في السجن
غابت سعدية عن الشغل أسبوعًا ثم عادت، نهضت الأستاذة تفتح الباب، تعرف أنها سعدية من دقة الجرس، تبتهج فؤادة بعودة سعدية، لا تستريح لأي شغالة غيرها، تشعر معها بالطمأنينة، أمينة لا تسرق شيئًا من البيت، لا تختلس أي نقود مما تشتريه من السوق، مستقيمة الأخلاق، لا تصدر منها كلمة خارجة على الأدب، تعرف حدودها، لا تتعدى المسافة بين الخدم والسادة، ملابسها نظيفة دائمًا بالرغم من الفقر، لا تشم منها رائحة عرق، رغم التعب والشغل طوال النهار، كانت زميلتها في السجن، نزفت الدم فوق الأسفلت وهي تلد ابنتها هنادي، كما نزفت هي دمها في السجن ذاته وهي تلد ابنتها داليا، خرج شاكر بيه من غرفته مرتديًا البيجامة البيضاء الحريرية.
– اعملي النهارده صينية مكرونة بالبشامل.
– حاضر يا بيه.
– وحشتنا الصواني بتاعتك في الفرن.
– ماتشوفش وحش يا بيه.
يجلسان في غرفة الطعام يتناولان الفطور، يقرآن الصحف في صمت، يعلقان على الأخبار بكلماتٍ قليلة، يتناقشان في موضوعٍ ما، يتبادلان بعض الفكاهات، ينظر شاكر إلى التايير الأنيق ويقول لزوجته: لازم عندك ميعاد مهم؟
تضحك فؤادة في مرح وتتساءل: ميعاد مهم؟ مع مين؟
– إيش عرفني أنا؟
– فيه حد مهم في البلد؟
يبتسم شاكر: طبعًا فيه.
– زي مين؟
غمزها بعينه: رئيس التحرير.
– ده له صلعة وكرش ما شاء الله.
يضحكان في مرح.
تشعر سعدية بالتفاؤل حين تسمع ضحكاتهما، تريد لهما الحياة المستقرة، استقرارها جزءٌ من استقرارهما، فرص الشغل قليلة والناس الطيبة مثلهما نادرة.
تقول فؤادة: لازم هنادي ترجع المعهد.
– هي خايفة يا أستاذة.
– ليه؟
– عرفوا الحكاية في المعهد.
– عرفوا منين؟
أطبقت سعدية شفتيها، لم تقل إنها هي التي فضحت ابنتها، ذهبت لتقابل جلال أسعد وسط الطلاب، كان المفروض أن تقابله خارج المعهد.
– عرفوا منين يا سعدية؟
– الناس بتشم الأخبار يا أستاذة.
– الناس غرقانة في مشاكلها يا سعدية.
– يا ريت تكلميها، هي بتسمع كلامك يا أستاذة.
– هاتيها معاكي بكرة وأنا أقنعها.
– لما تخف يا أستاذة وتقوم بالسلامة.
– إذا احتجت سلفة قولي يا سعدية.
– الأدوية غليت نار.
– كل حاجة غليت يا سعدية.
– اخصمي السلفة كل شهر من ماهيتي.
– إنتي بقيتي واحدة من العيلة يا سعدية.