خريطة لمكان مجهول
كانت أمسية يوم حار … عندما اجتمع الشياطين اﻟ ١٣ في قاعة الخرائط بالمقرِّ السري رقم «٢» في بيروت، وكان عم «سرور» العملاق يقف مُبتسمًا وهو يَراهُم في القاعة الواسعة يتهامسون ويبتسمون … في انتظار دقات الساعة عندما يبدأ عرض ما سُمي: «نقطة مجهولة على خريطة العالم».
وأخذ الشياطين يتبادَلون الآراء حول هذا المكان المجهول. وهل هو في أوروبا أو أمريكا أو آسيا أو أفريقيا أو ربما في أستراليا … وقال «عثمان»: من المدهش أن هناك أماكن مجهولة حتى الآن في العالم! … ونحن في عصر الطيران الأسرع من الصوت. وفي عصر الإلكترونات … إن وجود هذا المكان ليعتبر حدثًا جغرافيًّا خطيرًا.
قالت «إلهام» معلِّقة: بالتأكيد هناك أماكن مجهولة لم تطأها قدم إنسان حتى الآن، في الصحاري مثلًا … وفي أدغال أفريقيا وفي الصحاري الجليدية في شمال أوروبا وآسيا … وفي جزر المحيط الهندي والهادي!
ودقَّت الساعة معلنة السادسة، وصمتت الأصوات وظهر على الشاشة الكبيرة أمامهم خريطة لأفريقيا … وعرف الشياطين على الفور أن المكان المجهول موجود على وجه القارة الكبيرة «ثاني قارات العالم بعد آسيا».
وأُطفِئَت أنوار القاعة … وبدت الخريطة في الظلام متوهجة بالضوء والألوان وتحرك مؤشر أزرق على وجه الخريطة وأخذ يقترب حتى وصل إلى نقطة وسط الصحراء الكبرى، جنوب الجمهورية العربية الليبية وشمال جمهورية تشاد … وبدأ صوت رقم «صفر» المسجل يَنطلِق:
هذه هي المنطقة الوسطى في الصحراء الكبرى، وبالتحديد بين خطَّي عرض ٢٠/ ٣٠ وخطَّي طول ١٠ / ٢٠ وهي منطقة خالية من السكان تمامًا … ولا توجد بها إلا بعض قبائل البدو المتنقِّلين … سواء من الجمهورية العربية الليبية أو جمهورية تشاد أو جمهورية الجزائر الديمقراطية الشعبية.
وسكت صوت رقم «صفر» وأخذ المؤشر يقترب أكثر من دائرة صغيرة رُسمت جنوب الدولتَين العربيتَين، والدولة الأفريقية، وعاد صوت رقم «صفر» يرن في الصمت:
في هذه المنطقة حدثت عدة أشياء مُدهشة استمرت حتى الآن نحو ثلاثين عامًا …
وازداد اهتمام الشياطين بما يَسمعون … ومضى رقم «صفر» يقول: اختفت قبيلة تُدعى «العليات» … كانت تعيش حول غدير ماء في تلك المنطقة … ولم يَظهر لها أثر بعد ذلك مطلقًا … وفشلت جميع الجهود التي بُذلت للعثور عليها، وبعد ذلك بخمسة أعوام اختفت قافلة سيارات، وكانت ترتاد هذه المناطق لمَسحِها جغرافيًّا، ومرةً أخرى لم تسفر الجهود التي بذلت للبحث عنها عن أيِّ نجاح وبدأت جهود دولية للبحث عن سر هذه المنطقة الغامضة … خاصةً وأنه لم يعثر على آثار مطلقًا للقبيلة المذكورة ولا لقافلة السيارات. وقامت بعثة مكونة من عشر سيارات حديثة ومعها قوة مسلحة وبعض العلماء للبحث، ولكن المُخيف والمرعب معًا أن هذه البعثة التي كانت مزوَّدة بجميع وسائل الاتصال اللاسلكي بالعالم … اختفت هي الأخرى دون أن تتصل … ودون أن تَترك أثرًا واحدًا … وكان البحث عنها قد تمَّ بعدد من طائرات الاستكشاف ظلَّت تدور فوق المنطقة لبضعة أيام، ولكن لم يكن هناك من أثر … ولم يُشاهِد من كان فيها إلا تلال الرمال، ولا شيء آخر مطلقًا.
وسكت رقم «صفر» لحظات ثم مضى يقول: والتفسير الوحيد الذي قدمه الذين تتبعوا هذه الظاهرة الخطيرة أن هناك رمالًا متحركة هي التي دفنت كل الذين حاولوا اكتشاف هذه المنطقة … ولكن هذا التفسير ليس مقنعًا … لأن القافلة الأخيرة كانت مزوَّدة بوسائل اتصال قوية … ولو تعرَّضت لزحف الرمال المتحرِّكة … لاتصلت لاسلكيًّا … بل كان في إمكان بعض السيارات أن تبتعد عن منطقة الرمال في وقت مُناسِب.
وساد الصمت لحظات ثم مضى الصوت يقول وهو يحرِّك المؤشر في دائرة: وهكذا يمكن أن يقال إن سر هذه المنطقة ما زال مجهولًا … ثم هناك شيء هامٌّ وخطير هو أن العلماء يؤكِّدون وجود ظواهر تدلُّ على أن في المنطقة نوعًا أو أكثر من العناصر ذات الإشعاع الذري … فهل هناك علاقة بين ظاهرة اختفاء القبائل والقوافل في هذه المنطقة وبين وجود هذه العناصر المشعة؟!
للإجابة على هذا السؤال أُرسلَت مرةً أخرى بعثة من العلماء والضباط في سيارات مزودة بجميع وسائل القتال … الوقاية من الإشعاع … والاتصال الفوري … ولكن …
وسكت رقم «صفر» لحظة ثم قال: ولكن هذه البعثة اختفت منذ وصولها إلى هذا المكان ولم يَرِد عنها أي خبر … وكان ذلك منذ شهرين فقط!
ومضى رقم «صفر» في صوت عميق يقول: وقد جاء دور الشياطين اﻟ ١٣ ليتدخلوا لحل هذا اللغز الغامض … ونرجو أن تَعقدُوا حلقة بحث … لتقديم مقترحاتكم حول هذا الموضوع … إنني أريدكم أن تذهبوا فقط لجمع معلومات عن المنطقة وليس لاقتحامها.
وسكَتَ الصوت، وساد صمت … استمرَّ لحظات ثم قال «قيس» مفتتحًا المناقشة: أعتقد أنه لا يُمكِن تقديم تفسير لهذه الظاهرة العجيبة دون أن نسافر إلى الموقع ونرى ما يحدث هناك … أما أي حديث الآن فلا معنى له.
رد «فهد»: قد نذهب ولا نعود يا «قيس». ثم إن مهمتنا جمع المعلومات وليس تفسير الظاهرة.
قيس: آسف إذا قلت لك إن هذه المعلومات التي سمعناها لا تَدخُل رأسي. إن ما سمعناه لا يُمكن تفسيره علميًّا.
إلهام: هذا صحيح … ولعل هناك قوة غامِضة خلف هذه الحوادث كلها!
أحمد: هل تقصدين أنها ليست ظاهرة طبيعية؟!
إلهام: بالتأكيد لا … إنه ليس بحرًا تَغرق فيه القوافل فلا يراها أحد. إنها رمالٌ … ومهما كان لا بدَّ أن يبقى أثرٌ لهؤلاء الذين اختفوا … أما أن تختفي سياراتٌ كاملة وعشرات الأشخاص دون أن يتركوا أثرًا خلفهم … فلذلك لا يُمكن أن يكون طبيعيًّا! إنه شيء فوق الطبيعة!
فهد: المهم الآن … ما هي اقتراحاتكم؟!
مصباح: إن هذه المنطقة أعرفها إلى حدٍّ ما.
أحمد: بالتأكيد أنت أكثر من يعرفها بيننا … فأنت من الجمهورية العربية الليبية وهذه المنطقة التي وقعَت بها الأحداث الغامضة تقع في الجنوب من ليبيا.
مصباح: الحقيقة أنه ليس هناك معلومات كافية عن هذه المنطقة … سوى أنها من الصحراء الكبرى … شديدة الحرارة حيث يمرُّ بها مدار السرطان. وليست هناك حياة بالمعنى المفهوم … ولكن هناك بعض القرى الصغيرة التي يسكُنُها البدو … ومنها الجوف وترهوني وقطرون … ووزو وكومو على الحدود … ومرزق … وغات وهي جميعًا تبع ليبيا … وأقرب قرية أخرى هي ثماناراست وهي تتبع الجمهورية الجزائرية … وأعتقد أننا لو قمنا برحلة إلى بعض هذه المناطق فربما حصلنا على معلومات تساعدنا … أما المراقبة بواسطة الطائرات فلن تؤدِّي إلى شيء!
زبيدة: أنت إذن تُفضِّل نظرة على الواقع!
مصباح: طبعًا … إنَّ وضع نظريات هنا لحل مشكلة على بعد آلاف الكيلومترات كلام غير منطقي، لا بد من السفر إلى هناك لجمع المعلومات!
أحمد: إنَّني متفق تمامًا مع «مصباح» … لا بدَّ من بعثة تسافر حالًا تجوس خلال هذه المنطقة وتعود بمعلومات نستطيع على أساسها أن نضع خطة معقولة.
وأحنى أكثر الشياطين رأسه علامة الموافقة … وتناقشوا في أسماء المسافرين واستقر الرأي على بعثة من ستة شياطين هم: «مصباح»، «بو عمير»، «أحمد»، «إلهام»، «زبيدة» و«هدى».
وسرعان ما كانت «إلهام» تتَّصل برقم «صفر» لا سلكيًّا وتُخبرُه بما توصَّل إليه الشياطين اﻟ ١٣ وأسماء المسافرين، ومنهم ٤ من منطقة شمال أفريقيا حيث تقع الأحداث.
وبعد ساعة رد رقم «صفر»:
موافق. وستكون المعدات اللازمة جاهزة في بنغازي بليبيا بعد ثلاثة أيام.
وانفضَّ اجتماع الشياطين، واجتمع الستة المُرشَّحون للسفر، وقضَوا فترة في مناقشة واسعة حول المغامَرة المُقبِلة، وقال «أحمد» مُقترحًا: ما رأيكم في سيارة تُوجَّه لا سلكيًّا؟! إن النقطة الأساسية التي تجعل هذا الموضوع غامضًا أن لا أحد مُطلقًا قد عاد ليَروي ما حدث. إنهم يَذهبُون جميعًا ولا يعُودون … إنَّ هذه المنطقة أشبه بالعدم … لا يعود أحدٌ منها.
مصباح: إنه تعبير موفَّق … فلنُسمِّها منطقة العدم.
هدى: أتمنَّى أن يَشرح «أحمد» فكرته أكثر!
أحمد: إنَّ السيارة التي أريدُها يُمكن أن نسمِّيَها سيارة اختبار، سنُرسلها إلى منطقة العدم … ونُراقبها من بعيد … وسوف نَعرف عن طريق ما يَحدث … ما هي القوة الخفية التي تُسيطر على هذه المنطقة وكيف تُخفي كل أثر لمَن يمرُّ فيها؟!
هدى: الآن فهمت … ومعقول جدًّا هذا الاقتراح، ولنُخطِر رقم «صفر» به.
بو عمير: ما رأيكم في استخدام كلبٍ بوليسيٍّ مدرَّب في هذه العملية؟! … إنَّ الكلاب تتمتَّع بحواسَّ خارقة للسمع … ولعلَّها تُفيدنا وعندنا عدد كبير من أذكى الكلاب يُمكن أن تُساهم في هذه العملية.
إلهام: أرشِّح الكلب «جولد» لهذه المهمة … فهو قد تدرَّب في صحراء المقرِّ السري … وأثبت مواهب عظيمة في تقصِّي الأثر.
أحمد: لا بأس … اطلُبُوا من «سرور» إحضارَه من الحظيرة … ليعيش معنا هذه الفترة قبل السفر.
وحضر «جولد» يقودُه «سرور» … وأخذ يقفز كالوحش هنا وهناك … كان كلبًا ضخمًا من نوع الولف الألزاسي … رمادي اللون مع شريط أسود عريض يمتد من رأسه إلى ذيله … وفم أسود وعينَين لامعتَين كالذهب … وربما لهذا سموه «جولد».
قضى الشياطين الستة الأيام السابقة على السفر يستعدون … ويقرءون مختلف المعلومات عن منطقة العدم … وقد كانت معلومات قليلة للغاية … لم تَزد عما قاله «مصباح».
في اليوم الثالث … كان الشياطين الستة المسافرُون … قد أعدُّوا كل ما يَحتاجون من أدوات. وكان رقم «صفر» قد أخطرهم أن السيارات المطلوبة للرحلة والطعام والأسلحة قد أعدَّت في بنغازي، وهكذا في الصباح الباكر صباح الرابع كانوا يستقلُّون الطائرة ومعهم «جولد» إلى المدينة الليبية … ووصلُوا بعد ثلاث ساعات. وتوجهوا إلى «ليبيان بالاس»، وهو الفندق الذي سيقضون فيه ليلتهم الأخيرة بين الناس قبل أن يتوغلوا في الصحراء الليبية جنوبًا إلى القرى الصغيرة المتناثرة جنوبًا لجمع المعلومات المطلوبة … وقد أحضر لهم «مصباح» ما يحتاجونه من خرائط.
أوى الشياطين الستة إلى أَسرَّتهم مبكرين … وفي الخامسة صباحًا استيقظوا … وفي السادسة كانت السيارات الثلاث التي أُعدَّت لهم قد بدأت سيرها … وبعد ساعتين من السير خلفوا وراءهم مدينة بنغازي واستقبلوا الصحراء الواسعة المترامية الأطراف … وهم يسيرون بجوار ساحل البحر.