اللقاء
بعد العشاء، ارتدوا المعاطف وخرجوا يتمشون في جوار النهر، أمسكت باتريشيا يد إرنست، وأمسك جورج يد فؤادة، انطلقت باتريشيا تجري وتصفق بذراعيها وتهتف: يسقط النظام.
وراح الجميع يرددون وراءها: يسقط النظام.
همس جورج في أذن فؤادة: هل تأخذينني معكِ إلى الخيمة في ميدان التحرير؟
– متى تأتي يا جورج؟
– أي وقت تشائين.
– سأكتب إليك من القاهرة.
في مطار كينيدي تعانقا، تعاهدا على اللقاء، ناولها باقة ورد أبيض وأحمر، لم تنظر إلى عينيه، ابتلعت دموعها وتشاغلت بالبحث عن أوراق السفر في حقيبة يدها، لوَّح لها بيده وهي تختفي وراء الحاجز، وعاد في طريقه وهو يشعر بشيءٍ ثقيل في صدره، وبين جفونه دمعة محبوسة لم تسقط.
في مطار القاهرة، كانت داليا تنتظر وفي جوارها أبوها، التقطت وجه أمها من بين كتل الأجسام، شعرها الأسود القصير الغزير، بشرتها السمراء عيناها تبرقان.
– ماما.
شقت داليا الزحام حتى عانقت أمها.
– وحشتيني يا ماما.
جاء زوجها من خلفها يمشي بخطوته البطيئة وهو يبتسم بهدوء، قائلًا بصوته الخالي من الحرارة: حمد الله ع السلامة يا فؤادة.
أخذ منها الحقيبة ذات العجلات، وأخذت داليا باقة الورد الأبيض والأحمر.
– أخبار سعدية إيه يا داليا؟
– هي في الخيمة مع هنادي وحميدة.
– ومين بيشتغل في البيت؟
– أنا باعمل شغل البيت وبعدين أنزل الميدان.
– والدراسة يا داليا؟
– الدراسة سهلة يا ماما.
وقال شاكر: الثورة باتت عبثًا، البلد في أزمةٍ اقتصادية خطيرة والكل متوقع ثورة الجياع.
– الناس كلها في التحرير يا بابا حتى الأستاذة بدرية البحراوي.
مط شاكر شفتيه بضيق: مين هي؟ ما حدش يعرفها.
– ناس كتير يعرفوها يا بابا.
وقالت فؤادة: وإنت عارفها يا شاكر وقريت كتاباتها.
– أنا؟
– أيوه إنت.
رمق زوجته بغضبٍ وقال: يمكن نسيت حافتكر إيه والا إيه.
لم ينسَ شاكر أنه كان يشتري كتب بدرية البحراوي من مكتبةٍ صغيرةٍ في بدروم إحدى العمارات بمصر القديمة، صاحب المكتبة شاب اسمه محمد، عاطلٌ عن العمل مثل معظم خريجي الجامعات، كان يحب القراءة منذ سن مبكرة، وخصوصًا كتب الفلسفة، من سقراط إلى ابن رشد، إلى أبي العلاء المعري، إلى سارتر وسيمون دي بوفوار، أصبح يجمع الكتب القديمة من سور الأزبكية، ويخبئ كتبًا جديدة ممنوعة في مخزنٍ تحت الأرض في المكتبة، تعرَّضت مكتبة محمد لهجمات البوليس كما أخذوه هو إلى السجن، لكنه لا يزال مدمنًا القراءة، وتجميع الكتب الممنوعة داخل المكتبة.