استفد من تجاربي
ميزة إنسان على إنسان وأمة على أمة، هي القدرة على الاستفادة من التجارب وعدمها؛ فالحادثة تحدث أمام جمع من الناس فيستفيد منها أحدهم بمقدار مئة، وآخر بمقدار خمسين، وثالث تمر منه الحادثة على عين بلهاء، لا يستفيد منها شيئًا.
عند الإنجليز مثل يقول: «إن العاقل له عينان تبصران، أما الأبله فله في وجهه تجويفان».
وكم من الناس من لهم أعين، ولكن لا يبصرون بها، وآذان ولكن لا يسمعون بها.
إنك قد تستطيع أن تفتح عينيك على كتاب وتقرأ كلماته، ولكن لا تعي منه شيئًا ولا تفهم شيئًا إذا كان عقلك غائبًا، فلا فائدة في النظر من غير ملاحظة، ولا في التجارب من غير عقل.
وأنت في شبابك تستطيع أن تمرِّن عينيك وأذنيك وجميع حواسك على أن تربطها بالعقل، فتلاحظ وتجرِّب وتستفيد من الملاحظة والتجربة.
والفرق بين من يستفيد من التجربة ومن لا يستفيد، أن الأول يستطيع بتجاربه أن ينتهز الفرص في حينها، وأن يتجنب الخطر قبل وقوعه، على حين أن الثاني لا ينتهز فرصة، ولا يشعر بالخطر إلا بعد وقوعه.
إنك تقرأ كتب التاريخ لتستفيد من أعمال الناس، وما وقع لهم، وما صدر منهم، وما كان من نتائج أعمالهم، وتقرأ سير العظماء لتتشبه بهم، وتدرك موضع عظمتهم، وتقرأ الطبيعة والكيمياء لتستفيد من استكشاف من قبلك لقوانين الطبيعة، فالحياة كلها تجارب واستفادة من التجارب.
إنك الآن في شبابك تختزن معلومات من كل ما تسمع وترى وتقرأ، فمن الخير أن يكون مخزنك أنظف ما يكون وأثمن ما يكون، وأن يكون أشبه «بدكان» تاجر الجواهر الثمينة، ليس فيه شيء رخيص، ولا شيء تافه، ثم اجتهد بعد ذلك أن تستخدم هذا المخزن خير استخدام.
•••
والآن أقصُّ عليك شيئًا من تجاربي لعلها تنفعك:
من الدروس الأولى التي تعلمتها، أني لم أخرج إلى هذا الوجود صحيفة بيضاء، كما كان يظن القدماء، بل كثير من صفات أبوي وأجدادي وما حدث لهم قد نُقشت في صحيفتي؛ سواء في ذلك الصفات الجسمية أو العقلية أو الخلقية.
- أحدهما: أني وأنا حمل في بطن أمي كانت لي أخت، فتاة في الثانية عشرة من عمرها،
كلَّفتها والدتي ووالدتها أن تصنع قهوة لضيوفها، فما أشعلت النار في
«السبيرتو» حتى التهب، وأصابها في شعرها، ثم في وجهها، ثم في ملابسها
وجسمها، فصرخت، ثم أدركوها وهي شعلة نار، ولم ينفع فيها إنقاذ ولا طب،
وأسلمت روحها لخالقها، فقضيت أشهرًا تعيسة في بطن أمي أتغذَّى بدمها
الحزين، وتتكون أعصابي من أعصابها المحطمة، ويتحول بعض جسمي إلى دموع
مسفوحة، وآهات مضنية، ثم وُلدت في هذا الجو الحزين، لم أشاهد أول ما شاهدت
ضحكة ولا ابتسامة، بل كان حزن وسكون ودموع وضنى.
هل كان لهذا الحادث أثر في نفسي؟ وهل كان ما أجد في كل حياتي من حزن عميق، وميل إلى الغناء الحزين والمنظر الحزين، وتفضيل المأساة على الملهاة، هل كان مرجع ذلك كله إلى هذا الحادث؟ قد يكون، وقد يكون أحد الأسباب غذَّته الأحداث والتربية التي لم تمحُ أثره ولم تصلح فاسده؛ ولهذا كان القدماء على حق في أن ينصحوا الحامل أن تنظر إلى الصور الجميلة، وأن تحيط نفسها بالمناظر السارة والأحاديث المفرحة.
- والحادثة الثانية: أني ورثت من والدتي (رحمها الله) قِصرًا في النظر، أتعبني في حياتي، وقد عالجته أخيرًا بالمنظار، فلم يكن فيه الغناء الكافي، وكم فوَّت عليَّ قصر النظر من فوائد، وأوقعني في مآزق، وأخجلني في مواقف، وأربكني في التصرف، وكان له أثر في أخلاقي.
•••
وزاد في الحادثين سوءًا أن التربية كانت عندنا — وما تزال — متروكة للمصادفة، ولو كانت تربية صحيحة لدرست فيها شئون كل طفل وشئون أسرته، وعرفت أمراضه ومنشأها، ووضعت لها طرق العلاج الصالحة لها.
لو كانت تربيتي صحيحة لاكتشفت أعراض الحزن في الحالة الأولى، وعولجت من الناحية النفسية علاجًا صحيحًا، وعوَّدني المشرفون على تربيتي أن أتذوق السرور كما أتذوق الحزن، وأن أنعم بالحياة كما ينعم بها صحيح الأعصاب صحيح النفس، ولعولج قِصر نظري من أول الأمر — كما يقتضيه العلم — فخفف من حدته إن لم يستطع أن يذهب بالمرض كله.
كم تستطيع التربية أن تُصلح من فساد وتعالِج من مرض، ولكن كل شيء عندنا متروك للمصادفة؛ زراعة الزارع، ومالية التاجر، وسياسة الأمة، القاعدة عندنا «كل شيء حيثما اتفق»، وعند غيرنا «كل شيء حسبما وصل إليه العلم الحديث».
•••
استفد من تجاربي بأن تؤمن بقانون الوراثة، فتسير في عملك على وفقه، فليس يصح أن يتزوج قصير النظر من قصيرة النظر، ولا مصدور من مصدورة، ولا ضعيف القلب من ضعيفة القلب.
وأن تؤمن بالبيئة وأثرها في الإنسان، فتحيط نفسك بخير بيئة ما أمكنك، وأن تؤمن بالتربية فتعالج بها المرض، وتكمل بها النقص، فلكل داء دواء من التربية متى أجيد فهمها.
وأن تؤمن بالعلم وتحلَّه في حياتك محل المصادفة وترك الأمور حيثما اتفق، فقد أصبح بناء كل شيء على العلم هو دعامة المدنية الحديثة وشعار التقدم الإنساني.
(١) حياتنا مربَّى بلا خبز!
في السنين الخمس الأولى من حياتي كان يقوم على تربيتي أسرتي وحارتي، فأما أسرتي فكانت أبًا وأمًّا وإخوة وأخوات فقط، فهي من هذه الناحية من خير الأسر، فلا أهل للأب ينغصون حياة الأم، ولا أقارب للأم ينغصون حياة الأب، فليس هناك نزاع بسبب الأقارب يفسد على الأسرة سعادتها كما يحدث في كثير من العائلات.
ولكن كانت أسرتنا أسرة أبوية؛ أي إن الأب فيها هو السلطان الأعظم والحاكم المستبد، ولا شيء للأم ولا للأبناء والبنات؛ فالأب بيده المال، وبيده وضع الميزانية، بل هو الذي يتحكَّم فيما نأكل كل يوم وصنفه، ولا يحدث شيء في البيت من غير إذنه، والأم والأولاد ليس عليهم إلا الطاعة من غير جدال.
وكثيرًا ما يحدث أن أبي وأولاده الذكور يأكلون وحدهم ويأكلون أولًا، وتأكل الأم مع بناتها وحدهن ويأكلن ثانيًا، وليس للأم أن تخرج من الدار إلا بإذن، وليس لأحد من الأبناء أن يتأخر عن البيت بعد الغروب، والعقوبات على المخالفات كثيرة من تأنيب وتهديد وشتم، فإذا كان الذنب كبيرًا فالضرب، وقد احتفظ أبي (رحمه الله) بعصًا من جريد النخل، أعدَّها لهذا اليوم الأغبر الذي تقع فيه جريمة كبيرة من أحدنا؛ كأن يتأخر عن الموعد، أو يدنِّس ملابسه، أو نحو ذلك، وحينئذ لا يصحُّ للأم أن تتدخل بيننا وبين أبينا، وإلا نهرها وزاد في عقوبتنا.
•••
والحياة كلها جافة جادة، فلا سينما إذ لم تكن سينما، ولا حديثًا لذيذًا على المائدة أو في مجالسنا، وإنما كانت متعتنا أن كانت لي جدة — هي أم أمي — كانت تزورنا من حين لآخر، وتبيت عندنا يومين أو ثلاثة، وكانت (رحمها الله) كنز حكايات و«حواديت»؛ فكانت تقصُّ علينا قصصًا لذيذًا ممتعًا طويلًا، وكنا نأنس بذلك كل الأنس، ونفرح لمجيئها كل الفرح، وكان كنزها هذا لا يفنى، فما تأخذ في حكاية حتى تنظمها في أخرى إلى أن يغلبنا النوم.
وأحيانًا كنا نجلس مع أمنا وأخواتنا، فيقرأ علينا أخونا الأكبر كتبًا قصصية؛ كعنترة وألف ليلة، فنستمتع بقراءته، أما أبي فليس لديه إلا الجد، يعلِّم إخوتي ويحفِّظهم القرآن والنحو ويفقِّههم في الدين، فكان أبي جادًّا شديدًا تخاف منه، على رحمته التي يخفيها ولا يظهرها إلا عند مرض المريض وبُعد المسافر، وكانت أمي رحيمة تلطِّف رحمتها من شدة أبي وإمعانه في الجد.
وأحيانًا نحتال فنذهب إلى ملهى على باب حارتنا اسمه «خيال الظل»، وهو الذي حلَّت محله «السينما» اليوم.
ولست أنسى مرة سمعت رجلًا يضرب على الدف، وينشد أناشيد في مدح النبي، وكان توقيعه جميلًا وصوته جميلًا، وهو يتنقَّل في الحارات يغنِّي ويوقِّع، ويستعطف الناس للإحسان عليه، فأعجبني صوته وتوقيعه، فتبعته من حارة إلى حارة حتى انتهى، فعدت إلى بيتنا بعد الغروب، فكان جزائي ضربًا شديدًا، ولو أنصف أبي (رحمه الله) لقبَّلني لعاطفتي الفنية.
هذا النوع من الأسرة، وهذا الضرب من الحياة، قد تغيَّر الآن كل التغير، فإن بقي منه شيء ففي سبيل الفناء؛ فقد اتجهت الأسرة إلى الديمقراطية، وأصبح للأم سلطان، وللأبناء سلطان، وللبنات سلطان، ونقصت سلطة الآباء حتى أصبحت موضوع الرثاء، وخرج الأبناء والبنات إلى السينما والتمثيل، ووُجدت في الأسر المباهج المختلفة والمسرَّات المتنوعة.
لقد كانت تربيتنا قاسية عنيفة، فكان من أثرها الذي نشعر به خجل قبيح، وضعف في الحرية الشخصية، وقلة ابتهاج بالحياة، وزهد في متعها، وعدم تفتُّح النفس لمسرَّاتها، وكان أبي يكثر من ذكر الموت وحقارة الدنيا، فأكسبنا هذا لونًا من الحزن والقناعة في طلب المجد، ولكن بجانب ذلك علَّمنا الجد في الحياة، والصبر على المكاره، والترفُّع عن صغائر أمور الدنيا؛ لأن كبارها قليلة القيمة.
على حين أن التربية الحديثة في الأسرة الحديثة فتحت النفس للحياة، وعلَّمت الاستمتاع بمسرَّاتها، وحقَّقت للأفراد شخصيتهم، وعوَّدتهم الطموح للمجد، ولكن نلاحظ في كثير من الأسر ميوعة في السلوك، وقلة احتمال للشدائد، وعدم الجد في الحياة، والاستهتار في اللذائذ! فلئن كانت تربيتنا في زمننا ناقصة فالتربية الحديثة ناقصة، وما كسبناه في ناحية خسرناه في ناحية، ونحن أحوج ما نكون إلى تربية تجمع مزايا تربيتنا القديمة وتتجنب رذائلها، وتجمع مزايا الحياة في الأسرة الحديثة وتتجنَّب رذائلها.
•••
لقد كانت حياة أسرتنا القديمة خبزًا بلا مربَّى، فأصبحت حياة أسرتنا الحديثة مربَّى بلا خبز … فمتى نستطيع إصلاحها حتى تكون مربَّى بخبز؟
استفد من تجاربي!
(٢) راحت أيام … وجاءت أيام
أثر فيَّ — إلى جانب بيتي وأسرتي — حارتنا وكتَّابنا؛ فأما حارتنا فكانت من طراز القرون الوسطى وعصر المماليك، نحو عشرين بيتًا يُغلق عليها باب كبير. وفي هذا الباب الكبير باب صغير يفتحه البواب لمن أتى متأخرًا في الليل، وكان هذا هو الغالب على حارات القاهرة، وكان الباب ضروريًّا للحياة الاجتماعية إذ ذاك؛ لكثرة الشغب والهجوم من اللصوص ليلًا، فكانت الحارة تحمي نفسها بباب وبواب، تغلقه في المساء، وتفتحه في الصباح، وقد شهدتُ مصرع هذا الباب يوم انتشر الأمن، ونظم الحراس والخفراء.
كانت حارتنا مجمعًا تتمثَّل فيه كل الطبقات، من طبقة عليا، وطبقة وسطى، وطبقة دنيا، كان يتزعم الطبقة العليا رجل ذو منصب كبير، وغنى وفير، وكانت له عربة يجرُّها جوادان فخمان، وذلك قبل اختراع السيارات، فكانت العربة إذا دخلت الحارة دبَّت الخيل بأرجلها فساد الحارة سكون ووجوم وهيبة ووقار؛ إعلانًا بأن «الشيخ» حضر، فلا يصح للأطفال أن يلعبوا في الحارة، ولا يصح للنساء أن يتحدثن من الشبابيك، ولا يصح لخادم أن يضع الكناسة أمام الدار حتى لا يقع عليها نظر «الشيخ»، ولكن إذا خرج الشيخ ملكت الحارة حريتها «فزاطت» الأولاد، وتحدث النساء من الشبابيك، وأبيحت المنازعات والشتائم من الطبقة الدنيا.
والطبقة الوسطى تمثِّل موظفين في مصالح الحكومة، و«ملتزمين» يعيشون من أملاكهم، ونحو ذلك.
والطبقة الدنيا تتكوَّن من بائعي فواكه على العربات، أو صنَّاع، أو عمَّال.
ومع هذه الفروق كانت الحارة كلها أسرة واحدة؛ كل رجل في الحارة وكل سيدة تعرف أفراد كل بيت، وأحوالهم، ودخلهم وخرجهم، وإذا مرض المريض عاده أهل الحارة، وإذا أعوز أعانوه، وإذا أصيب عزُّوه، وإذا تزوَّج أو زوَّج هنئوه.
وكانت الطبقة الوسطى في حارتنا طبقة مرحة، عمادها موظف في الأوقاف اتخذ من بيته «منظرة» يجتمع فيها من في طبقته من أهل الحارة كل ليلة، فأحيانًا يحضرهم فقيه حسن الصوت يقرأ لهم القرآن الكريم بصوت جميل، وأحيانًا يسمرون سمرًا لذيذًا، وترتفع الضحكات حتى تصل إلى بيتنا.
وكان في حارتنا «عوَّاد» ماهر، يحترف الضرب على العود في «جوقة» تشترك في الأفراح، فكان أصحابه من حين لآخر يجتمعون عنده في بيته بآلاتهم الموسيقية، وينصبون «فرحًا» بديعًا يوقِّعون ويغنُّون إلى ما بعد منتصف الليل، فيملئون الحارة بهجة وسرورًا، ولم تكن الفونوغرافات والإذاعات.
ومن حين لآخر يتزوج أحد أفراد الطبقة الدنيا، فيقيمون الأفراح أسبوعًا أو أكثر، وفي كل ليلة منظر جديد من أغانٍ بلدية، ومواويل، و«دخول قافية»، وفكاهات ونوادر، لا يُتحرَّج فيها أحيانًا من المجون المكشوف ولا النكت اللاذعة، فكان كل هذا معرضًا أمامي، استطعت أن أعرف منه حالة البلد الاجتماعية ودقائقها، من غير قصد مني، ولا وعي، ولا شعور.
وكنا أطفالًا نجتمع في الحارة فنلعب الكرة على أشكال، ونلعب «البلي»، ونلعب القمار أحيانًا بزهر النرد، ونتسابق في الجري، وكنا ديمقراطيين بالمعنى الصحيح، نتصادق من غير أن يفرِّق بيننا غنى الغني أو فقر الفقير، فمنَّا المتأنِّق في ثيابه، ومنَّا الحافي القدمين، ومنا مهلهل الثياب، فلا نقيم لذلك كله وزنًا، وإنما نقيم الوزن للمهارة في اللعب.
ولست أنسى في حارتنا مظهر السقَّائين يحملون القرب على ظهورهم، ويروحون ويجيئون منادين على «الماء»، والقربة من الماء العذب بخمسة مليمات، ومن الماء المالح بمليمين، والحساب بالشهر، ولا أنسى العراك عند الحساب؛ فهي تقول إنها أخذت عشرين قربة، وهو يقول خمسًا وعشرين، ونفدت كل الحيل في ضبط الحساب؛ فأحيانًا يخطُّ السقَّاء خطًّا على الباب كلما أحضر قربة، ولكن هذه الطريقة عرضة لأن تمحو الغشَّاشة خطًّا أو خطين، وأحيانًا يتبع السقَّاء طريقة أخرى بأن يعطي للسيدة ثلاثين خرزة ويأخذ ثمنها، وكلما أحضر قربة أخذ خرزة حتى يستنفدها، فتشتري السيدة خرزًا آخر، ولكن هذه الطريقة أيضًا عرضة لغش من نوع آخر، وهي أن تشتري الغشَّاشة خرزًا من الخارج وتغالط السقَّاء.
وظلت هذه المشكلة قائمة من غير حلٍّ حتى رأيت الحفَّارين يحفرون الأرض ويمدون المواسير خارج البيت وداخله، ويركِّبون الحنفيات، وإذا الماء في كل بيت، وإذا بالسقَّائين يختفون من المسرح، وتُحَلُّ المشكلة باختفائهم.
وراحت الأيام وجاءت الأيام، وتركتُ الحارة حاملًا لها أجمل ذكرى لأجمل أيام الصبا، وأنشدت مع المتنبي قوله:
وسكنَّا في مساكن الحضارة العصرية، ورأينا الأسرة تسكن في شقة في عمارة قد لا تعرف من جاورها، ولا تتبادل معه تهنئة ولا تعزية، ورأينا المجموعة الواحدة في الحارة الواحدة، بل والأسرة الواحدة نفسها قد انحلَّت، ورأينا البيت مزوَّدًا بالماء وبنور الكهراباء، وبالتليفون والراديو، وبما شئت من أدوات ومخترعات؛ فهل صرنا أسعد حالًا؟