الفصل العشرون
أسندت إيزابيل وورث ظهرها إلى الخلف في المقعد المريح بجانب جرانيت وتنهدَت تنهيدة رضًا طفيفة. كانت قد استمتعت بحفل الغداء المعدِّ لها هي وجرانيت فقط، وسارا على الرمال بعد ذلك، وهي على استعدادٍ تام للاستمتاع بهذه الرحلة القصيرة بالسيارة في طريق عودتها إلى المنزل.
وغمغمت قائلة: «يا لها من سيارة رائعة سيارتك هذه! لكن أخبرني — ما هذا الشيء الموضوع في الخلف؟»
فقال: «إنه مجرد اختراع تجريبيٍّ صغيرٍ لصديق لي. في يوم من الأيام سنجربه في أحد هذه الجداول. إنه قارب قماشي قابلٌ للطي.»
ضحكت قائلةً: «لا تُجربه في أي مكان بالقرب منا. بالأمس اقترب قاربٌ به اثنان من الصيادين من ويلز قليلًا من الكوخ، فأطلق الجنود وابلًا من الرصاص نحوهما.»
ارتسمت تكشيرةٌ على وجه جرانيت.
وقال: «هل تعلمين أنني أصبحت فضوليًّا بشكل مخيف بشأن عمل والدك؟»
ردت بلا مبالاة: «هل أنت كذلك حقًّا؟ من جهتي أنا، لن أتحمل حتى عناء صعود السلم إلى الورشة.»
قال جرانيت في إصرار: «لكن يجب أن تعرفي شيئًا عما يحدث هناك؟»
أكدت له: «أنا لست مهتمةً في الواقع. إنه اختراع رائع، على ما أظن، لكن لا يمكنني سوى الاستياءِ من أي شيء يجعلنا نعيش مثل النسَّاك، ونشك حتى في البائعين المتجولين، ونتخلى عن الترفيه تمامًا، ونتخلى عن مقابلة أصدقائنا. آمُل ألا تعودَ إلى لندن بسرعة، يا كابتن جرانيت. فأنا لم يكن لدي أيُّ صديق أتحدث إليه هنا منذ شهور.»
فأجاب قائلًا: «أعتقد أنني لن أعود الآن. أريد أولًا أن أنجز ما أتيتُ من أجله.»
أدارتْ رأسها ببطء شديد ونظرت إليه. بينما يزداد تورُّد خدَّيْها.
وسألَتْه بهدوء: «ما الذي أتيت من أجله؟»
ظل صامتًا للحظة. بينما قدمُه بالفعل على فرامل السيارة؛ حيث يقتربان من البوابات المغلقة.
ثم همس: «ربما أنا لست متأكدًا تمامًا من ذلك بعد.»
ثم توقفت السيارة. فنزلتْ على مضض.
وتنهدت قائلة: «أكره ألا أدعوَك للدخول، هذا يجعلني أبدو غير مضيافة. هل تتفضَّل بالدخول لبعض الوقت؟ إن أسوأ ما يمكن أن يحدث، إذا التقينا بأبي، هو أنه قد يصبح وقحًا إلى حدٍّ ما.»
أجاب جرانيت: «سأجازف بكل سرور.»
فسألته، وهي تُحدق في الخلف: «هل يمكنني رؤية قاربك القابل للطي؟»
هز رأسه.
وقال: «هذا ليس سرِّي أنا، وإلى جانب ذلك، لا أعتقد أن صديقي قد حصل على براءة اختراعِه حتى الآن.»
تنحى الحارس جانبًا وسمح لهما بالمرور، رغم أنه نظر بتمعُّن إلى جرانيت. فسارا ببطء في الطريق الوعر إلى المنزل. وتوقف جرانيت لينظر إلى أسفل الذراع الطويلة للبحر على يساره.
وقال: «إن لديكم نهرًا لا بأس به هناك.»
فأومأت برأسها.
«كان هذا هو الممرَّ المائي الرئيسي من قرية بيرنهام. يمكن لقارب كبيرٍ جدًّا النزول الآن عند ارتفاع المد.»
ثم دخلا المنزلَ فبدا على إيزابيل بعضُ الفزع. وتمسكت بذراع جرانيت للحظة. حيث وجدا رجلًا مسنًّا يرتدي ملابسَ سوداء قاتمة ومغبرَّة بشكل مخزٍ، بلا ياقة، مع كتلة من الشعر الأبيض مشعثة في جميع أنحاء وجهه، وهو يسير ذهابًا وإيابًا عبر القاعة ويُمسك بنظارة ذات إطار عاجي في يده. وتوقف عند سماع صوت فتح الباب وهُرع نحوهما. لم يكن هناك شيء في مظهره يدعو للرعب. حيث بدا، في الواقع، كأنما تغمره روحُ الدعابة المتحمسة.
وصاح قائلًا: «إيزابيل، يا عزيزتي، إنه أمر رائع! لقد نجحت! لقد غيرتُ مبادئ أبدية، وأجريتُ التجرِبةَ البصرية الأكثر ذكاءً التي غامر بإجرائها أيُّ عالم من قبل، وكانت النتيجة — حسنًا، سترين. لقد اتصلتُ بقيادة البحرية الملكية، وطلبت مزيدًا من العاملين. الكابتن تشالمرز، أليس كذلك؟» وتابع قائلًا: «عليك أن تقول لرجالك أن يُضاعفوا ويضاعفوا طاقاتهم. هذا المكان يستحقُّ المشاهدة الآن. تعالي، سأريكِ شيئًا رائعًا.»
ومن ثم استدار وقادهم على عجلٍ نحو الباب الخلفي. فأمسكَت إيزابيل بذراع جرانيت.
وقالت هامسة: «إنه يظنُّ أنك الضابط المسئول عن الفصيلة هنا. من الأفضل أن ندَعَه يستمرُّ في ظنه.»
أومأ جرانيت برأسِه.
«هل سيأخذنا إلى الورشة؟»
قالت: «أعتقد ذلك.»
لقد وجدا صعوبةً في مواكبة السير ميفيل بينما يقودُهم على عجلٍ إلى أسفل الامتداد الصغير من الحصى حيث يجلس رجلٌ في قارب. فقفزوا جميعًا. ونظر الرجل الممسك بالمجاديف في شكٍّ للحظة نحو جرانيت، لكنه انطلق فورًا عندما أُمِر بذلك. واستمر بالتجديف حتى وصلوا إلى مقدمة الهيكل الصغير الغريب. فمد رجلٌ من الداخل يده وساعدهم. بينما جلس شابٌّ آخر، مع كتبٍ مكدسة على الأرض إلى جانبه، وهو يُجري بعض الحسابات على طاولة. وقد احتل مدخل المكان تقريبًا من خلال ما بدا أنه مزيجٌ غريب من التلسكوبات والعدسات موجَّهة إلى اتجاهاتٍ مختلفة. وابتسم السير ميفيل لهما وهو يُدير المقبض على عجل.
ويقول: «الآن، ستشاهدان ما لم يُشاهدْه أحدٌ من قبل. انظرا، سأصوِّب هذا السهم على تلك البقعة، على عمق نحو خمسين ياردة. انظري الآن من خلال هذه، يا إيزابيل.»
انحنَت الفتاة إلى الأمام، وهي صامتةٌ للحظة، ثم أطلقتْ صيحةَ دهشة. وأمسكت بذراع جرانيت وجعلَتْه يأخذ مكانها. فصاح، هو أيضًا، بهدوء. إذ رأى قاعًا رمليًّا مغطًّى بالقواقع، وصخرة بها مجسات أعشابٍ بحرية تطفو منها، وعدة سرطانات ضخمة، وعدد كبير من الأسماك الصغيرة. وكان كل شيء واضحًا ومميزًا. فرفع نظره مع شهقةٍ صغيرة.
وصاح: «رائع!»
فابتسم السير ميفيل ابتسامةً رائعة.
وقال: «هذا هو الجزء الذي توصلتُ أنا إليه. أما في الورشة الأخرى بالأسفل فيجتهد شركائي في الجزء الخاص بهم. لقد حقَّقوا، أيضًا، نجاحًا. يجب أن تُخبر رجالك، يا كابتن تشالمرز، أن يظلوا يقظين. يجب حراسة هذا المكان ليلًا ونهارًا. لقد كان اختراعي السابقُ خطوةً رائعة إلى الأمام، لكن هذا نجاحٌ مطلق. خلال الأشهر القليلة المقبلة هذا هو المكان الأكثر قيمةً في أوروبا.»
قاطعَتْه إيزابيل قائلة: «إنه ليس الكابتن تشالمرز، يا أبي.»
بدا السير ميفيل فجأةً وكأنه متجمد في مكانه. بينما نظر بثباتٍ إلى جرانيت.
وسأل في حدة: «من أنت إذن؟ من أنت، يا سيدي؟»
أجاب جرانيت: «أنا الكابتن جرانيت من رويال فيوزيليرز، عائد من الجبهة، ومصاب. ويمكنني أن أؤكد لك أنني شخصٌ جدير بالثقة تمامًا.»
قال السير ميفيل بحدَّة: «لكنني لا أفهم. ما الذي تفعله هنا؟»
قال جرانيت موضِّحًا: «جئتُ لزيارة ابنتك. لقد كان من دواعي سروري أن ألتقيَ بها على الغداء في حفل الليدي أنسيلمان منذ عدة أيام. وكنا نلعب الجولف معًا في برانكاستر.»
بدأ السير ميفيل يُغمغم في نفسِه وهو يدفعهما إلى القارب.
ويقول بصوتٍ خفيض: «إنه خطئي — خطئي. كابتن جرانيت، لقد اعتقدتُ أن ابنتي تعرف رغباتي. أنا لستُ حاليًّا في وضعٍ يسمح لي باستقبال الضيوف أو الزوَّار من أي وصف. اعذرني إن بدوتُ غيرَ مضياف. لكنني سأطلب منك، يا سيدي، التفضُّل بنسيان هذه الزيارة، والابتعادَ عن هنا في الحال.»
وعده جرانيت قائلًا: «سأطيع رغباتِك، بالطبع، يا سيدي. ويمكنني أن أؤكد لك أنني شخصٌ غير مؤذٍ، على الرغم من ذلك.»
أجاب السير ميفيل: «أنا لا أشكُّ في ذلك، يا سيدي، لكن الناس غير المؤذين في العالم هم الذين يتسبَّبون في أكبر قدرٍ من الأذى. فبكلمةٍ خاملةٍ هنا أو هناك تُكشف أسرارٌ كبرى. إذا سمحت لي، فسأريك مسارًا أسرع إلى الطريق، دون الذَّهاب إلى المنزل.»
هز جرانيت كتفَيه.
ووافق على ذلك قائلًا: «كما تشاء يا سيدي.»
فقال والدها باقتضاب: «يمكنكِ الدخول يا إيزابيل. سأرشد الكابتن جرانيت إلى الطريق.»
فأطاعته واستأذنتْ من ضيفها بهزةٍ بسيطة لكتفيها. وأخذ السير ميفيل ذراع جرانيت وقاده إلى الطريق.
وقال بجدية: «كابتن جرانيت، أنا شخصٌ غير حكيمٍ وعندي ابنة غيرُ حكيمة. ومع أخذ مهنتك في الاعتبار، يمكنني أن أتحدَّث إليك كرجلٍ لرجل. احتفظ بما رأيته في سريةٍ تامة. وضع ختمًا على ذاكرتِك. ارجع إلى برانكاستر ولا تنظر حتى في هذا الاتجاه مرةً أخرى. إن الجنود حول هذا المكان لديهم أوامرُ بعدم التعامل على نحوٍ رسمي مع أي شخص، وبحلول الليل ستصبح لدينا هنا حراسةٌ من مشاة البحرية أيضًا. إن ما رأيته يخدم مصلحة البلد.»
أجاب جرانيت وهو يصافحه: «أهنِّئك من كل قلبي يا سيدي. بالطبع سأبتعد، إذا كان من المحتَّم أن أفعل. وآمُل عندما ينتهي كل هذا، مع ذلك، أن تسمح لي بالحضور وتجديدِ معرفتي بابنتك.»
وافق السير ميفيل على ذلك بقوله: «عندما ينتهي الأمر، بكلِّ سرور.»
ركب جرانيت سيارته وانطلق مبتعدًا. بينما وقف المخترع يُراقبه. ثم تحدَّث إلى الحارس، وسار عبر الحدائق باتجاه سقيفة القوارب.
وتمتم: «كان يجب أن أعرفَ ذلك منذ البداية. كان انكسار الضوء المتبادل هو الشيءَ الوحيد الذي يجب التفكيرُ فيه.»
أدرك جرانيت، بينما يقود سيارته عائدًا إلى دورمي هاوس، حدوثَ تغييرٍ غريب في الطقس. حيث توقَّفَت الرياح، التي كانت تهبُّ بشكلٍ أو بآخر خلال الأيام القليلة الماضية، فجأة. كان هناك ثقلٌ جديدٌ في الجو، وانجرفت كتلٌ صغيرةٌ من الضباب الشفاف من اتجاه البحر. وقد أوقف السيارة أكثر من مرة ووقف، ونظر بثباتٍ بعيدًا باتجاه البحر. كان الامتداد الطويل للمَرْج، الذي يوجد عليه ملعب الجولف، فارغًا. بينما يتساقط المطر بشكلٍ خفيف. ومن ثَم وجد، عندما وصل إلى دورمي هاوس، أن جميع الرجال تقريبًا قد تجمَّعوا في إحدى قاعات الجلوس الكبيرة. وجلس بعضهم يلعب البريدج. بينما جلس السيد كولينز على كرسي مريحٍ بالقرب من النافذة، يقرأ تقريرًا. فقبل جرانيت الدعوة على كوب من الشاي ووقف على بساط المدفأة.
وسأل: «كيف كانت مباراة الجولف بعد ظهر هذا اليوم؟»
أجاب أنسيلمان بحزن: «لقد هُزمت شرَّ هزيمة.»
«صديقنا الجالس على الكرسي المريح هناك فاز بالمباراة.»
نظر السيد كولينز إلى الأعلى وأصدرَ صوتًا ساخرًا ثم نظر من النافذة مرةً أخرى.
تابع أنسيلمان الصغير قائلًا: «من منكما يود لعب البريدج؟»
هز جرانيت رأسه وسار نحو النافذة.
«لا أفضِّل لعب البريدج في النهار.»
أغلق السيد كولينز تقريرَه.
وقال: «أنا أتفقُ معك يا سيدي. لقد سعيت لإقناع أحد هؤلاء السادة بلعبِ تسع حفرات جولف أخرى — ولكن دون جدوى، يؤسفني أن أقول ذلك.»
أشعل جرانيت سيجارة.
وقال: «حسنًا، إنه من المستبعد أن نذهب إلى ملعب الجولف مرةً أخرى، ولكني سألعب معك مباراة بولينج، إذا كنت ترغب في ذلك.»
نظر الآخر إلى الساحة العُشبية ونهض واقفًا.
وقال: «إنه اقتراحٌ ممتاز. إذا أعطيتني خمسَ دقائق لجلب معطف المطر وواقي الحذاء، فسألعب معك لأرى ما إذا كنتُ قد استفدتُ من الدروس التي تلقيتُها في اسكتلندا.»
ومن ثَم التقَيا، بعد لحظات، في الحديقة. حيث رمى السيد كولينز الكرةَ بدقة كبيرة، ولعبا مباراةً كان تفوُّقه خلالها واضحًا. وبعد ذلك تجوَّلا معًا عبر الساحة العشبية، بعيدًا عن دورمي هاوس الآن. ولأول مرةٍ ترك جرانيت نبرةَ اللامبالاة.
وسأل بسرعة: «ما رأيك في هذا التغيير في الطقس؟»
أجاب الآخر: «هذا بالضبط ما كانوا ينتظرونه. ماذا عن بعد ظهر هذا اليوم؟»
أجاب جرانيت بلهفةٍ: «أنا لست عالمًا، للأسف، لكنني رأيت ما يكفي لإقناعي بأنَّ لديهم الفكرة الصحيحة. لقد ظن السير ميفيل أنني قائدُ فريق الحراسة التي قدموها له — وفي الواقع أدخلني إلى ورشته وأطلعني على كل شيء. وأؤكد لك إنني رأيت ذلك الجهاز تمامًا كما وصفتَه لي … لقد رأيت قاع البحر، حتى لون الأعشاب البحرية، والثقوب في الصخور.»
تمتم كولينز: «كما أن لديهم القذائفَ، أيضًا، القذائف التي تنفجر تحت الماء.»
نظر جرانيت حوله. وكانا يلعبان المباراة الأخرى الآن.
وقال: «اسمع!»
توقفا في منتصف الساحة العشبية. ورفع جرانيت منديله ووجَّه خدَّه نحو البحر. كانت هناك نسمة هواء لا تزال تهب ولكن خده كان مغطًّى بالرطوبة.
وقال: «لقد أعددتُ كل شيء. وقبل أن نذهب إلى الفراش ليلًا سأقسم أنني أسمع صوتَ منطاد. هل أنت متأكدٌ من أن ساعتك مضبوطة بالثانية، يا كولينز؟»
أجاب الآخر بحزم: «أنا متأكد من أنها مضبوطة، مثلما أنا متأكدٌ أنني وأنت يا صديقي الشاب، سنلعب بحياتنا هذه الليلة بلا مبالاةٍ أكثرَ من لعبنا بكرة الخزف هذه. رمية جيدة، على ما أعتقد»، ثم تابع، وهو يقيسها بعينه بعناية. «تعالَ يا صديقي، عليك أن تُحسِّن من أدائك. بدأت تدريباتي في اسكتلندا تؤتي ثمارها.»
فتح جيفري أنسيلمان النافذة ونظر للخارج.
وسأل: «إنه بارعٌ للغاية، أليس كذلك يا روني؟»
نظر جرانيت إلى خَصمِه، ذي الكتفين المنحنيَيْن والوجه القاسي والأنف المعقوف والنظارة الذهبية الرفيعة.
وقال بهدوء: «أجل، إنه بارعٌ للغاية.»