تأنيب ضمير

وجد شاكر نفسه في مكتب كوكب الكميلي، كانت تكتب مقالها الأسبوعي، اعترض مدير مكتبها طريقه لكنه أزاحه بيده، لازم أشوفها دلوقتي.

– هي مشغولة يا أستاذ.

واتجه شاكر مباشرة إلى بابها المغلق، فتحه ودخل.

نهضت كوكب مرحبةً به وقالت: فيه إشاعة إنك استقلت من الجورنال يا شاكر؟

– حقيقة مش إشاعة يا كوكب.

– ليه استقلت يا شاكر؟

– خلاص مش قادر أستمر.

– يا ريت تسلفنا شوية شجاعة يا شاكر.

– الحكاية مش شجاعة يا كوكب.

– أمال إيه؟

– تأنيب ضمير.

– ضميري مات من زمان.

– إزاي؟

– ما فيش أمل خلاص.

– لأ يا كوكب فيه أمل.

أطرقت كوكب وساد صمتٌ طويل، ثم رفعت رأسها باديًا عليها الإعياء والتعب، أنا ما قدرش أستقيل يا شاكر.

– ليه؟

– أسباب كثيرة، منها الماهية الكبيرة والاسم الكبير.

– ممكن تعملي حاجات غير الاستقالة.

– زي إيه؟

– مش عارف، إنتي أدرى مني.

– إنت بتتكلم زي الدكتور النفساني بتاعي.

– إنتي بتروحي لطبيب نفسي يا كوكب؟

– وباخد حبوب ضد الاكتئاب كمان.

– وقال لك إيه الدكتور؟

– قال لي ضميرك تعبان.

– أيوه.

– وسألته أعمل إيه؟

– قال لك إيه؟

– قال لي إنتي أدرى مني.

– فعلًا الأمر في إيدك.

– أيوه لكن …

– لكن إيه؟

– المسألة صعبة جدًّا.

– ما فيش حاجة صعبة يا كوكب.

– سمعت عن استقالتك من يومين وفكرت أعمل حاجة.

– زي إيه؟

– أغير أقوالي في النيابة وأقول الحقيقة، لكن …

– لكن إيه؟

– خايفة يرفدوني.

– الخوف مرض يا كوكب.

– مش قادرة أتخلص منه.

– كنت خايف أستقيل وبعد الاستقالة راح الخوف.

– أيوه.

– الخوف وهم يا كوكب.

– وإيه أخبار فؤادة؟

– فؤادة في الخيمة.

– فكرت أزورها لكن خفت يضربوني بالطوب.

– ليه يضربوكي؟

– إنت عارف ليه؟

– عشان غيرت أقوالك يا كوكب؟

– أيوه.

– كلنا بنغلط، المهم عدم الاستمرار في الخطأ.

– جلال أسعد مات بالتعذيب في معسكر الجبل الأحمر، دي الحقيقة اللي قلتها يا شاكر، هددوني واضطريت أغير أقوالي وأقول إن عربية صدمته.

– هددوكي بإيه؟

– بالفصل وحاجات تانية كتير ممكن يلفقولي أي تهمة وإنت عارف يا شاكر.

– أيوه عارف، لكن الجرانيل كثيرة عاوزة ناس تكتب فيها وإنتي لك اسم كبير، والجورنال بتاعنا أصبح سيئ السمعة، وما حدش بقه يقراه يا كوكب.

– الجرانيل التانية مقروءة أكثر لكن أنا زهقت من الصحافة، الصحافة والسياسة أعمال غير نظيفة.

– أيوه صحيح يا كوكب.

في صباح اليوم التالي، وزع الطفل محمد الصحف على سكان الخيام في الميدان، كانت فؤادة جالسة أمام الخيمة تحت أشعة الشمس حين لمحت المانشيت الكبير الذي يقول: الأستاذة الكاتبة الصحفية كوكب الكميلي سحبت أقوالها الأخيرة، وأكدت أن شهيد الثورة جلال أسعد، مات بالتعذيب في معسكر الأمن بالجبل الأحمر، وليس إثر حادث سيارة.

ودب في الخيمة نشاطٌ جديد.

كانت الملايين في الشوارع والميادين تهتف: يسقط النظام. وبدأ العصيان المدني في كل المحافظات من أسوان إلى الإسكندرية.

همست داليا في أذن هنادي: فاكرة السجن وإحنا بنلعب سوا؟

– كانت أيام حلوة يا داليا.

وانطلقت ضحكاتهما وهما تسيران بين الصفوف.

اهتزت أرجل كرسي العرش وهو جالسٌ في استرخاء، لم يعد شعر رأسه أسود، أصبح لونه رماديًّا ونبتت في وجهه لحية.

– فيه إيه بيحصل في البلد؟

– ولا حاجة يا فخامة الرئيس.

– أنا سامع أصوات؟

– شوية نسوان بيضحكوا مع بعض.

– كده خليهم يتسلوا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤