الفصل الثاني والعشرون
سار جرانيت ببطءٍ لتناول الإفطار متأخرًا بضعَ دقائق في صباح اليوم التالي. وقد وصَله وابلٌ من الأسئلة والاستفسارات وهو يقف بجانب منضدة الطعام.
«هل سمعت عن غارة زيبلن؟»
«يقولون إن هناك قنبلةً عند حفرة الجولف التاسعة!»
«لقد احترق ماركت بيرنهام هال تمامًا!»
تنهَّد جرانيت وهو يَعبُر الغرفةَ ويجلس على مقعده أمام المنضدة.
وقال: «لو لم تناموا مثلَ الثيران الليلة الماضية، لكنتم عرَفتم أكثرَ عن الغارة. لقد رأيت العرض بأكمله.»
صاح الميجور هاريسون: «كلام فارغ!»
ورجاه أنسيلمان الصغير قائلًا: «هل ستُخبرنا بكل شيء عنها؟»
فقال جرانيت: «لقد سمعت صوتَ الغارة عندما بدأت تغييرَ ملابسي. فهُرِعت إلى الطابق السفلي ووجدت كولينز في الحديقة … عجبًا أين كولينز، بالمناسبة؟»
نظروا إلى مكانه الشاغر.
«لم ينزل من غُرفته بعد. أكمل.»
«حسنًا، كان يُمكننا سماعُ الاهتزازات بوضوح، وهي آتيةٌ من فوق المستنقَع هناك. فأخرجت السيارة وبينما أقودها على الطريق استطعت رؤية المنطاد بوضوح، فوقنا مباشرة — وهو شيءٌ ضخم، على شكل سيجار. ومن ثم استمررْنا في اقتفاء أثره، على طول الطريق المؤدِّي إلى ماركت بيرنهام. وقبل وصوله إلى هال بقليلٍ بدا وكأنه يستدير نحو البرِّ ثم يعودُ مرةً أخرى. فتوقَّفنا لمشاهدته وقفز كولينز خارج السيارة. وقال إنه سيُهرَع إلى هال ويُحذرهم. فجلستُ في السيارة أشاهد. حيث دار المنطاد مباشرةً وبدا كأنه يحومُ فوق تلك المباني الخارجية الغريبة الموجودة في ماركت بيرنهام. وعلى حين غِرَّة بدأت القنابلُ تتساقط.»
صاح جيفري أنسيلمان: «كيف كان شكلها؟»
صبَّ جرانيت قهوته بعناية.
قال: «لقد رأيتها من قبل — الكثير منها، أيضًا، لكنهم أمطروهم بغزارة. ثم فجأةً ظهر نوعٌ من الوهج — لا أعرف ما حدث. كان الأمر كما لو أن شخصًا ما قد أشعل أحدَ تلك الأضواء الملوَّنة. وأصبح هال مرئيًّا بوضوحٍ كما في وقت الظهيرة. وأصبح بإمكاني رؤيةُ الرجال يركضون في الأرجاء، ويصرخون، والجنود يسقطون من مقرَّاتهم. وتساقطت القنابل طَوال الوقت مثل البرَد واشتعلت النيران في ركنٍ من هال. ثم تلاشت الأشياء المضيئة، أيًّا كانت، وبدا الظلام أسودَ مثل القار. ومن ثَم ظللت في الجوار بعضَ الوقت، أبحث عن كولينز. ثم صعدت إلى المنزل لمساعدتهم في إطفاء الحريق. ولم أعُد إلا بعد الساعة الرابعة صباحًا.»
سأل أنسيلمان الصغير: «وماذا عن كولينز؟ كنتُ سألعب معه مباراة جولف.»
قال جرانيت: «من الأفضل إرسالُ خادم إلى غرفته لنطمئنَّ عليه. لقد انتظرته أمسِ حتى لم يعد بإمكاني الاستمرار.»
ومن ثم أرسلوا خادمًا. وجاء الردُّ بسرعة — أن السيد كولينز لم ينمْ في سريره. فعبَس جرانيت قليلًا.
وقال: «أعتقد أنه سيظنُّ أنني قد تخلَّيت عنه. لكنني انتظرتُه مدةَ ساعةٍ على الأقل.»
استفسر جيفري أنسيلمان قائلًا: «هل أصيب أحدٌ بالقنابل؟»
أجاب جرانيت: «لا يبدو أن أحدًا قد أصيب. وأنا لم أفكِّر في أي شيء من هذا القبيل بخصوص كولينز، رغم ذلك. ربما يكون قد أصيب.»
فقال أنسيلمان: «سنذهب جميعًا ونبحث عنه بعد ظهر اليوم إذا لم يَعُد. ما رأيك أن تلعب معي مباراةَ جولف هذا الصباح؟»
قال جرانيت: «إن هذا يناسبني تمامًا. لقد كنت أنوي الخلود إلى الراحة بسبب ذراعي، لكنه أصبح أفضلَ هذا الصباح. سنبدأ مبكرًا ونعود لقراءة الصحف.»
ومن ثم ذهبا بسيارتهم إلى مبنى النادي ولعبا مباراتَهما. وقد كان صباحًا ربيعيًّا رائعًا، مع رياحٍ غربية ناعمة تهبُّ من البر. وأضْفَت مساحاتٌ صغيرة من زهور لافندر البحر اللونَ الأرجوانيَّ على الأراضي الرطبة. وتلألأت الجداول، المتعرجةُ في طريقها من البحر إلى القرية، مثلَ الزئبق تحت أشعَّة الشمس الزاهية. وكان حقًّا صباحَ سلام مطلقٍ وكامل. وقد لعب جرانيت بالرغم من مشكلةٍ بسيطة في ذراعه، بحذر وبشكل جيد. وعندما وصلا أخيرًا إلى الحفرة الثامنة عشرة، سدَّد تسديدةً رائعة ملتفَّة نحو الحفرة وفاز بالمباراة.
فقال ابن عمه بينما يُغادران الملعب: «مباراة رائعة. عجبًا مَن هم هؤلاء الرجال؟»
حيث وقف جنديَّان عند البوابة، بينما تنتظرهما سيارةٌ عسكرية على جانب الطريق. فتقدم جنديُّ مراسلة إلى الأمام وخاطب جرانيت.
وسأل، بينما يؤدِّي التحية: «هل أنت كابتن جرانيت؟»
أومأ جرانيت برأسه ومدَّ يده ليُمسك بالمذكرة. وكانت الأصابع التي سحبتْها من الظرف ثابتةً تمامًا، حتى إنه رفع رأسه للحظةٍ لينظرَ إلى عصفورٍ فوق رأسه. ومع ذلك، كانت الأسطرُ القليلة التي كُتبت على عجَل مثل رسالة القدر:
الضابط المسئول في ماركت بيرنهام هال سيُصبح ممتنًّا إذا تفضَّل الكابتن جرانيت بإجراء مقابلةٍ فوريةٍ معه، بخصوص أحداث الليلة الماضية.
فسأل جنديَّ المراسلة: «هل تقصد أنك تريدني أن أذهبَ على الفور، قبل الغداء؟»
أشار الرجل إلى السيارة.
وقال: «تعليماتي كانت أن أعود بك على الفور، يا سيدي.»
قال جيفري أنسيلمان في إصرار: «تعالَ وتناول مشروبًا أولًا، على أيِّ حال.»
هز جنديُّ المراسلة رأسه، بينما يعترض الجنديان البوابة.
وقال: «لقد وصل شخصٌ من مكتب الحرب وهو ينتظر كي يتحدثَ إلى الكابتن جرانيت.»
احتجَّ أنسيلمان الصغير قائلًا: «سنذهب جميعًا بعد الغداء. ألن يفيَ ذلك بالغرض؟»
لم يُقدِّم الرجل إجابة. فركب جرانيت، وهو يهزُّ كتفيه في استسلام، في السيارة. وركب الجنديان دراجاتٍ ناريةً واستدار الموكبُ الصغير مبتعدًا. بذل جرانيت بعض الجهود في محادثةٍ مع رفيقه، ولكن سرعان ما عاد إلى الصمت، عندما لم يجد ردًّا. وفي أقلَّ من عشرين دقيقة كانت السيارة تتباطأُ قبل الاقتراب من هال. وازدحم الممرُّ بالقرويين والناس من المزارع المُجاورة، الذين أُبعِدُوا جميعًا، مع ذلك، من خلال طوقٍ صغير من الجنود. فشق جرانيت، مع رفيقِه الذي يُراقبه عن كثب، مساره ببطءٍ عبر الطريق وصعد باتجاه المنزل. حيث تهدَّم ركن الجناح الأيسر للمبنى، واسودَّ بفعل الحريق ولا يزال الدخانُ يتصاعد منه، وكانت هناك حفرة كبيرة في العشب المختلط بالرمال، حيث سقطت قنبلةٌ على ما يبدو. وسمح لهم جنديٌّ عند المدخل الأمامي بالدخول، وقاده مرشدُه عبر القاعة إلى غرفة كبيرة على الجانب الآخر من المنزل، بدَت أنها تُستخدم كمكتبة، وكغرفة استقبالٍ في الوقت ذاته. حيث وقف السير ميفيل ورجلٌ يرتدي زيًّا عسكريًّا يتحدثان معًا بالقرب من النافذة. واستدارا عند دخول جرانيت فانتفض انتفاضةً طفيفة. وانتابه شعورٌ بالخوف الشديد لأول مرة، وتبدَّدت ثقته بنفسه فجأةً. إذ كان الرجل الذي وقف يُراقبه بتدقيقٍ باردٍ هو الرجل الوحيد على الأرض الذي يخشاه — الجراح الميجور طومسون.