الفصل الثلاثون
دفع جرانيت، عند عودته إلى ساكفيل ستريت، الأجرةَ لسائق سيارة الأجرة، ثم صعد السلم ودخل شقته وبدا كرجلٍ مر بحلم. لكن نظرة واحدة حوله، مع ذلك، جعلته يعود إلى الواقع ليُدرك آثار زائرته غيرِ المرحَّب بها. حيث كان طبق الشطائر الصغير، التي أُكِلَ نصفها، وزجاجة المشروب الفارغة تقريبًا، لا تزال موجودة. كما ألقت إحدى قفازاتها في زاوية الكرسيِّ المريح. فالتقطها، وراح يعبث بها بأصابعه للحظة، ثم كوَّرها في قبضته وألقى بها في المدفأة. وجاء جارفيس، الذي سمعه يدخل، من إحدى الغرف الخلفية.
فأمره سيده قائلًا: «خُذ هذه الأشياءَ بعيدًا، يا جارفيس، واترك المشروبَ والصودا والتبغ على الطاولة. فقد أسهر.»
أطاع جارفيس الأمرَ في صمت. وبمجرد أن أصبح بمفرده، ألقى جرانيت نفسَه على الكرسيِّ المريح. كان يملؤه إحساسٌ مريرٌ بأنه قد وقع في شرَك. لقد تهوَّر قليلًا في ماركت بيرنهام، ربما، ولكن لو أن أيَّ رجلٍ آخرَ باستثناء طومسون قد أُرسلَ إلى هناك، لتقبَّل تفسيراته دون كلمةٍ واحدة، وكان من الممكن تجنُّبُ كلِّ هذه التعقيدات البائسة. ثم فكَّر في مجيء إيزابيل، وكل ما قالته. لم تترك له ثغرة. فهي تبدو فتاةً تعرف جيدًا ما تريد. إنَّ كلمةً واحدةً منها إلى طومسون قد تؤدِّي إلى انهيار كلِّ المظهر الخادع لحياته المبنيَّة ببراعة. جلس طاويًا ذراعَيْه في موقفٍ قاتمٍ من الاضطراب، يفكِّر في أفكارٍ مريرة. طافَت بعقله مثلَ الظلال السوداء. لقد كان صادقًا في المقام الأول. مع أسلافه من كلا البلدَين، اختار عن عمدٍ البلدَ الذي شعر معه بقدرٍ أكبرَ من الارتباط. لقد تذكر رحلاته الطويلة في ألمانيا، وتذكر عند عودته رفضَه المتزايدَ للتراخي الإنجليزي، وانحلال إنجلترا المادي والمعنوي. لم تورثه عيوبها حزن أحد أبنائها الحقيقيين، ولكن ازدراء رجل يرتبط بها نصفَ ارتباط بعلاقاتٍ طبيعية. كانت الأرضُ مهيَّأة للسم. لقد بدأ بأمانة كافية. كانت فلسفته تُرضي نفسه. لم يشعر بأي تدهورٍ أخلاقيٍّ في ارتداء زي بلدٍ ما لصالح دولةٍ أخرى. كل هذا الاشمئزاز الذاتي الذي أصبحَ يشعر به حدث منذ ظهور جيرالدين كونيرز في حياته. وهو الآن يشعر بالضجر من كلِّ شيء، وجهًا لوجه، أيضًا، مع مشكلةٍ بغيضةٍ ومُلحَّة.
انتفض فجأةً في كرسيِّه. حيث قطع حبلَ أفكارِه أمرٌ عادي للغاية، لكنه ذو تأثيرٍ يبعث على الانتفاض. كان الهاتف على طاولته يرن بإصرار. فنهض واقفًا ونظر إلى الساعة وهو يعبر الغرفة. كانت الساعة الثانية عشرة وخمس دقائق. وعندما رفع السماعة استقبله صوتٌ مألوف.
«هل هذا روني؟ أجل، هذه الليدي أنسيلمان. لقد طلب مني عمُّك الاتصالَ بك لمعرفة ما إذا كنت بالمنزل. إنه يريدك أن تذهب إليه.»
«ماذا، الليلة؟»
قالت عمته: «عليك أن تأتيَ، يا روني. لا أظن أنه شيءٌ مهم، ولكن يبدو أن عمَّك يريد ذلك. كلا، أنا لن أقابلك. أنا سأخلد للنوم. لقد كنتُ ألعب البريدج. أنا متأكدةٌ من أن الدوقة تغشُّ — لم أفُزْ قطُّ في منزلها في حياتي. سأخبر عمك أنك ستأتي إذن يا روني … تُصبح على خير!»
وضع جرانيت السماعة. وبطريقةٍ أو بأخرى، كانت فكرة مغادرة المنزل، حتى في تلك الساعة من الليل، مصدرَ ارتياح له. فنادى على جارفيس وأعطاه بعضَ الأوامر. وبعد ذلك، غادر وسار في الشوارع — وقد بدَت له مضاءةً ومزدحمة بشكل غريب — متجهًا إلى زاوية بارك لين، وإلى القصر الكبير المواجه للحديقة، الذي هو ملكٌ لعائلة أنسيلمان على مدى جيلَين. كان هناك القليلُ من الأضواء في النوافذ. سُمِح له بالدخول على الفور وقابله خادمُ عمِّه الخاص.
قال الأخير: «السير ألفريد في المكتب، من هنا إذا تفضَّلت.»
عبَر جرانيت القاعةَ الدائرية التي علقت على حوائطها مفارش رائعة، ومر عبر المكتبة المؤثَّثة بفخامة إلى مكتب رجل الأعمال، حيث يقضي السير ألفريد معظمَ وقته. وقد وُضِعت على مكتبه عدة هواتف، وآلة شرائط، وآلة خاصة متصلة بإدارة البرقيات. كان يوجد مكتبٌ لسكرتيره، وهو شاغرٌ الآن، وخلفه، في ظلالِ الغرفة، خزائنُ كتب ممتدة تحتوي على مجموعةٍ من الإصدارات الفاخرة، والطبعات الأولى، ومجموعة كبيرة من كتب الأدب الألماني والروسي، وهي فريدةٌ من نوعها. كان السير ألفريد جالسًا على مكتبه، يكتب رسالة. واستقبل ابنَ أخيه بإيماءته المبهجة المعتادة.
قال لخادمه: «انتظِر قبل أن تذهب، يا هاريسون. هل ستتناول أي شيء، يا رونالد؟ يوجد سيجار وسجائرُ هنا ولكن لا يوجد مشروبات. هاريسون، يمكنك وضعُ المشروب والصودا على الجانب، على أي حال، ثم يُمكنك انتظاري في غرفتي. لن أطلب أيَّ خدمة أخرى هذه الليلة. وعلى شخصٍ ما أن يبقى كي يصحَب الكابتن جرانيت عند خروجه. هل تفهم؟»
أجاب الرجل: «تمامًا، يا سيدي.»
قال السير ألفريد: «إذا كنت لا تمانع، يا روني، فسوف أنهي هذه الرسالةَ بينما يحضر المشروب والصودا.»
تجوَّل الكابتن جرانيت في الغرفة. لم يكن هناك صوتٌ للحظاتٍ سوى خدشِ قلم الريشة الخاص بالسير ألفريد على الورقة. ثم عاد هاريسون مع المشروب والصودا. وسلمه السير ألفريد مذكرة.
وقال: «يجب إرسالُها الليلة، يا هاريسون؛ بلا رد.»
فخرج الرجل، وأغلق البابَ خلفه. بينما أخذ السير ألفريد، يمشي ببطءٍ حول الغرفة، ويداه في جيبَيْه. وعندما عاد للجلوس، كان قد أطفأ جميعَ الأنوار ما عدا المصباح الخافت فوق مكتبه، وأشار إلى ابن أخيه كي يسحبَ كرسيَّه المريح إلى جانبه.
ثم قال: «حسنًا، يا روني، أظن أنك تتساءل لماذا أرسلت في طلبك في هذه الساعة من الليل؟»
قال جرانيت بصراحة: «أجل. هل هناك أي أخبار؟ … أي شيء وراء الأخبار، ربما بمعنًى آخر؟»
أجاب السير ألفريد: «ما ورد من أخبار، ليس له أهمية. سوف نتحدَّث أنت وأنا عن الطبيعة البشرية النقية، في الساعة القادمة. إن مصير الإمبراطوريات هو أمرٌ يهتمُّ به المؤرخون. أما مصيرك ومصيري فهو الأمر الذي يهم الآن أكثر من غيره.»
فسأل جرانيت بسرعة: «هل ظهرت مشكلة؟ … اشتباه؟»
كرَّر السير ألفريد بحزم: «لا توجد أيُّ مشكلات على الإطلاق. لم يكن موقفي أكثرَ أمانًا مما هو عليه الآن. أنا الشخص المؤتمن المقرَّب من مجلس الوزراء. لقد أديت، ليس فقط ظاهريًّا ولكن في الواقع، أعمالًا مهمة للغاية بالنسبة إليهم. من الناحية المالية، أيضًا، كان نفوذي ومواردي بمثابة مساعدةٍ كبيرة لهذا البلد.»
أومأ جرانيت برأسه وانتظر. كان يعرف ما يكفي عن عمه ليُدرك أنه سيتطرَّق إلى هدفه من هذا الحوار بطريقته الخاصة.
تابع السير ألفريد: «عندما يسير كلُّ شيء على ما يُرام، عندما يبدو كل شيء هادئًا وآمنًا تمامًا، في بعض الأحيان يُصبح هذا هو الوقت المناسب للتوقف والتفكير. وقد حان ذلك الوقت المناسب في هذه اللحظة. لقد كنتَ محظوظًا، خلال أداء مهامِّك، يا روني. حيث تمكَّنتَ ثلاث مرات، أثناء القتال من أجل إنجلترا، من اختراق الخطوط الألمانية وتلقَّيتَ منهم رسائلَ ذات أهميةٍ قصوى. ومنذ عودتك إلى الوطن، كنت تؤدِّي مهام بطرق مختلفة. إن مهمتك الأخيرة في نورفولك لن تنسى. أما بالنسبة إليَّ، فإن الفضل فيما تعرفه ألمانيا عن مركز إنجلترا المالي ونقاط القوة ونقاط الضعف يعود إليَّ. إن امتلاك ألمانيا في الوقت الحاليِّ لأربعين مليونًا من الأموال المملوكة لمدينة لندن، هو أمرٌ يعود الفضل فيه إليَّ أيضًا. إن نفوذي وتأثيري يمكن إدراكُه بعشرات الأمثلة الأخرى. وكما أخبرتك من قبل، لقد نجح كِلانا، في أداء مهامه، لكننا قد وصلنا إلى الحدِّ الأقصى لفعاليتنا.»
فسأله جرانيت: «ماذا يعني ذلك؟»
أوضح السير ألفريد قائلًا: «هذا يعني ما يلي. عندما بدأت هذه الحرب، توقعتُ أنا، من خلال كلِّ الحقائق والملابسات المتاحة لدي، ومع ما لديَّ من معلومات كثيرة، ربما أكثر من أي رجل آخر في العالم، أن تنتهيَ في غضون ثلاثة أشهر. لكنني كنتُ مخطئًا. إن ألمانيا اليومَ في حالة رائعة وغير مهزومة، لكن ألمانيا قد فقدَت فرصتها. ربما تُصبح هذه حربَ استنزاف، أو حتى الآن قد يأتي ما هو غير متوقَّع، ولكن بالنسبة إلى جميع الآثار والأغراض المتوقَّعة من هذه الحرب فإن ألمانيا مهزومة.»
صاح جرانيت وهو غير مصدِّق: «هل تعني ما تقول؟»
قال له عمه: «بالتأكيد. تذكَّر أنني أعرف أكثر مما تعرف. هناك خطر جديد وشيك يُواجه التحالف المزدوج. وهو ما سوف تعرفه قريبًا جدًّا. قد تستمر الحرب أشهرًا عديدة، لكن فرص الانتصار الألماني العظيم الذي حلمنا به، قد ولَّت. إنهم يعرفون ذلك جيدًا كما نعرفه نحن. لقد رأيت نذير الشؤم منذ شهور. لذا أنهيت اليوم جميعَ ترتيباتي. وأوقفت كل المفاوضات مع برلين. لقد تفهَّموا القرار وأعفَوني. فهم يعلمون أنه من الجيد أن يُصبح لديهم صديقٌ هنا عندما يحينُ وقت صياغة المعاهدة.»
أمسك جرانيت بجانبَيْ كرسيِّه بقبضتَيْه. وبدا له من المستحيل أن يُعلَن بهذه الكلمات القليلة العادية مصير أوروبا كلها.
وسأل بحدة: «هل تقصد أن ألمانيا سوف تُسحق؟»
هز السيد ألفريد رأسه.
وقال: «ما زلت أعتقد أنَّ ذلك مستحيل، لكن السلام نتيجة الإرهاق من الحرب الطويلة سيأتي، بكل تأكيد سيأتي، قبل أن تمرَّ شهورٌ عديدة. وقد حان الوقت لأن نفكر في أنفسنا. فيما يتعلق بي، حسنًا، هناك هذا الخطاب الوحيد الذي فتحته الرقابة — وهو غير هامٍّ في حد ذاته، ولكنه سيُصبح خطيرًا للغاية إذا استطاعوا فكَّ شفرته. أما بالنسبة إليك، حسنًا، أنت في مأمنٍ من أي شيء يحدث في فرنسا، وعلى الرغم من أنه يبدو أنك لم تكن محظوظًا إلى حدٍّ ما في نورفولك، يبدو أنك آمنٌ بالنسبة إلى ما حدث هناك. يجب أن تتخذَ قرارك الآن وتحذوَ حَذْوي. اقبَلْ مهمة العمل داخل الوطن، واستمِرَّ في عملك داخل الجيش بهدوء، وهلِّل فرحًا مع الآخرين عندما يأتي يوم السلام. يجب أن تُصبح الأشهر القليلة الماضية هي سِرَّنا الكبير. ربما كنا نتوق من كل قلوبنا إلى أن نطلق على أنفسنا أبناء أمَّة أقوى، لكنَّ القدر ضدنا. يجب أن نظل إنجليزًا.»
قال جرانيت: «لقد صدمتني. دعني أستوعب الأمر للحظة.»
ومن ثم جلس ساكنًا. بينما تدافع في عقله زخمٌ من الأفكار. أولًا وقبل كل شيء فكَّر في جيرالدين. إذا كان بإمكانه التستُّر على آثاره! إذا كان بالفعل قد برئ الآن من تعهداته! ثم تذكر ضيفته هذا المساء فغرق قلبُه بين ضلوعه.
واعترف قائلًا: «انظر هنا، بطريقةٍ ما هذا مصدر ارتياح كبير. فأنا قد اعتقدتُ مثلك أن الأمر سيستمرُّ مدةَ ثلاثة أشهر، واعتقدت أنه يمكنني تحملها. في حين أن الإثارة في الأمر هي أنه كان سهلًا بما فيه الكفاية، لكن اسمع، يا عمي. عملية نورفولك تلك … أنا لم أخرج منها سالمًا بالفعل.»
سأله السير ألفريد بحدَّة وقلق: «ماذا تقصد؟ ذلك الرجل طومسون؟»
أجاب جرانيت: «طومسون، بالطبع، لكن المشكلة الحقيقية أتت إليَّ بطريقة مختلفة. لقد أخبرتُك أن الفتاة أخرجَتني من تلك الورطة. وهي لم تستطع تحمُّل الاستجواب الثاني. وقد حوصرت بالأسئلة، وفي النهاية، كي تُبرئ نفسها، قالت إننا مخطوبَانِ وسنتزوج. وقد أتت إلى لندن، أتت إليَّ الليلة. وهي تتوقَّع مني أن أتزوجها.»
سأل السير ألفريد: «ما مدى معرفتها بالأمر؟»
قال جرانيت بصوتٍ خفيض: «كل شيء. هي التي أخبرتني بالممر المائيِّ عبر المستنقعات. ورأتني هناك مع كولينز، قبل إشعال الوهج مباشرة. وهي تعلم أنني كذبتُ عليهم عندما وجدوني.»
تنهد السيد ألفريد.
وقال: «إنه ثمنٌ باهظ، يا روني، لكن عليك أن تدفعه. كلما أسرعت في الزواج من الفتاة وإغلاقِ فمها، كان ذلك أفضل.»
غمغمَ جرانيت: «لولا ذلك اللعينُ طومسون، لَما كان هناك اشتباهٌ مطلقًا.»
قال السير ألفريد: «لولا الرجلُ الجريء للغاية نفسُه، لَمَا جرى العبث بمُراسلاتي أبدًا.»
مال جرانيت إلى الأمام قليلًا.
وقال: «إن طومسون هو الخطر الوحيد المتبقي لدينا. لقد شعرت بهذا الشعور منذ أن تعرَّف على ملامحي. لقد التقينا، كما تعلم، في بلجيكا. كان ذلك بالضبط عندما خرجت من الخطوط الألمانية. بطريقةٍ أو بأخرى لا بد أنه كان يتعقَّبني منذ ذلك الحين. أنا لم أُلاحظ ذلك. اعتقدتُ أن السبب ببساطة … أنه كان على علاقة خطوبةٍ مع جيرالدين كونيرز.»
سأله السير ألفريد: «أنتما متنافسان في الحب أيضًا، أليس كذلك؟»
قال جرانيت: «إن جيرالدين كونيرز هي الفتاة التي أريد الزواجَ منها.»
غمغمَ السير ألفريد في نفسه: «طومسون … الجراح الميجور هيو طومسون. يبدو أنه الرجل الوحيد، يا روني، الذي نُواجِه منه أقلَّ خطرٍ يمكن أن نخافه. أنا شخصيًّا، أعتقد أنني آمن. لا أعتقد أن ذلك الخطاب الوحيد ستُفكُّ شفرته على الإطلاق، وإذا حدث ذلك، فإن ثلاثةَ أرباع مجلسِ الوزراء هم أصدقائي. كما يُمكنني أن أدمِّر البورصةَ غدًا، وأن أجعل رصيدَ لندن، لبعض الوقت، بأيِّ سعر، أقلَّ من رصيد بلجراد.»
قال جرانيت بجدِّية: «رغم ذلك، يبدو لي أننا سنُصبح أكثرَ راحةً إذا لم يكن هناك الجراح الميجور طومسون.»
تابع السير ألفريد قائلًا: «آخر الرسائل التي كان عليَّ التعاملُ معها، أشارت إليه. أستطيع أن أقول لك إنهم منزعجون من بعضِ أعماله في برلين. من أيِّ نوعٍ من الرجال هو، يا روني؟ هل يمكن شراؤه؟ إن مائة ألف جنيه ستُمثِّل ثروةً لرجلٍ مثل هذا.»
قال جرانيت بضراوة: «هناك طريقةٌ واحدة فقط للتعامل معه. لقد جرَّبتها مرةً واحدة. وأتوقَّع أنني سأضطرُّ إلى المحاولة مرةً أخرى.»
انحنى السير ألفريد على المكتب.
ونصح قائلًا: «لا تكن متسرِّعًا، يا روني. وكذلك، تذكَّر هذا. إن هذا الرجل هو خطرٌ حقيقي عليك وعليَّ. إنه الرجل الوحيد الذي له عَلاقةٌ بإدارة المخابرات هنا، والذي يستحقُّ التعامل معه بحرص. والآن اذهب إلى المنزل، يا روني. لقد أتيت إلى هنا … حسنًا، لا تهتمَّ بما كنت عليه عندما أتيت إلى هنا. فأنت عائدٌ كرجلٍ إنجليزي.
إذا لم يُرسلوك إلى الجبهة مرةً أخرى، اطلب منهم القيامَ ببعض الأعمال هنا، والتزم بها. لن أرسلَ لك أيَّ تقارير ولا أي زوار. لقد أوقفتُ النظام بأكمله. أنت وأنا انفصلنا عنه. نحن أحرار. وتذكَّر، ما زلت أعتقد أنه في النهاية سيُهيمن التقدُّم الألماني والثقافة الألمانية على العالم، لكن قد لا يتحقَّق ذلك في وقتنا هذا. لقد تصادف فقط أننا ضرَبنا في وقتٍ مبكرٍ جدًّا. دعنا نُحقِّقْ أفضلَ استغلالٍ للأمور، يا روني. لديك سنواتٌ عديدة في عمرك. وأنا لديَّ السلطة. دعنا نُصبح شاكرين لأننا كنا حُكماء بما يكفي للتوقُّف في الوقت المناسب.»
نهض جرانيت واقفًا. بينما يُراقبه عمُّه بفضول.
وتابع بتساهُل: «أنت شابٌّ بالطبع يا روني، لم تَقُم بعدُ بمواءمة حِملك على كتفَيك بشكلٍ صحيح. إنجلترا أو ألمانيا، لديك بعضٌ من كلٍّ منهما بداخلك. وفي النهاية، ليست مسألةً حيويةً تحت أيِّ رايةٍ ستُسافر. الأمر ليس كذلك تمامًا معي. لقد عشت هنا طوال حياتي ولن أهتمَّ بالعيش في أي مكانٍ آخر، ولكن هذا لأنني أحمل معي بلدي بداخلي. إنه هواءٌ إنجليزي ذلك الذي أتنفَّسه لكنه قلبٌ ألماني ذلك الذي ما زلت أحمله بين ضلوعي. ليلة سعيدة، يا روني! تذكَّر ما قلته عن طومسون.»
ومن ثَم تصافح الرجلان واتجه جرانيت نحو الباب.
وكرَّر في نفسه: «عن طومسون»، بينما يوصله الخادم إلى الباب.