محظورات
كانت فؤادة تكتب مقالات في السياسة الدولية، يحذف رئيس التحرير ما يراه غير متفق مع سياسة الدولة، لم يكن مسموحًا انتقاد الصداقة بين مصر وأمريكا والشراكة والتعاون ومعاهدة كامب ديفيد للسلام والهوية الإسلامية، والعلاقات الودية مع دول النفط والخليج.
يكتب شاكر مقالاتٍ في السياسة المحلية، أحيانًا ينتقد سياسة الاستيراد من دون تخطيط، تكتظ الشوارع بالسيارات المستوردة، أصبح عدد السيارات في مصر أكثر من عدد الناس، يملك الفرد سيارتين أو أكثر، تحرم الأسر الفقيرة نفسها من الطعام لتملك سيارة، بدلًا من إهدار العملة الصعبة والأموال في شراء السيارات الأجنبية، لماذا لا تصلح الحكومة المواصلات العامة، بدلًا من أن يركب شخصٌ واحد سيارة يركب خمسون في أوتوبيس، إنشاء مترو الأنفاق تحت الأرض يحل مشكلة المرور، القطار الواحد يحمل مئات، ويخف الزحام من الشوارع، ويقل التلوث بالغازات المنبعثة من عوادم السيارات، أصبح التلوث يهدد الحياة في مصر والعالم نتيجة ازدياد حجم الانبعاثات الكربونية، وارتفاع حرارة الكون، وذوبان الثلوج عن قمم الجبال، وارتفاع منسوب المياه في المحيطات والبحار ومنها البحر الأبيض المتوسط، مما يهدد بإغراق ثلث مساحة دلتا النيل تدريجًا تحت مياه البحر في العقود المقبلة، وازدياد ملوحة الأراضي في الدلتا كلها، التي تنتج ٦٥٪ من غذاء مصر، تغيرات المناخ خطيرة، والمفروض وضع استراتيجية من الآن للتخفيف من هذا الخطر.
يمطُّ رئيس التحرير شفتيه.
– يا شاكر بلاش كلمة استراتيجية، دي كلمة شيوعية، عاوز تروح تاني ورا الشمس، ده كلام يخدم الرأسماليين في مصر، مشروع مترو الأنفاق سيحقق مكاسب كبيرة لشركات القطاع الخاص، يا شاكر ابعد عن الشر وغني له.
– يعني أكتب في إيه يا أستاذ؟
– اكتب في السياسة المحلية.
– مشاكل المواصلات والمرور وتلوث البيئة سياسة محلية مش كده؟
– مكاتب استيراد السيارات فيها فوايد يا شاكر.
– لمين يا أستاذ؟
يغمز رئيس التحرير بعينه مشيرًا إلى الصورة فوق رأسه داخل البرواز ويهمس: هو واللي حواليه عارفهم يا شاكر؟
– كل الناس عارفاهم يا أستاذ.
كانت فؤادة تشعر في مكتبها بالغربة، لم تكن تحب الصحافة أو السياسة، دخلت قسم الصحافة في الجامعة لترضي أباها، كان يقول: الصحافة هي كل شيء، أكبر رأس في البلد يخاف من أصغر صحفي. تجلس فؤادة شاردة، تتحرَّك عيناها خارج النافذة، كيف تحرر نفسها من الجورنال، سعدية تحررها من أعباء البيت، تساعدها على الطبخ والتنظيف، تعمل من الساعة السابعة صباحًا حتى الخامسة مساءً، تسع ساعات كاملة من دون توقف، لن يكون عندها وقت للطفل الجديد القادم، لماذا تركت نفسها تحمل للمرة الثانية، تكفيها ابنتها داليا لا تملك الجهد لطفلٍ ثانٍ ولا تريده، حياتها الزوجية خالية من اللذة أو السعادة، تشعر بالغثيان كل صباح، تساورها فكرة الإجهاض، لا تستطيع تحمل عبء طفل جديد، وابنتها داليا تكفيها، أوتوبيس المدرسة يحملها كل صباح ويعود بها في الرابعة مساء، في الثانية بعد الظهر تعود هي وشاكر من الجورنال.
تساعد سعدية على إعداد الغداء بالرغم من الإرهاق.
يستلقي زوجها فوق السرير بالبذلة والحذاء شاخصًا إلى السقف حتى تناديه: الغدا جاهز يا شاكر.
صوتها يشبه صوت أمه، حين كانت تناديه وهو طفل، كانت أمه درية هانم، تزورهما في العيد الكبير والصغير، وهما يزورانها في بيتها في عيد ميلادها، ويوم شم النسيم والكريسماس، نشأت صداقة بين زوجته وأمه، تجلسان معًا وتتحدثان، تحكي درية هانم حكايتها لفؤادة وشاكر وتعيدها، لا تنسى منها شيئًا وخصوصًا ذلك المشهد مع الطبيب، ذهبت درية هانم إلى الدكتور مصطفى صديق والدها، وضع الطبيب يده فوق بطنها وقال: لا يمكن، عملية الإجهاض يا درية هانم خطرة جدًّا بعد الشهر الرابع.
أجهشت بالبكاء.
– سيكون لك طفل جميل يا درية هانم.
– مش عاوزاه يا دكتور كرهت.
– فيه أم تكره ابنها؟
– أيوه يا دكتور إذا كرهت أبوه.
– مش قادر أتصور يا درية هانم.
الرجل لا يمكن أن يتصور آلام النساء يا دكتور وإن كان طبيبًا نسائيًّا.
ضحك الدكتور وقال: زوجك محترم من الجميع.
– أنا مراته أقرب الجميع إليه فقدت احترامي له.
– أنا مستعد أصلح بينكم يا درية هانم.
– القلب اللي ينكسر لا يمكن يرجع سليم يا دكتور.
– اسمعي مني النصيحة يا درية هانم، زوجك أحسن من غيره، أنا طبيب نساء عارف خبايا البيوت، كل الرجالة بيكدبوا ويخونوا زوجاتهم.
– فيه رجالة عندهم ضمير يا دكتور.
– إنتي ست طيبة وعلى نياتك، المسألة مش ضمير.
– أمال إيه يا دكتور؟
– القانون الإلهي، ربنا حلل لنا الزواج بأربع نساء.
– ده قانون غير عادل لا يمكن أقبله.
– يا درية هانم لازم تكوني مؤمنة بالله وإلا …
– وإلا إيه يا دكتور؟
يضحك الطبيب ويسكت.
على الرغم من مرور السنين، لا تنسى درية هانم هذا الحوار بينها وبين الدكتور، تسأل ابنها بعد أن تنتهي من رواية قصة حياتها: تصور يا شاكر لو الدكتور عمل لي عملية الإجهاض؟
يبتسم شاكر لأمه نصف ابتسامة ويقول: كنت أنا ما جيتش للدنيا يا أمي.
يغمز فؤادة بطرف عين ويكمل كلامه: يمكن كان ده يبقى مفيد لبعض الناس.
تضحك فؤادة: قصدك أنا يا شاكر؟
– لأ مش قصدي.