الفصل التاسع عشر
اجتمعَت مجموعة صغيرة مرحة للغاية على العشاء في تلك الليلة في دورمي هاوس كلوب. وقد تكونت من جرانيت؛ وجيفري أنسيلمان، ابنِ عمه، الذي لعب في فريق كامبريدج وتعارك مع اثنين؛ والميجور هاريسون، الذي مُدَّت إجازته لثلاثة أسابيع أخرى؛ وسكرتير النادي الذي أكمل الرباعية.
وسأل الأخير: «بالمناسبة، أين كنتَ بعد ظهر اليوم، يا كابتن جرانيت؟ لقد تركت أنسيلمان ليلعبَ أفضل مبارياتنا. وقد قدم لنا اختباءً جيدًا مبهجًا، أيضًا.»
فقال جرانيت: «لقد خرَجتُ للتجول»، وتابع: «وبعد ذلك غفوت في غرفتي. فالجو رائع هنا في قريتكم، كما تعلم.»
قال الميجور هاريسون: «لقد نمت نومًا عميقًا الليلة الماضية. في أول ثلاث ليالٍ بعد عودتي للوطن لم أستطع النوم قطُّ.»
انحنى جرانيت عبر الطاولة نحو السكرتير.
وقال: «ديكنز، إن الرجل الجالس في الطرف الآخر من القاعة ذو مظهرٍ غريب. من هو؟»
نظر السكرتير حوله وابتسم.
«هل تقصد ذلك الرجل الضئيل ذا النظارة والحدبة؟ لقد وصل الليلة الماضية وطلب لعب مباراة هذا الصباح. هل ترى كم هو مخلوق بائس متغضن المظهر؟ لكنه لعب المباراة بقوةِ اثنَي عشر رجلًا ومسح بي الأرض. هل يمكنك تخمين عدد النقاط التي منحتها له ليتميز عليَّ؟»
أجاب جرانيت: «ليس لديَّ فكرة. أربعون، على ما أظن.»
قال لهم ديكنز: «لم يحصل على أي نقاط، وبدأ عند سانت أندروز. إن اسمه هو كولينز. وليس لديَّ أيُّ معلوماتٍ أخرى عنه. لقد سدَّد حسابه مقدمًا لمدة أسبوعٍ ونحن سعداءُ للغاية لاستقبال الزوَّار في كل هذه الأوقات.»
سأل الشاب أنسيلمان، وهو ينهض: «هل ستلعبون بريدج أم بلياردو؟»
قال جرانيت: «دعونا نلعب بلياردو. فالتمدد عبر الطاولة مفيدٌ لي.»
قال الميجور هاريسون: «لنلعب سنوكر، إذن.»
ومن ثم لعبوا بعضَ الوقت. فجاء الرجل الضئيل ذو المظهر المتغضن ليشاهدَ لعبهم بلطف، وهو يحدق بين الحين والآخر من خلال نظارته، ويُصفق بهدوء لأي ضربة جيدة. وعند الساعة الحادية عشرة، أطفَئوا الأنوار واتجهوا إلى غرفهم. وقبل منتصف الليل بقليل تسلَّل جرانيت، مرتديًا الروب، بهدوءٍ عبر الممر وفتح، دون أن يطرق، بابَ غرفةٍ أمامه. فوجد الرجل الضئيل ذا المظهر المتغضن جالسًا على حافة السرير، وقد خلع سترته. فأدار جرانيت المفتاح في القفل، ووقف لحظةً يستمع، ثم التفت ببطء.
ثم قال بهدوء: «حسنًا؟»
فأومأ ساكنُ الغرفة. وكان قد خلع نظارته فكشف غيابها عن وجهٍ مميزٍ جدًّا. ثم تحدث بهدوء ولكن بوضوح.
«هل استكشفتَ المنزل؟»
أجاب جرانيت: «بقدر ما استطعت. إن المكان تقريبًا في حالة حصار.»
«وهذا يُثبت أننا نسير على الطريق الصحيح، على أي حال. وما هو ذلك الهيكل الذي يبدو أنه يبرز في الماء؟»
سأل جرانيت بحدَّة: «كيف علمت بشأنه؟»
«لقد أبحرت هذا المساء، حيث استأجرت قاربًا في برانكاستر ستاي. وقد رفض صاحبُه أن يذهب إلى أي مكان بالقرب من ماركت بيرنهام، رغم ذلك، وأنا آسفٌ بعض الشيء لأنني حاولت دَفْعه لأن يفعل ذلك. إن لديهم مخاوفَ هنا، بالفعل، يا جرانيت. لقد طلبت منه استئجار القارب مدة أسبوع، لكنه رفض بوقاحة. وقال لي إنه لا يريد وجودَ غرباء حول هذه الشواطئ. وعندما دفعتُ له مقابل وقتِ ما بعد الظهر كان فظًّا للغاية، وظل ينظر إلى منظاري المقرب.»
عبَس جرانيت بشدة.
وقال: «لن يصبح الأمر سهلًا. لقد سمعت أن البحرية المَلكية ستتولَّى الأمر برُمته في غضون الأيام القليلة المقبلة، وسترسل مُشاة البحرية إلى هنا. كم الساعة الآن؟»
نظرا في ساعتَيهما. فوجدا الوقت قبل منتصف الليل بخمس دقائق. وكما لو كان بموافقةٍ مشتركة، اتجه كلاهما إلى النافذة ووقفا ينظران نحو الظلام. حيث تتنقَّل رياحٌ خفيفةٌ بين رءوس الأشجار، والليل صافٍ لكن بلا قمر. وعلى بعد نحو نصف ميل، كان بإمكانهما تمييزُ ركنٍ من أركان مبنى النادي. فوقفا يُراقبانه في صمت. وعند الساعة الثانية عشرة وخمس دقائق، أغلق جرانيت ساعته بنقرةٍ واحدة.
وهمس: «ليس الليلة، إذن. يا كولينز!»
«حسنًا؟»
«ما الذي يحدث في ذلك الكوخ الخشبي؟»
خفض الرجل الضئيل صوتَه.
وغمغم: «لقد فقدَتْ ألمانيا غواصتَين في يومٍ واحد. والجهاز الذي تسبَّب في ذلك جاء من ورشة وورث الصغيرة تلك. ومن المحتمل أن تكون المخططاتُ هناك أو في مكانٍ ما من المبنى.»
خفض جرانيت صوته.
وقال: «في الحقيقة لقد كنت على بُعد بضع ياردات من هذا الجهاز. وكان محاطًا من جميع الجهات بسياجٍ من ألواح الخشب المعشَّق.»
«هل تقصد أنه قد سُمح لك بالصعود على متن المدمرة سكوربيون؟»
أومأ جرانيت برأسه.
وقال: «لقد كان حظِّي سيئًا للغاية. فقد أخذتُ الآنسة كونيرز وصديقتها لمقابلة شقيقها، القبطان كونيرز. حيث دُعينا لتناول الغداء على متن المدمرة. وفي اللحظة الأخيرة تقرَّر إعادتنا إلى الشاطئ. ومن خلال منظار مقرب من فوق سطح فندق «شيب» رأيتُ بعض العمال يسحبون ألواح الخشب المعشق، لكنني لم أستطع تحديدَ ماهية الهيكل.»
قال كولينز: «يمكنني أن أعطيك فكرة. لقد توصل ذلك الرجلُ وورث إلى نظام يتكون من عدسات متحدة المركز، مع عاكساتٍ غير عادية تُمكنه من الرؤية بوضوح حتى عمقٍ لا يقل عن ثلاثين قدمًا تحت الماء. ثم إن لديهم آلةَ تسجيل، بموجبِها يُغيرون زاوية انحدار مدفع جديد، مع قذائف تنفجر تحت الماء. كان فون لويتز يحاول التوصل إلى جهاز من هذا النوع في العام الماضي، لكنه تخلَّى عنه بشكل رئيسي؛ لأن كروبس لن تضمنَ له قذيفة.»
غمغم جرانيت قائلًا: «كروبس تخلت عنه مبكرًا بعض الشيء، إذن. يا كولينز، إذا لم نتمكن من تحطيم هذه المؤسسة الصغيرة، فخلال مدة قصيرة ستصبح هناك عشراتُ المدمرات المزودة بهذا الاختراع الجهنمي.»
فوقف الرجل الضئيل أمام النافذة وهو يُحدق بثبات في اتجاه البحر.
وقال بثقة: «سيأتون هنا هذا الأسبوع. من الأفضل أن تذهب الآن، يا جرانيت. لقد انتهى كل شيء لهذه الليلة.»
أومأ جرانيت برأسه وغادر الغرفةَ بهدوء. وبدا أن كل شخص في دورمي هاوس كان نائمًا. فعاد إلى غرفته دون صعوبة. بينما ظل الرجل الضئيل فقط جالسًا عند النافذة، وعيناه مثبتتان على كتلة السحُب القاتمة التي تنخفض فوق البحر.