اختفاءُ أحمد!
لم تَمضِ دقائق إلا وعاد النور إلى الغرفة والمَمر والمبنى كله … وساد الهَرْج … وتجمَّع حول غرفة «أحمد» بقية الشياطين، يسألون «عثمان» قائلين: ماذا جرى؟
عثمان: «أحمد» اختفى.
إلهام: كيف اختفى؟ ألأنَّه ليس في غرفته يكون قد اختفى؟
عثمان: لقد كان بالغرفة كائنات الظلام.
إلهام: أي كائنات؟
عثمان: هل من المعقول أنَّكِ لا تعرفين عنهم شيئًا؟
إلهام: لم يُخبرني أحدٌ بشيء.
عثمان: هناك كائناتٌ غريبة منتشرة في المَقَر وحوله، لا تعيش ولا تتحرك إلا في الظلام.
إلهام: أهي السبب في هذا الظلام الذي عمَّ المبنى منذ دقائقَ؟
تدخَّل «بو عمير» قائلًا: نعم … هم سبب الظلام الذي تعيشه مزرعة المَقَر، وكل المنطقة المحيطة بها.
أخذَت الدهشة «مصباح»، فتدخَّل قائلًا: كيف يكونون هم سبب هذا الظلام الذي يعمُّ المنطقة … هل أطفَئوا النجوم ليلًا والشمس نهارًا؟
تدخَّل «عثمان» منهيًا النقاش بقوله: أعتقد أننا سنجد إجابة هذا السؤال عند «أحمد» … لذلك، يجب العثور عليه أولًا.
صاحت «ريما» غير مُصَدقة: ماذا تقصد بالعثور عليه … هل تعني أن «أحمد» مُختَطَف؟
ظهر الضابط «محسن» وسط حشد الشياطين، وقال لهم: أرجو عدم الازدحام في هذا المَمَر … وإذا أردتَ التباحث في أمر، فيجب اللجوء إلى قاعة الاجتماع أو المنتدى.
أمسك «عثمان» بذراعه، وقال له: ضابط «محسن»، هل رأيتَ كائنات الظلام؟
ابتسم الضابط، وقال له: سيد «عثمان»، اسمح لي ألا أجيبك عن هذا السؤال.
عثمان: لماذا؟
الضابط «محسن»: لأنَّ هناك من سيُجيبونك عليه غيري.
عثمان: أتقصد غدًا في الاجتماع المرتقَب؟
الضابط: نعم.
عثمان: رغم كل هذه المستجدات والأحداث غير العادية التي وقعَت؟
الضابط: إنها ليست مستجدات.
قيس: أتقصد أن ما وقع الليلة … وقع قبل ذلك؟
محسن: نعم، أكثر من مرة.
رشيد: ولم تجدوا له أسبابًا أو تفسيرًا؟
الضابط: لا.
إلهام: إذن، هذا سبب استدعائنا … وهو موضوع الاجتماع غدًا.
ريما: وكذلك كائنات الظلام … فإنهم لم يجدوا لها تفسيرًا حتى الآن … وللوصول لتفسير يجب مهاجمتهم … وهذا من صميم اختصاصنا.
ضحك الضابط «محسن» في وقار، وقال لهم: يا لكم من محترفين! … وهل لديكم الآن تصوُّر لما يمكن أن نقوم به؟
إلهام: هذا يتوقف على ظهور «أحمد».
وخزاتٌ متقطعة شعَرَت بها «إلهام» في رسْغها من ساعة يدها … فضغطَت زرًّا، وقرأَت على الشاشة: أنا بحديقة المَقَر … لا تقلقوا.
انتهت «إلهام» من قراءة الرسالة سرًّا … ثم نظرَت حولها، فوجدَت الشياطين ينظرون لها في صمتٍ شديد، ينتظرون ما ستُسفِر عنه هذه الرسالة … فابتسمَت، وقالت: إنَّها من «أحمد».
– أووه.
قالوها جميعًا … ثم قال «عثمان» في إلحاح: وأين هو؟ … أين هو يا «إلهام»؟
إلهام: في حديقة المَقَر.
علَّق «خالد» قائلًا: في هذا الظلام، ومع هذه الكائنات التي لا نعرف حدودًا لقوَّتها … ولا نوع تسليحها.
ريما: أظن أنه بخير.
عثمان: بالطبع … وإلا ما أرسل هذه الرسالة.
خالد: يجب أن يلحق به أحدنا.
وكان ﻟ «مصباح» تحفُّظ على ما قاله «خالد»؛ فقد قال: أرى أن نرسل له رسالة، قبل أن نفعل ذلك.
إلهام: لقد أرسلتُها له بالفعل.
ولم تمرَّ دقائق، إلا وشعَرَت «إلهام» بوخز ساعة يدها … فعَرفَت أنَّه ردُّ رسالتها ﻟ «أحمد». وقبل أن تضع يدَها على الساعة لتَلقِّي الرسالة … كان «أحمد» يقف بجوارها، ويقول لها: لا داعي؛ فأنا أحتاج لساعة نومٍ قبل الاجتماع.
وكان ما قاله «أحمد» اقتراحًا لاقى قبول الجميع … فقد عادوا جميعًا إلى غُرفهم، بعد أن انتشر رجال الأمن بطول المَمَر، تأمينًا لهم.
وفي الصباح … وقبل أن تبلغ الساعة السادسة … كان الشياطين يحتسون أكواب اللبن … وينفُضون عنهم آثار النوم بالاغتسال والذهاب إلى قاعة الألعاب … وبعد قليل من التمرينات الرياضية … أعلنَت الإذاعة الداخلية للمَمَر ضرورةَ توجُّه الشياطين للدور الأول؛ حيث غرفةُ الاجتماعات … والمرور قبلها على مكتب المشرف العام على الدور … فلدَيه ما سيعطيه لهم.
وقبل الساعة السابعة بدقائق … أعلنَت الإذاعة الداخلية للمَقَر عن قرب إغلاق باب القاعة … وضرورة تواجُد كل الشياطين في مقاعدهم، المُسمَّاة بأسمائهم.
وفي تمام السابعة، أُغلقَت الأبواب … وانطفأَت الأنوار، وأُضيئَت أنوارُ المنصة … وفُتح بابٌ داخلي، دخل منه ثلاثةُ رجال، يرتدون الملابسَ الرسميةَ للمنظمة … وقد بدا عليهم الوقار … فجلسوا خلف مائدةٍ يصطفُّ عليها ثلاثةُ ميكروفونات … فأمسك أوسطهم بأحدها، وقال فيه: مساء الخير عليكم.
سَرَت في القاعة همهماتُ إجابة التحية … فقَطعَها الرجل قائلًا: بالطبع رأيتم التصدع الذي أصاب أرض المنطقة … ولا يعرف أحدٌ إن كان هذا التصدع طبيعيًّا أم أنَّه نتاج تفجيراتٍ نووية.
علَّق صوتٌ في القاعة، قائلًا: لا يمكن أن يُسبِّب تفجيرٌ نووي مثل هذا التصدع.
كان هذا الصوت ﻟ «رشيد»، الذي استطرد قائلًا: وهل سمعتَ صوت انفجار قبل حدوث هذا التصَدع؟!
علَّق السيد «قاسم» قائلًا: علماء الجيولوجيا يوافقونك الرأي في أنَّه من المستحيل أن يكون هذا التصَدع من فعل بشر … أمَّا خبراء الطاقة فيقولون إنَّه من الممكن بثُّ طاقةٍ ذات فعلٍ تدميريٍّ عالٍ ولكنَّه مركزي.
صوتٌ في القاعة يسأل: ماذا يعني فعلٌ تدميري مركزي؟
أشار السيد «قاسم» إلى الجالس إلى جواره، قائلًا: الدكتور «أحمد مستنير» سيشرح لكم ذلك.
اعتدل الدكتور «أحمد» في مقعده، واستهلَّ كلامه بتحيتهم، قائلًا: مساء الخير عليكم … تعرفون أنَّ لكل انفجارٍ فعلَين تدميريَّين … فعلٌ تدميري مركزي … ويكون تأثيره في الدائرة المحيطة بالجسم المنفجر، ويزداد نصف قطر هذه الدائرة بزيادة القدرة الانفجارية للعُبوة.
أحمد: تقصد سيادتكم أنَّ الفعل التدميري المركزي هو تركيز الانفجار في منطقةٍ محدودة؟
د. «مستنير»: هذا صحيح … وهو ما أقصِده بالضبط، وهو أنَّ طاقة هذا الانفجار لها فعلٌ محدودُ المساحة؛ ولهذا فإنَّ قدرته لا تتشتَّت … بل تظلُّ محصورةً في نطاقٍ ضيق، مما يجعل قدرتها التدميرية فائقة … وهذا يمكن أن يصنع هذا التصَدع … بالذات إذا كان مركز هذا الانفجار على عمق كيلومترات، وفي قلب كتلةٍ صخريةٍ متجانسة، وبالطبع يحتاج هذا إلى علم متقدم وتقنيات عالية المهارة.
إلهام: ولماذا يُحدِث هذا التفجير تصدعًا ولا يُحْدِثُ فجوةً ضخمة؟
د. «مستنير»: لأنَّ هذا التفجير يقع في قلب كتلةٍ صخرية فإنَّه يؤثِّر أول ما يؤثِّر في أضعف نقطة في هذه الكتلة، ثم ينتقل إلى النقطة الأكثر قوةً، والتي تظل هي أضعف نقطة، ومن نقطة ضعفٍ إلى أخرى يحدُث التصَدع الذي يؤدي في النهاية إلى حدوث فالق مثل الذي حدث.
مصباح: ومن يمكنه تنفيذ هذا التفجير؟ من الذي يملك هذه التكنولوجيا؟!
د. «مستنير»: إنَّهم كائناتٌ فائقةُ الذكاء والتقدم.
وهنا قالت «ريما»: قد يكونون من سكان كواكبَ أخرى.
السيد «قاسم»: كيف … والأقمار الصناعية لم تسجِّل ولوج مركباتٍ من خارج الغِلاف الجوي للمنطقة، فمن أين حضروا؟
عثمان: قد يكون بحوزتهم أجهزةٌ عاليةُ التقنية لا تُكتشف.
السيد «قاسم»: لذلك ستكون مهمتنا هي البحث في هذا النطاق، للكشف عن «هل الفالق من صنع البشر أو كائناتٍ فضائية أم إنَّه من صنع الطبيعة»؟
عاد د. «مستنير» للتحدث مرةً أخرى، فقال: هناك ظواهر حدثَت يوم حدوث التصَدع … منها الظلامُ التام … فلم يكن هناك بصيصُ ضوءٍ في المنطقة.
أيضًا انبثاق الماس من عدة نقاط، وصنع عدة بحيراتٍ في المنطقة.
رابعًا: ارتفاع المدِّ الكهرومغناطيسي الذي أثَّر على كلِّ الأجهزة الإلكترونية.
خامسًا: ظهور أشباح لأكثر من عامل بالمنظمة.
وهنا تدخَّل السيد «قاسم»، قائلًا: وقد اتفقوا على مواصفاتٍ معينة لهذه الكائنات … غير أنَّ القيادة أرجعَت سبب هذا الخلل في الرؤية للظلام التام … غير أنَّ تكرار رؤية معظم العاملين في المنظمة لها … رجَّح أن يكون وجودها حقيقيًّا.
أحمد: هل يمكنني المداخلة الآن؟
السيد «قاسم»: تفضل يا «أحمد».
أحمد: لم يعُد وجود الأشباح مثار شَك … فقد رأيتهم بنفسي واحتككتُ بهم.
السيد «قاسم»: متى؟
أحمد: هذه الليلة … وقد طاردتُ أحدهم حتى حديقة المَقَر.
السيد «قاسم»: ولكنَّ في هذا خطورةً عليك، فهل كنتَ مسلحًا؟
أحمد: سلاحًا خفيفًا.
السيد «قاسم»: أرجو التحرك في جماعات.
أحمد: سيحدُث يا افندم.
صمت «أحمد» لبرهة، ثم عاد يقول: أمرٌ آخر … هذا الظلام التامُّ الذي يحدث … هل تيقنتم أنَّه بفعل فاعل … وأنَّه ليس ظاهرةً طبيعية؟
السيد «قاسم»: لا … ليس ظاهرةً طبيعية.
أحمد: أنا لا أميل لهذا الرأي … فأنا يُمكنني أن أصَدق أنَّ هذا التصَدعَ من صنع بشر … وقد يحدث تفجيرٌ نووي قوي … أمَّا أن يتمكن مخلوق من خنق الضوء ومنعه من الانتشار، فهذا ما لا أصَدقه.
وهنا، أطلق «عثمان» كعادته قنبلةً من العيار الثقيل!