قرار الزواج

يبدو شاكر للناس بارد المشاعر، عاطفته الجياشة تختفي تحت وجهٍ جامد، لا يبتسم إلا نادرًا، ضحكته إن ضحك ليس لها صوت عالٍ، لم تسمعه زوجته يقهقه قط، لم تسمعه يقول لها كلمة أحبك، كتب لها قبل الزواج رسالة يقول فيها:

عزيزتي فؤادة

أشعر في كل مرة أقابلك أنكِ مختلفة عن النساء لا أعرف كيف، شيء فيكِ يجذبني إليك، لا أعرف ما هو، لم أتعوَّد البوح بمشاعري، عشت في طفولتي وحيدًا حزينًا، أسمع من وراء الباب المغلق أبي وأمي يتشاجران، أرى أبي يضرب أمي حين يعود متأخرًا في الليل تفوح منه رائحة الخمر، اكتشفت أمي أنه تزوج في السر ممثلة في السينما من درجة الكومبارس، عاشت أمي الحزن أسمعها تبكي وحدها في الليل، تهمس لنفسها، لو كانت فنانة محترمة لكنت سامحته لكن كومبارس؟ كرهت أبي وكرهت الله، كيف يمنح الرجل حق الزواج بأكثر من امرأة؟ أليس هذا ظلمًا وإهانة وقهرًا لأمي ولجميع النساء؟ وسألت الله عن الفقر والجوع وبؤس الأطفال، كانوا يرمقونني وأنا أمشي بعيونٍ واسعة ملأى بالهوان، في أعماقي ثورة على الظلم أدخلتني السجن، وحزنٌ عميق منذ الطفولة أبعدني عن الحياة، فهل تستطيعين إعادتي إلى الحياة يا فؤادة؟ لا أملك سلطة أو مالًا أو جاهًا، لكن سأحاول أن أمنحكِ ما تستحقين من حبٍّ وحنان ورعاية، سأكون مخلصًا لك، لن أجعلكِ تندمين لأنكِ قبلت الزواج بي ربما تفخرين بي، حين أحقِّق لكِ ولأطفالنا ما يريدون في هذه الحياة.

شاكر

لم يكن لشاكر موهبة أدبية تجذبها، أو ملامح الفتى الذي يعيش في خيالها، يكتب بلغة الصحافة وليس الأدب، قامته متوسطة ذكاؤه متوسط، ملامحه وسيمة متوسطة من دون جاذبية، لا يخفق شيء تحت ضلوعها حين تراه، يرتدي دائمًا بذلةً أنيقة وحذاءً لامعًا، لون الجورب متسق ولون القميص والبذلة وربطة العنق، يبدو بصوته الرصين وملامحه الجامدة مثل الأستاذ الجامعي، بشرته بيضاء متوردة قليلًا تنم عن الراحة، لكنه كان متواضعًا يحاول الاقتراب من البسطاء والفقراء والضعفاء والنساء، حين وصلتها الرسالة بدأت فؤادة تدرك وجوده، كانت خارجةً من قصة حب تركت في قلبها جرحًا غائرًا، قررت عدم تكرار التجربة، أوحى إليها شاكر أنه يستحق الثقة، حكَت له كل حياتها، وهو حكى لها عن أمه وأبيه وطفولته الحزينة، لم يحكِ شيئًا عن حياته الأخرى. وراء مكتبها الفاخر جلست كوكب تنظر في مرآتها الصغيرة، تلامس بالفرشاة أنفها وخديها، تختفي البثور الدقيقة تحت البودرة، يختفي الشحوب تحت لمساتٍ باللون الأحمر، بعد عشر دقائق بالضبط ستأتي فؤادة إلى مكتبها، تحافظ دائمًا على موعدها، تبتسم كوكب لنفسها في المرآة، أسنانها صغيرة بيضاء منتظمة «صفَّيْ لولو» كما يقول الأستاذ، كلمة الأستاذ تعني الرئيس لهذه المؤسسة الضخمة، الأستاذ يكبرها بعشرين عامًا وأكثر، متزوج وله ثلاثة أبناء يدرسون في الخارج، يخفق قلبها حين يرمقها بعينَيْه العميقتَيْن في أثناء اجتماع المجلس، يدعوها إلى مكتبه أحيانًا للتحدث، يستطلع رأيها في بعض قراراته، وخصوصًا التعيينات الجديدة، لعبَت دورًا في تعيين أحمد عارف مديرًا لمكتبها، بدرجة نائب رئيس تحرير، دقت الجرس، ظهر أحمد عارف على الفور، أصابَت ظهره انحناءة خفيفة، صوته أصبح خفيضًا، ناولته ماكيت العدد الجديد ثم نظرت إلى ساعتها، يا أحمد بعد سبع دقائق ستأتي الأستاذة فؤادة إلى مكتبي أتعرفها؟

– أيوه طبعًا قرأت كتاباتها.

– إيه رأيك فيها؟

كاد يتسرع ويقول: كتاباتها بديعة. لكن حاسة الشم المرهفة لدى مديري المكاتب، جعلته يسكت لحظةً ثم يمط شفتيه بامتعاض، قائلًا: موش بطالة يا أستاذة كوكب. أنا رأيي يا أحمد أن موهبتها متوسطة، لكن ممكن تتحسن لو اشتغلت معانا في المجلة، إيه رأيك؟

– الرأي رأيك يا أستاذة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤