خطة النهاية!
كان «خالد» أولَ المتحدثين، بناءً على طلب رقم «صفر» … فقال: أولًا: ما تعرَّضتُ له كان عجيبًا … لقد انتقلتُ من عالمٍ إلى عالمٍ آخر، وأنا في كاملِ وعيي، وبكامل قواي العقلية … وبالمناسبة، لم أغادر مكاني.
لقد رأيتُ الماء يغمر كلَّ شيءٍ، ويطاردني في كلِّ مكان … ورأيتُ تصدعاتٍ وأخاديد … ورأيتُ شقوقًا يخرج منها حيواناتٌ … وقد أمسكني حيوانٌ خرافي.
لقد رأيتُ بدلًا من مبنى المَقَر جبالَ جليد … وفي حدائقه رأيتُ قصورًا وضِيَاعًا.
لقد انهارت الدنيا وأظلمَت في تتابعٍ غريب … وعندما خلعتُ ساعتي الفضائية، عاد كلُّ شيءٍ إلى طبيعته … ولم أعُد أرى ما كنتُ أراه.
رقم «صفر»: هذه هي النتيجة … الساعة الإلكترونية الفضائية كانت وسيلتَهم ليفعلوا مع «خالد» ما شاءوا أن يفعلوا.
لننتقل إلى تجربة «عثمان».
اعتدل «عثمان» في جلسته، وقال: البحيرة التي غُصنا فيها بسياراتنا لندخل المَقَر كانت مثارًا لتساؤلاتي … لذلك كانت هي أهم الأماكن عندي، وأوَّلها التي أريد استكشافها … ومن المدهشِ أنني لم أجد المَمَر الذي دخلنا منه إلى الأنبوب الذي حملَنا إلى جراج المَقَر … والأكثر اندهاشًا هو هذه السمكةُ العملاقة، الكثيرةُ الألوان، والتي تحوَّلَت بمجرد لمسها إلى كتلةِ لهب … وكذلك الماء … وبانتقالي إلى البحيرة الأخرى، لم أتمكن من الخروج من الماء إلا بعد خلع ساعتي.
رقم «صفر»: مرةً أخرى، الساعة الإلكترونية الفضائية كانت هي وسيلتهم ليفعلوا مع «عثمان» ما فعلوه مع «خالد».
وتتبقى تجربةُ «أحمد».
سحَب «أحمد» نفسًا عميقًا … وأخرجه في تَأوُّة، قبل أن يقول: إنَّي حقًّا مندهش … وأتمنى أن يكون ما رأيتُه حقيقيًّا لا مثار خيال … ولا صُنع موجاتٍ كهرومغناطيسية … وبرامجَ افتراضية متطورة.
إنَّ ما حدث لي إن لم يكن حقيقيًّا … فسأستعين بكل علماءِ المنظمة لأنفِّذه في الواقع.
رقم «صفر»: وأنا سأعاونك على إتمام مشروعك هذا، إن كان فيه إضافةٌ جيدة لنا جميعًا.
أحمد: هو كذلك، وسأشرح لك … فقد وقعت في شبكةٍ عنكبوتية، ذات خيوطٍ حريريةٍ وغزلٍ متقَن … وأخذتُ أتحسَّسها بحثًا عن خليةٍ كهروضوئيةٍ أو خليةٍ عصبيةٍ صناعية، لشكِّي في أنَّها شبكةٌ صناعية … فأمسكَت يدي بعقدةٍ عصبية، ما إن ضغطتُ عليها، حتى تحرَّكَت خيوط هذه الشبكة لتُلامِس أجزاءً مهمةً من جسدي؛ مثل: الرأس والجبهة والصدر فوق القلب … فماذا تفعل هذه غير تقديم تقاريرَ متتابعةٍ عن الحالة الصحية لهذا الصيد؟
ولم أتمكن من التخلص من خيوط هذه الشبكة إلا بعد خلع الساعة من يدي … وترون أنَّ هناك اختلافًا بين ما جرى مع «خالد» و«عثمان» وما جرى معي … فهما بمجرد خلع الساعة تغيَّر عالمهما تمامًا، بهذا حُلَّت مشكلتهما، أما أنا … فقد حُلَّت مشكلتي، مع بقاء العالم الذي كنتُ فيه بتفاصيله دون تغيير.
رقم «صفر»: أهذا يعني أنَّ مهاجمة هذا الوكر أو هذه القاعدة المعادية سيكون ضروريًّا؟!
أحمد»: نعم.
رقم «صفر»: إذن، هي خطةٌ خاصة … أمَّا الخطة العامة … فهي أننا سنقوم بالشوشرة على اتصالات هذه الكائنات، وقطع الصلة بينها وبين أقمارها الصناعية … وهذا سيؤدي إلى خَنْقها، وتَحلُّلها إلى مكوِّناتها الأوَّلية، ثم اختفائها.
عثمان: تقصد أنَّ الكائنات ستتطاير كالأثير يا زعيم؟
رقم «صفر»: لا … بل ستَضمَحل.
إلهام: كيف يا زعيم؟
رقم «صفر»: ما لا تعرفونه أنَّ هذه الكائنات هي كائناتٌ افتراضية رقمية؛ أي إنَّها برامج، تتحوَّل إلى واقع مرئي باستخدام التقنيات الحديثة.
أحمد: والتفجير ذو الطاقة المركزية؟
رقم «صفر»: إنَّه مدفع ليزرٍ قوي، سُلط على القلبِ الصخري لهذه المنطقة.
أحمد: والكائناتُ الخفية؟
رقم «صفر»: إمَّا أنها كائناتٌ افتراضية … أو أنها كائناتٌ ذات قدراتٍ خاصة.
أحمد: والعمل الآن؟
رقم «صفر»: نبدأ في بثٍّ معلوماتي غزير من جميع الأقطار التي تتبعُنا … تحوي هذه المعلومات الكثير من الشفرات والرموز ذات المغزى … والعناوين الإلكترونية … والتداخلات الرقمية … وهذا من شأنه أن يُعطل الكثير من أجهزة هذه الكائنات.
رفع «أحمد» يده … فقال له رقم «صفر»: ماذا تريد؟
أحمد: هل أبدأ في التنفيذ؟
رقم «صفر»: نفِّذ.
في آخر ردهةِ الدور الأول الرئيسية … انفتح باب، نادرًا ما يدخل منه الشياطين … إنَّه باب غرفة التحكم في حركتها ومدارها … لا … بل برامجها … وما تبثه … وتم عرض الخطة على مجموعة مهندسي المعلومات الجالسين في هذه الغرفة، خلف أجهزة فائقة التقدم التقني.
وبدأَت مجموعةُ العملِ في الانهماك في إعدادِ ما طُلب منها من برامج … واستأذن «أحمد» في الانصراف؛ حيث صَعِد إلى الدورِ الثاني … والتقى بكبيرِ ضباطِ المدفعية، وهو المسئول عن مدفع الليزرِ العالي الطاقةِ الخاصِّ بالدفاع عن مَقَر المنظمةِ … واتفقَ معه على ما كلفه به رقم «صفر» من مهام … وقبل أن يغادر الغرفة، طلبَتْه غرفةُ التحكم في الأقمار، وأبلغه كبير مهندسيها أنَّهم مستَعِدون … فاتصل برقم «صفر»، وأبلَغه بذلك … فقال له: عندما يكون مدفعُ الليزر جاهزًا أيضًا … ابدأ.
التفت «أحمد» إلى كبيرِ الضباط، وقال له: متى ستكون مستعدًّا؟
الضابط: الآن.
أحمد: إذن، لنتابع سويًّا.
قال هذا، ثم اتصل بغرفة التحكم في الأقمار، وقال لهم: ابدَءوا الآن.
وعلى شاشاتِ جميع أجهزة الكمبيوتر في المَقَر، اصطفَّت الرموز والأحرف، وفي صفوفٍ ملأَت الشاشات، وأخذَت تتتابع صعودًا مرة، وهبوطًا مرةً أخرى، مما جعل جميع معالجات أجهزة الكمبيوتر في حالة فوضى.
وبدأَت الحركة تدبُّ بكثافة في حديقة المَقَر وحول المبنى … والأضواء الخضراء كالمصابيح تنتشر في الظلام انتشارًا عشوائيًّا … وتوقفَت كل الأجهزة المعاونة في المَقَر عن العمل، حتى أجهزة التكييف … وأصبح الجوُّ حارًّا رطبًا خانقًا.
غير أنَّ درجةَ الحرارة أخذت في الارتفاعِ بصورةٍ غير معتادة … مما يدُل على أنَّه ليس فعلَ المُناخ … لا … إنَّ هناك شيئًا غير عادي يجري.
وهَروَل «أحمد» إلى غرفة التحكم في الأقمار … وطلب منهم تصوير باطن الأرض، وتحديد سبب ارتفاع درجة الحرارة إلى هذا الحد … فأخبره المهندس المسئول بأنَّه لكي يفعل هذا، يجب أن يُوقِف برنامجَ الإغراقِ العشوائي بالمعلومات، فوافق «أحمد» … فأصدَر المهندس أوامره … وتوقف البث العشوائي للمعلومات لفترة … انتظم فيها عمل كلِّ الأجهزة، إلى أن تم رصد مصدر الحرارة العالية … لقد كان هناك فرنٌ ذريٌّ في قلبِ الصخرة الأم، التي ترتكز عليها كل اليابسة، التي تقع بها حديقةُ المَقَر ومزرعته.
وصدر الأمر بتحديد الموقع بدقة … وتصويب شعاع ليزر مؤثِّر لتدميرِ مصدر طاقةِ عمل هذه الكائنات.
وعلى قدمٍ وساق، جرى العمل في المَقَر … وعندما صدرَت الأوامر بالاستعداد … غادروا جميعًا مواقعهم، عدا من كُلِّفوا بمهام … ولجئوا جميعًا إلى المخابئ المصفَّحة. وعلى شاشاتٍ تلفزيونيةٍ في جميع المواقع … تم بثُّ كلِّ ما يجري لإنهاء هذه المهمة. ودارت ماسورةُ مدفع ليزر.
وخرج منها أوَّل ما خرج شعاعٌ سميك أحمر … سقط على البحيرة الكبرى … فغلى ماؤها، وارتفع منها بخار الماء … وفي ثوانٍ كانت قد جفَّت تمامًا … وازدادت حمرةُ لونِ شعاع الليزر، حتى صار كالحديدِ المصهور … ودوَّى في المكان صوتُ انفجارٍ قوي … انتقل شعاع الليزر بعده إلى بقيةِ البحيرات، وفعَل بها مثلما فعَل … ثم انتقل إلى نقطةٍ في وسط الصحراء، وانطلق في دفقاتٍ قوية … تحوَّل معها رمل الصحراء إلى غِلافٍ صخري.
وفي هذه اللحظة، ومن مكانٍ ما من قلبِ الصحراء … ارتفعَت في سماء المَقَر مركبةٌ فضائية لامعة … كانت تدور حول نفسها في سرعةٍ ظلت تتزايد وتتزايد، حتى إنَّ دورانها لم يعُد يُلاحظ.
وارتفعَت فجأةً إلى عَنانِ السماء حتى اختفت تمامًا.
وبعدها سارت الأمورُ بصفةٍ طبيعية … ولم تعُد المنطقة تُظلم في قلبِ النهار … ولم يعُد هناك أثَرٌ لكائناتٍ غير مألوفة … هذا عدا الشياطين، الذين قال لهم رقم «صفر» ضاحكًا: هل من المعقول أن نطرد هذه الكائنات … لتقيموا أنتم مكانها؟
ثم عاد وقال لهم: شكرًا لكل ما قمتم به.
كذلك قالها لهم جميعُ قادةِ المنطقة.