هنادي
رقدت هنادي مريضة بالحمى تنزف دمًا أسبوعًا كاملًا، تتركها أمها وتخرج إلى الشغل، تنهض هنادي وتمشي في الغرفة، تملأ الكوز بالماء من الصفيحة وتشرب، تأكل نصف تفاحة أو نصف برتقالة أو بعض حبات عنب، فقدت الكثير من وزنها، تتماثل للشفاء ببطءٍ شديد، تتساوى في أعماقها الرغبة في الحياة والرغبة في الموت.
كان يمكن أن تعود إلى المعهد، كان يمكن أن ينقذها التعليم من الفقر، لولا أمها، مثل الدب يقتل صاحبه بحجر ليهش ذبابة.
لكن يا هنادي أنت السبب؟ ليه كدبتي على أمك ليه؟
لم تعد أمها تسألها ليه كدبت يا بنتي؟ أصبحت هنادي نحيفة هزيلة، كالخيال تمشي داخل الغرفة، تخشى الخروج من الباب ومواجهة الجيران، تخفي وجهها بالنقاب حتى لا يعرفها أحد، تفكر سعدية في الهجرة إلى حيٍّ آخر، لكن لا يمكن أن تعثر على غرفةٍ بهذا الثمن، ولا يمكن أن تطلب المساعدة من الأستاذة، يكفي أنها دفعت مصاريف العملية، سوف تسدد للأستاذة ديونها من راتبها كل شهر، كانت هنادي تساعدها على الشغل حين يأتي الضيوف وتزداد الأعباء، أو حين تتأخر الأستاذة وزوجها في حفلةٍ أو اجتماع، تبقى هنادي مع ابنتهما داليا، كانت علاقة صداقة تجمع بين فؤادة وسعدية، تتحدث فؤادة أحيانًا عن مشاكلها في الجورنال لسعدية، تقول لها إنها تكره الجورنال بكل من فيه، تراها مكبة فوق أوراقها تكتب الساعة وراء الساعة، تعد لها فنجان شاي أو قهوة، تقشِّر لها برتقالةً أو تفاحة، كفاية يا أستاذة افردي رجليكي شوية. لازم المقال يخلص يا سعدية.
– مقال إيه يا أستاذة؟
– السياسة الخارجية يا سعدية.
– السياسة إيه يا أستاذة؟
– كدب في كدب السياسة يا سعدية.
– كانت المرحومة أمي تقول عنها بوليتيكا يا أستاذة.
ترفع فؤادة وجهها من فوق المكتب: السياسة بالإنكليزي اسمها بوليتيكا يا سعدية.
– ما لك ومال البوليتيكا دي يا أستاذة؟
تضحك فؤادة: الدنيا كلها بوليتيكا يا سعدية.
بعد أن تنتهي فؤادة من الكتابة تتمدد فوق السرير مبعدة ما بين ساقيها، قدماها تتورمان من طول الجلوس وراء المكتب في البيت والجورنال، تأتي إليها مرتين في الأسبوع ممرضة متخصصة في التدليك، اسمها خديجة، فتاة في العشرين تلف رأسها بإيشارب أبيض، تحمل حقيبة فيها جهاز كهربائي للتدليك وأنواع متعددة من الزيوت والدهانات، حين تغيب خديجة تقوم سعدية أو ابنتها هنادي بالمهمة، تجلس فوق السجادة على الأرض وتدلك قدمي الأستاذة.