عمر باشا
هو نمساوي الأصل، وكان أبوه ضابطًا في الجند النمساوي، وُلد له هذا الغلام في بلاسكي على حدود بوسنة غربًا سنة ١٨٠٦ فسماه ميخائيل، وأدخله في المدرسة الحربية في بورن قرب كرستات وحب الجندية موروث فيه، فلم تمضِ مدة حتى تعيَّن في إحدى فرق الجند النمساوي وارتقى إلى درجة معاون في مساحة الطرق والجسور، وفي الثامنة والعشرين من عمره نزح من وطنه وترك منصبه فيه، وجاء بوسنة العثمانية فاعتنق الدين الإسلامي لسبب لا نعلمه وسمى نفسه عمر، وتولى تعليم أبناء بعض تجار الأتراك هناك، ثم زار الآستانة ومعه تلامذته ففُتح له باب التدريس في مدرسة للعسكرية أنشأتها الدولة هناك، وكان ناظر الجهادية يومئذٍ خسرو باشا، فأنس في ذلك الشاب اقتدارًا عسكريًّا فأضافه إلى أركان حربه وجعله تحت عنايته، وقدمه في مصالح الدولة فأدى خدمات حسنة في إمارات الدانوب، ثم سعى له في وظيفة تعليم في البلاط السلطاني فتعيَّن مدرسًا للسلطان عبد المجيد قبل توليه السلطنة، وفي سنة ١٨٣٩ كان عمر باشا في جملة ضباط الحملة التي أنفذتها الدولة لمحاربة إبراهيم باشا المصري في الشام، وبعد ثلاث سنوات تعيَّن قومندانًا عسكريًّا في إحدى ولايات سوريا.
وفي سنة ١٨٤٨ أرسلت روسيا جندًا لإخماد ثورة المجريين فدخل جندها بلد الفلاخ، فتعيَّن عمر باشا قائدًا لجند عثماني أقام هناك للمراقبة، ثم انتدبه الباب العالي لإقماع بعض ولاة البوسنة فأقمعهم وعادوا إلى كنف الدولة، وفي سنة ١٨٥٣ سار في عشرين ألف جندي لمحاربة رجال الجبل الأسود وإرجاعهم إلى الطاعة ففاز بذلك فوزًا عظيمًا، فانتدبه الباب العالي لقيادة الجند العامة في البلغار، وكان على ضفة الدانوب الأخرى جند الروس بقيادة البرنس غورتستاكوف الشهير، وحدث بين الجندين والقائدين حركات عسكرية ومناورات دلت على مهارة عمر باشا في الجندية حتى بهر البرنس المشار إليه، على أنه ما زال يحاربهم والنصر رفيقه في أكثر المواقع حتى اضطروا إلى الانسحاب عن ضفاف الدانوب، وتعيَّن سنة ١٨٥٥ في حرب القرم المشهورة فغلب الروسيين في بوباتوريا غلبًا صريحًا فانتدبته الدولة لإنقاذ الفرس، ولكنها سلمت قبل وصوله.
وبعد الفراغ من الحروب تعيَّن واليًا في بغداد، ولكنه ساء الحكومة وأغضب الباب العالي فنُفي ثم أعيد في السنة التالية، وفي سنة ١٨٦١ انتدبه الباب العالي لإخماد ثورة البوسنة والهرسك ففعل، وهاجم الجبل الأسود وافتتح أعظم مدنه، وفي سنة ١٨٦٩ تقاعد عن الأعمال العسكرية وقد نال رتبة الوزارة وصار من مشيري الدولة حتى تُوفِّي سنة ١٨٧١ وقد نال أعظم الرتب العسكرية العثمانية، ونال من روسيا رتبة فارس من صنف القديسة حنة، وكانت له منزلة رفيعة لدى رجال الحرب، ولكنه كان شديد البطش صعب المراس، وذلك شأن رجال العسكرية على الأكثر.