الفصل الثالث

(نفس المنظر. بعد مضي زمن قصير من أحداث المشهد الثاني من الفصل الثاني … فترة الاستراحة فقط … أي ما يساوي العشرين دقيقة. شنودة يجلس أمام دكانه … خرمانًا … مفلسًا … مهمومًا … وكأنه يسبح في عالم آخر … يفيق فجأة بعد رفع الستار على صوت قطب يناديه.)

قطب : يا شنودة … يا شنودة.
شنودة : مين؟
قطب : أنا قطب تعالى.

(قطب يدخل المسرح وقد حمل في حجره أشياء كثيرة، منها علب مأكولات محفوظة.)

قطب : روح يا شنودة هات العلب اللي وقعت هناك دي.
شنودة : علب … علب إيه يا قطب؟
قطب : اجري بس هاتها وبعدين ابقى اسأل.

(يخرج شنودة من حيث دخل قطب … بينما يدخل قطب إلى دكانه فيترك فيها ما يحمل … ثم يعود فيجد شنودة قد أحضر العلب التي سقطت منه.)

شنودة : دي علب بولوبيف يا قطب؟
قطب : أيوة اسم الله عليك … والله انا ما كنت عارفها يا شنودة.
شنودة : مش عارفها ازاي … دا البولوبيف ده معروف قوي … دا شيء معتبَر خالص.
قطب : معمول من إيه ده يا عم شنودة؟
شنودة : معمول من إيه؟ البولوبيف؟ البولوبيف ده أصله يعني … زي ما تقول … بولوبيف.
قطب : آه … طب حط دول عندك انت في الدكانة … أنا لسة حاروح اجيب شيلة تانية وشوية سجاير معتبرين.
شنودة : إنت نطيت على كامب يا قطب ولَّا إيه؟
قطب : لا أبدًا وحياتك … دا من مخزن الراجل الطيب الحاج فهمي … الراجل ده كويس قوي يا عم شنودة.
شنودة : أيوة باين عليه راجل طيب.
قطب : تعرف يا شنودة لما روحت معاه المخزن جا مشاورلي على كوم كده وقال الحاجات دي مالهاش عوزة عندنا … تعرف لقيت إيه … يا محترم …حاجات بتاعة مية جنيه … وانا حاسيبك بقى عشان اروح احولهم … مش هاغيب عليك.
شنودة : روح يا قطب ربنا يسهل لك … روح يظهر النحس حايغور في ستين داهية.
قطب : دا ربك كبير يا عم شنودة … أهو رزقنا بالراجل الطيب الحاج فهمي ده عشان ناكل من وراه لقمة عيش (يرفع يديه إلى أعلى) ربنا يخليك يا حاج فهمي.
شنودة : ربنا عوض صبرك خير يا معلم قطب.
قطب : يا سلام يا عم شنودة … تصدق ان الراجل الأمير الحاج فهمي ده نفسه حلوة قوي … طب إيه رأيك انه عاوز ييجي يقعد هنا على طول.
شنودة : أمال يا أخي … راجل ابن أصول … روح انت يا قطب ربنا يسهل لك … روح … (ينصرف قطب) روح والعذرا القيامة لتقوم (يدخل دكانه) أما افتح واحدة من دول ادوقها.

(يظهر عبده وبكرية.)

بكرية : اوعى يا عبده انا مش ناقصاك.
عبده : إيه بس اللي حصل يا بكرية؟
بكرية : إنت عارف إيه اللي حصل؟
عبده : وحياتك انت ما انا عارف حاجة.
بكرية : ما انتش عارف ازاي؟ … أنا بقالي أسبوع خدت منك إيه؟
عبده : إنت واخدة مني الشهر اللي فات مية جنيه يا بكرية.
بكرية : إحنا في الشهر اللي فات ولَّا في النهاردة؟
عبده : وانت يعني خدتي ولَّا ماخدتيش ما هو كله علشانك … أنا بحوشه لأمي؟ … ما هو عشانك انت.
بكرية : اسمع يا عبده … أنا مبقتش بكرية بتاعة زمان … أنا الكلام دا ما بقاش يخش مخي … فلوسك انت حاجة … وفلوسي انا حاجة تانية … وعلى رأي المثل دراعك اليمين أقرب لك من دراعك الشمال.
عبده : إنت فاهمة اني بضحك عليكي يا بكرية … فاهماني عاوز اخمك … طب خدي … أنا محوش تلت تلاف جنيه شقا العمر كله … خديهم اهم.

(يضرب يده في وسطه وينزع حزامًا من الجلد يفتحه ينزع منه النقود.)

الفلوس اهه … خليها معاكي انت … عشان تعرفي إننا أكرم منك … أنا باموِّت نفسي في الشغل عشان إيه؟ … عاوز اتجوزك يا بكرية … وأعيشك طول عمرك واحدة ست … هاعوضك الأيام الغم اللي شفناها دي.
بكرية : وهانسيب الشغلة دي يا عبده؟
عبده : أمال انت فاهمة إيه؟ … أنا وحياة بكرية لو كانش دول انجليز ما كنت عملتها أبدًا … إنما الواحد بيقول دول جماعة انجليز لا نعرفهم ولا يعرفونا وبكرة يغوروا في ستين داهية واعيش انا وانت لوحدينا يا بكرية.
بكرية (وهي تتناول المبلغ) : أنا خايفة يا عبده.
عبده : ليه بقى يا بكرية؟
بكرية : يا ريتك بعدتني عن الجو ده … يا ريتك اشتغلت انت فيه وبعدتني عنه … يمكن كنت معاك حاجة تانية خالص.
عبده : وأنا كنت عارف إن انا هاحبك يا بكرية؟ … طب دا انا لما لضمت معاكي كنت عاوز اجر رجلك وبس … كنت عاوز اشغلك وخلاص لكن اعمل إيه … حبيتك يا بكرية وانا عمري ما حبيت … حتى امي ما حبتهاش يا بكرية … كنت دايمًا باشوفها وازورها صحيح … لكن عمري ما حبتها … شوفي عمري ما حبيت إلا انت. والحرب فاضل عليها تلت اربع تشهر وتغور في ستين داهية … نكون عملنا قرشين … ونعيش ملوك زمانا.
بكرية : طيب يا عبده انا حاخش اشيل الفلوس جوة واجي … استناني خمس دقايق بس.
عبده : هوه ابوكي جوة؟
بكرية : أنا عارفة! … مش انا جاية معاك لكن ما دام مش قاعد مطرحه يبقى جوة … حيروح فين يعني؟
عبده : طب ما تغيبيش.

(الحاج فهمي يدخل المسرح متلصصًا.)

عبده (يفاجئه) : مرحب حاج فهمي.
الحاج فهمي (مرتبكًا) : أهلًا عبده … ابن حلال، دا انا بدور عليك.
عبده : خير إن شاء الله.
الحاج فهمي : ما هو كله خير إن شاء الله … اسمع يا عبده (ينتحي به ركنًا) ألا اما يكون واحد بيحب واحدة يا عبده يقول لها إيه؟
عبده : يقول لها كل حاجة.
فهمي : مش فاهم.
عبده : مش هوه بيحب الست والست بتحبه؟
فهمي : أيوة يا عبده.
عبده : خلاص يلاغيها.
فهمي : يا سلام … يعني الواحد يلاغيها يا عبده؟
عبده : أمال.
فهمي : طيب وإيه الملاغية دي بقى؟
عبده : كلمتين حلوين كده … قرصة كده … بوسة كده … أمال … المسألة فهلوة وتفتيح عين.
فهمي : يا سلام … يعني الواحد يلاغيها.
عبده : أمال.
فهمي : طيب إيه هيه الملاغية دي يا عبده؟
عبده : يقول لها يا حبيبتي يا قمر … أنا بدوب فيكي.
فهمي : الله ينور عليك يا واد يا عبده … تعرف انا كنت لايص … مش عارف اقول إيه!
عبده : وهيه دي حاجة الواحد يلوص فيها … دي حاجات بولوتيكا كلها.
فهمي : حاكم انا يا عبده خام في الحاجات دي.
عبده : العفو يا حاج فهمي.
فهمي : زي ما بقول لك كده … والله … تعرف يا عبده … أنا لما كنت شاب … كنت غرقان لشوشتي في الطين، ما كنتش لاقي احلق، ولما ربنا سهلها بقيت غرقان لشوشتي برضه … بس مش في الطين يا عبده … في الموني.

(تخرج بكرية من دكان المعلم قطب متزينة.)

بكرية : إزيك يا حاج فهمي؟
فهمي : أهلًا … إزيك يا بنتي … هو ابوكي جوة؟
بكرية : لأ … ليه؟
فهمي : ده انا كنت عايزه في كلمتين.
بكرية : أنده لك امي يا حاج؟
فهمي : لأ انا عاوزه هوه … أنا حاقعد هنا استناه.
عبده : طيب عن إذنك يا حاج فهمي … واصلين مشوار وراجعين.

(يخرج عبده وبكرية.)

(الحاج فهمي متقدمًا في حذرٍ ناحية دكان قطب … فيفاجأ بخروج شنودة من الدكان وهو يتلمظ.)

شنودة (خارجًا من الدكان ناظرًا بدهشة للحاج فهمي وهو يتسلل إلى دكان قطب … يرقبه لحظة) : صباح الخير يا حاج فهمي.
فهمي (مذعورًا) : بسم الله الرحمن الرحيم … مين؟ … إزيك يا عم شنودة.
شنودة : أهلًا بالحاج فهمي … اتفضل.
فهمي : هوه قطب ما رجعش لسة ولَّا إيه؟
شنودة : رجع وراح تاني يا حاج … ده بيدعي لك قوي عشان الحاجات اللي انت قولتله يحولها م المخزن.
الحاج : واجب برضه يا عم شنودة … الناس لبعضها على كل حال.
شنودة : لا والله أصيل يا حاج فهمي … ما تقعد يا راجل.
فهمي : أنا خايف اعطلك ولَّا حاجة يا عم شنودة … يكون وراك مشوار عاوز تروحه … إن كان وراك مشوار روح … روح … روح.
شنودة : حاروح فين يا حسرة … دا انا ما بصدق حد اقعد معاه … دا انا لما اشوف حد اقعد معاه بابقى فرحان قوي … لا بقى ورانا شغلة ولا مشغلة.
الحاج : بكرة تتعدل يا عم شنودة … شيء إلهي يا عم شنودة انا بحب الحتة دي … زي ما يكون حد عملي عمل.
شنودة : ما هي حتة بتاعة حظ يا حاج فهمي … وانت راجل بتاع حظ طول عمرك … بس يا خسارة القعدة ما تحلوش إلا بالإزازة.
فهمي : طيب ما تجيب إزازة.
شنودة : ومنين يا حاج فهمي … آل العين بصيرة والإيد قصيرة.
الحاج : كلام إيه دا اللي انت بتقوله … إن ما كانش معاك فكة خد فكة لحد ربنا ما يفكها.
شنودة : ما لوش لازمة.
الحاج : ما لوش لازمة ازاي … إنت بتشرب إيه؟
شنودة : زمان ولَّا دلوقت؟
الحاج : هوه انا بسألك زمان ولَّا دلوقت؟
شنودة : أنا عارف! … وحياتك انت ما بقيت اعرف زمان من دلوقت غير بالصنف … حاكم زمان كنت اشرب كونياك … وبعدين مسكت في العرقي ودلوقت بشرب طافيا.
الحاج : والطافيا دي بكام يا عم شنودة؟
شنودة : الإزازة بربع جنيه.
الحاج : جنيه اهه لحد ربنا ما يفرجها … قوم اخطف رجلك هات الإزازة خلي القعدة تحلو.
شنودة (ينهض) : طيب انا مش هاغيب عليك.
الحاج : ولَّا غيب … أنا قاعد هنا مستنظرك … (ناظرًا نحو دكان قطب) يا جميل هافضل مستنظرك يا حلو.
شنودة (يتوقف عن المشي وينظر لنفسه من الخلف) : جميل المنظر؟ … عاجبك قوي يا حاج فهمي؟
الحاج : النفس الحلوة لها الجنة … طب وحياة سيدنا النبي المنظر هنا احسن م القبة الفداوية.
شنودة : طيب خليك قاعد بقى … أنا مش حاغيب عليك (ينصرف).
الحاج : لا خد راحتك قوي … (ينهض ويقترب من دكان المعلم قطب … ويزعق عليه بصوت خفيض) يا معلم قطب … يا معلم قطب.
أم بكرية : أيوة … مين؟
الحاج : أنا الحاج فهمي يا ست ام بكرية.
أم بكرية : أهلًا وسهلًا … اتفضل.
الحاج : ما لوش لزوم … أصل انا كنت عاوز اقول لك كلمتين.
أم بكرية : أيوة يا حاج خير بإذن الله؟
الحاج : خير يا ست ام بكرية. الناس لبعضيها برضه يا ست ام بكرية … وانا راجل ألفي ومبسوط وربنا رزقني وفلوسي جاهزة والحمد لله … وعاوز يعني …
أم بكرية : اللي انت عاوزه على عيني وراسي يا حاج.
الحاج : تسلمي يا ست ام بكرية … أنا عاوز اقول يعني … آدي عشرة جنيه يمكن تكونوا محتاجينها … وكل شهر ان شاء الله مستعد ادفع زيهم وان احتجتوا حاجة في نص الشهر انا خدام.
أم بكرية : إلهي يخليك لشبابك يا حاج فهمي.
الحاج (ضاربًا إياها على صدرها) : دهده … هوه عاد شباب بقى يا ست ام بكرية!
أم بكرية : ليه يا حاج … دا انت شباب ملو هدومك … هو انت بيعجبك العيال بتوع الأيام دي؟ دول ما فيهمش مروَّة … هو فيه رجالة غير بتوع زمان!
الحاج (ضاحكًا) : أيوة ما هو الدهن في العتاقي.
أم بكرية : اسم الله عليك … حقة بقينا عتاقي يا حاج؟
الحاج : بقى انت عتاقي يا ام بكرية؟ … دا انت البدارة بحق وحقيق.
أم بكرية (بدلال) : والله الهم ما خلَّا في الواحد حاجة … دا انا كنت اسم الله على مقامك بدر منور.
الحاج : يا سلام يا ست ام بكرية … تعرفي انا ما نمتش من ليلة اول امبارح!
أم بكرية : ليه يا اخويا بعد الشر عليك … عيان؟
الحاج : ولا عيان ولا حاجة … إنما شيء إلهي زي ما يكون شيء بيجرجرني ع الحتة دي.
أم بكرية (بدلال) : ما هي قعدة شنودة حلوة.
الحاجة : داهية تقطع شنودة وأيامه … هوه لو كان عشان شنودة لوحده كنت بصيت في خلقته؟!
أم بكرية (بدلال أكثر) : أمال عشان مين يا حاج؟
الحاج : أنا حكم ما بقتش طايق خلاص … أنا … أنا … أنا …
أم بكرية : إنت إيه يا حاج فهمي؟

(تسمع وقع أقدام.)

الحاج : دا فيه حد جاي.
أم بكرية : طيب لما اجري ع الدكان احسن انا راسي عريانة.
الحاج : طب ما تخشي هنا في دكان شنودة لحد ما يفوت … خشي ما فيش حد جوة (تدخل دكانة شنودة ويدخل خلفها).
شنودة (يظهر على المسرح صاحب الأثر الذي سمعه الحاج وظن أنه عبده، معه زجاجة طافيا وورقة ملفوفة فيها بعض الطعام … ينظر إلى كرسي الحاج طويلًا) : … هو راح فين يا اخويا! … الناس بقت زي فرقع لوز ليه اليومين دول؟ … يلَّا (يجلس ويفتح الزجاجة ويشمها) يا سلام (يغني) والله زمان وانت حارمني … أما اقوم اجيب كباية من جوة … (ينهض ويهم بدخول الدكان فيفاجأ بالحاج وأم بكرية. يقف مكانه لحظات يفكر بعمق في الخطوة التي يجب عليه اتخاذها، ثم ينسحب دون أن يشعر به الحاج أو أم بكرية، ويعود إلى مجلسه وقد بدا عليه أسًى شديد. يفتح الزجاجة ويشرب ربعها مرة واحدة) هيه … دكانتي بقت مخبأ … ما فيش حد احسن من حد! … بقيت جارحي انا راخر (ممسكًا بالفانلة) بس من غير سكروتة … (ممسكًا الزجاجة) السكروتة بتاعتي اهه (يشرب) وصلنا يا جدعان … وصلنا!
الله … بقيت في الجيش المرابط انا … بقيت جارحي والقيامة ما قامتش!
أم بكرية (تضحك) : لا والنبي يا حاج فهمي!
شنودة : حلو قوي … بقيت فرارجي يا جدعان! (يشرب) فتحت فرن يا شنودة؟ (ينظر للزجاجة) بس فرن إيه ده اللي بإزازة … دا ولا اللي فاتح سبيل!

(يدخل الجارحي المسرح مهرولًا.)

الجارحي : عم شنودة … ماشفتش الواد عبده؟
شنودة : لأ يا جارحي … تعالى يا واد يا جارحي … تعالى سلم علي انت جدع يا واد.
الجارحي : ما انا طول عمري جدع يا عم شنودة.
شنودة : لأ انت النهاردة اجدع.
الجارحي : عجايب يا اخواتي … إنت يعني النهاردة ملعلع قوي والإزازة باين عليها لسة طازة.
شنودة : أصلي فتحت مخبأ يا واد.
الجارحي : فتحت مخبأ؟ … وخدت إذن م الحكومة؟
شنودة : لأ مخبأ أهلي.
الجارحي : وهنخبي فيه انجليز يا عم شنودة؟
شنودة : لا يا واد يا جارحي … حاخبي فيه حجاج.
الجارحي : والحجاج حيستخبوا ليه؟ خايفين م الطيارات روخرين؟
شنودة : لا … خايفين من المعلم قطب.
الجارحي : طب لما اقوم اشوفه … حاكم حصل حتة دين فصل النهاردة يا عم شنودة!
شنودة : كده! … فصل إيه اللي حصل؟
الجارحي : النهاردة فيه تفتيش ع المخبأ … وعبده كان معاه جماعة عاوزين يأجروه.
شنودة : كده! … لأ قوم دور عليه … بقى مخبأك عليه تفتيش النهاردة الحمد لله مخبأي انا سكته سالكة … وماعندوش مفتشين.
الجارحي : الله! انت صحيح فتحت مخبأ يا عم شنودة؟
شنودة : أمال يعني بهزر يا واد.
الجارحي : طب اجبلك عسكري جيش مرابط يقعد عليه؟
شنودة : ما اني قاعد اهه … ما انا مرابط اهه يا جارحي … إيه الفرق يا واد! (ناظرًا لملابسه) ولَّا عشان دا ابيض؟ … أصبغه كاكي إذا كنت عاوز!
الجارحي : إنت باين عليك سكرت وبتخرف.
شنودة : والله ما انت فاهم حاجة ياد يا جارحي … حتنَّك طول عمرك بهيم.
الجارحي : هوه القطران اللي انت بتشربه دا حيخلي فيك عقل! … والله ما حيخلي فيك عقل (ينصرف).
شنودة : عنه ما خلا … إحنا يعني عملنا إيه بالعقل (يغني) العقل زينة … (يشرب الزجاجة) العقل يا هوه … ولَّا اقف واقول النحل يا هوه … (يصفق بيديه) النحل يا هوه النحل يا هوه … يا عالم الغارة … خلصت … دول يظهر انهم ماتوا … أما اقوم اخطف رجلي اجيب إزازة تانية … أجيب إزازة تانية ماحدش عارف … فرصة … يمكن الحاج ما يرجعش مخبأي تاني … يمكن يروح للجارحي.

(ضحك أم بكرية.)

قطب (يلتفت ناحية الصوت) : منين يا اخويا الحاجات الحلوة دي … دكان عبده وقافل … يكون شنودة؟ (ترتفع الضحكات مرة أخرى) الله! … مظبوط من عند شنودة … الراجل اتجنن … لازم وقع في وزة نضيفة! (يقترب من ناحية دكان شنودة ثم يتراجع) إخص عليك صحيح شايب وعايب! (ترتفع الضحكات مرة أخرى … مبتهجًا في صخب) يا ميت حلاوة! (ترتفع الضحكات مرة أخرى … صائحًا) يا ترى منين الوزة دي؟ ياما نفسي اشوفها بعيني … أقول لك يا عم شنودة (يجلس) والله لقاعد ع الباب لحد ما تطلع … أما حتبقى فرجة (يفتح بعض العلب ويأكل، يدخل شنودة المسرح ومعه زجاجة) الله! … مين؟ … شنودة؟
شنودة : المعلم قطب (يندفع نحوه) إزيك؟
قطب : إزيك انت … إنت برة والشغل داير في دكانك؟
شنودة (مرتبكًا) : أنا بالحق ما شفت حاجة يا معلم قطب.
قطب : دا انا باحسبك انت يا شنودة.
شنودة : وأنا واللي خلقك ما شفت حاجة يا معلم قطب.
قطب : ما تيجي نشوف دا مين.
شنودة : إحنا مالنا يا قطب. ما تخلينا في حالنا.
قطب : تخليك في حالك؟ … حلوة دي … دي دكانك يا شنودة.
شنودة : ما يمكن أرواح يا معلم قطب؟
قطب : أرواح! الأرواح بتزغزغ بعض يا شنودة؟
شنودة : ما يمكن أرواح ناس زي الواد عبده؟
قطب : يا راجل اوعى اما نشوف مين اللي جوة … ما دهية … يكون واد انجليزي جوة الدكان!
شنودة : ما تفرض انه انجليزي يبقى حنخش ليه؟ … مش جايز يكون معاه نار يا معلم قطب؟
قطب : وافرض معاه نار … إذا كان انجليزي مش حنتخانق … نغوره … في ستين داهية وبس.
شنودة : يا قطب مالناش دعوة.
قطب : يا راجل اوعى … الله بقى … هوه احنا حنفتح فرارجية زي الواد عبده! (يندفع نحو الدكان وشنودة خلفه) الله! الحاج فهمي؟ … ومين؟ … أم بكرية؟ … أم بكرية! بتعملي إيه هنا يا ست؟!
الحاج : إحنا يا معلم قطب من غير مؤاخذة …
قطب : ومن غير مؤاخذة كمان يا حاج فهمي؟ … من غير مؤاخذة يا ابو فلوس حاضرة والحمد لله؟ … يا راجل يا طيب!
شنودة : ما بلاش الفضايح دي يا قطب … الحاج كان بيتفاهم مع ام بكرية.
قطب : بيتفاهم يا شنودة؟ … بيتفاهم؟ … بقى انا اللي قاعد طول عمري محافظ على شرفي يجرى لي كده! … ومن مين؟ … أم بكرية؟ … اوعى … سيب (يخلع الجلباب) اوعى يا شنودة (يمزق الفانلة).
شنودة : خد رايح فين؟!
قطب : اوعى سيبني يا شنودة … أحسن اجيب كرشك!
الحاج : أنا خدامك يا معلم قطب … اللي انت عاوزه كله انا خدامك … فلوسي حاضرة والحمد لله.
قطب : خدامي … يا ضلالي … أنا المعلم قطب يحصل لي دا كله؟! … طب علي الحرام من عيشتي لجايب كرشك (يندفع نحو الدكان وشنودة خلفه).
الحاج : هو قطب اتجنن ولا إيه؟!
أم بكرية : إنت واقف ليه؟ … ماتيلَّا بينا!
الحاج : يلَّا بينا على فين يا ام بكرية؟
أم بكرية : يلَّا نهرب من هنا.
الحاج : أهرب فين بس؟ … أنا راجل صاحب عيال وعندي أشغال … أنا ورايا أشغال يا ست ام بكرية!
أم بكرية : أشغال في عينك راجل ما تختشيش … ولما وراك أشغال إيه اللي جابك تخرب علي؟!
الحاج : أشغال بس يا ست ام بكرية … أشغال!
أم بكرية (تصفعه بالقلم) : امش قدامي يا راجل يا عرة!
قطب : اوعى يا شنودة … أنا لازم اشرب من دمهم.
شنودة : يا راجل اعقل.
قطب : اوعى يا شنودة (يصفعه على وجهه).

(يندفع بالسكين إلى داخل الدكان، ويكون الناس قد تجمهروا حول شنودة.)

أصوات : إيه العبارة يا خواجة شنودة؟!
شنودة : عبارة سودة بعيد عنكم.
أصوات : إيه اللي حصل؟
شنودة : ولا حاجة.
أصوات : جرا إيه للمعلم قطب يا عم شنودة؟
شنودة : مصيبة كبرى بعيد عنكم.

(يندفع قطب خارجًا من الدكان.)

قطب (والسكين في يده) : همه راحوا فين؟ … راحو فين؟

(يخرج وخلفه شنودة. يبدأ الناس في الانصراف ويتبعون قطب وشنودة ويخلون المسرح تمامًا، ويدخل سمير قادمًا من إحدى الحواري يرتدي بدلة الشغل ليتقدم إلى دكان شنودة، وينادي عليه فلا يرد أحد، فينادي على قطب فلا يرد أحد، فيجلس على الكرسي.)

سمير : همه راحوا فين يا اخويا؟ دي حكاية تنكتب في الجرانين … عم شنودة وقطب سابوا الحتة؟ دا لازم للشديد القوي! (يجلس ويفتح جرنالًا ويقرأ) «الألمان ينسحبون على طول الجبهة …» (يتوقف عن القراءة عندما تتصاعد في الجو ضحكة امرأة، فينظر نحو مصدر الصوت فيرى هدية في ملابس صارخة الألوان ومعها جندي إنجليزي يترنح من شدة السكر، هدية معها سيجارة وسكرانة، فيهب سمير واقفًا ينظر نحوهما بغيظ).
هدية (تضحك) : هالو سمير … هاو دو يو دو؟
سمير : إخص عليكي وعلى اللي رباكي! … مش مكسوفة من نفسك والنبي؟
هدية (تتوقف مع العسكري أمام سمير) : مكسوفة من إيه يا الدلعدي! قاعدة مع قطب؟ مصاحبة شنودة؟ ملطوعة طول النهار جنب الحيط لا شغلة ولا مشغلة (تضحك).
الإنجليزي (ينظر لهدية ويشاور على سمير) : نو جود.
سمير : طب امشي انجري من هنا احسن وحياة النبي اشرب من دمك!
هدية : هه … ما يحكمش … حاسب شوية ما تتحمقش قوي كده! … واقفة في ملكك انا؟ … ولَّا واقفة في ملكك؟
سمير : والنبي ان ما مشيتي لموتك!
هدية : تموتني؟ … تموتني دا إيه يا الدلعدي … ما يحكمش!
سمير (يتقدم نحوها) : خدي الكلب دا في إيدك بقول لك وانجري من هنا.
الإنجليزي : إيه ولد! يلَّا … نو جود بوي.
سمير (يدفع هدية بيده) : غوري في ستين داهية.
الإنجليزي : ولد شوفتي بنت.
سمير : روح اتنيل انت راخر!
الإنجليزي : يو نايت.
سمير : دا انا نايت أبوك … (يضربه والإنجليزي يبادله الضرب … ثم يقع سمير على الأرض، فينتزع الإنجليزى مطواة من جيبه ويهم بقتل سمير، فتصرخ هدية وتهجم على الإنجليزي من الخلف فيدفعها بيده وتسقط على الأرض، فتنهض وتسحب زجاجة عم شنودة وتنهال بها ضربًا على رأسه ليسقط على الأرض، ثم ينهض فتنهال عليه ضربًا مرة أخرى فيسقط على الأرض، ثم ينهض ويصرخ ويفر مذعورًا، فتحاول أن تلحق به فيهجم عليها سمير ويمنعها، فتحاول اللحاق بالإنجليزي وقد استحوذت عليها حالة هستيرية وتبكي بحرقة).
سمير : إيه يا هدية! … هدية انتي كنتي هتموتي … العسكري الإنجليزي.
هدية (وهي تبكي) : ما هو كان حيموتك يا سمير.
سمير : طيب يلَّا بينا يا هدية … يلَّا يا حبيبتي.
هدية : حنروح على فين يا سمير؟
سمير : تعالي نروح أي حتة … المهم نبعد دلوقت عن الحتة دي … الراجل الإنجليزي ده مش حيسكت.
هدية : طب بس انا حاروح فين؟

(يدخل شنودة لاهثًا متعبًا.)

شنودة (ناظرًا لسمير) : إيه الحكاية يا ابني يا سمير؟
سمير : ولا حاجة يا عم شنودة … دا واد انجليزي رذل رمى جتته علينا.
شنودة : ومين دي؟ … هدية! … إزيك يا ام مزيكة؟
هدية : جرا إيه يا عم شنودة!
سمير : دي كانت حتموت الانجليزي عشاني يا عم شنودة.
شنودة : هدية … اللي كانت حتموت الانجليزي؟ … عجايب!
سمير : آي والله يا عم شنودة.
شنودة : طب على خيرة الله … ربنا يهدي العاصي.
سمير : مسكينة والله يا عم شنودة … أهي مش عارفة تروح فين.
شنودة : إنتو مش بتحبوا بعض؟ ما تتجوزا وتتاووا في أي حتة.
سمير : فين بس يا عم شنودة؟ … ما انت عارف أزمة المساكن … دا انا وامي ساكنين في حتة أوضة … يعني اخدها تنام معايا انا وامي؟
شنودة : ما تنام انت عندها يا سمير.
سمير : ما هي ساكنة مع اربعة من زمايلها اللي بيشتغلوا في صالة شوشو فرنساوي.
شنودة : ورطة بالحق يا سمير.
سمير : أهي لما جت الفاس في الراس الواحد اتلبخ يا عم شنودة.
شنودة : وحتتلبخ ليه؟ … ما تيجي تناموا في دكانتي.
سمير : صحيح يا عم شنودة … يعني نقدر نقعد كام يوم كده لحد ما ندبر أمورنا؟
شنودة : الدكان تحت أمرك يا ابني … روح هات أي حاجة تناموا عليها وتعالى اقعد في الدكان.
سمير : والله فكرة يا عم شنودة … إيه رأيك يا هدية؟
هدية : أنا ماليش رأي يا سمير … اللي تشوفه.
سمير : يعني ننام في دكان شنودة؟
هدية : اللي تشوفه يا سمير.
سمير : طيب يلا بينا يا هدية … يلَّا نجيب أي حاجة ونيجي.

(ينصرفان من المسرح ويبقى شنودة.)

شنودة (ناظرًا إلى الجهة التي انصرفا منها) : بس إياك تُصدق امال وتعيش معاه. (ممسكًا بالزجاجة) انكسرت رخرة! (ضاربًا يده في جيبه) طيب نروح نجيب إزازة تانية … بس اياك ربنا ما يرزقناش باللي يكسرها (ينصرف).

(بعد انصرافه يدخل المسرح الإنجليزي الذي ضربته هدية … ومعه جنود كثيرون يشير لهم إلى الشارع ويتكلم معهم ثم يسقط مترنحًا على الأرض فاقد الوعي … ينهال الإنجليز تكسيرًا وتحطيمًا في الشارع، ويعتدون على المارَّة أثناء المعركة، يدخل قطب إلى المسرح ممزق الفانلة منكوش الشعر شاهرًا سكينه في يده فيفاجأ بالإنجليز.)

قطب : إيه ده يا ولاد المجنونة؟ … غليتوا المش علينا وخربتوا بيتنا! … خربتوا بيوتنا يا ولاد الهرمة!

(يتحاشاه الإنجليز في بداية الأمر … ثم ينهال عليه أحدهم بقضيبٍ حديدي في يده ويهوي على رأسه.)

قطب : آي … وكمان حتموتوني؟ طب خد! (يضرب أحدهم بالسكين ثم يضرب الآخر ويجري فيجرون خلفه وهم ينهالون عليه بقضبان الحديد والزجاجات والمطاوي … يسقط قطب في نهاية المسرح … ثم ينهض ويختفي والإنجليز خلفه يتبعونه في إصرار، ثم يعودون ينظفون أسلحتهم ويحملون الإنجليز الجرحى وينسحبون من المسرح … وتضاء الأنوار، ومع الأنوار التي تضاء بالتدريج يدخل عبده والجارحي وبكرية المسرح.)
عبده : إيه ده! … بسم الله الرحمن الرحيم … هيه حصلت غارة ولَّا إيه؟
بكرية : يعني هيه الغارة مش حتحصل إلا على شارعنا؟ … ما الدنيا كلها في أمان الله!
عبده : أمال إيه اللي حصل؟ … دا زي ما يكون طور هايج … دخل الشارع.
الجارحي : غضب ربنا وحياة سيدي بدر.
عبده : يا أخي اتنيل واقفل بقك انت راخر!
الجارحي : ليه هو انت هتسد بُقي كمان يا عبده؟ … إنت بتأجر المخبأ ولا بتأجر بقي؟!
عبده : إنت تتكتم.
الجارحي : طب انا مش هاتكتم يا عبده … أنا مش هاتكتم.
بكرية : إحنا حنتخانق ولَّا نشوف إيه اللي حصل؟
عبده : اللي حصل ما هو باين قدام عنينا اهه.
بكرية (تنادي على أمها) : يا ماما … يا ماما.
عبده : ماما إيه انت راخرة! … ما الدكان قدامك حتت اهه … هوه معقول يبقى فيه ماما جوة؟
بكرية : أمال إيه اللي جرا يا عبده؟ (تبكي) يا حبيبتي يا ماما …يا ترى إيه اللي جرى؟

(يدخل شنودة المسرح يترنح من شدة السكر.)

شنودة : يوه … يوه … يوه … إيه ده! … هو اتجنن المعلم قطب؟!
عبده : إيه اللي حصل يا عم شنودة؟
شنودة : المعلم قطب جري ورا مراته والحاج فهمي.
بكرية (صارخة) : يا حبيبتي يامه … يا حبيبتي يامه.
عبده : جري وراهم ليه؟
شنودة : ضبطهم مع بعض في المخبأ.
عبده (للجارحي) : إنت فاتح المخبأ على البحري يا ضلالي؟
شنودة : لا يا عبده … مش مخبأ الجارحي دا مخبأ تاني … مخبأ أهلي.
بكرية (باكية) : وأبويا فين دلوقت يا عم شنودة؟
شنودة : أبوكي مسك سكينة وجري وراهم.
بكرية : يلَّا يا عبده نهرب انا خايفة من ابويا.
عبده : وحنهرب نروح فين؟ … إحنا عملنا حاجة؟
بكرية : أنا خايفة يا عبده يلَّا نروح اسكندرية.
عبده : إيه اللي حيودينا اسكندرية؟ … إحنا ربنا سهل لنا هنا والحمد لله.
بكرية : أنا خايفة ابويا يموتني يا عبده.
عبده : وحيموتك ليه؟ هو اتجنن!
شنودة : هو اتجنن بس؟ دا الجنان كويس … دا اتخبل في عقله بعيد عنكو.
عبده : الفلوس فين يا بكرية؟
بكرية : الفلوس معايا عاوز منها إيه؟
عبده : هاتيها ويلَّا بينا.
بكرية : حنروح اسكندرية يا عبده؟
عبده : إسكندرية إيه وبتاع إيه! … إحنا نشوف لنا مطرح هنا قريب نقعد فيه لحد ما الأمور تهدا.
بكرية : يعني مش عاوز تروح اسكندرية يا عبده؟
عبده : بعدين نروح اسكندرية يا حبيبتي … بعدين … لما الحرب تخلص نبقى نروح أي حتة على كيفنا … اسمعي … أنا حستناكي عند المخبأ عشان انا عندي معاد مهم قوي مع واحد انجليزي مليان فلوس … يلا ما تغيبيش … خليك معاها يا واد يا جارحي.
بكرية : واد يا جارحي … تيجي تروح معايا اسكندرية؟
الجارحي : والمخبأ يا بكرية؟
بكرية : إنت يعني بتاخد إيه م المخبأ؟
الجارحي : أهو ربنا رازقها.
بكرية : أهو برضه هيرزقك.
الجارحي : وعبده مش حييجي معانا؟
بكرية : إنت مالك ومال عبده! … إنت حتيجي معايا ولَّا لأ؟
الجارحي : أيوة بس حاعمل معاكي إيه؟
بكرية : تهرب معايا … استنى اما اخش اجيب الفلوس واجي.

(تدخل المسرح هدية وسمير يحملان بعض الأمتعة.)

سمير : إيه دا يا واد يا جارحي … إيه اللي حصل؟
الجارحي : عمك قطب اتخبل في عقله … قتل مراته والحاج فهمي.
سمير : وراح على فين يا جارحي؟
الجارحي : داير زي المجنون في كل حتة. هيه عين وصابتنا وحياة سيدي بدر.
سمير : لا حول ولا قوة إلا بالله … يلَّا يا هدية … (يقتربان من دكان شنودة) يا عم شنودة … عم شنودة.

(يدخلان.)

بكرية (تخرج من الدكان) : قلت إيه يا جارحي؟
الجارحي : هاقول إيه بس يا ست بكرية!
بكرية : حتيجي معايا ولَّا لأ؟
الجارحي : وبس حاجي معاكي اشتغل إيه؟
بكرية : تشتغل زي عبده.
الجارحي : وهوه انا اعرف اشتغل زي عبده؟
بكرية : مالكش دعوة بالشغل … إنت تتجوزني وبس.
الجارحي (يفرح) : أتجوزك انت يا بكرية؟
بكرية : أيوة … الست ما دام متجوزة تبقى حرة … ما حدش له دعوة بيها.
الجارحي : طب وناكل طوب يا بكرية؟
بكرية : ما احنا حنشتغل … وانا معايا كمان تلت تلاف جنيه … بتوع عبده نصرف منهم.
الجارحي : تلت تلاف إيه!
بكرية : تلت تلاف جنيه.
الجارحي : يلَّا بينا يا بكرية … سلامو عليكو يا سمير.
سمير : على فين يا جارحي؟
الجارحي : على بلاد الله … سلامو عليكو انا …
سمير : مع السلامة يا جارحي.

(يختفي الجارحي خلف بكرية.)

هدية : صفصفت الحتة والله يا ناس … يا ميت خسارة.

(يخرج شنودة من الدكان.)

شنودة (تنطلق صفارة الإنذار) : أيوة ازعقي … ازعقي ما بقت خراب! وحياة العذرا القيامة لتقوم.
هدية : ولا حتقوم ولا حاجة يا عم شنودة … دا ربك بيمتحن العباد … ويا بخت اللي ينجح.
شنودة : أيوة يا بخت اللي ينجح. يا بختك انت يا هدية.
هدية : أنا يا عم شنودة؟ دا انا ساقطة بالتلاتة!
شنودة : إنت لسة قدامك كتير. إنما احنا خلاص بقى يلَّا حسن الختام.
هدية : ولا حسن الختام ولا حاجة … بكرة تتعدل.

(يدخل عبده إلى المسرح لاهثًا زائغ النظرات.)

عبده : عم شنودة … البت بكرية فين هيه والواد الجارحي؟
شنودة : والله ما انا عارف يا عبده … هو انا عاد فيه دماغ اعرف حاجة!
سمير : ما هربت يا عبده … اتجوزت الجارحي وهربت.
عبده : كلام إيه اللي انت بتقوله يا واد يا سمير!
سمير : وأنا مالي انا يا عبده … همه اللي قالوا لي.
عبده : هربوا ازاي يا واد؟
سمير : خايفة من ابوها ليقتلها.
عبده : هيقتلها ازاي وهو مقتول!
شنودة : مقتول؟ … مين اللي مقتول يا عبده؟
عبده : المعلم قطب … مرمي عند المخبأ والناس بتقول الإنجليز موتوه. إنما البت بكرية والواد جارحي راحوا فين؟
سمير : بقول لك طفشوا يا عبده.
عبده : طفشوا ازاي! … والتلات تلاف جنيه؟
شنودة : تلات تلاف جنيه بتوع إيه يا عبده؟
عبده : شقى العمر كله يا عم شنودة … شقى العمر كله … اللي دبقتهم في حياتي شوية م الشمال وشوية م اليمين … تاخدهم بكرية بنت قطب وتهرب! … وراحت على فين يا واد يا سمير؟
سمير : أنا شوفت! … أهي هربت وبس.
عبده : هربت بكرية بنت قطب … والفلوس راحت يا عم شنودة (يبكي) الفلوس راحت.
شنودة : وحتعيط ليه يا ابني يا عبده … ما كل شيء راح هوه فيه حاجة فضلت!
عبده (وهو يبكي) : ما كانتش لاقية تفطر يا عم شنودة … أنا اللي عملتها واحدة ست وحياتك … والواد الجارحي الجربان … الواد الجارحي الجربان يعمل كده يا عم شنودة!
شنودة : إنت اللي علمته يا عبده … تربية إيدك دي.
عبده : أنا عارف هيه راحت فين. هيه راحت اسكندرية. أنا وراكي يا بكرية والزمن طويل … شقى العمر كله … شقى العمر يا عم شنودة … طيب يا بكرية … أحلق شنبي ان ما شربت من دمك.

(ينصرف ويختفي من المسرح.)

هدية : تبقى خيبة لو عتر فيها وموتها.
شنودة : ده؟ … ولا يقدر يموت فرخة!
هدية : وتفتكر حيلاقيها يا عم شنودة؟
شنودة : حيلاقيها فين! دي إبرة في كوم قش.
هدية : طيب هيعمل إيه بعد كده؟
شنودة : ولا حاجة! حيحلق شنبه.
سمير : طيب قلت إيه يا عم شنودة؟
شنودة : في إيه يا ابني؟
سمير : في الدكانة.
شنودة : أنا دكاني تحت أمرك يا ابني.
سمير : طب احنا حنقعد بس كام يوم كده لحد ما نشوف مطرح يا عم شنودة.
شنودة : وكام يوم ليه … ما تقعدوا على طول … أنا هاتوكل على الله.
سمير : تتوكل على فين يا عم شنودة؟
شنودة : حارجع بلدي تاني يا ابني … ع الأقل لما اموت ألاقي اللي يشيلوني … إنما هنا بلد جاحدة … اللي يموت فيها ما يلاقيش اللي يشيله.
هدية : ما انت قاعد معانا يا عم شنودة.
شنودة : أقعد معاكو اعمل إيه يا بنتي … إنتو لسة قدامكو ياما … إنما انا خلاص … خشي هاتيلي الصور اللي جوة.
هدية : الصور اهه (تمد يدها بصور القديس).
شنودة : أيوة. كتر خيرك يا بنتي … بيني وبينك لما بابص لهم بانكسف.
هدية : وتنكسف من إيه يا عم شنودة؟
شنودة : أهو بقى … ما لوش لازمة. المهم انهم فضلوا … أهم اللي طلعنا بيهم م الدنيا … ما عدش غيرهم. سعيدة بقى يا ابني يا سمير … سعيدة يا بنتي يا هدية. أنا راجع بلدنا تاني … لسة فاضل معايا حق القطر. يا سلام … إخص على دي بلد. ما عدش ينفع فيها غير الفرارجية وبتوع المخابئ وولاد بديعة. سعيدة بقى. سعيدة كلكو.
هدية : مع السلامة يا عم شنودة … مع السلامة.
سمير : يلَّا يا هدية … يلَّا ننضف الشارع (ينهمكان في رفع الأنقاض تتصاعد في الجو صفارة الأمان) مش قلت لك يا هدية!
(ستار)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤