إيه … سايبة؟ … بس ساعة
الأخد زي المنشار … وبعدين كده شاطر تقولي
شرفي … حد مس شرفك!
الجارحي
:
ما هو عم شنودة اللي وزني يا عبده … أني
كنت اعلم حاجة!
عبده
:
عم شنودة متغاظ … شايفك انعدل حالك …
واترسمت حتة سكروتة وجزمة كاوتش … والفلوس
جريت في إيدك … لازم يخرب عليك … طب إيه
رأيك أأجر دكان شنودة؟
الجارحي
:
والعمل إيه بقى يا عم عبده؟
عبده
:
عاجبك تشتغل عاجبك … مش عاجبك …
السبعتاشر جنيه بكرة يكونوا عندي.
الجارحي
:
وأنا هاجيب السبعتاشر جنيه منين يا عم
عبده؟
عبده
:
استلفهم.
الجارحي
:
أستلفهم منين بس يا عم عبده؟!
عبده
:
استلفهم من شنودة … مش هوه اللي
وزك!
الجارحي
:
وهو شنودة لاقي يفطر!
عبده
:
اعرف شغلك … إنت مش راجل جدع وبتخاف على
شرفك؟ … دبر نفسك … (يدخل الدكانة) أو
اشتكيك للمرابط.
الجارحي
:
وأنا بس هاجيب الفلوس دي منين؟ … سبعتاشر
جنيه مهماش سبعتاشر تعريفة … دي مصيبة إيه
دي بس يا ربي! (ناظرًا للجلباب) وكمان
الجلابية اتقطعت … هيه عين وصابتنا يا
جدعان … الله يخرب بيتك يا عم شنودة …
خلَّا الفار لعب في عبي … والواد عبده شاطر
فرارجي وفتح فرن وقائد كمان … بالذمة مش
اجدع من المعلم قطب اللي قاعد يقشر درة جنب
الحيط … لكن الراجل شنودة خلَّا الفار لعب
في عبي … تجيب الفلوس ياد يا جارحي ولا
تخليك في السكروتة؟ … دا انا النهاردة فاطر
عسل نحل وعيش فينو … بكرة هافطر ملح …
حافطر ملح يا جارحي … والأكادة عم شنودة
بيكدب!
شنودة
(واقفًا على باب دكان
قطب)
:
إنت بتكلم نفسك ياد يا جارحي؟ … اتجننت
انت راخر؟ … السكروتة جننتك!
الجارحي
:
عم شنودة … مش عيب تكدب يا عم
شنودة!
شنودة
:
أنا يا واد كدبت؟
الجارحي
:
إنت مش قلت لي ان عبده ماشي في السكة
البطالة … والبت بكرية معاه؟
شنودة
:
حصل يا واد يا جارحي.
الجارحي
:
أمال بتنكر ليه قدام المعلم قطب؟
شنودة
:
يا واد لازم تسايس أمورك … هوه كل شيء
يتقال يا واد؟ … هتنك جلنف طول عمرك؟ … دول
ناس شر وربنا يكفينا شرهم … لازم تسايس
أمورك.
الجارحي
:
يعني اسايس أموري … يا عم شنودة؟ … طيب
هات سيجارة يا عم شنودة.
شنودة
:
وحياتك ما احتكم على نفَس.
الجارحي
:
طب هات قرش نشتري سيجارتين.
شنودة
:
ولا معايا ريحتهم.
الجارحي
:
يعني اسايس أموري بقى يا جدعان! … عم
عبده … عم عبده.
عبده
:
عاوز إيه يا جارحي؟
الجارحي
:
هات تلاتة جنيه.
عبده
:
تلاتة جنيه بتوع إيه؟
الجارحي
:
مش عليَّ سبعتاشر؟
عبده
:
أيوة.
الجارحي
:
طب هات تلاتة يبقوا عشرين.
عبده
:
يعني انت حتجيب الفلوس بكرة؟
الجارحي
:
هات بس يا عبده.
عبده
:
مش اعرف هادفع فلوس عشان إيه؟!
الجارحي
:
هات يا عبده تحت الحساب.
عبده
:
يعني حتخْوت دماغي تاني؟
الجارحي
:
يا عبده هات امال … سايس أمورك.
عبده
:
خد خمسة جنيه اهي.
الجارحي
:
يعني يبقوا كام؟
عبده
:
إنت يعني حتدفع!
الجارحي
:
بس اعرف حسابي يا عبده.
عبده
:
الحساب يوم الحساب … اسمع … الساعة
تمانية عاوز المخبأ نضيف … وراعي أكل عيشك
واغسل المخبأ كويس.
الجارحي
:
وإيه فايدة غسيله يا عبده؟ … ما هو برضه
هيتنُّوا وسخ … هيتنوا وسخ برضه دا ولا بحر
النيل ينضفه … (يتحسس رأسه) إلهي يخرب بيتك
يا عم شنودة!
(ستار)